السفر عبر الزمن و نظريات العلماء
مشاهدة المرفق 45694
فكرة السفر عبر الزمن هي فكرة فلسفية قبل كونها فكرة علمية و ظلت في عقول البشر عبر العصور
, و الفكرة ظهرت في حياة البشرية عن طريق عدد من الروايات و الأساطير و أفلام السينما
, حيث كان البشر مهووسين بفكرة التنقل عبر الأزمنة
.
فمثل أي نظرية تبدأ ببعض التخيلات و الفرضيات و بعدها تأخذ مسار علمي
, كان ذلك الحال أيضا مع فكرة السفر عبر الزمن و تصادف ظهور مبادئ علمية في
نظرية النسبية و نظريات
ميكانيكا الكم تناقش موضوع نسبية الزمن و تغيره من مكان لآخر و التي تشبه كثيرا الأفكار المطروحة في الكتب و الروايات
.
و مع التقدم التكنولوجي و تطور النظريات تغيرت نظرتنا للكون و أصبحت فكرة عبر الزمن مقبولة من بعض المفكرين و العلماء
, فأخذت حيزا كبيرا في المجتمع العلمي بشكل عام و لم تعد الفكرة مقتصرة علي الرويات و الأفلام فقط
.
مشاهدة المرفق 45695
بعد إطلاق ألبرت أينشتاين لنظرية النسبية استطاع تغيير الكثير في الفيزياء و هو الذي أضاف عنصر الزمن كبعد رابع بالإضافة للأبعاد
الثلاثة و هم الطول و العرض و الارتفاع
, حيث قال أن الزمن مهم في وصف كامل للأجسام فمثلا
: كما أن طول الإنسان و ارتفاعه و عرضه هي أشياء مهمة في وصفه فكذلك عمر الإنسان و الزمن الخاص به هو شيء في غاية الأهمية لوصفه بالكامل و لا يمكن الاستغناء عنه
, فبالتالي أصبح الزمن مرتبطا ارتباطا تاما بالأبعاد المكانية الثلاثة
.
و قد تتسائل
: ما علاقة كل ذلك بالسفر عبر الزمن ؟
الفكرة ببساطة هي
: أنه كما يمكننا التحرك في الأبعاد المكانية بكل حرية مثل حركتنا لليمين و اليسار و الأعلي و الأسفل
, فمن نفس المنطلق نستطيع التحرك بنفس الكيفية عبر الزمان و ننتقل من زمن لآخر و من عصر لآخر
, و لكن الشرط اللازم للسفر عبر الزمن هو التحرك بسرعات تصل لسرعة الضوء
.
بما أن الفرضيات تظل فرضيات حتي يتم إثباتها بالتجارب العلمية
, ففرضيات السفر عبر الزمن أثبت بعضها في العصر الحديث حيث أن العلماء استطاعوا بالفعل تسريع جسيمات مثل الإلكترونات و البروتونات لسرعات مهولة تقترب من سرعة الضوء و لاحظوا أن مع زيادة السرعة زادت الكتلة و التي تتفق تماما مع نسبة الزيادة التي تتنبأ بها معادلات أينشتاين مما جعل فرضيات عبر الزمن صحيحة نظريا
.
استخدام الساعة الذرية :
واحدة من التجارب التي أجرت مؤخرا كانت تجربة تم إجراؤها باستخدام
الساعات الذرية ( و هي ساعات دقيقة جدا حيث يصل مقدار الخطأ ثانية واحدة كل 30 مليون سنة تقريبا وفقا للإحصائيات الحديثة ) , حيث أنهم استخدموا في التجربة ساعتين ذريتين لهما نفس التوقيت فوضعوا إحداهما في صاروخ تم إطلاقه بسرعة كبيرة جدا و تركوا الأخري علي الأرض
, و عندما رجع الصاروخ مرة أخري وجدوا أن الساعة التي كانت علي الصاروخ حدث بها تأخير في الوقت مقارنة بالساعة الموجودة علي الأرض و بالرغم أن التأخير كان ضئيلا جدا لا يتعدي جزء من الثانية إلا أنه يعتبر دليل قاطع علي صحة معادلات
أينشتاين و علي إمكانية حدوث تغير في الزمن من مكان لآخر و من حالة لحالة أخري
.
رغم أن نظرية النسبية تعتبر أكبر مساند لفكرة التنقل عبر الزمن إلا أنها تنفي إمكانية الرجوع بالزمن و السفر للماضي
, فوفقا لنسبية
أينشتاين يمكننا السفر للمستقبل فقط و حدوث تباطئ في زمن الأجسام
, أما العودة للزمن فهي فكرة مرفوضة تماما في النظرية النسبية لأن النسبية لا تعترف بوجود صورة سالبة للزمن و وفقا لمعادلات النسبية فإنه كلما زادت سرعة الجسم و اقتربت من سرعة الضوء كلما قل الزمن الخاص بذلك الجسم حتي يتوقف عند وصوله لسرعة الضوء و إذا تعدت سرعته سرعة الضوء سيرجع الزمن للماضي و ذلك مستحيل حدوثه فوفقا لمعادلات
أينشتاين لا يمكن لأي جسم أن يتعدي سرعة الضوء طالما أن لذلك الجسم كتلة
.
السفر عبر الزمن وفقا لمعادلات
أينشتاين هو أمر صعب تطبيقه أما الرجوع بالزمن هو أمر مستحيل حدوثه
, إلا أنه ظهرت بعض النظريات إدعت أن ذلك ممكن لأنها ابتعدت بشكل كلي عن التحرك بسرعة الضوء و عن الحركة من الأساس و اعتمدت علي وجود الثقوب السوداء
( الثقب الأسود هو نجم ضخم انفجر و انكمش لينهار علي نفسه و يمتلك قوة جاذبية ضخمة تبتلع الكواكب و النجوم و حتي الضوء ) , و ظهرت فكرة الثقوب السوداء عام
1916 بعد عام واحد من ظهور
نظرية النسبية العامة و هذه الفرضية مرت بعدة تطورات حتي انتهت بفكرة أن الثقب الأسود موجود علي انحناء شديد في شبكة
الزمكان و يبرط بين شبكتين مختلفتين من شبكات الزمكان و كأنه نفق متصل بكونين مختلفين
, فأي جسم سيتمكن من المرور عبر الثقب الأسود و يتجاوز الاصطدام بمركز الثقب سيخرج من الناحية الأخري و يصل لفجوة زمنية مختلفة
.
نظرية الثقوب السوداء
هي إحدي النظريات التي ناقشت السفر عبر الزمن و التي لاقت شعبية كبيرة من عوام الناس لأن النظرية تسمح بالسفر للماضي و المستقبل علي عكس نظريات
أينشتاين التي اقتصرت علي الإنتقال للمستقبل فقط
, و لكن الفرضية كانت تعاني العديد من الثغرات و أحد تلك الثغرات أن أي جسم سيمر داخل الثقب الأسود لن يستطيع الخروج منه و سيصطدم بمركز الثقب و التي تسمي
بـ نقطة الانسحاق و التي ينهار أي جسم يصطدم بها
, و لكن عام
1963 نشر العالم
روي كير حلول لتلك المشكلة و قال أن الثقوب السوداء هي ثقوب دودية و تتحرك من الداخل علي هيئة مسارات دائرية شبيهة بحركة المجرات أو حركة الكواكب حول نجومها و بالتالي توجد الإمكانية في تجنب مركز الثقب
.
الفيزيائي
ستيفن هوكينغ المشهور بأبحاثه عن الثقوب السوداء و لكنه من المعارضين لفكرة وجود آلة زمن أو فكرة الرجوع للماضي
, بالإضافة أنه يري أن العودة للماضي هو تحايل علي الطبيعة
, و أراد أن يثبت وجهة نظره بطريقة غريبة حيث أنه قام بعمل تجربة فلسفية لكي ينفي قدرة السفر للماضي حيث أنه أقام حفلة يوم
28 يونيو 2009 دون أن يخبر أحد و أرسل دعوات حضور الحفل بعد انتهاء الحفل بيوم واحد
( 29 يونيو ) , و عندما سأل عن السبب قال
: لو كان السفر للماضي شيئ ممكن لكان جاء زائر من المستقبل ليحضر الحفل و لكنه لم يأت أحد
.
مشاهدة المرفق 45697
الفيزيائي كورت غودل مع ألبرت أينشتاين
نظرية الأوتار الكونية
هي إحدي نظريات السفر عبر الزمن و التي تدعي أن الكون كله عبارة عن أوتار طاقة متناهية الصغر و هي وحدة بناء الذرات و الإلكترونات
, و إذا حدث تقاطع بين وترين كونيين بسرعات معينة سينشأ مدار زمني منغلق بين فترتين زمنيتين مختلفتين و من خلاله سيحدث انتقال بين الأزمنة
, و أثبت العالم
كورت غودل بعض الفرضيات المتعلقة بالنظرية عام
1949 , و رغم أن نظرية الأوتار مقبولة عند البعض إلا أنها لا زالت في حيز الفرضيات و لا زالت تحتاج لأدلة
.
فكرة السفر للماضي تعتبر المعضلة الأكبر في المجتمع العلمي مقارنة بالسفر للمستقبل لأن السفر للمستقبل تم إثبات حدوثه بالفعل كما قلنا في مثال
( الساعة الذرية و الصاروخ ) , أما السفر للماضي لا يزال عائقا و لم يستطع أحد إثباته
, أحد الفرضيات التي تم طرحها عن السفر للماضي تقول أنه سيحدث الكثير من التناقضات في حالة عودة شخص للماضي لأنه سيغير في أحداث الماضي و بالتالي سيؤثر علي أحداث المستقبل فإذا مات المسافر للماضي في الماضي لن يكون له وجود في المستقبل
, و لكن اقترح البعض حل لذلك التناقض من خلال مفهوم
( المسارات المتوازية للتاريخ ) فإذا سافر شخص ما للماضي و أحدث بعض التغييرات المؤثرة في المستقبل سيخلق مستقبل جديد في كون موازي و لكن مستقبل الشخص نفسه لن يتغير في كونه
, و لكن هذا ليس له أي أساس من الصحة
.
بالرغم من أن السفر عبر الزمن في العصر الحالي تم شرحه بطرق علمية من العلماء إلا أنه لا زالت بعض الأسئلة الفلسفية التي ليس لها أي إجابة مثل
: لو كان هناك بالفعل إمكانية للسفر عبر الزمن لماذا لا يوجد زوار من المستقبل ؟ , و هل من الممكن للشخص المسافر في المستقبل أن يعيش في زمن أحفاده ؟ , و كيف يمكن من الأساس وجود كتلتين في زمنين مختلفين في الوقت ذاته ؟