ثلاث مستويات للحرب الأوكرانيّة

صبيان نجد

التحالف يجمعنا
طاقم الإدارة
مشرف
إنضم
29/9/21
المشاركات
4,139
التفاعلات
11,391
هناك عملية تفاعليّة وجدليّة ضمن مستويات الحرب الثلاثة: الاستراتيجيّ، والعملانيّ، والتكتيكيّ. وهذا أمر ينبثق من طبيعة العلاقة بين هذه المستويات. فالمستوى الاستراتيجي عادة هو من يحدّد الأهداف، ويربطها بالوسائل اللازمة. إنه المنظومة الفكريّة للتخطيط. بعدها، ينطلق التنفيذ على مستويين مختلفين: العملانيّ والتكتيكيّ. لكن الحديث عن التنفيذ على مستويين لا يعني أنهما منفصلان بعضهما عن بعض؛ لا بل هما توأمان مترابطان يكمل أحدهما الأخر. لكن كيف؟

تُخطّط الدولة استراتيجيّاً. تنطلق مؤسساتها المتنوّعة، من علاقات خارجيّة، ودفاع، واقتصاد، وغيرها من المؤسسات، إلى الترجمة العمليّة لكيفيّة تحقيق الأهداف الكبرى. ويكون لها أيضاً -أي المؤسسات- استراتيجياتها الخاصة بها. بعد عمل المؤسسات، المتنوّع بين الفكريّ والتنفيذيّ، يأتي دور التنفيذ الفعليّ المادي على أرض الواقع. وبذلك يتكوّن المثلّث الذهبيّ: استراتيجيّة، عملانيّة، ومن ثم التكتيك.

بكلام بسيط، ما يُنفّذ تكتيكيّاً يجب أن يخدم المستوى العملانيّ. وبعد فترة من التراكمات الإيجابيّة على المستوى العملانيّ، تبدأ النتائج بالتظهّر على المستوى الاستراتيجيّ، شرط أن تكون الاستراتيجيّة صحيحة، ممكنة وقابلة للتنفيذ.

المستوى الاستراتيجيّ

يخوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه في أوكرانيا تحت مخطّطات استراتيجيّة كبيرة جدّاً، تهدف في جوهرها إلى إلغاء الكيان الأوكرانيّ؛ لكنها ليست حرب حياة أو موت لروسيا كما وصفها الرئيس بوتين. إنها حرب مباشرة، عسكريّة، تستخدم العنف المباشر. لكنها مرحلة من مراحل تغيير موازين القوى العالميّة، وإنتاج عالم متعدّد الأقطاب؛ حسبما أعلنه الرئيس الروسيّ.

في المقابل، تخوض أوكرانيا حرباً وجوديّة ضد مخطّطات سيّد الكرملين. وتسعى إلى تحرير كل الأراضي الأوكرانيّة المحتلّة من قبل الجيش الروسيّ، والتي تُقدّر بـ20 في المائة من المساحة الإجماليّة (120 ألف كيلومتر مربع).

المستوى العملانيّ

تبدلّت الأدوار بين المتقاتلين حسب مراحل الحرب. في المرحلة الأولى، كان الجيش الروسي بوضع الحركيّة والهجوم، مقابل وضع الدفاع والجمود للجيش الأوكرانيّ. في المرحلة الثانية، استمرّ الجيش الروسي في هجومه مع نقل مسرح الحرب إلى الشرق، إلى الدونباس. في المرحلة الثالثة، اعتمد الجيش الأوكرانيّ مبدأ الحرب الخاطفة (Blitzkrieg)، فاستردّ كامل إقليم خاركيف، وبعدها انسحب الجيش الروسي قسراً من مدينة خيرسون. لكن في هذه المرحلة، استمرّ الجيش الروسي وعبر شركة «فاغنر» في هجومه على مدينة باخموت.

في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الهجوم الروسيّ الشتويّ، اعتمد الجيش الأوكرانيّ مبدأ الدفاع المرن؛ خصوصاً في مدينة باخموت بهدف استنزاف الجيش الروسي، وكسب الوقت للتحضير للهجوم الربيعيّ- الصيفيّ. لم يُضف الجيش الروسي مكاسب جديدة خلال هذه المرحلة.

المستوى التكتيكيّ

بدأ الهجوم العكسي الأوكرانيّ. هكذا أعلن الرئيس بوتين، قبل تأكيد الخبر من قبل الرئيس الأوكرانيّ. فماذا عنه؟

يقول المفكّر البروسي كارل فون كلوزفيتز: «كل شيء في الحرب بسيط؛ لكن أبسط شيء، هو مُعقّد جدّاً».

من المفروض أن يخدم المستوى التكتيكيّ المستوى الأعلى منه، ألا وهو العملانيّ، والذي هو بدوره يخدم المستوى الاستراتيجيّ. وبعد هذا المستوى -أي الاستراتيجيّ- تُقيّم الإنجازات، وتُعدّل الخطط. والهدف دائماً هو الترجمة العمليّة لنتائج الواقع الميدانيّ إلى الميدان السياسيّ. ألم يقل كلوزفيتز: «إن الحرب هي السياسة بوسائل أخرى»؟

بعد تجربة الحرب والعنف لأكثر من سنة. استفاد الفريقان من الدروس، وأدخلاها في العقيدة العسكريّة حتى المستوى التكتيكيّ؛ لكن كيف؟

من الجهة الروسيّة

تعتمد القوات الروسيّة لصدّ الهجوم الأوكراني تكتيك «الدفاع المرن» (Flexible Defense). فهي تقاتل على 3 مستويات (Layers). المستوى الأول يرتكز على قوّة إنذار مُبكر، للتماس مع العدو المتقدّم، تدميره أو استنزافه إذا أمكن. وإذا تعذر التدمير، يصطدم العدو بالمستوى الدفاع الثاني الذي يتكوّن من حقول الألغام والخنادق، كما الحفر المُضادة للدبابات. أما المستوى الثالث، فهو يعتمد على قوّة عسكريّة من الاحتياط، مهمّتها القيام بهجوم عكسي على القوّة العدوّة التي خرقت المستويين الأوّلين.

من الجهة الأوكرانيّة

يحاول الجيش الأوكرانيّ جس النبض (Probing) على طول الجبهة (900 كيلومتر) مع القوات الروسيّة. وذلك عبر اشتباكات متزامنة وفي عدّة أماكن، بهدف الخداع. يظهّر حتى الآن 3 محاور لجسّ النبض، باخموت في الشرق، فيليكا نوفوسيلكا في الوسط، وزابوريجيا في الغرب. يعتبر هذا المستوى الأول. وإذا ما استطاعت قوّة جسّ النبض الخرق في مكان، وتشكيل رأس جسر متقدّم، يتبعها المستوى الثاني الذي يرتكز على قوّة الصدم عبر الدبابات الثقيلة. أما المستوى الثالث، فهو يتشكّل من عظيم الجيش الأوكراني الذي دُرّب وجهّز من الغرب (بين 9-12 لواء). مهمّة المستوى الثالث هي تأمين الاندفاعة (Momentum) والتقدّم بعيداً في عمق الجهازيّة الدفاعيّة للجيش الروسي وصولاً إلى بحر آزوف.

لكن الفارق في القدرات بين الهجوم الأوكرانيّ والدفاع الروسيّ، يندرج في استعمال الحرب الإلكترونيّة (EW) بشكل مكثّف من قبل روسيا، وذلك بالإضافة إلى المُسيّرات الانتحاريّة، وسلاح الجوّ؛ خصوصاً الطوافات. وهذا ما يفتقده الهجوم الأوكرانيّ. إذن لا يملك الجيش الأوكراني كثيراً من الدفاعات الجويّة المتنقّلة مع القوّة المهاجمة، كما لا يمتلك سلاح الجوّ القادر على دعم الهجوم مباشرة.

في الختام، نحن في بداية هجوم ينتظره الغرب بفارغ الصبر. يخاف منه الرئيس بوتين. إذ إن نتيجة هذا الهجوم ستُحدّد معالم المرحلة القادمة. فالنجاح والفشل يعتمدان على تفاصيل ومتغيّرات (Variables) كثيرة جدّاً ومعقّدة جدّاً. خصوصاً أن النجاح في الحروب عادة، وحسب المفكر الأميركي ستيفن بيدل، يعتمد على «الكيف» في استعمال الوسائل المتوفّرة، وذلك عبر استنزافها إلى الحدّ الأقصى، واستخراج كل الإيجابيّات منها، وذلك من ضمن عبقريّة تكتيكيّة متميّزة. فمن لديه هذه المعادلة بين الطرفين؟ إن غداً لناظره قريب.

المحلل العسكري

@الادغال الاسمنتية
@الصيد الثمين
@ذياب
 
هناك عملية تفاعليّة وجدليّة ضمن مستويات الحرب الثلاثة: الاستراتيجيّ، والعملانيّ، والتكتيكيّ. وهذا أمر ينبثق من طبيعة العلاقة بين هذه المستويات. فالمستوى الاستراتيجي عادة هو من يحدّد الأهداف، ويربطها بالوسائل اللازمة. إنه المنظومة الفكريّة للتخطيط. بعدها، ينطلق التنفيذ على مستويين مختلفين: العملانيّ والتكتيكيّ. لكن الحديث عن التنفيذ على مستويين لا يعني أنهما منفصلان بعضهما عن بعض؛ لا بل هما توأمان مترابطان يكمل أحدهما الأخر. لكن كيف؟
من المتعارف عليه عالميا ان مستويات التخطيط ثلاثة، يعلو أحدهم الاخر كما احجار الاهرامات، في الراس يتربع التخطيط الاستراتيجي، يليه الادني وهو التخطيط العملاني ثم يليه التخطيط التكتي.
اذا مجموعة التخطيطات التكتية تؤدي لتحقيق هدف عملاني، ومجموعة خططة عملانية يكون هدفها استراتيجي.
اذا في جزئية التوأمة بين التكتيك والعملاني ام يصب كاتب المقال ابدا!
تُخطّط الدولة استراتيجيّاً. تنطلق مؤسساتها المتنوّعة، من علاقات خارجيّة، ودفاع، واقتصاد، وغيرها من المؤسسات، إلى الترجمة العمليّة لكيفيّة تحقيق الأهداف الكبرى. ويكون لها أيضاً -أي المؤسسات- استراتيجياتها الخاصة بها. بعد عمل المؤسسات، المتنوّع بين الفكريّ والتنفيذيّ، يأتي دور التنفيذ الفعليّ المادي على أرض الواقع. وبذلك يتكوّن المثلّث الذهبيّ: استراتيجيّة، عملانيّة، ومن ثم التكتيك.

بكلام بسيط، ما يُنفّذ تكتيكيّاً يجب أن يخدم المستوى العملانيّ. وبعد فترة من التراكمات الإيجابيّة على المستوى العملانيّ، تبدأ النتائج بالتظهّر على المستوى الاستراتيجيّ، شرط أن تكون الاستراتيجيّة صحيحة، ممكنة وقابلة للتنفيذ.

المستوى الاستراتيجيّ

يخوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه في أوكرانيا تحت مخطّطات استراتيجيّة كبيرة جدّاً، تهدف في جوهرها إلى إلغاء الكيان الأوكرانيّ؛ لكنها ليست حرب حياة أو موت لروسيا كما وصفها الرئيس بوتين. إنها حرب مباشرة، عسكريّة، تستخدم العنف المباشر. لكنها مرحلة من مراحل تغيير موازين القوى العالميّة، وإنتاج عالم متعدّد الأقطاب؛ حسبما أعلنه الرئيس الروسيّ.
اذا كان هذا تفكير بوتين في الوصول للهدف الاستراتيجي عبر استخدام القوة العسكرية فقط، فهذا تفكير خاطىء جملة وتفصيلا، لان الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى وليست وسيلة وحيدة للوصول للاهداف كونها الاكثر تكلفة.
في المقابل، تخوض أوكرانيا حرباً وجوديّة ضد مخطّطات سيّد الكرملين. وتسعى إلى تحرير كل الأراضي الأوكرانيّة المحتلّة من قبل الجيش الروسيّ، والتي تُقدّر بـ20 في المائة من المساحة الإجماليّة (120 ألف كيلومتر مربع).

المستوى العملانيّ

تبدلّت الأدوار بين المتقاتلين حسب مراحل الحرب. في المرحلة الأولى، كان الجيش الروسي بوضع الحركيّة والهجوم، مقابل وضع الدفاع والجمود للجيش الأوكرانيّ. في المرحلة الثانية، استمرّ الجيش الروسي في هجومه مع نقل مسرح الحرب إلى الشرق، إلى الدونباس. في المرحلة الثالثة، اعتمد الجيش الأوكرانيّ مبدأ الحرب الخاطفة (Blitzkrieg)، فاستردّ كامل إقليم خاركيف، وبعدها انسحب الجيش الروسي قسراً من مدينة خيرسون. لكن في هذه المرحلة، استمرّ الجيش الروسي وعبر شركة «فاغنر» في هجومه على مدينة باخموت.

في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الهجوم الروسيّ الشتويّ، اعتمد الجيش الأوكرانيّ مبدأ الدفاع المرن؛ خصوصاً في مدينة باخموت بهدف استنزاف الجيش الروسي، وكسب الوقت للتحضير للهجوم الربيعيّ- الصيفيّ. لم يُضف الجيش الروسي مكاسب جديدة خلال هذه المرحلة.

المستوى التكتيكيّ

بدأ الهجوم العكسي الأوكرانيّ. هكذا أعلن الرئيس بوتين، قبل تأكيد الخبر من قبل الرئيس الأوكرانيّ. فماذا عنه؟

يقول المفكّر البروسي كارل فون كلوزفيتز: «كل شيء في الحرب بسيط؛ لكن أبسط شيء، هو مُعقّد جدّاً».

من المفروض أن يخدم المستوى التكتيكيّ المستوى الأعلى منه، ألا وهو العملانيّ، والذي هو بدوره يخدم المستوى الاستراتيجيّ. وبعد هذا المستوى -أي الاستراتيجيّ- تُقيّم الإنجازات، وتُعدّل الخطط. والهدف دائماً هو الترجمة العمليّة لنتائج الواقع الميدانيّ إلى الميدان السياسيّ. ألم يقل كلوزفيتز: «إن الحرب هي السياسة بوسائل أخرى»؟

بعد تجربة الحرب والعنف لأكثر من سنة. استفاد الفريقان من الدروس، وأدخلاها في العقيدة العسكريّة حتى المستوى التكتيكيّ؛ لكن كيف؟

من الجهة الروسيّة

تعتمد القوات الروسيّة لصدّ الهجوم الأوكراني تكتيك «الدفاع المرن» (Flexible Defense). فهي تقاتل على 3 مستويات (Layers). المستوى الأول يرتكز على قوّة إنذار مُبكر، للتماس مع العدو المتقدّم، تدميره أو استنزافه إذا أمكن. وإذا تعذر التدمير، يصطدم العدو بالمستوى الدفاع الثاني الذي يتكوّن من حقول الألغام والخنادق، كما الحفر المُضادة للدبابات. أما المستوى الثالث، فهو يعتمد على قوّة عسكريّة من الاحتياط، مهمّتها القيام بهجوم عكسي على القوّة العدوّة التي خرقت المستويين الأوّلين.

من الجهة الأوكرانيّة

يحاول الجيش الأوكرانيّ جس النبض (Probing) على طول الجبهة (900 كيلومتر) مع القوات الروسيّة. وذلك عبر اشتباكات متزامنة وفي عدّة أماكن، بهدف الخداع. يظهّر حتى الآن 3 محاور لجسّ النبض، باخموت في الشرق، فيليكا نوفوسيلكا في الوسط، وزابوريجيا في الغرب. يعتبر هذا المستوى الأول. وإذا ما استطاعت قوّة جسّ النبض الخرق في مكان، وتشكيل رأس جسر متقدّم، يتبعها المستوى الثاني الذي يرتكز على قوّة الصدم عبر الدبابات الثقيلة. أما المستوى الثالث، فهو يتشكّل من عظيم الجيش الأوكراني الذي دُرّب وجهّز من الغرب (بين 9-12 لواء). مهمّة المستوى الثالث هي تأمين الاندفاعة (Momentum) والتقدّم بعيداً في عمق الجهازيّة الدفاعيّة للجيش الروسي وصولاً إلى بحر آزوف.

لكن الفارق في القدرات بين الهجوم الأوكرانيّ والدفاع الروسيّ، يندرج في استعمال الحرب الإلكترونيّة (EW) بشكل مكثّف من قبل روسيا، وذلك بالإضافة إلى المُسيّرات الانتحاريّة، وسلاح الجوّ؛ خصوصاً الطوافات. وهذا ما يفتقده الهجوم الأوكرانيّ. إذن لا يملك الجيش الأوكراني كثيراً من الدفاعات الجويّة المتنقّلة مع القوّة المهاجمة، كما لا يمتلك سلاح الجوّ القادر على دعم الهجوم مباشرة.

في الختام، نحن في بداية هجوم ينتظره الغرب بفارغ الصبر. يخاف منه الرئيس بوتين. إذ إن نتيجة هذا الهجوم ستُحدّد معالم المرحلة القادمة. فالنجاح والفشل يعتمدان على تفاصيل ومتغيّرات (Variables) كثيرة جدّاً ومعقّدة جدّاً. خصوصاً أن النجاح في الحروب عادة، وحسب المفكر الأميركي ستيفن بيدل، يعتمد على «الكيف» في استعمال الوسائل المتوفّرة، وذلك عبر استنزافها إلى الحدّ الأقصى، واستخراج كل الإيجابيّات منها، وذلك من ضمن عبقريّة تكتيكيّة متميّزة. فمن لديه هذه المعادلة بين الطرفين؟ إن غداً لناظره قريب.

المحلل العسكري

@الادغال الاسمنتية
@الصيد الثمين
@ذياب
 
عودة
أعلى