الأميرال
مراسلي المنتدى
- إنضم
- 10/2/19
- المشاركات
- 191
- التفاعلات
- 817
بسم الله الرحمن الرحيم
دول الخليج
التاريخ يتكرر.. صراعات فيم بينها
و انت تقرأ يمكنك استبدال فارس بايران و الشركة/بريطانيا بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا-
البحرين
البحــرين هــي أكبــر جــزر أرخبيــل البحــرين الــذي يتكــون مــن ثــلاث وثلاثــين جزيــرة، وهــو أكبــر مجموعـة جـزر فـي الخلـيج، ويقـع الأرخبيـل فـي وسـط الخلـيج تقريبـاً، وقـرب سـواحله الغربيـة، ومـن موقعها هذا تشرف البحرين على حركة الملاحة في الخليج.
ومنــذ ســنة 1622م، وبعــد تحــالف الشــاه عبــاس الصــفوي مــع شــركة الهنــد الشــرقية البريطانيــة لإخـراج البرتغـاليين مـن هرمـز، صـارت البحـرين و الزبـارة تابعـة لفـارس، والزبـارة منطقـة مرتفعـة تقـع شمال غرب شبه جزيرة قطر وتواجـه جزيـرة البحـرين، ومنـذ سـنة 1755م كـان يحكـم البحـرين باسـم فارس ، شيخ بوشهر: نصر آل مدكور، وهو من قبيلة المطاريش، عرب بوشهر.
وفــي ســنة 1766م، هــاجر آل خليفــة مــن الكويــت واســتقروا مــع شــيخهم أحمــد بــن خليفــة فــي الزبـارة، وآل خليفـة أحـد أكبـر فـروع قبائـل العتـوب، وهـي مجموعـة قبائـل نزحـت أوائـل القـرن الثـامن عشـر مـن نجـد إلـى السـواحل الشـرقية للخلـيج والكويـت، وأبرزهـا آل صـباح وآل خليفـة والجلاهمـة، وكانت ترتبط معاً بروابط النسب والمصاهرة. وكانت هجرة آل خليفة إلى ميناء الزبارة الـذي يقـع فـي مواجهـة جـزر البحـرين إثـر خـلاف بيـنهم وبــين آل صــباح، فقــوى شــيخهم أحمــد بــن خليفــة روابطــه بقبائلهــا، وصــاهر آل بــن علــي، وآعلــن طاعتـه لشـيوخ قطـر والزبـارة مـن آل مسـلم، وهـم فـرع مـن بنـي خالـد، وكـان يـدفع لهـم خراجـاً سـنوياً مقابـل ممارسـة التجـارة وصـيد اللؤلـؤ، وبنـى فـي الزبـارة بيتـاً حصـيناً علـى تلـة مرتفعـة فصـار يشـبه القلعة .
ومع الوقت أصبحت الزبارة مركزا وعبـر جزيـرة العـرب، ولتجـارة اللؤلـؤ، ً للتجارة القادمة من الهند وازداد نفوذ آل خليفة وثرواتهم، وهاجر إليهم الجلاهمة، وفـي سـنة 1779م اضـطربت الأحـوال فـي فـارس بعـد اغتيـال الشـاه كـريم خـان، فهـاجم آل خليفـة البحـرين واسـتولوا علـى بعـض السـفن، ومنهـا سـفينة الشـيخ نصـر حـاكم بوشـهر والبحـرين، وفـي سـنة 1782م شـن الشـيخ نصـر حملـة علـى آل خليفة في الزبارة، ولكنه لم يستطع اقتحام قلعتهم، وفي سنة 1783 هاجم آل خليفة والجلاهمة ومعهم قبائل شبه جزيرة قطر، هاجموا البحرين، وحاصروا حصن المنامـة حتـى استسـلمت حاميتـه الفارسـية، وضـم الشـيخ أحمـد بـن خليفـة البحـرين إلـى الزبـارة وبعد وفاته نقل أبناؤه وخلفاؤه مقر حكمهم إلى البحرين" .
أما عن علاقة شركة الهند الشرقية البريطانيـة بـالبحرين، فالشـركة تسـللت َ إلـى الخلـيج عبـر فـارس منـذ بـدايات القـرن السـابع عشـر، ويقـول مـؤرخ الخلـيج وعلاقـة الشـركة بـه، جون لوريمر ، في كتابه: دليل الخليج، إن: "البحرين كانت من أوائل الأماكن في الخليج الفارسي التـي جـذبت انتبـاه ممثلـي شـركة الهنـد الشرقية الإنجليزية، وفي سنة 1613 قدم تومـاس ألـدوورث Aldworth Thomas تقريرا اً يتسـع ً الوكالة التجارية في سورات لرئاسة الشركة عن البحـرين، قـال فيـه إن بهـا مينـاء لرسو سفن حمولتها بين مـائتين وثلاثمائـة طـن، وأنهـا مركـز لتجـارة الحريـر الفارسـي والأقمشـة القادمة مـن فينيسـيا، وفـي سـنة 1700م سـاءت العلاقـات بـين الشـركة وفـارس فـاقترح المسـتر أوين Owen وكيل الشـركة فـي فـارس أنـه إذا اضـطرت الشـركة أن تسـتخدم القـوة للحفـاظ علـى تجارتها وامتيازاتها في فارس، فإنه يجب الاستيلاء على جزيرة البحرين، لـيس فقـط لأنهـا قريبـة من فارس، ولكن لأنها ستمكن سفن الشركة من التحكم في حركة التجارة في الخليج" .
وبــين ســنة 1799م، وســنة 1803 م، شــن ســلطان مســقط ســلطان بــن أحمــد، ثــلاث حمــلات عسـكرية علـى آل خليفـة لضـم البحـرين إلـى سـلطنته، وفشـلت كلهـا بسـبب اسـتعانة آل خليفـة فـي إحـداها بفـارس مقابـل اعتـرافهم بسـيادتها علـى البحـرين ودفـع جزيـة لهـا، وفـي مـرة أخـرى اسـتعانوا بقوات الحركة الوهابية في الإحساء، فصار آل خليفة أتباع اً لها وتحت نفوذها، ومع ضغط الحركة الوهابيـة علـى البحـرين وسـعيها لضـمها، اسـتنجد آل خليفـة بفـارس مـرة أخـرى، وتحـالفوا فـي الوقـت نفسه مع القواسم وصارت البحرين مركزا لبيع غنائم القواسم من السفن البريطانية.
وبعد أن خلف سعيد بن سلطان أباه في سلطنة مسقط بمعونة شركة الهنـد الشـرقية البريطانيـة، شـن هـو أيضـاً عـدة حمـلات علـى البحـرين، وحـاول ضـمها، ولكـن الشـركة هـي التـي منعته، رغم أنـه حليفهـا وتـابع لهـا، لكـي لا يمتـد نفـوذه إلـى شـمال الخلـيج، واسـتراتيجيتها تقـوم علـى تمزيقـه، ولأن آل خليفـة حـين وجـدوا أنفسـهم غيـر قـادرين علـى حمايـة البحـرين مـن أطمـاع فـارس ومسقط و الحركة الوهابيـة، رأوا أن أفضـل طريقـة لحمايـة البحـرين هـي أن يضـعوها ويضـعوا أنفسـهم تحت وصاية شركة الهند الشرقية البريطانية!
في شهر يوليو سنة 1816م، وصلت إلى الشيخ عبد الله بن أحمد بن خليفة أنباء خروج حملـة مـن مسـقط متجهـة إلـى القواسـم والبحـرين المتحالفـة معهـم، فأرسـل رسـالة وديـة إلـى المقـيم السياسـي البريطاني في بوشهر و الخليج ، الليوتنانـت وليـام بـروس Bruce William ،فـزار بـروس البحـرين يوم 19 يوليو على متن سفينة حربية تابعة لشركة الهند الشرقية البريطانيـة، و اتفـق مـع الشـيخ عبـد اتفاق صداقة شفوياً :"تسمح البحرين لسفن الشركة بالرسو في ميناء البحرين واستخدامه، في مقابل حماية سـفن الشركة الحربية للبحرين، ومنـع أي هجـوم ضـدها، والسـماح لسـفن البحـرين بالتجـارة فـي مـوانيء الهند البريطانية . وفــي ســنة 1817م كتــب المقــيم البريطــاني فــي بوشــهر الليوتنانــت بــروس تقريــرا البحرين تتواطأ مع القواسم في جنـوب الخلـيج، وأنهـا صـارت السـوق الرئيسـية لتصـريف مـا يسـتولي عليه القواسم من القرصنة على السـفن البريطانيـة، وأنهـا فـي الوقـت نفسـه المصـدر الرئيسـي لإمـداد القواسم بالأغذية، خصوصاً الأرز والتمور.
وفي شهر فبراير 1819م وصلت أنباء إلـى الليوتنان تبـروس بأنـه قـد تـم بيـع سـبع عشـرة امـرأة هندية في بـازار البحـرين، وأنهـن أرسـلن إلـى البحـرين مـن رأس الخيمـة، بعـد أن أسـرهن القواسـم فـي هجـوم علـى سـفينة ترفـع الأعـلام البريطانيـة، فأرسـل بـروس الكـابتن لـوتش Loch فـي خمـس سـفن حربية إلى البحرين، فاستعاد النساء الهنديات، ثـم أجبـر شـيخ البحـرين عبـد االله بـن أحمـد بـن خليفـة على توقيع اتفاقية يتعهد فيها بعدم بيع ما يستولي عليه القواسم من السفن البريطانية في البحرين .
وحـين شـنت شـركة الهنـد الشـرقية وحكومتهـا فـي بومبـاي حملتهـا علـى القواسـم فـي رأس الخيمـة ومشـيخات ســاحل الشـمال جنــوب الخلـيج، التــي بـدأتها أواخــر سـنة 1819، م بقيــادة الجنـرال كيــر keir ،هرع شـيخ البحرين، عبد االله بن أحمد بن خليفة، فعقد معاهـدة صـداقة مـع سـعيد بـن سـلطان، سـلطان مسـقط، التابع للشركة وحليفها في الحملة، في بدايـة سـنة 1820م، وتعهـد بـأن يـدفع لـه جزيـة سـنوية قـدرها ثلاثون ألف دولار، لكي لا يصبح هدفاً للحملة . و مع بدء الهجوم البريطاني على تحالف القواسم، لجأت عشرة من سفن القواسم في رأس الخيمة إلى البحرين، فأبحر الكابتن لوتش من رأس الخيمة إلى البحرين في الطرادين عـدن Eden وكيرلـو Curlew ،وأجبـر شـيخها علـى تسـليمه السـفن، وعلـى توقيـع اتفاقيـة ، فـي يـوم 17 ينـاير 1820 يتعهد فيها : "بعــدم الســماح لأي ســفينة أو قــارب بالــدخول إلــى مينــاء البحــرين إلا بعــد إخبــار المقــيم البريطاني في بوشهر والحصول على موافقته" .
و فـي أعقـاب الحملـة و توقيـع اتفاقيـة الهدنـة البحريـة العامـة بـين شـركة الهنـد الشـرقية البريطانيـة وحكومتها فـي بومبـاي و مشـيخات جنـوب الخلـيج، انضـم إليهـا شـيخا البحـرين عبـد االله بـن أحمـد آل خليفـة وأخـوه سـليمان، ووقعهـا نيابـة عنهمـا فـي الشـارقة يـوم 5 فبرايـر 1820م وكيلهمـا السـيد عبـد لجليل، ثم وقع عليها شيخا البحرين بأنفسهما في البحرين يوم 23 فبراير . و بهـذه المعاهـدة صـارت الملاحـة فـي الخلـيج تحـت سـيطرة قاعـدة باسـيدو Basidu التـي أقامهـا البريطــان فــي جزيــرة قشــم بعــد أن احتلوهــا، وتحــت مراقبــة ســفن شــركة الهنــد الشــرقية البريطانيــة المرابطة فيه وتقوم بدوريات للتفتيش على السـفن والمـواني، وصـارت البحـرين مـع مشـيخات الخلـيج تحت وصاية المقـيم البريطـاني فـي بوشـهر، ولـم يعـد بإمكـان سـفنها الإبحـار أو ممارسـة التجـارة إلا بتصــريح ورخصــة منــه، ولكــن إدخــال الشــركة وحكومتهــا للبحــرين فــي هــذه المعاهــدة العامــة مــع مشيخات الخليج كان يعني ضمناً الاعتراف باستقلال آل خليفة في البحرين، و نفي تبعيتها لفارس، و أنهـا فـي حمايـة بريطانيـا لأن حكومـة الشـركة فـي بومبـاي تعهـدت لفـارس قيـل بـدء حملتهـا علـى مشيخات الخليج بأنها لن تتعرض لشواطئ فارس ولا ما يقع تحت سيادتها من جزر الخليج .
جهـزت فــارس سنة 1822 حملــة عســكرية لغــزو البحــرين واعادتهــا إلــى ســيادتها، فــزارها المقيم السياسي البريطـاني فـي بوشـهر الكـابتن بـروس آل خليفـة فـي المنامـة، بتعليمـات صـادرة مـن حكومـة بومبـاي البريطانيـة، وأبلغهـم أن بريطانيـا تعتـرف باسـتقلالهم بـالبحرين عـن فـارس، وسـوف تساندهم ضد حملتهـا، ولكـن بـروس حفاظـاً علـى مصـالحه هـو الخاصـة وتجارتـه فـي فـارس، ودون إذن من حكومة بومبـاي، اتجـه إلـى شـيراز، ووقـع اتفاقيـة بصـفته الرسـمية مـع حاكمهـا الميـرزا زكـي خـان، فـي يـوم 30 أغسـطس 1822م، بذريعـة تحقيـق الأمـن والهـدوء فـي الخلـيج، ونصـت المـادة الأولى من الاتفاقية على أن: جزر البحـرين كانـت دائمـاً تابعـة لحكومـة فـارس The To Subordinate Always Fares of Government ، وقد تمرد على سلطتها مؤخراً شـيوخ العتـوب، وسـوف يـتم سـحب الأعلام المميزة من عتـوب البحـرين بمقتضـى معاهـدة السـلام العامـة مـع بريطانيـا سـنة 1820 م، ولن تقدم لهم بريطانيا أي مساندة أو مساعدات في مواجهة فارس".
ومع وصول الاتفاقية إلى حكومة بومباي، استدعت الكابتن بروس، وأبلغته بعـدم موافقتهـا علـى الاتفاقيــة وعــدم التصــديق عليهــا، ثــم عزلتــه لعقــدها دون الرجــوع إليهــا، وعينــت محلــه الليوتنانــت ماكلويــد Mcleod ،فــزار آل خليفــة فــي المنامــة ، فــي يــوم 27 ينــاير ســنة 1823م، وأخبــرهم أن الاتفاقية التي عقدها بروس مع فارس بخصـوص البحـرين كـأن لـم تكـن، وأن سياسـة بريطانيـا تجـاه البحرين واستقلال آل خليفة بها عن فارس ومسقط ثابتة ولم تتغير. واستقلال البحرين، مثل استقلال مشيخات الخلـيج كلهـا، لـم يكـن يعنـي فـي الحقيقـة سـوى عزلهـا عن بعضها وقطع الروابط بينها وتحويلها إلى توابع وأدوات تحركها شركة الهند الشـرقية البريطانيـة وحكومتهـا فـي بومبـاي، مـن أجـل تحقيـق أهـدافها فـي الخلـيج، وتنفـذ مـن خلالهـا إلـى جزيـرة العـرب والدولة العثمانية.
ولذا حين شن سلطان مسقط، سعيد بن سلطان، حملة على البحرين في سنة 1828م، رفضـت حكومـة الشـركة فـي بومبـاي معاونتـه، رغـم أنـه حليفهـا وتـابع لهـا، وبعـد فشـل الحملـة أمـرت حكومـة بومبـاي المقـيم البريطـاني فـي الخلـيج ، الكولونيـل ويلسـون Wilson ، بالتوسـط لتوقيـع اتفاقيـة صـلح بـين سـلطان مسـقط سـعيد بـن سـلطان وبـين شـيخ البحـرين عبـد االله آل خليفـة، وحـين بـدا لسـلطان بِل توقيع الاتفاقية يوم 2 ديسمبر مسقط إبان المفاوضات انحياز المقيم البريطاني لشيخ البحرين، ق 1829م، وكانت تنص على: "عدم تدخل سلطان مسقط في شـؤون البحـرين، وأن يتوقـف شـيخ البحـرين عـن دفـع الجزيـة التي كان يدفعها لمسقط منذ اتفاقية سنة 1820" .
وحين تقدمت قوات خورشيد باشا، قائد جيش مصـر محمـد علـي باشـا إلـى شرق الجزيرة العربية، سنة 1838م، من أجل ضم نجد إلى الحجاز، أطاحت بفيصل بن تركي آل سعود، ثم استولت على الإحساء والقطيـف، ووصـلت إلـى شـواطئ الخلـيج، وصـارت البحـرين هـي هـدفها التـالي، فأرسـل وزيـر خارجيـة بريطانيـا بالمرسـتون، احتجاجـاً رسـمياً إلـى القـاهرة، وســلمه قنصــل بريطانيــا فــي الإســكندرية ، الكولونيــل كمبــل Kempell ،إلــى الأرمنــي بوغوص باشا، وزير خارجية محمد علي، وفيه أن: ا من الجزيرة العربية، حيث ً "البحرين ليست جزء إنها تابعـة لفـارس، وعلـى ذلـك فـأن بريطانيـا لن تسمح للدولة العثمانية ولا قوات محمد علي بالسيطرة عليها" .
وفي مارس 1839م وقع شـيخ البحـرين اتفاقيـة صـداقة مـع محمـد أفنـدي رفعـت ، ممثـل خورشـيد باشـا، وكانــت حكومـة الهنـد البريطانيـة فـي بومبـاي قـد أرسـلت حملتهـا العسـكرية بقيـادة الأدميـرال فريدريك ميتلاند، قائد أسطول الهند، لاحتلال مينـاء بوشـهر، فكلفتـه فـي الوقـت نفسـه بمنـع وصـول خورشيد باشا إلى البحرين، وكانت تعليماتها أنه: "يجـب إخبـار خورشـيد باشـا أن اسـتعمال القـوة سـيكون عمـلاً عـدائياً ضـد بريطانيـا، ويجـوز للقائد ميتلانــد التهديــد باســتعمال القــوة إذا امتنــع القائــد المصــري عــن الأخــذ بوجهــة النظــرالبريطانية، وللقائد تقرير ما إذا كان استعمال القوة فعلاً ضرورة لابد منها" .
ومع ظهور أسطول الهند البريطاني في الخليج ، أرسل المقيم البريطاني فيه الكابتن هنيل رسالة تهديد إلى خورشيد باشا، أن بريطانيا لن تسمح له بالتقدم إلى البحرين، لأنها تابعة لفارس، رغم أن حملة الأدميرال ميتلاند كانت أصلاً من أجل احتلال مواني فارس!!
ولـم يكـن خورشـيد باشـا فـي حاجـة إلـى رسـالة التهديـد البريطانيـة، إذ أدرك أنـه لا يمكنـه مواجهـة الأسـطول البريطـاني، لأن قواتـه بريـة ولـيس معـه قـوات بحريـة، ولأن طريـق السـفن والأسـاطيل مـن مصر إلـى بحـر العـرب والخلـيج صـار تحـت سـيطرة بريطانيـا بعـد احتلالهـا لعـدن فـي مـدخل البحـر الأحمر في فبراير من السنة نفسه 1839 م. وبعــد حملــة الأدميــرال ميتلانــد علــى ســواحل فــارس وشــمال الخلــيج، ثــم توقيــع حكومــة الهنــد البريطانية اتفاقية تجارية مع فارس، وما تـلاه مـن انسـحاب القـوات البريطانيـة مـن جزيـرة خـرج سـنة ً 1842م، أرسل المقيم السياسي البريطاني فـي بوشـهر الكولونيـل روبر تسـون Robertson ، تقريـرا إلـى حكومتـه فـي بومبـاي، وفيـه أن فـارس تقـوم بعمـل تحصـينات و تحشـد السـفن فـي خـرج وجـزر الخليج التابعة لها، ويبدو أنها ستقوم بغزو البحرين، وكان شيخ البحرين محمد بن خليفة، بالاتفـاق مع المقيم البريطاني، قد أطاح بعمه وشريكه في حكم البحرين الشيخ عبد االله بن سليمان آل خليفة وطرده من البحرين، فالتجأ عبد االله بن سليمان إلى فارس.
و كان رد حكومة بومباي على تقرير روبرتسون أنه: "إذا كانت فارس تهدف من هذه التحركات إلى الاتجاه إلى أي إمـارة مـن إمـارات الخلـيج التـي تربطها ببريطانيا علاقات خاصة، فيجب أن تقاوم تلك التحركات بكل قوة" .
ووصلت أنباء حشود فارس وتأهبها لشن هجوم على البحرين إلى الحكومة البريطانية في لندن، فأرسل وزير الخارجية اللـورد أبـردين Aberdeen إلـى المفـوض البريطـاني فـي طهـران السـير شـيل Sheil ،فقـدم مـذكرة إلـى حكومـة الشـاه محمـد القاجـاري، أن الحكومـة البريطانيـة سـوف تواجـه أي تدخل فارسي في الخليج بالقوة، حتى لو أدى ذلك لنشوب حرب مع فارس، ونصت المذكرة على: "نفي السيادة الفارسية على البحرين، لأنه منذ أتت أسرة القاجار إلى الحكم في فـارس، سـنة 1795م ، لم يمارس أحد من ملوكها سلطة فعلية في هذه البلاد" .
وهكــذا عزلــت شــركة الهنــد الشــرقية البريطانيــة وحكومتهــا فــي بومبــاي البحــرين، وقطعتهــا، تمهيـدا منها لافتراسـها وتحويلهـا إلـى قاعـدة بريطانيـة ومقـر للتمركـز فـي الخلـيج والسـيطرة عليـه حولهـا . وفي مايو سنة 1847 م، ِ أجبر المقيم البريطاني في الخليج، الكابتن هنيل، شيخ البحرين محمـد بن خليفة علـى الانضـمام لاتفاقيـة الهدنـة العامـة مـع مشـيخات جنـوب الخلـيج، و علـى توقيـع اتفاقيـة تحــريم تجــارة العبيــد ، ثــم علــى اتفاقيــة أخـــرى لإلغــاء تجــارة الرقيــق فــي مــارس 1856م، وبهــذه الاتفاقيات : "صــار مــن حــق الســفن البريطانيــة اعتــراض ســفن البحــرين وتفتيشــها ومصــادرتها، وكــذلك ، وصار شيخ البحـرين ملزمـاً باحتجـاز سـفن رعايـاه مـن أهـل استخدام جزر البحرين كمرسى لها البحرين إذا كان فيها أرقاء وتسليمها للمقيم البريطاني" وحاول الكابتن هنيل وضع مادة في الاتفاقية تنص صراحة على حماية بريطانيا مـن أن تتعـرض لهـا أي قـوة أخـرى، ولكـن الشـيخ محمـد بـن خليفـة لـم يقبـل هـذا الشـرط، لأنـه يعنـي تحويـل البحـرين إلـى محميـة بريطانيـة، وأنـه سـيحكمها نيابـة عـن بريطانيـا، وبـذلك تـم تأجيـل التهـامالبحرين إلى خطوة تالية.
وقد جاءت الظروف المناسبة لهذه الخطوة التالية حـين انـدلع نـزاع بـين شـيخ البحـرين محمـد بـن خليفة وبين محمد وعلي، ابني عمه عبـد الله بـن خليفـة ، بعـد تحالفهمـا مـع الحركـة الوهابيـة، إذ بعـد وفاة أبيهما سنة 1848م، انتقل محمد وعلي ابن عبد االله آل خليفة من جزيرة قيس في الخليج إلـى بلدة الدمام، وأعلنا ولاءهما لأمير الدولـة السـعودية الثانيـة فـي نجـد والإحسـاء، فيصـل بـن تركـي آل سعود . وفي سنة 1852 م نشب نزاع بين شيخ البحرين محمد بن خليفة وبين الأمير فيصل بن تركـي، فخـرج بسـفنه وحـاول فـرض حصـار علـى مينـاء القطيـف فـي الإحسـاء، وتمكـن ابنـا عمـه مـن كسـر الحصار بسفنهم، وهاجموا البحرين، ثم ارتدوا إلى القطيف بعد أن حالـت السـفن الحربيـة البريطانيـة طاني الكابتن كمبال Kemball أنها في حمايتهـا، وبوسـاطة ِ بينهم وبين البحرين وأعلن المقيم البري منه تم توقيع اتفاقية صلح بين شيخ البحرين وأمير نجد .
وفــي مــايو ســنة 1859 م، اتهــم تركــي بــن فيصــل آل ســعود شــيخ البحــرين محمــد بــن خليفــة بتحــريض بعــض عشــائر قطــر علــى مهاجمــة رعايــاه، ثــم أرســل حملــة مــن القطيــف والــدمام علــى البحرين بقيادة محمد بن عبد االله آل خليفة، لإزاحة محمد بـن خليفـة وتنصـيبه مكانـه، فقـام بقصـف المنامة من البحر، وحاول إنزال قواته إلى جزيرة البحرين، فلم يستطع.
و أرسل المقيم البريطاني الكابتن فلـيكس جـونز Jones Felix أسـطولاً صـغيرا بقيـادة الكومـودور بلفـور Balfour ، ومعـه رسـالة إلـى الأميـر تركـي بـن فيصـل أن الحكومـة البريطانيـة مصـرة علـى الحفاظ على استقلال البحرين، فرد عليه تركي بن فيصل بأن : "البحرين تابعة للدولة العثمانية و ، سلطته عليها لأنه/تركي بـن فيصـل صـار مـن أتبـاع البـاب العـالي Turkey of Sultan The of Vassal ، وبتعليمـات مـن المقـيم البريطـاني فلـيكس جونز قام الكومودور بلفور بقصف الدمام، ثم طالب تركي بن فيصل بمغادرة محمد بـن عبـد االله آل خليفة لها."
وبعـد أن اكتفـى الكومـودور بلفـور بقصـف الـدمام و انسـحب بسـفنه مـن سـواحل الإحسـاء، طلـب شـيخ البحـرين محمـد بـن خليفـة مـن المقـيم البريطـاني معاونتـه فـي شـن حملـة علـى مينـاء القطيـف، لـردع تركـي بـن فيصـل والقضـاء علـى أطماعـه فـي البحـرين، فـرفض المقـيم البريطـاني، وعلـل ذلـك بأن التعليمات الصادرة إليه من حكومة بومباي البريطانية، أن يتجنب الدخول في صدام مسلح مع الوهابيين، وألا تتوغل قواته في مناطق نفوذها في جزيرة العرب. وقرر الشيخ محمد بن خليفة شن حملة على القطيف وحده، فخذله المقيم البريطاني مرة أخـرى، وأرسـل إليـه رسـالة يعنفـه فيهـا ويتهمـه بخـرق اتفاقيـة الهدنـة البحريـة فـي الخلـيج التـي وقـع عليهـا، ويطالبه بعدم إثارة القلاقل في الإحساء. ومع خذلان حلفائه البريطان له، ونكاية فيهم، اتجه الشيخ محمد بن خليفة إلى الدولـة العثمانيـة وفارس، فأرسل في وقت واحد رسالتي ود وطلب صداقة إلى حكومة الشـاه ناصـر الـدين القاجـاري والى مصطفى نوري باشا الباب العالي والي بغداد. فوصل إلى البحرين أولاً الميرزا مهـدي خـان ممـثلاً لحكومـة الشـاه، فرفعـت أعـلام فـارس علـى أبـراج البحـرين، ثـم تـلاه محمـد بيـك ممـثلاً لوالي بغداد، فرفعت أعلام الدولة العثمانية".
وتمكن مبعوث فارس مهدي خان من كسب ثقة الشيخ محمد بن خليفة، فأصدر في أبريـل سـنة 1860 تصريحين، أحدهما موجه للشاه ناصـر الـدين، والثـاني لحـاكم إقلـيم فارسـتان، ونـص فيهمـا على أنه: "يقـوم علـى حكـم البحـرين بفضـل الشـاه، وأن البحـرين كانـت وسـتظل جـزءا منها ويتعهد بدفع جزية سنوية إلى خزانة مقاطعة فارستان" .
ومــع وصــول نبــأ الاتفــاق واعــلان محمــد بــن خليفــة ســيادة فــارس علــى البحــرين إلــى المقــيم البريطـاني فـي بوشـهر، الكـابتن جـونز، أرسـل إلـى الـوزير البريطـاني المفـوض فـي طهـران، السير رولنسون فكتب تقريرا الى وزير الخارجية جون رسل أحاله على مكتب الهند في الحكومة البريطانية والـذي تـم إنشـاؤه سـنة 1858م، ليتـولى إدارة شـؤون الهنــد، بعـد حــل شــركة الهنـد الشــرقية البريطانيـة، وبعــد مشــاورات بـين الحكومــة البريطانيــة وحكومة الهند البريطانية في كلكتا، وفـي 28 فبرايـر 1861م، تـم اتخـاذ قـرار إعـلان البحـرين إمـارة مستقلة .
و فــي 31 مــايو 1861م، وصــل المقــيم البريطــاني الكــابتن جــونز إلــى البحــرين فــي أربــع ســفن حربية، وحاصر المنامة، وأجبر شيخ البحرين محمد بن خليفـة علـى توقيـع المعاهـدة التـي وضـعتها حكومة الهند البريطانية، و أنه ملتزم هو و خلفاؤ ه وورثته بها، وكان نصها:
1 - "تأكيـــد التـــزام شـــيخ البحـــرين بجميـــع الاتفاقيـــات والمعاهـــدات الســـابقة بـــين بريطانيـــا والبحرين،
2 - يتعهد شيخ البحرين بالتوقف عن جميـع الأعمـال الحربيـة وعـن القرصـنة وتجـارة الرقيــق فــي البحــر، فــي مقابــل معاونــة الحكومــة البريطانيــة لــه فــي مواجهــة أي عــدوان علــى المناطق الخاضعة له من شيوخ الخليج وقبائله،
3 - بناءا على هذا التعهد يوافق شيخ البحرين على إبلاغ المقيم البريطاني في الخليج الفارسي بأي اعتداء يقع عليه أو على أحد من رعايـاه، وأنن يقبله حكماً وألا يتخـذ هـو أو أحـد مـن رعايـاه أي إجـراء سـوى بموافقـة أو بينه وبين خصـومه، الحكومة البريطانية، ويتعهد المقيم البريطاني باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المعتدين على شيخ البحـرين أو أحـد مـن رعايـاه، كمـا يقبـل شـيخ البحـرين الأحكـام التـي يصـدرها المقـيم البريطـاني و التعويضـات التـي يفرضـها عليـه إذا كـان هـو أو أحـد مـن رعايـاه هـم المعتـدين،
4 - يقـر شـيخ البحرين بالسـيادة القضـائية للوكيـل البريطـاني فـي البحـرين والمقـيم البريطـاني فـي الخلـيج علـى رعايـا بريطانيـا فـي البحـرين، ويوافـق علـى السـماح لرعايـا بريطانيـا بالإقامـة وممارسة التجارة في المنـاطق الخاضـعة لـه فـي مقابـل ضـريبة قـدرها ٥ %مـن قيمـة بضـائعهم،
5 - عند حدوث خلاف أو نزاع بين أهل البحرين وأحد رعايا بريطانيا يقوم بتسوية النزاع بينهمـا الوكيل البريطاني فـي البحـرين، ُ ٕذا لـم يسـتطع ي وا حـال النـزاع إلـى المقـيم البريطـاني فـي الخلـيج، ويقوم المقيم البريطاني بالوساطة في المنازعات التي تحدث بين رعايا إمارة البحـرين وبـين أهـل مواني الخليج من القبائل الحليفة للحكومة البريطانية" .
-وكمـا يتضح غان اسـتقلال البحـرين، مثـل اسـتقلال الدول العربية جميعهـا، مـن محيطهـا إلـى خليجهــا، لــم يكــن ســوى غــلاف، فحــواه الحقيقيــة عزلهــا عــن بعضــها، و فــرض الحمايــة عليها، ووقوعها تحت وصاية الإمبراطوريات الكبرى، يتمم بها المشروع اليهودي، الذي صـارت هذه الدويلات حبلى به، وفي انتظار إعلان مولده.-
وفي سـنة 1863م، ثـار خـلاف بـين شـيخ البحـرين محمـد بـن خليفـة وبـين محمـد بـن ثـاني شـيخ قطر، بسبب امتناع محمد بن ثاني عن دفع الجزيـة السـنوية لمحمـد بـن خليفـة، و كانـت قطـر تابعـة واليـاً للبحرين، فأرسل محمد بن خليفـة وكيلـه أحمـد بـن محمـد علـى قطـر، فاسـتقر فـي مدينـة الـوكرة علــى الســاحل الجنــوبي الشــرقي لقطــر، وكانــت معاملتــه لأهلهــا قاســية، فثــارت عليــه قبائــل قطــر وطردته . وذهـب الشـيخ قاسـم بـن محمـ د آل ثـاني إلـى البحـرين، للتفـاوض مـع شـيخها محمـد بـن خليفـة، فاعتقلـه وسـجنه، ثـم فـي أكتـوبر سـنة 1867 م أرسـل محمـد بـن خليفـة حملـة علـى قطـر فـي أربعـة وعشرين قارباً وسبعمائة رجل، بقيـادة أخيـه علـي، واشـترك معـه فـي الحملـة شـيخ أبـو ظبـي زايـد بـن خليفة آل نهيان بسبعين قارباً وألفي رجل، واستولت الحملة على أربعين سفينة تابعة لقطر، ونهبت الوكرة والدوحة وخربتها . واسـتعان شـيخ قـطر محمـد آل ثـاني بـ أمير نجـد والإحسـاء ، فيصـل بـن تركـي آل سـعود، لشـن حملـة علـى البحـرين، وانتهـت المواجهـة بـين آل خليفـة شـيوخ البحـرين وبـين آل ثـاني شـيوخ قطـر وحلفـائهم مـن قـوات تركـي بـن فيصـل دون نتيجـة حاسـمة، سـوى أن آل ثـاني أسـروا وهـم ينسـحبون اثنين من آل خليفة لمبادلتهما بقاسم آل ثاني. وهـا هنـا ظهـر المقـيم البريطـاني فـي الخلـيج الكولونيـل لـويس بيلـي Pelly Lewis ، فـأبحر فـي بدايـة شـهر سـبتمبر1868م فـي أربـع سـفن حربيـة إلـى البحـرين، فحاصـرها وقصـف قلعتهـا، وكـان شيخها محمد بن خليفة قد فر مـع ظهـور السـفن البريطانيـة أمـام البحـرين إلـى سـواحل قطـر، ومنهـا إلـى داخـل جزيـرة العـرب، وتـرك الحكـم لأخيـه علـي بـن خليفـة، وفـي يـوم 6 سـبتمبر 1868م أجبـر الكولونيل بيلي الشيخ علي بن خليفة على توقيع اتفاقية، كان نصها:
1 - "تسـليم جميـع السـفن الحربيـة التابعـة لآل خليفـة إلـى المقـيم البريطـاني
2 - ،يـدفع آل خليفة غرامة قدرها مائة لأف دولارإلـى المقـيم البريطـاني، علـى أن يدفع منهـا خمسة وعشرون ألف دولار في اليوم التالي لتوقيع الاتفاقية، ويقسط الباقي على ثلاثة أقسـاط،
3 - إبعـاد محمـد بـن خليفـة عـن حكـم البحـرين، و يصـبح الشـيخ علـي بـن خليفـة وحـده حـاكم البحرين، ويتعهد في حالة عودة محمد بن خليفة باعتقاله وتسليمه إلـى المقـيم البريطـاني،
4- إذا خالف الشيخ علي بن خليفة تعهداته ُ فإنه يعد مثل محمد بن خليفـة مـن القراصـنة،
5 - مـن أجل المحافظة على السلام في البحر يتم تعيين وكيل عن البحرين في بوشـهر لتلقـي التعليمـات من المقيم البريطاني" .
وكــان الشــيخ محمــد بــن خليفــة، قــد وصــل إلــى الإحســاء واجتمــع حولــه بعــض مــن قبائلهــا، خصوصــاً مــن بنــي هــاجر، ووصــلته أنبــاء تمــرد قبائــل البحــرين، بســبب الضــرائب الثقيلــة التــي فرضــهاعليهم علــي بــن خليفــة، لكــي يــتمكن مــن تســديد أقســاط الغرامــة التــي فرضــها عليــه المقــيم البريطاني، وفي سبتمبر 1869: م "خرج محمد بن خليفة من القطيف، ومعه الشيخ ناصر بن مبارك من بني هاجر، فـي تسـعة قوارب وخمسمائة رجل مسلح، فنزلـوا إلـى سـواحل البحـرين وكـان كثيـر مـن شـيوخها و أهلهـا فـي انتظارهم، وهاجموا قلعة بـو مـاهر، و أخـذوا المنامـة والمحـرق، وقُتـل الشـيخ علـي بـن خليفـة فـي المعارك".
وفي يوم 19 نوفمبر 1869 وبناءا على تعليمات من حكومة بومباي البريطانية : "أبحر المقيم البريطـاني الكولونيـل بيلـي مـن بوشـهر فـي الطـرادين دافنـي Daphne ونيمـف Nymph وبضــع قــوارب، فقصــف المنامــة والمحــرق بالمــدافع، ثــم أنــزل قواتــه إلــى البحــرين، واعتقـل الكولونيـل بيلـي الشـيخ محمـد بـن خليفـة واثنـين آخـرين مـن شـيوخ البحـرين المنـاوئين للنفـوذ البريطـاني ، وصـادر أمـوالهم وأرسـلهم أسـرى إلـى بومبـاي، وأرسـل يسـتدعي عيسـى بـن مــن حيــث يقــيم فــي قطــر، فنصــبه أميــراً الشــيخ علــي بــن خليفــة علــى البحــرين فــي حضــور شيوخها" .
وقد حكم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة إمارة البحرين اكثر من ستين سنة، منذ سنة 1869م وحتـى وفاتـه سـنة 1932م، ومثـل بقيـة أمـراء الخلـيج، لـم يكـن سـوى واجهـة للبريطـان الـذين نصـبوه أميـرا ، وأداة طيعـة فـي أيـديهم ، وقنـاة يـديرون مـن خلالهـا بـلاد العرب ويوجهونها. وكانت الخطوة التالية نحـو إدخـال البحـرين مـع بقيـة إمـارات الخلـيج فـي حرملـك بريطانيـا، إذ فـي يـوم 22 ديسـمبر سـنة 1880م، زار المقـيم البريطـاني الكولونيـل إدوارد روس Ross Edward الشـيخ عيسـى بـن علــي فـي البحـرين، وأجبــره بتعليمـات مـن حكومـة الهنــد البريطانيـة علـى توقيــع اتفاقية، هي تعهد من الشيخ عيسى بن علي، و نصها:
1 - "عـدم الـدخول فـي مفاوضـات أو عقـد اتفاقيـات مـع أي حكومـة أخـرى، إلا بعـد موافقـة الحكومــة البريطانيــة،
2 - عــدم الســماح لأي حكومــة أخــرى بتأســيس وكــالات دبلوماســية أو قنصـلية أو مسـتودعات لوقـود السـفن فـي منـاطق البحـرين، إلا بموافقـة كتابيـة Consent مـن الحكومة البريطانية" .
وفـي مـارس ١٨٩٢م، وبتعليمـات مـن حكومـة الهنـد البريطانيـة، وترتيـب مـن المقـيم البريطـاني الميجور تالبوت Talbot وقع شيوخ إمارات ساحل الشمال فـي جنـوب الخلـيج المعاهـدة الحصـرية Greement Exclusive، وفــي يــوم 13 مــارس وقعهــا شــيخ البحرين عيسى بن علي، وكان نصها:
"يتعهــد الشــيوخ وورثــتهم وخلفــاؤهم بــالآتي:
1 - ألا يــدخلوا تحــت أي ظــرف فــي اتفاقيــة أو مراسلات مع دولة أخرى غير الحكومة البريطانية،
2 - ألا يسمحوا لوكيل أي حكومة بالبقاء في المنــاطق التابعــة لهــم إلا بموافقــة الحكومــة البريطانيــة،
3 - ألا يمنحــوا أي جــزء مــن المنــاطق التابعـة لهـم، ســواء بـالبيع أو الــرهن أو الإيجـار، أو بــأي طريقـة أخــرى، تحـت أي ظــرف، لأي حكومة، ما عدا الحكومة البريطانية" .
وامـارات الخلـيج وبهذه المعاهدة الحصرية، التي ضمت أيضاً مسـقط والكويـت والبحرين صـارت كلهـا دول فـي حظيـرة بريطانيـا، وابـان الحـرب العالميـة الأولـى حولـت بريطانيـا جـزر البحـرين إلـى قاعـدة حربيـة ومقـرا لتمركـز أسطولها الملكي، وهي الحرب التي كانت غاية بريطانيا العظمى فيها الاستيلاء على الشام وفصل فلسطين عما حولها، ثم وضعتها في قبضة مندوبها السامي هربـرت صـمويل Herbert Samuel لكي يسلمها للعصابات الصهيونية.
يتبع..
دول الخليج
التاريخ يتكرر.. صراعات فيم بينها
و انت تقرأ يمكنك استبدال فارس بايران و الشركة/بريطانيا بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا-
البحرين
البحــرين هــي أكبــر جــزر أرخبيــل البحــرين الــذي يتكــون مــن ثــلاث وثلاثــين جزيــرة، وهــو أكبــر مجموعـة جـزر فـي الخلـيج، ويقـع الأرخبيـل فـي وسـط الخلـيج تقريبـاً، وقـرب سـواحله الغربيـة، ومـن موقعها هذا تشرف البحرين على حركة الملاحة في الخليج.
ومنــذ ســنة 1622م، وبعــد تحــالف الشــاه عبــاس الصــفوي مــع شــركة الهنــد الشــرقية البريطانيــة لإخـراج البرتغـاليين مـن هرمـز، صـارت البحـرين و الزبـارة تابعـة لفـارس، والزبـارة منطقـة مرتفعـة تقـع شمال غرب شبه جزيرة قطر وتواجـه جزيـرة البحـرين، ومنـذ سـنة 1755م كـان يحكـم البحـرين باسـم فارس ، شيخ بوشهر: نصر آل مدكور، وهو من قبيلة المطاريش، عرب بوشهر.
وفــي ســنة 1766م، هــاجر آل خليفــة مــن الكويــت واســتقروا مــع شــيخهم أحمــد بــن خليفــة فــي الزبـارة، وآل خليفـة أحـد أكبـر فـروع قبائـل العتـوب، وهـي مجموعـة قبائـل نزحـت أوائـل القـرن الثـامن عشـر مـن نجـد إلـى السـواحل الشـرقية للخلـيج والكويـت، وأبرزهـا آل صـباح وآل خليفـة والجلاهمـة، وكانت ترتبط معاً بروابط النسب والمصاهرة. وكانت هجرة آل خليفة إلى ميناء الزبارة الـذي يقـع فـي مواجهـة جـزر البحـرين إثـر خـلاف بيـنهم وبــين آل صــباح، فقــوى شــيخهم أحمــد بــن خليفــة روابطــه بقبائلهــا، وصــاهر آل بــن علــي، وآعلــن طاعتـه لشـيوخ قطـر والزبـارة مـن آل مسـلم، وهـم فـرع مـن بنـي خالـد، وكـان يـدفع لهـم خراجـاً سـنوياً مقابـل ممارسـة التجـارة وصـيد اللؤلـؤ، وبنـى فـي الزبـارة بيتـاً حصـيناً علـى تلـة مرتفعـة فصـار يشـبه القلعة .
ومع الوقت أصبحت الزبارة مركزا وعبـر جزيـرة العـرب، ولتجـارة اللؤلـؤ، ً للتجارة القادمة من الهند وازداد نفوذ آل خليفة وثرواتهم، وهاجر إليهم الجلاهمة، وفـي سـنة 1779م اضـطربت الأحـوال فـي فـارس بعـد اغتيـال الشـاه كـريم خـان، فهـاجم آل خليفـة البحـرين واسـتولوا علـى بعـض السـفن، ومنهـا سـفينة الشـيخ نصـر حـاكم بوشـهر والبحـرين، وفـي سـنة 1782م شـن الشـيخ نصـر حملـة علـى آل خليفة في الزبارة، ولكنه لم يستطع اقتحام قلعتهم، وفي سنة 1783 هاجم آل خليفة والجلاهمة ومعهم قبائل شبه جزيرة قطر، هاجموا البحرين، وحاصروا حصن المنامـة حتـى استسـلمت حاميتـه الفارسـية، وضـم الشـيخ أحمـد بـن خليفـة البحـرين إلـى الزبـارة وبعد وفاته نقل أبناؤه وخلفاؤه مقر حكمهم إلى البحرين" .
أما عن علاقة شركة الهند الشرقية البريطانيـة بـالبحرين، فالشـركة تسـللت َ إلـى الخلـيج عبـر فـارس منـذ بـدايات القـرن السـابع عشـر، ويقـول مـؤرخ الخلـيج وعلاقـة الشـركة بـه، جون لوريمر ، في كتابه: دليل الخليج، إن: "البحرين كانت من أوائل الأماكن في الخليج الفارسي التـي جـذبت انتبـاه ممثلـي شـركة الهنـد الشرقية الإنجليزية، وفي سنة 1613 قدم تومـاس ألـدوورث Aldworth Thomas تقريرا اً يتسـع ً الوكالة التجارية في سورات لرئاسة الشركة عن البحـرين، قـال فيـه إن بهـا مينـاء لرسو سفن حمولتها بين مـائتين وثلاثمائـة طـن، وأنهـا مركـز لتجـارة الحريـر الفارسـي والأقمشـة القادمة مـن فينيسـيا، وفـي سـنة 1700م سـاءت العلاقـات بـين الشـركة وفـارس فـاقترح المسـتر أوين Owen وكيل الشـركة فـي فـارس أنـه إذا اضـطرت الشـركة أن تسـتخدم القـوة للحفـاظ علـى تجارتها وامتيازاتها في فارس، فإنه يجب الاستيلاء على جزيرة البحرين، لـيس فقـط لأنهـا قريبـة من فارس، ولكن لأنها ستمكن سفن الشركة من التحكم في حركة التجارة في الخليج" .
وبــين ســنة 1799م، وســنة 1803 م، شــن ســلطان مســقط ســلطان بــن أحمــد، ثــلاث حمــلات عسـكرية علـى آل خليفـة لضـم البحـرين إلـى سـلطنته، وفشـلت كلهـا بسـبب اسـتعانة آل خليفـة فـي إحـداها بفـارس مقابـل اعتـرافهم بسـيادتها علـى البحـرين ودفـع جزيـة لهـا، وفـي مـرة أخـرى اسـتعانوا بقوات الحركة الوهابية في الإحساء، فصار آل خليفة أتباع اً لها وتحت نفوذها، ومع ضغط الحركة الوهابيـة علـى البحـرين وسـعيها لضـمها، اسـتنجد آل خليفـة بفـارس مـرة أخـرى، وتحـالفوا فـي الوقـت نفسه مع القواسم وصارت البحرين مركزا لبيع غنائم القواسم من السفن البريطانية.
وبعد أن خلف سعيد بن سلطان أباه في سلطنة مسقط بمعونة شركة الهنـد الشـرقية البريطانيـة، شـن هـو أيضـاً عـدة حمـلات علـى البحـرين، وحـاول ضـمها، ولكـن الشـركة هـي التـي منعته، رغم أنـه حليفهـا وتـابع لهـا، لكـي لا يمتـد نفـوذه إلـى شـمال الخلـيج، واسـتراتيجيتها تقـوم علـى تمزيقـه، ولأن آل خليفـة حـين وجـدوا أنفسـهم غيـر قـادرين علـى حمايـة البحـرين مـن أطمـاع فـارس ومسقط و الحركة الوهابيـة، رأوا أن أفضـل طريقـة لحمايـة البحـرين هـي أن يضـعوها ويضـعوا أنفسـهم تحت وصاية شركة الهند الشرقية البريطانية!
في شهر يوليو سنة 1816م، وصلت إلى الشيخ عبد الله بن أحمد بن خليفة أنباء خروج حملـة مـن مسـقط متجهـة إلـى القواسـم والبحـرين المتحالفـة معهـم، فأرسـل رسـالة وديـة إلـى المقـيم السياسـي البريطاني في بوشهر و الخليج ، الليوتنانـت وليـام بـروس Bruce William ،فـزار بـروس البحـرين يوم 19 يوليو على متن سفينة حربية تابعة لشركة الهند الشرقية البريطانيـة، و اتفـق مـع الشـيخ عبـد اتفاق صداقة شفوياً :"تسمح البحرين لسفن الشركة بالرسو في ميناء البحرين واستخدامه، في مقابل حماية سـفن الشركة الحربية للبحرين، ومنـع أي هجـوم ضـدها، والسـماح لسـفن البحـرين بالتجـارة فـي مـوانيء الهند البريطانية . وفــي ســنة 1817م كتــب المقــيم البريطــاني فــي بوشــهر الليوتنانــت بــروس تقريــرا البحرين تتواطأ مع القواسم في جنـوب الخلـيج، وأنهـا صـارت السـوق الرئيسـية لتصـريف مـا يسـتولي عليه القواسم من القرصنة على السـفن البريطانيـة، وأنهـا فـي الوقـت نفسـه المصـدر الرئيسـي لإمـداد القواسم بالأغذية، خصوصاً الأرز والتمور.
وفي شهر فبراير 1819م وصلت أنباء إلـى الليوتنان تبـروس بأنـه قـد تـم بيـع سـبع عشـرة امـرأة هندية في بـازار البحـرين، وأنهـن أرسـلن إلـى البحـرين مـن رأس الخيمـة، بعـد أن أسـرهن القواسـم فـي هجـوم علـى سـفينة ترفـع الأعـلام البريطانيـة، فأرسـل بـروس الكـابتن لـوتش Loch فـي خمـس سـفن حربية إلى البحرين، فاستعاد النساء الهنديات، ثـم أجبـر شـيخ البحـرين عبـد االله بـن أحمـد بـن خليفـة على توقيع اتفاقية يتعهد فيها بعدم بيع ما يستولي عليه القواسم من السفن البريطانية في البحرين .
وحـين شـنت شـركة الهنـد الشـرقية وحكومتهـا فـي بومبـاي حملتهـا علـى القواسـم فـي رأس الخيمـة ومشـيخات ســاحل الشـمال جنــوب الخلـيج، التــي بـدأتها أواخــر سـنة 1819، م بقيــادة الجنـرال كيــر keir ،هرع شـيخ البحرين، عبد االله بن أحمد بن خليفة، فعقد معاهـدة صـداقة مـع سـعيد بـن سـلطان، سـلطان مسـقط، التابع للشركة وحليفها في الحملة، في بدايـة سـنة 1820م، وتعهـد بـأن يـدفع لـه جزيـة سـنوية قـدرها ثلاثون ألف دولار، لكي لا يصبح هدفاً للحملة . و مع بدء الهجوم البريطاني على تحالف القواسم، لجأت عشرة من سفن القواسم في رأس الخيمة إلى البحرين، فأبحر الكابتن لوتش من رأس الخيمة إلى البحرين في الطرادين عـدن Eden وكيرلـو Curlew ،وأجبـر شـيخها علـى تسـليمه السـفن، وعلـى توقيـع اتفاقيـة ، فـي يـوم 17 ينـاير 1820 يتعهد فيها : "بعــدم الســماح لأي ســفينة أو قــارب بالــدخول إلــى مينــاء البحــرين إلا بعــد إخبــار المقــيم البريطاني في بوشهر والحصول على موافقته" .
و فـي أعقـاب الحملـة و توقيـع اتفاقيـة الهدنـة البحريـة العامـة بـين شـركة الهنـد الشـرقية البريطانيـة وحكومتها فـي بومبـاي و مشـيخات جنـوب الخلـيج، انضـم إليهـا شـيخا البحـرين عبـد االله بـن أحمـد آل خليفـة وأخـوه سـليمان، ووقعهـا نيابـة عنهمـا فـي الشـارقة يـوم 5 فبرايـر 1820م وكيلهمـا السـيد عبـد لجليل، ثم وقع عليها شيخا البحرين بأنفسهما في البحرين يوم 23 فبراير . و بهـذه المعاهـدة صـارت الملاحـة فـي الخلـيج تحـت سـيطرة قاعـدة باسـيدو Basidu التـي أقامهـا البريطــان فــي جزيــرة قشــم بعــد أن احتلوهــا، وتحــت مراقبــة ســفن شــركة الهنــد الشــرقية البريطانيــة المرابطة فيه وتقوم بدوريات للتفتيش على السـفن والمـواني، وصـارت البحـرين مـع مشـيخات الخلـيج تحت وصاية المقـيم البريطـاني فـي بوشـهر، ولـم يعـد بإمكـان سـفنها الإبحـار أو ممارسـة التجـارة إلا بتصــريح ورخصــة منــه، ولكــن إدخــال الشــركة وحكومتهــا للبحــرين فــي هــذه المعاهــدة العامــة مــع مشيخات الخليج كان يعني ضمناً الاعتراف باستقلال آل خليفة في البحرين، و نفي تبعيتها لفارس، و أنهـا فـي حمايـة بريطانيـا لأن حكومـة الشـركة فـي بومبـاي تعهـدت لفـارس قيـل بـدء حملتهـا علـى مشيخات الخليج بأنها لن تتعرض لشواطئ فارس ولا ما يقع تحت سيادتها من جزر الخليج .
جهـزت فــارس سنة 1822 حملــة عســكرية لغــزو البحــرين واعادتهــا إلــى ســيادتها، فــزارها المقيم السياسي البريطـاني فـي بوشـهر الكـابتن بـروس آل خليفـة فـي المنامـة، بتعليمـات صـادرة مـن حكومـة بومبـاي البريطانيـة، وأبلغهـم أن بريطانيـا تعتـرف باسـتقلالهم بـالبحرين عـن فـارس، وسـوف تساندهم ضد حملتهـا، ولكـن بـروس حفاظـاً علـى مصـالحه هـو الخاصـة وتجارتـه فـي فـارس، ودون إذن من حكومة بومبـاي، اتجـه إلـى شـيراز، ووقـع اتفاقيـة بصـفته الرسـمية مـع حاكمهـا الميـرزا زكـي خـان، فـي يـوم 30 أغسـطس 1822م، بذريعـة تحقيـق الأمـن والهـدوء فـي الخلـيج، ونصـت المـادة الأولى من الاتفاقية على أن: جزر البحـرين كانـت دائمـاً تابعـة لحكومـة فـارس The To Subordinate Always Fares of Government ، وقد تمرد على سلطتها مؤخراً شـيوخ العتـوب، وسـوف يـتم سـحب الأعلام المميزة من عتـوب البحـرين بمقتضـى معاهـدة السـلام العامـة مـع بريطانيـا سـنة 1820 م، ولن تقدم لهم بريطانيا أي مساندة أو مساعدات في مواجهة فارس".
ومع وصول الاتفاقية إلى حكومة بومباي، استدعت الكابتن بروس، وأبلغته بعـدم موافقتهـا علـى الاتفاقيــة وعــدم التصــديق عليهــا، ثــم عزلتــه لعقــدها دون الرجــوع إليهــا، وعينــت محلــه الليوتنانــت ماكلويــد Mcleod ،فــزار آل خليفــة فــي المنامــة ، فــي يــوم 27 ينــاير ســنة 1823م، وأخبــرهم أن الاتفاقية التي عقدها بروس مع فارس بخصـوص البحـرين كـأن لـم تكـن، وأن سياسـة بريطانيـا تجـاه البحرين واستقلال آل خليفة بها عن فارس ومسقط ثابتة ولم تتغير. واستقلال البحرين، مثل استقلال مشيخات الخلـيج كلهـا، لـم يكـن يعنـي فـي الحقيقـة سـوى عزلهـا عن بعضها وقطع الروابط بينها وتحويلها إلى توابع وأدوات تحركها شركة الهند الشـرقية البريطانيـة وحكومتهـا فـي بومبـاي، مـن أجـل تحقيـق أهـدافها فـي الخلـيج، وتنفـذ مـن خلالهـا إلـى جزيـرة العـرب والدولة العثمانية.
ولذا حين شن سلطان مسقط، سعيد بن سلطان، حملة على البحرين في سنة 1828م، رفضـت حكومـة الشـركة فـي بومبـاي معاونتـه، رغـم أنـه حليفهـا وتـابع لهـا، وبعـد فشـل الحملـة أمـرت حكومـة بومبـاي المقـيم البريطـاني فـي الخلـيج ، الكولونيـل ويلسـون Wilson ، بالتوسـط لتوقيـع اتفاقيـة صـلح بـين سـلطان مسـقط سـعيد بـن سـلطان وبـين شـيخ البحـرين عبـد االله آل خليفـة، وحـين بـدا لسـلطان بِل توقيع الاتفاقية يوم 2 ديسمبر مسقط إبان المفاوضات انحياز المقيم البريطاني لشيخ البحرين، ق 1829م، وكانت تنص على: "عدم تدخل سلطان مسقط في شـؤون البحـرين، وأن يتوقـف شـيخ البحـرين عـن دفـع الجزيـة التي كان يدفعها لمسقط منذ اتفاقية سنة 1820" .
وحين تقدمت قوات خورشيد باشا، قائد جيش مصـر محمـد علـي باشـا إلـى شرق الجزيرة العربية، سنة 1838م، من أجل ضم نجد إلى الحجاز، أطاحت بفيصل بن تركي آل سعود، ثم استولت على الإحساء والقطيـف، ووصـلت إلـى شـواطئ الخلـيج، وصـارت البحـرين هـي هـدفها التـالي، فأرسـل وزيـر خارجيـة بريطانيـا بالمرسـتون، احتجاجـاً رسـمياً إلـى القـاهرة، وســلمه قنصــل بريطانيــا فــي الإســكندرية ، الكولونيــل كمبــل Kempell ،إلــى الأرمنــي بوغوص باشا، وزير خارجية محمد علي، وفيه أن: ا من الجزيرة العربية، حيث ً "البحرين ليست جزء إنها تابعـة لفـارس، وعلـى ذلـك فـأن بريطانيـا لن تسمح للدولة العثمانية ولا قوات محمد علي بالسيطرة عليها" .
وفي مارس 1839م وقع شـيخ البحـرين اتفاقيـة صـداقة مـع محمـد أفنـدي رفعـت ، ممثـل خورشـيد باشـا، وكانــت حكومـة الهنـد البريطانيـة فـي بومبـاي قـد أرسـلت حملتهـا العسـكرية بقيـادة الأدميـرال فريدريك ميتلاند، قائد أسطول الهند، لاحتلال مينـاء بوشـهر، فكلفتـه فـي الوقـت نفسـه بمنـع وصـول خورشيد باشا إلى البحرين، وكانت تعليماتها أنه: "يجـب إخبـار خورشـيد باشـا أن اسـتعمال القـوة سـيكون عمـلاً عـدائياً ضـد بريطانيـا، ويجـوز للقائد ميتلانــد التهديــد باســتعمال القــوة إذا امتنــع القائــد المصــري عــن الأخــذ بوجهــة النظــرالبريطانية، وللقائد تقرير ما إذا كان استعمال القوة فعلاً ضرورة لابد منها" .
ومع ظهور أسطول الهند البريطاني في الخليج ، أرسل المقيم البريطاني فيه الكابتن هنيل رسالة تهديد إلى خورشيد باشا، أن بريطانيا لن تسمح له بالتقدم إلى البحرين، لأنها تابعة لفارس، رغم أن حملة الأدميرال ميتلاند كانت أصلاً من أجل احتلال مواني فارس!!
ولـم يكـن خورشـيد باشـا فـي حاجـة إلـى رسـالة التهديـد البريطانيـة، إذ أدرك أنـه لا يمكنـه مواجهـة الأسـطول البريطـاني، لأن قواتـه بريـة ولـيس معـه قـوات بحريـة، ولأن طريـق السـفن والأسـاطيل مـن مصر إلـى بحـر العـرب والخلـيج صـار تحـت سـيطرة بريطانيـا بعـد احتلالهـا لعـدن فـي مـدخل البحـر الأحمر في فبراير من السنة نفسه 1839 م. وبعــد حملــة الأدميــرال ميتلانــد علــى ســواحل فــارس وشــمال الخلــيج، ثــم توقيــع حكومــة الهنــد البريطانية اتفاقية تجارية مع فارس، وما تـلاه مـن انسـحاب القـوات البريطانيـة مـن جزيـرة خـرج سـنة ً 1842م، أرسل المقيم السياسي البريطاني فـي بوشـهر الكولونيـل روبر تسـون Robertson ، تقريـرا إلـى حكومتـه فـي بومبـاي، وفيـه أن فـارس تقـوم بعمـل تحصـينات و تحشـد السـفن فـي خـرج وجـزر الخليج التابعة لها، ويبدو أنها ستقوم بغزو البحرين، وكان شيخ البحرين محمد بن خليفة، بالاتفـاق مع المقيم البريطاني، قد أطاح بعمه وشريكه في حكم البحرين الشيخ عبد االله بن سليمان آل خليفة وطرده من البحرين، فالتجأ عبد االله بن سليمان إلى فارس.
و كان رد حكومة بومباي على تقرير روبرتسون أنه: "إذا كانت فارس تهدف من هذه التحركات إلى الاتجاه إلى أي إمـارة مـن إمـارات الخلـيج التـي تربطها ببريطانيا علاقات خاصة، فيجب أن تقاوم تلك التحركات بكل قوة" .
ووصلت أنباء حشود فارس وتأهبها لشن هجوم على البحرين إلى الحكومة البريطانية في لندن، فأرسل وزير الخارجية اللـورد أبـردين Aberdeen إلـى المفـوض البريطـاني فـي طهـران السـير شـيل Sheil ،فقـدم مـذكرة إلـى حكومـة الشـاه محمـد القاجـاري، أن الحكومـة البريطانيـة سـوف تواجـه أي تدخل فارسي في الخليج بالقوة، حتى لو أدى ذلك لنشوب حرب مع فارس، ونصت المذكرة على: "نفي السيادة الفارسية على البحرين، لأنه منذ أتت أسرة القاجار إلى الحكم في فـارس، سـنة 1795م ، لم يمارس أحد من ملوكها سلطة فعلية في هذه البلاد" .
وهكــذا عزلــت شــركة الهنــد الشــرقية البريطانيــة وحكومتهــا فــي بومبــاي البحــرين، وقطعتهــا، تمهيـدا منها لافتراسـها وتحويلهـا إلـى قاعـدة بريطانيـة ومقـر للتمركـز فـي الخلـيج والسـيطرة عليـه حولهـا . وفي مايو سنة 1847 م، ِ أجبر المقيم البريطاني في الخليج، الكابتن هنيل، شيخ البحرين محمـد بن خليفة علـى الانضـمام لاتفاقيـة الهدنـة العامـة مـع مشـيخات جنـوب الخلـيج، و علـى توقيـع اتفاقيـة تحــريم تجــارة العبيــد ، ثــم علــى اتفاقيــة أخـــرى لإلغــاء تجــارة الرقيــق فــي مــارس 1856م، وبهــذه الاتفاقيات : "صــار مــن حــق الســفن البريطانيــة اعتــراض ســفن البحــرين وتفتيشــها ومصــادرتها، وكــذلك ، وصار شيخ البحـرين ملزمـاً باحتجـاز سـفن رعايـاه مـن أهـل استخدام جزر البحرين كمرسى لها البحرين إذا كان فيها أرقاء وتسليمها للمقيم البريطاني" وحاول الكابتن هنيل وضع مادة في الاتفاقية تنص صراحة على حماية بريطانيا مـن أن تتعـرض لهـا أي قـوة أخـرى، ولكـن الشـيخ محمـد بـن خليفـة لـم يقبـل هـذا الشـرط، لأنـه يعنـي تحويـل البحـرين إلـى محميـة بريطانيـة، وأنـه سـيحكمها نيابـة عـن بريطانيـا، وبـذلك تـم تأجيـل التهـامالبحرين إلى خطوة تالية.
وقد جاءت الظروف المناسبة لهذه الخطوة التالية حـين انـدلع نـزاع بـين شـيخ البحـرين محمـد بـن خليفة وبين محمد وعلي، ابني عمه عبـد الله بـن خليفـة ، بعـد تحالفهمـا مـع الحركـة الوهابيـة، إذ بعـد وفاة أبيهما سنة 1848م، انتقل محمد وعلي ابن عبد االله آل خليفة من جزيرة قيس في الخليج إلـى بلدة الدمام، وأعلنا ولاءهما لأمير الدولـة السـعودية الثانيـة فـي نجـد والإحسـاء، فيصـل بـن تركـي آل سعود . وفي سنة 1852 م نشب نزاع بين شيخ البحرين محمد بن خليفة وبين الأمير فيصل بن تركـي، فخـرج بسـفنه وحـاول فـرض حصـار علـى مينـاء القطيـف فـي الإحسـاء، وتمكـن ابنـا عمـه مـن كسـر الحصار بسفنهم، وهاجموا البحرين، ثم ارتدوا إلى القطيف بعد أن حالـت السـفن الحربيـة البريطانيـة طاني الكابتن كمبال Kemball أنها في حمايتهـا، وبوسـاطة ِ بينهم وبين البحرين وأعلن المقيم البري منه تم توقيع اتفاقية صلح بين شيخ البحرين وأمير نجد .
وفــي مــايو ســنة 1859 م، اتهــم تركــي بــن فيصــل آل ســعود شــيخ البحــرين محمــد بــن خليفــة بتحــريض بعــض عشــائر قطــر علــى مهاجمــة رعايــاه، ثــم أرســل حملــة مــن القطيــف والــدمام علــى البحرين بقيادة محمد بن عبد االله آل خليفة، لإزاحة محمد بـن خليفـة وتنصـيبه مكانـه، فقـام بقصـف المنامة من البحر، وحاول إنزال قواته إلى جزيرة البحرين، فلم يستطع.
و أرسل المقيم البريطاني الكابتن فلـيكس جـونز Jones Felix أسـطولاً صـغيرا بقيـادة الكومـودور بلفـور Balfour ، ومعـه رسـالة إلـى الأميـر تركـي بـن فيصـل أن الحكومـة البريطانيـة مصـرة علـى الحفاظ على استقلال البحرين، فرد عليه تركي بن فيصل بأن : "البحرين تابعة للدولة العثمانية و ، سلطته عليها لأنه/تركي بـن فيصـل صـار مـن أتبـاع البـاب العـالي Turkey of Sultan The of Vassal ، وبتعليمـات مـن المقـيم البريطـاني فلـيكس جونز قام الكومودور بلفور بقصف الدمام، ثم طالب تركي بن فيصل بمغادرة محمد بـن عبـد االله آل خليفة لها."
وبعـد أن اكتفـى الكومـودور بلفـور بقصـف الـدمام و انسـحب بسـفنه مـن سـواحل الإحسـاء، طلـب شـيخ البحـرين محمـد بـن خليفـة مـن المقـيم البريطـاني معاونتـه فـي شـن حملـة علـى مينـاء القطيـف، لـردع تركـي بـن فيصـل والقضـاء علـى أطماعـه فـي البحـرين، فـرفض المقـيم البريطـاني، وعلـل ذلـك بأن التعليمات الصادرة إليه من حكومة بومباي البريطانية، أن يتجنب الدخول في صدام مسلح مع الوهابيين، وألا تتوغل قواته في مناطق نفوذها في جزيرة العرب. وقرر الشيخ محمد بن خليفة شن حملة على القطيف وحده، فخذله المقيم البريطاني مرة أخـرى، وأرسـل إليـه رسـالة يعنفـه فيهـا ويتهمـه بخـرق اتفاقيـة الهدنـة البحريـة فـي الخلـيج التـي وقـع عليهـا، ويطالبه بعدم إثارة القلاقل في الإحساء. ومع خذلان حلفائه البريطان له، ونكاية فيهم، اتجه الشيخ محمد بن خليفة إلى الدولـة العثمانيـة وفارس، فأرسل في وقت واحد رسالتي ود وطلب صداقة إلى حكومة الشـاه ناصـر الـدين القاجـاري والى مصطفى نوري باشا الباب العالي والي بغداد. فوصل إلى البحرين أولاً الميرزا مهـدي خـان ممـثلاً لحكومـة الشـاه، فرفعـت أعـلام فـارس علـى أبـراج البحـرين، ثـم تـلاه محمـد بيـك ممـثلاً لوالي بغداد، فرفعت أعلام الدولة العثمانية".
وتمكن مبعوث فارس مهدي خان من كسب ثقة الشيخ محمد بن خليفة، فأصدر في أبريـل سـنة 1860 تصريحين، أحدهما موجه للشاه ناصـر الـدين، والثـاني لحـاكم إقلـيم فارسـتان، ونـص فيهمـا على أنه: "يقـوم علـى حكـم البحـرين بفضـل الشـاه، وأن البحـرين كانـت وسـتظل جـزءا منها ويتعهد بدفع جزية سنوية إلى خزانة مقاطعة فارستان" .
ومــع وصــول نبــأ الاتفــاق واعــلان محمــد بــن خليفــة ســيادة فــارس علــى البحــرين إلــى المقــيم البريطـاني فـي بوشـهر، الكـابتن جـونز، أرسـل إلـى الـوزير البريطـاني المفـوض فـي طهـران، السير رولنسون فكتب تقريرا الى وزير الخارجية جون رسل أحاله على مكتب الهند في الحكومة البريطانية والـذي تـم إنشـاؤه سـنة 1858م، ليتـولى إدارة شـؤون الهنــد، بعـد حــل شــركة الهنـد الشــرقية البريطانيـة، وبعــد مشــاورات بـين الحكومــة البريطانيــة وحكومة الهند البريطانية في كلكتا، وفـي 28 فبرايـر 1861م، تـم اتخـاذ قـرار إعـلان البحـرين إمـارة مستقلة .
و فــي 31 مــايو 1861م، وصــل المقــيم البريطــاني الكــابتن جــونز إلــى البحــرين فــي أربــع ســفن حربية، وحاصر المنامة، وأجبر شيخ البحرين محمد بن خليفـة علـى توقيـع المعاهـدة التـي وضـعتها حكومة الهند البريطانية، و أنه ملتزم هو و خلفاؤ ه وورثته بها، وكان نصها:
1 - "تأكيـــد التـــزام شـــيخ البحـــرين بجميـــع الاتفاقيـــات والمعاهـــدات الســـابقة بـــين بريطانيـــا والبحرين،
2 - يتعهد شيخ البحرين بالتوقف عن جميـع الأعمـال الحربيـة وعـن القرصـنة وتجـارة الرقيــق فــي البحــر، فــي مقابــل معاونــة الحكومــة البريطانيــة لــه فــي مواجهــة أي عــدوان علــى المناطق الخاضعة له من شيوخ الخليج وقبائله،
3 - بناءا على هذا التعهد يوافق شيخ البحرين على إبلاغ المقيم البريطاني في الخليج الفارسي بأي اعتداء يقع عليه أو على أحد من رعايـاه، وأنن يقبله حكماً وألا يتخـذ هـو أو أحـد مـن رعايـاه أي إجـراء سـوى بموافقـة أو بينه وبين خصـومه، الحكومة البريطانية، ويتعهد المقيم البريطاني باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المعتدين على شيخ البحـرين أو أحـد مـن رعايـاه، كمـا يقبـل شـيخ البحـرين الأحكـام التـي يصـدرها المقـيم البريطـاني و التعويضـات التـي يفرضـها عليـه إذا كـان هـو أو أحـد مـن رعايـاه هـم المعتـدين،
4 - يقـر شـيخ البحرين بالسـيادة القضـائية للوكيـل البريطـاني فـي البحـرين والمقـيم البريطـاني فـي الخلـيج علـى رعايـا بريطانيـا فـي البحـرين، ويوافـق علـى السـماح لرعايـا بريطانيـا بالإقامـة وممارسة التجارة في المنـاطق الخاضـعة لـه فـي مقابـل ضـريبة قـدرها ٥ %مـن قيمـة بضـائعهم،
5 - عند حدوث خلاف أو نزاع بين أهل البحرين وأحد رعايا بريطانيا يقوم بتسوية النزاع بينهمـا الوكيل البريطاني فـي البحـرين، ُ ٕذا لـم يسـتطع ي وا حـال النـزاع إلـى المقـيم البريطـاني فـي الخلـيج، ويقوم المقيم البريطاني بالوساطة في المنازعات التي تحدث بين رعايا إمارة البحـرين وبـين أهـل مواني الخليج من القبائل الحليفة للحكومة البريطانية" .
-وكمـا يتضح غان اسـتقلال البحـرين، مثـل اسـتقلال الدول العربية جميعهـا، مـن محيطهـا إلـى خليجهــا، لــم يكــن ســوى غــلاف، فحــواه الحقيقيــة عزلهــا عــن بعضــها، و فــرض الحمايــة عليها، ووقوعها تحت وصاية الإمبراطوريات الكبرى، يتمم بها المشروع اليهودي، الذي صـارت هذه الدويلات حبلى به، وفي انتظار إعلان مولده.-
وفي سـنة 1863م، ثـار خـلاف بـين شـيخ البحـرين محمـد بـن خليفـة وبـين محمـد بـن ثـاني شـيخ قطر، بسبب امتناع محمد بن ثاني عن دفع الجزيـة السـنوية لمحمـد بـن خليفـة، و كانـت قطـر تابعـة واليـاً للبحرين، فأرسل محمد بن خليفـة وكيلـه أحمـد بـن محمـد علـى قطـر، فاسـتقر فـي مدينـة الـوكرة علــى الســاحل الجنــوبي الشــرقي لقطــر، وكانــت معاملتــه لأهلهــا قاســية، فثــارت عليــه قبائــل قطــر وطردته . وذهـب الشـيخ قاسـم بـن محمـ د آل ثـاني إلـى البحـرين، للتفـاوض مـع شـيخها محمـد بـن خليفـة، فاعتقلـه وسـجنه، ثـم فـي أكتـوبر سـنة 1867 م أرسـل محمـد بـن خليفـة حملـة علـى قطـر فـي أربعـة وعشرين قارباً وسبعمائة رجل، بقيـادة أخيـه علـي، واشـترك معـه فـي الحملـة شـيخ أبـو ظبـي زايـد بـن خليفة آل نهيان بسبعين قارباً وألفي رجل، واستولت الحملة على أربعين سفينة تابعة لقطر، ونهبت الوكرة والدوحة وخربتها . واسـتعان شـيخ قـطر محمـد آل ثـاني بـ أمير نجـد والإحسـاء ، فيصـل بـن تركـي آل سـعود، لشـن حملـة علـى البحـرين، وانتهـت المواجهـة بـين آل خليفـة شـيوخ البحـرين وبـين آل ثـاني شـيوخ قطـر وحلفـائهم مـن قـوات تركـي بـن فيصـل دون نتيجـة حاسـمة، سـوى أن آل ثـاني أسـروا وهـم ينسـحبون اثنين من آل خليفة لمبادلتهما بقاسم آل ثاني. وهـا هنـا ظهـر المقـيم البريطـاني فـي الخلـيج الكولونيـل لـويس بيلـي Pelly Lewis ، فـأبحر فـي بدايـة شـهر سـبتمبر1868م فـي أربـع سـفن حربيـة إلـى البحـرين، فحاصـرها وقصـف قلعتهـا، وكـان شيخها محمد بن خليفة قد فر مـع ظهـور السـفن البريطانيـة أمـام البحـرين إلـى سـواحل قطـر، ومنهـا إلـى داخـل جزيـرة العـرب، وتـرك الحكـم لأخيـه علـي بـن خليفـة، وفـي يـوم 6 سـبتمبر 1868م أجبـر الكولونيل بيلي الشيخ علي بن خليفة على توقيع اتفاقية، كان نصها:
1 - "تسـليم جميـع السـفن الحربيـة التابعـة لآل خليفـة إلـى المقـيم البريطـاني
2 - ،يـدفع آل خليفة غرامة قدرها مائة لأف دولارإلـى المقـيم البريطـاني، علـى أن يدفع منهـا خمسة وعشرون ألف دولار في اليوم التالي لتوقيع الاتفاقية، ويقسط الباقي على ثلاثة أقسـاط،
3 - إبعـاد محمـد بـن خليفـة عـن حكـم البحـرين، و يصـبح الشـيخ علـي بـن خليفـة وحـده حـاكم البحرين، ويتعهد في حالة عودة محمد بن خليفة باعتقاله وتسليمه إلـى المقـيم البريطـاني،
4- إذا خالف الشيخ علي بن خليفة تعهداته ُ فإنه يعد مثل محمد بن خليفـة مـن القراصـنة،
5 - مـن أجل المحافظة على السلام في البحر يتم تعيين وكيل عن البحرين في بوشـهر لتلقـي التعليمـات من المقيم البريطاني" .
وكــان الشــيخ محمــد بــن خليفــة، قــد وصــل إلــى الإحســاء واجتمــع حولــه بعــض مــن قبائلهــا، خصوصــاً مــن بنــي هــاجر، ووصــلته أنبــاء تمــرد قبائــل البحــرين، بســبب الضــرائب الثقيلــة التــي فرضــهاعليهم علــي بــن خليفــة، لكــي يــتمكن مــن تســديد أقســاط الغرامــة التــي فرضــها عليــه المقــيم البريطاني، وفي سبتمبر 1869: م "خرج محمد بن خليفة من القطيف، ومعه الشيخ ناصر بن مبارك من بني هاجر، فـي تسـعة قوارب وخمسمائة رجل مسلح، فنزلـوا إلـى سـواحل البحـرين وكـان كثيـر مـن شـيوخها و أهلهـا فـي انتظارهم، وهاجموا قلعة بـو مـاهر، و أخـذوا المنامـة والمحـرق، وقُتـل الشـيخ علـي بـن خليفـة فـي المعارك".
وفي يوم 19 نوفمبر 1869 وبناءا على تعليمات من حكومة بومباي البريطانية : "أبحر المقيم البريطـاني الكولونيـل بيلـي مـن بوشـهر فـي الطـرادين دافنـي Daphne ونيمـف Nymph وبضــع قــوارب، فقصــف المنامــة والمحــرق بالمــدافع، ثــم أنــزل قواتــه إلــى البحــرين، واعتقـل الكولونيـل بيلـي الشـيخ محمـد بـن خليفـة واثنـين آخـرين مـن شـيوخ البحـرين المنـاوئين للنفـوذ البريطـاني ، وصـادر أمـوالهم وأرسـلهم أسـرى إلـى بومبـاي، وأرسـل يسـتدعي عيسـى بـن مــن حيــث يقــيم فــي قطــر، فنصــبه أميــراً الشــيخ علــي بــن خليفــة علــى البحــرين فــي حضــور شيوخها" .
وقد حكم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة إمارة البحرين اكثر من ستين سنة، منذ سنة 1869م وحتـى وفاتـه سـنة 1932م، ومثـل بقيـة أمـراء الخلـيج، لـم يكـن سـوى واجهـة للبريطـان الـذين نصـبوه أميـرا ، وأداة طيعـة فـي أيـديهم ، وقنـاة يـديرون مـن خلالهـا بـلاد العرب ويوجهونها. وكانت الخطوة التالية نحـو إدخـال البحـرين مـع بقيـة إمـارات الخلـيج فـي حرملـك بريطانيـا، إذ فـي يـوم 22 ديسـمبر سـنة 1880م، زار المقـيم البريطـاني الكولونيـل إدوارد روس Ross Edward الشـيخ عيسـى بـن علــي فـي البحـرين، وأجبــره بتعليمـات مـن حكومـة الهنــد البريطانيـة علـى توقيــع اتفاقية، هي تعهد من الشيخ عيسى بن علي، و نصها:
1 - "عـدم الـدخول فـي مفاوضـات أو عقـد اتفاقيـات مـع أي حكومـة أخـرى، إلا بعـد موافقـة الحكومــة البريطانيــة،
2 - عــدم الســماح لأي حكومــة أخــرى بتأســيس وكــالات دبلوماســية أو قنصـلية أو مسـتودعات لوقـود السـفن فـي منـاطق البحـرين، إلا بموافقـة كتابيـة Consent مـن الحكومة البريطانية" .
وفـي مـارس ١٨٩٢م، وبتعليمـات مـن حكومـة الهنـد البريطانيـة، وترتيـب مـن المقـيم البريطـاني الميجور تالبوت Talbot وقع شيوخ إمارات ساحل الشمال فـي جنـوب الخلـيج المعاهـدة الحصـرية Greement Exclusive، وفــي يــوم 13 مــارس وقعهــا شــيخ البحرين عيسى بن علي، وكان نصها:
"يتعهــد الشــيوخ وورثــتهم وخلفــاؤهم بــالآتي:
1 - ألا يــدخلوا تحــت أي ظــرف فــي اتفاقيــة أو مراسلات مع دولة أخرى غير الحكومة البريطانية،
2 - ألا يسمحوا لوكيل أي حكومة بالبقاء في المنــاطق التابعــة لهــم إلا بموافقــة الحكومــة البريطانيــة،
3 - ألا يمنحــوا أي جــزء مــن المنــاطق التابعـة لهـم، ســواء بـالبيع أو الــرهن أو الإيجـار، أو بــأي طريقـة أخــرى، تحـت أي ظــرف، لأي حكومة، ما عدا الحكومة البريطانية" .
وامـارات الخلـيج وبهذه المعاهدة الحصرية، التي ضمت أيضاً مسـقط والكويـت والبحرين صـارت كلهـا دول فـي حظيـرة بريطانيـا، وابـان الحـرب العالميـة الأولـى حولـت بريطانيـا جـزر البحـرين إلـى قاعـدة حربيـة ومقـرا لتمركـز أسطولها الملكي، وهي الحرب التي كانت غاية بريطانيا العظمى فيها الاستيلاء على الشام وفصل فلسطين عما حولها، ثم وضعتها في قبضة مندوبها السامي هربـرت صـمويل Herbert Samuel لكي يسلمها للعصابات الصهيونية.
يتبع..