-طيب إبن تيمية لا يرى بالإحتفال حرج فما المانع أن تأخذ برأيه؟
يجب أن تقول لنفسك هذا الكلام
ابن تيمية لا وابن باز وابن عثيمين ومحمد بن عبدالوهاب نعم
شتان بين الثرى والثرية
النصوص التي يستدل بها هؤلاء من كلام شيخ الإسلام:
- قال في "اقتضاء الصراط المستقيم": "وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم(29) عيدًا محدثٌ لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-مَنِ اتخذ ذلك اليوم عيدًا، حتى يحدث فيه أعمالًا. إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع. وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين. ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا. وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع. وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده- فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. "(30).
- وقال بعدها: "وإنما كمال محبته (الرسول صلى الله عليه وسلم) وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد، والاجتهاد الذين يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً ..." (31).
- وقال أيضًا: "فتعظيمُ المولد، واتخاذُه موسمًا، قد يفعله بعضُ الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد. ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحفٍ ألفَ دينار، أو نحو ذلك فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد الورق والخط. وليس مقصود أحمد هذا، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كُرِهَ لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا بفسادٍ لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور: من كتب الأسمار أو الأشعار، أو حكمة فارس والروم"(32).
فهذه ثلاثةُ مواطن من كلام شيخ الإسلام يتعلَّق بها أهلُ الأهواء لترويج بدعتهم والتلبيس على الناس بأن ابْن تَيْمِيَّةَ يقول بجواز الاحتفال بالمولد وبأن فاعلَه مأجورٌ؛ لما له من حُسْنِ القصد والاجتهاد.
ولمناقشة هذه النصوص المشتبهة، نقول ابتداءً: إن كلام شيخ الإسلام بشأن إثابة الواقع في الاحتفال بذكرى المولد النبوي لا يدل على مشروعية هذا الاحتفال؛ إذ قد صرَّح بأنه "قد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحًا، ولا يكون عالمـًا أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده، ويُعفى عنه لعدم علمه. وهذا باب واسع. وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها، قد يفعلها بعض الناس، ويحل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها. ثم الفاعل قد يكون متأولا، أو مخطئا مجتهدا أو مقلدا، فيغفر له خطؤه ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع، كالمجتهد المخطئ"(33).
كما صرَّح(34) في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقةَ السلف الصالح ، وإنما ابتُلى به كثيرٌ من المتأخِّرين ، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه ، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه ، والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب"(35)، أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلام: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده..."، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب عليه ما هو أنكر منه ، يعني أن حسن نية هذا الشخص ـ ولو كان عملُه غيرَ مشروع ـ خيرٌ من إعراضه عن الدين بالكلية.
وقال شيخ الإسلام أيضًا: "من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع"(36).
فكلامُ شيخ الإسلام هنا لا يدل بحالٍ على تجويز بدعة الاحتفال بالمولد النبوي .