نسيت ان اقول ايضاً ان النصارى اللبنانيين اطلقوا على إسم الخليج الضيق حيث تقول الاسطورة إنه قتل التنين إسم " خليج سان جورج "
في الواقع يوجد ايضاً بعض الروايات الشعبية " الاسلامية غير الشيعية في بلاد الشام نتيجة التعايش مع النصارى و غير المسلمين هناك و التي تتحدث عن الخضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما لا شك فيه أن المؤرّخين المسلمين قد تعرّفوا على شخصية القديس (جرجيس) من خلال القصص والسرديات الكثيرة التي سمعوها عنه من جانب المسيحيين الذين تعاملوا معهم في البلاد ذات الخلفيّة الثقافيّة المسيحيّة، وبالأخصّ في بلاد الشام ومصر وآسيا الصغرى. وكعادتهم، في محاولة تفسير القصص الديني السابق للإسلام وفق رؤية ومخيلة منبثقة عن العقائد الإسلامية، فإن سيرة مارجرجيس قد وردت في المدوّنات الإسلامية بشكل يختلف كثيراً عن سرديّتها التقليدية في العالم المسيحي. ويلاحظ أن معظم الروايات الإسلامية التي تطرّقت للحديث عن جرجيس، قد اختلفت عن المصادر المسيحيّة في عدة أمور رئيسة، منها أنها أظهرته على كونه نبياً، وأيضاً أنها قدّمت من الفترة التاريخية التي ظهر فيها، ليصبح معاصراً للحواريين. تعرّض الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"، بشكل سريع لقصّة جرجيس، فقدّمه في صورة نبي من الأنبياء، ونقل على لسانه الكثير من الجمل التي تتماشى مع السرديّة الإسلاميّة التقليديّة، من ذلك أن الملك الكافر لما سأل جرجيس أن يعرّفه بنفسه، قال له "أنا عبد الله وابن عبده وابن أَمَته، أذلّ عباده وأفقرهم إليه، من التراب خلقت، وفيه أصير..."، وكذلك أن جرجس لما دعا الله في عذابه الأخير، قال: "اللهم أنت الذي أكرمتني بهذا البلاء لتعطيني به فضائل الشهداء، اللهم فهذا آخر أيامي الذي وعدتني فيه الراحة من بلاء الدنيا، اللهم فإن أسألك ألا تقبض روحي ولا أزول من مكاني هذا حتى ينزل بهؤلاء القوم المتكبّرين من سطواتك ونقمتك، ما لا قبل لهم به، وما تشفي به صدري وتقرّ به عيني، فإنهم ظلموني وعذبوني". أما المسعودي في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، فلم يقطع بنبوّة جرجيس، وذكر قصته على نحو مقتضب، فقال: "أن ممن كان في الفترة بعد المسيح عليه السلام: جرجيس، وقد أدرك بعض الحواريين فأرسله إلى بعض ملوك الموصل، فدعاه إلى الله عز وجل، فقتله، فأحياه الله وبعثه إليه ثانية، فقتله، فأحياه الله، فأمر بنشره ثالثة وإحراقه وإذرائه في دجلة، فأهلك الله عز وجل ذلك الملك وجميع أهل مملكته ممن اتبعه". ويذكر أبو إسحاق النيسابوري الثعالبي، قصة القدّيس جرجيس في كتابه "عرائس المجالس"، على نحو من التفصيل، فيقول إنه لبث في سجن الملك لمدة سبعة أعوام كاملة، وأنه قُتل في تلك الفترة أربعة مرات، وأن الله ردّ إليه روحه في المرات الثلاث الأولى.
ويظهر التأثر بالثقافة الإسلاميّة واضحاً بشكل كبير في طريقة حكاية الثعالبي لقصّة جرجيوس، ذلك أنه أثناء مناقشته مع الوثنيين، طلب منه أحدهم أن يعيد الكراسي والمائدة إلى سيرتها الأولى، فتحولت تلك الأشياء إلى أشجار مزهرة مخضرة، وهو ما يأتي متسقاً مع التحدّي الإلهي الوارد في سورة يونس "إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ". ونلاحظ أيضاً أن قصة جرجيس في المدوّنة الروائيّة الشيعيّة، قد حوت بعض التفاصيل التي تتوافق مع أصول ومعتقدات المذهب الشيعي، ويظهر ذلك في رواية أوردها المجلسي (1111هـ) في كتابه "بحار الأنوار"، ذكر فيها أن جرجيس لما ناظر الملك الظالم قال له فيما قال: "بعثني الله ليحتجّ بي عليكم..."، وهو القول الذي يتماشى ويتسق مع مفهوم الحجّية، التي يبني عليها الشيعة الإماميّة نظريتهم في الإمامة. أيضاً نلاحظ أن بعض الاتجاهات الشعبية عملت على الدمج ما بين مارجرجس والخضر، حيث ربط البعض بين قرية الخضر الواقعة بالقرب من بيت لحم في فلسطين من جهة ودير مارجرجس الكبير الموجود في تلك القرية من جهة أخرى، واعتبر أنّ الاسمين يشيران لشخصيّة تاريخيّة واحدة، خصوصاً أن كلاً من مارجرجس والخضر قد نُسبت إليهم الكثير من الخوارق والمعجزات، في الثقافتين المسيحيّة والإسلاميّة على الترتيب.
" محمد يسري "
باحث في التاريخ الإسلامي والحركات السياسية والمذهبية