وقائع القتل الجماعي الأخرى التي ارتكبها نظام السيسي
سبقت عمليات فض الاعتصامين في رابعة والنهضة، وتلتها، وقائع أخرى من القتل الجماعي للمتظاهرين، ففي يوليو/تموز وأغسطس/آب، فيما كان متظاهرون ينظمون مسيرات في أنحاء القاهرة رداً على خلع الجيش لحكومة مرسي، قامت قوات الأمن مراراً باستخدام القوة المفرطة في الرد على المظاهرات، وقتلت عمداً ودون تمييز ما لا يقل عن 281 متظاهراً في وقائع مختلفة، منفصلة عن عمليات الفض في 14 أغسطس/آب، وذلك بين 5 يوليو/تموز و17 أغسطس/آب 2013.
في أولى هذه الوقائع، يوم 5 يوليو/تموز، أطلق جنود طلقات حية على متظاهرين تجمعوا أمام مقر الحرس الجمهوري بطريق صلاح سالم شرقي القاهرة، حيث ظن المتظاهرون أن مرسي محتجز هناك. قتل الجنود ما لا يقل عن 5 متظاهرين، وبينهم متظاهر كان يحاول وضع ملصق لمرسي على سور خارج المقر.
وبعد 3 أيام، في 8 يوليو/تموز، قامت وحدات من الجيش بفتح النيران على حشود من مؤيدي مرسي المشاركين في اعتصام سلمي أمام مقر الحرس الجمهوري نفسه، فقتلت 61 متظاهراً وفق مصلحة الطب الشرعي، كما قُتل اثنان من الضباط في مسرح الأحداث. بدأ الهجوم عند الفجر واستمر طوال الساعات الست التالية. واستخدم الجنود، والقناصة المتمركزون على أسطح المباني العسكرية، ذخيرة حية في إطلاق النار على المتظاهرين المحتشدين وكذلك الخارجين من مسجد قريب بعد أداء صلاة الفجر. قام بعض المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، واستخدمت قلة منهم أسلحة نارية، لكن شهوداً قالوا إن الأغلبية الساحقة من المتظاهرين كانوا عزلاً من السلاح. واستناداً إلى تحقيقات هيومن رايتس ووتش، وجدت المنظمة أن أغلبية عمليات القتل كانت غير مشروعة. في أعقاب الواقعة، رفض الجيش الاعتراف بأي خطأ من جانب قواته أو الشرطة، قائلاً إن المتظاهرين خططوا للهجوم على مقر الحرس الجمهوري. وقال الرئيس المؤقت عدلي منصور إنه سيشكل هيئة قضائية للتحقيق في الواقعة لكنه أخفق في هذا حتى ترك منصبه في 8 يونيو/حزيران 2014.
في واقعة أخرى يوم 27 يوليو/تموز، بعد ساعات من خروج آلاف المصريين إلى الشوارع في مظاهرة منسقة بإيعاز من عبد الفتاح السيسي، لمنح الحكومة "تفويضا بمحاربة الإرهاب"، انتشرت الشرطة المصرية لإيقاف مسيرة لبضع مئات من مؤيدي الإخوان الخارجين من اعتصام رابعة إلى طريق النصر في اتجاه كوبري 6 أكتوبر. وعلى مدار ما لا يقل عن 6 ساعات، قامت الشرطة بالاشتراك مع مسلحين بثياب مدنية يتحركون بالتنسيق مع قوات الأمن، قامت بإطلاق النار وقتل 95 متظاهراً، بحسب مصلحة الطب الشرعي. وقتل رجل شرطة واحد في الاشتباكات. خلص تحقيق هيومن رايتس ووتش في تلك الواقعة، الذي شمل التواجد في المستشفى الميداني عند جلب القتلى والجرحى، إلى أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة المتعمدة ضد متظاهرين سلميين في معظمهم. وأفاد أفراد من الطاقم الطبي بأن غالبية إصابات الرصاص كانت في الرأس والعنق والصدر، مما يشير إلى نية القتل. استنتج أحد الأطباء في مسرح الأحداث، من طبيعة الجراح، أن إطلاق النار صدر حتماً من مدى قريب. وفي موعد لاحق من نفس اليوم أصر وزير الداخلية " أؤكد لكم أننا كرجال شرطة لم نرفع السلاح يوماً على صدر أي متظاهر".
وبعد يومين من فض اعتصامي رابعة والنهضة، في 16 أغسطس/آب، فتح رجال شرطة قسم الأزبكية، بحي العباسية في وسط القاهرة، فتحوا النار على مئات المتظاهرين الذين كانوا قد تجمعوا عقب صلاة الجمعة كجزء من "يوم للغضب" دعا إليه مؤيدو الإخوان المسلمين احتجاجاً على فض الاعتصامين وخلع مرسي. وفي سياق الساعات الست التالية قتل ما لا يقل عن 120 متظاهراً وشرطياً واحداُ، وفق مصلحة الطب الشرعي. كما حددت النيابة هوية اثنين من الشرطة قتلا. قال أحد كبار الضباط بقسم الشرطة لـ هيومن رايتس ووتش إن مسلحين اعتدوا على قسم الشرطة، مما أدى إلى الرد الحكومي. ورغم أن مهاجمة مسلحين لقسم شرطة قد تبرر استخدام القوة المميتة، إلا أن أعداد المتظاهرين القتلى، وأقوال الضحايا والشهود، وبينهم مراقبون مستقلون، ومقاطع الفيديو تظهر كلها إطلاق الشرطة العمدي للنيران على متظاهرين سلميين في معظمهم. قال شهود رأوا الجثث والجرحى في المستشفيات والمشارح، وبينهم عاملون بالحقل الطبي وصحفيون، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً كبيراً من المتظاهرين تعرض لجراح في الرأس والعنق وأعلى الجسم، مما يثير التساؤلات عما إذا كان رجال الشرطة يطلقون النيران بقصد القتل.
شارك الجيش والشرطة معاً في الهجوم على المتظاهرين، وقامت وحدات الجيش بدور أساسي في مواجهة المتظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري يومي 5 و8 يوليو/تموز، رغم مشاركة الشرطة أيضاً. وقامت الشرطة بتفريق مسيرة يوم 27 يوليو/تموز أمام النصب التذكاري، وتفريق مظاهرة 16 أغسطس/آب في ميدان رمسيس. كما اضطلعت الشرطة، بما فيها قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة، بدور قيادي في فض رابعة والنهضة، رغم قيام الجيش بدور حاسم. قامت قوات الجيش بتأمين المداخل ومنع المتظاهرين من الدخول أو الخروج، كما شغلت بعض الجرافات التي فتحت الطريق أمام زحف الشرطة، وأطلقت المروحيات، ومنها طائرات "الأباتشي"، التي حامت فوق المنطقة، وفتحت قاعدة عسكرية تجاور منطقة رابعة للقناصة؛ بينما قاد ضباط الشرطة عملية الزحف على منطقة رابعة ويبدو أنهم المسؤولون عن أغلب القوة التي تم استخدامها هناك.
تسمح المعايير القانونية الدولية بالاستخدام العمدي للقوة المميتة في مواقف حفظ الأمن في ظروف محددة حيثما شكلت ضرورة قصوى لحماية الأرواح. ورغم أن أجهزة الأمن قد يجوز لها استخدام قدر من القوة لوقف هجوم مسلح من جانب متظاهرين أو حتى لتفريق مظاهرات تمثل خطراً على الأمن العام، إلا أنه لا يوجد مبرر لأسلوب ونطاق العنف الذي تم استخدامه. وقد وقع على مخططي عمليات الفض واجب مشدد بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات المعقولة لضمان انطواء العمليات على أدنى خطر ممكن على الأرواح، وهو ما أخفق المخططون في القيام به.
علاوة على هذا فإن الاستخدام الممنهج، واسع النطاق للقوة المميتة من جانب قوات الأمن المصرية، المؤدي إلى وفاة ما يزيد على ألف متظاهر، وعلى نحو لم يتحسب له قادة الحكومة المصرية فقط بل إنهم خططوا له أيضاً، يمثل على الأرجح جرائم ضد الإنسانية. إن عمليات القتل الجماعي في منطقتي رابعة والنهضة تتفق مع نمط ممارسة قوات الأمن الحكومية لقتل المتظاهرين على نحو ممنهج وواسع النطاق، النمط الذي شوهد طوال يوليو/تموز وأغسطس/آب في أعقاب خلع مرسي. والحظر المفروض على الجرائم ضد الإنسانية من المبادئ الأكثر أساسية في القانون الجنائي الدولي، ويمكن أن يشكل أساساً للمسؤولية الجنائية الفردية أمام منتديات دولية وكذلك في المحاكم الداخلية في العديد من البلدان بموجب مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.
ويعمل هذا التقرير على تحديد المسؤولين الأمنيين والقادة المحوريين الأرفع رتبة في سلسلة القيادة الذين ينبغي التحقيق معهم، ومحاسبتهم فردياً حيثما توافرت الأدلة على مسؤوليتهم، عن تخطيط وتنفيذ عمليات القتل الممنهج وواسع النطاق للمتظاهرين، أو الإخفاق في منعها، في فترة يوليو/تموزـأغسطس/آب 2013، بمن فيهم:
- وزير الداخلية محمد إبراهيم الذي صاغ خطة الفض وأشرف على تنفيذها وأقر بأنه "أمر القوات الخاصة بالتقدم وتطهير" مبان محورية في قلب منطقة رابعة.
- وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الذي اضطلع بدور قائد للقوات المسلحة التي فتحت النار على متظاهرين في 5 و8 يوليو/تموز، وأشرف على الأمن في البلاد بصفته نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، وأقر بقضاء "أيام طويلة للتناقش في كافة تفاصيل" فض رابعة.
- رئيس وقائد القوات الخاصة في عملية رابعة مدحت المنشاوي الذي تباهى بإبلاغ الوزير إبراهيم من منطقة رابعة في صباح 14 أغسطس/آب "سنهجم مهما كلفنا الأمر".
يشير التقرير أيضاً إلى أشخاص آخرين، من بينهم رئيس جهاز المخابرات العامة، محمد فريد التهامي، وثمانية من كبار مساعدي وزير الداخلية، وثلاثة من كبار قادة الجيش، والعديد من القادة المدنيين رفيعي المستوى، الذين تستحق أدوارهم في القتل الجماعي للمتظاهرين في يوليو/تموز-أغسطس/آب المزيد من التحقيق. وإذا ثبت تواطؤهم في تخطيط عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين أو تنفيذها أو الإخفاق في منع الجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم وكانوا يعلمون أو ينبغي لهم العلم بأمرها فإن محاسبتهم واجبة كذلك.
وقد شكلت الحكومة لجنة لتقصي الحقائق في عمليات القتل الجماعي، وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، المتمتع بصفة شبه رسمية، تقريراً عن تحقيقه الخاص في فض رابعة وأثبت فيه ارتكاب أخطاء. ومع ذلك فلم يصدر كشف حساب فعلي لما تم أو أي تحقيقات أو ملاحقات قضائية ذات مصداقية، ناهيك عن المحاسبة الفعلية. أما الشرطة والحكومة فهما ترفضان حتى اليوم الإقرار بأي خطأ من جانب أجهزة الأمن في فضها العنيف للاعتصامات أو غيرها من الاعتداءات على متظاهرين. في مؤتمر صحفي بتاريخ 14 أغسطس/آب، قال وزير الداخلية إبراهيم إن وزارته نجحت في تنفيذ فض اعتصامي رابعة والنهضة "دون خسائر" كما أشار إلى "معدل الوفيات الدولي البالغ 10 بالمئة عند تفريق الاعتصامات غير السلمية"، مما ليس له وجود في الواقع. وبعد أيام وزعت وزارة الداخلية على جميع الضباط المشاركين في الفض مكافأة على جهودهم. وقد أخفقت السلطات حتى فبراير/شباط في مجرد الاعتراف باستخدام الذخيرة الحية في فض رابعة والنهضة. وأشاد سائر أعضاء الحكومة على نحو مماثل بقوات الأمن وأخفقوا في الإقرار بأي خطأ من جانب قوات الأمن.
رفضت الحكومة أيضاً إتاحة أية معلومات تقريباً عن عمليات الفض، حتى للمجلس القومي لحقوق الإنسان في تحقيقه. وقال ناصر أمين، عضو المجلس والمؤلف الأساسي لتقرير المجلس عن فض رابعة، على قناة "أون تي في" التلفزيونية إن وزارة الداخلية رفضت التعاون مع تحقيقه، بما في ذلك إخفاقها في تقديم خطتها للفض، وأوحى بأنها حاولت إخفاء الحقيقة. ورغم أن مقاطع الفيديو التي تصور مروحيات ومبان تطل على ميدان رابعة تظهر قوات الأمن وهي تسجل عملية الفض، إلا أن وزارة الداخلية أفرجت بطريقة انتقائية فقط عن تلك المقاطع التي تشير إلى عنف من جانب المتظاهرين.
ويتسم تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن فض رابعة، المنشور في 16 مارس/آذار، بأوجه قصور منهجية لا يستهان بها تقوض مصداقية نتائجه إلى حد بعيد، فهو يعتمد بوجه خاص على شهادات سكان محليين، مناوئين في معظمهم للإخوان المسلمين، ولا يكاد يستعين بأقوال المشاركين في الاعتصام، ممن كانوا الشهود والضحايا الرئيسيين. ومع ذلك فقد خلص تقرير المجلس إلى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة يوم 14 أغسطس/آب وخطّأ قوات الأمن في عدم كفاية ما قدمته من تحذيرات، وإخفاقها في توفير مخرج آمن طوال قسم كبير من اليوم. كما دعا التقرير إلى فتح تحقيق قضائي متكامل في عملية الفض لتقديم تعويضات للضحايا.
وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تقم النيابة بتحقيق جدي مع أفراد الشرطة أو الجيش على خلفية قتل متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، لكنها بالغت في التحقيق مع المتظاهرين على ذمة اشتباكات مع قوات الأمن. وشرعت النيابة في إجراءات جنائية بحق ما يفوق الألف من المتظاهرين والمارة المحتجزين من فض اعتصامي رابعة والنهضة وحدهما، ويواجه كثيرون منهم أحكاما مطولة بالسجن.
وبعد مرور عام على عمليات الفض، أخفقت السلطات في محاسبة رجال الشرطة والجيش المسؤولين عن الاستخدام المتكرر للقوة المميتة والمفرطة والاعتداء العشوائي عديم التمييز على متظاهرين. في 19 مارس/آذار طلب الرئيس السابق منصور من وزارة العدل فتح تحقيق قضائي في فض اعتصامي رابعة والنهضة. إلا أن وزارة العدل أعلنت أنها لن تخصص قاضياً للتحقيق في تلك الأحداث بما أن التحقيقات من اختصاص النيابة العامة، التي تقول بدورها إنها تحقق فيها بالفعل. ولكن بعد مرور ما يقرب من عام، لم تقم النيابة حتى الآن بتوجيه أي اتهام إلى أو إحالة فرد واحد من أفراد الأجهزة الأمنية إلى المحاكمة بتهمة الاستخدام غير المشروع لأسلحة نارية ضد متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013.
وبعد 5 شهور من وعده، أعلن منصور في ديسمبر/كانون الأول 2013 عن إنشاء "لجنة تقصي حقائق وطنية مستقلة لجمع المعلومات والأدلة المصاحبة لثورة الثلاثين من يونيو 2013 وتداعياتها". إلا أن اللجنة مارست أعمالها دون شفافية تذكر، ولن تنشر ما تتوصل إليه، وفق تفويضها. كما أن المرسوم المنشئ للجنة أخفق أيضاً في منحها السلطة اللازمة لإجبار الشهود، بمن فيهم مسؤولي الحكومة، على الإدلاء بشهاداتهم أو لاستدعاء معلومات، مما يثير التساؤلات عن نوعية المعلومات التي اعتمدت عليها في تحقيقها.
وقد واصلت السلطات المصرية، منذ أحداث يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، قمع المعارضة بوحشية بالغة، ورغم تركيزها البالغ على الإخوان المسلمين، أكبر جماعات المعارضة السياسية في البلاد، إلا أن السلطات استهدفت أيضاً جماعات وأفراد آخرين من المعارضة. واستمرت قوات الأمن في استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين، بما في ذلك قتل 75 متظاهراً في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2013، و64 في 25 يناير/كانون الثاني 2014، بحسب مصلحة الطب الشرعي. ويعمل قانون للاجتماعات العامة تم تبنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على تخويل وزارة الداخلية سلطة التفريق بالقوة لمظاهرات سبقت لها الموافقة عليها، واعتقال المتظاهرين على أسس غامضة من قبيل "محاولة التأثير على سير العدالة" أو "تعطيل مصالح المواطنين". وقد اعتقلت السلطات، استناداً إلى أرقامها هي نفسها، ما لا يقل عن 22 ألفاً من الأشخاص منذ 3 يوليو/تموز، وجاء اعتقال الكثيرين بتهم تتعلق بممارستهم لحقوق أساسية أو الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنتها الحكومة جماعة إرهابية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013. وتقوم النيابة على نحو روتيني بتمديد أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة بحق محتجزين على أساس أدلة واهية لا تكاد تجيز الملاحقة، مما يجعلها فعلياً تحتجزهم تعسفاً لمدة شهور متصلة، كما قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش. كما أن الكثير من القضايا التي أحيلت إلى المحاكمة مشوبة بانتهاكات جسيمة للحق في سلامة الإجراءات، بما فيها محاكمات جماعية أخفقت في تقييم الذنب الفردي لكل متهم على حدة، وأدت مع ذلك إلى أحكام مطولة بالسجن أو حتى الإعدام لمئات من المتهمين.
وتجدد هيومن رايتس ووتش نداءات سبق لها التقدم بها طوال العام الماضي إلى النائب العام لفتح تحقيق مدقق ومستقل ومحايد في وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، وملاحقة من يثبت عليهم ارتكاب انتهاكات. توضح التصريحات الحكومية أن عمليات الفض يوم 14 أغسطس/آب والاعتداء على المتظاهرين قبله وبعده كانت بأوامر من الحكومة. وبذا يتعين على التحقيقات النظر في المسؤولين ضمن سلسلة القيادة، وبينهم وزير الداخلية محمد إبراهيم، ووزير الدفاع في ذلك الوقت والرئيس الحالي السيسي، لضمان تقديم جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى العدالة بصرف النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي.
وكذلك يجب على الحكومة المصرية الجديدة الإقرار بما ارتكبته من انتهاكات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، وتوفير تعويضات عادلة لعائلات الضحايا، والتعهد بإجراء إصلاح جاد للقطاع الأمني يؤدي إلى قوة شرطية تتصرف بمقتضى المعايير الدولية بشأن استخدام القوة عند حفظ الأمن أثناء التظاهر مستقبلاً.
وفي ضوء إخفاق السلطات المصرية حتى الآن في إجراء تحقيقات، واستمرار تفشي الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة المستمرة، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو الدول الأعضاء بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إنشاء لجنة تقصي حقائق للتحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي تفويض اللجنة للتثبت من الوقائع وتحديد المسؤولين بهدف ضمان المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات، علاوة على جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من طرف مؤسسات قضائية ذات مصداقية. ويأتي هذا النداء في أعقاب إعلان مشترك تقدمت به 27 دولة أثناء جلسة مجلس حقوق الإنسان المنعقدة في مارس/آذار، ووردت فيه الحاجة إلى "المحاسبة" على العنف و"تقديم المسؤولين عنه إلى العدالة".
تدعو هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى التحقيق مع المتورطين في تلك الأفعال وملاحقتهم أمام محاكم وطنية بموجب مبدأ شمولية الاختصاص ووفق القوانين الوطنية.
لقد أصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السواء انتقادات علنية لأعمال القتل الجماعي في مصر، فعلى سبيل المثال قامت كاثرين آشتن، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، في 21 أغسطس/آب 2013 بوصف عمليات الفض بـ"عدم التناسب"، ووصف "عدد الأشخاص الذين قتلوا" بأنه "يثير الانزعاج". ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي واصل، مع دول أخرى، توفير الدعم لمصر. قامت الولايات المتحدة بتعليق جانب من مساعداتها العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، في انتظار استيفاء الشرط المنصوص عليه في تشريعاتها، بأن تلبي مصر شروطاً معينة في مجال الحقوق والتطور الديمقراطي. لكن واشنطن أعلنت في أبريل/نيسان 2014 عن عزمها الإفراج عن 10 طائرات "أباتشي" ومبلغ 650 مليون دولار من المعونة العسكرية على أساس المصالح الأمريكية في مكافحة الإرهاب والأمن القومي. ومنذ ذلك الحين تم الإفراج عن قسم كبير من المعونة. وبالمثل علق الاتحاد الأوروبي تصدير المعدات العسكرية إلى مصر في أغسطس/آب 2013، لكنه استبقى مرونة تسمح للدول الأفراد بمواصلة تزويد الحكومة بالسلاح وغير ذلك من المعدات.
وفي ضوء الانتهاكات المستمرة والقمع السياسي المشدد في مصر، وإخفاق الحكومة في التحقيق في أعمال القتال الجماعي للمتظاهرين بله ملاحقة المتورطين فيها، تدعو هيومن رايتس ووتش الدول إلى تعليق المعونة العسكرية وتعليق التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون والجيش المصرية حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان.
إن الرئيس السيسي يتولى حكم مصر دامية، تعج بالتحديات الاقتصادية والسياسية. ورغم الإغراء المتمثل في قلب الصفحة وإغضاء الطرف عن الانتهاكات السابقة، إلا أن المحاسبة مع الماضي تكمن في لب عملية المصالحة الوطنية التي تحتاج مصر لإتمامها حتى تستقر وتمضي إلى الأمام.
المصدر: منظمة هيومن رايتس ووتش