من الغباء تكرار مآسي التحالفات العسكرية التي عفا عنها الزمن إما دول المحور أو دول الحلفاء ،تركيا نسيت أو تناست أنها كانت مع دول المحور وإنهزمت في الحرب العالمية الأولى.
قبل مئة عام خرجت السلطنة العثمانية من الحرب العالمية الأولى تجرّ أذيال الهزيمة وعلى وشك الانهيار، لكن بعد قرن على استسلامها للحلفاء، تبدو تركيا المعاصرة وكأنها لم تُبقِ في ذاكرتها إلّا على المعارك التي سجّل فيها العثمانيون أكبر انتصاراتهم.
في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1918، وقّعت السلطنة العثمانية مع بريطانيا معاهدة مودروس التي أقرّ فيها "الباب العالي" بهزيمته أمام الحلفاء بعدما كلّفه تحالفه مع الأمبراطورية الألمانية مئات آلاف القتلى، لكنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لا ينظر الى هذا التاريخ على أنه هزيمة.
وبدلاً من استذكار سنوات النزاع المدمّر الأربع، اختارت تركيا في الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأول إحياء ذكرى المعارك الرئيسية التي صمدت فيها القوات العثمانية، في غالب الأحيان خلافاً لكل التوقّعات، أمام قوات الحلفاء، ما ساعد في تشكل الهوية الوطنية التركية.
وإذا كانت معركة غاليبولي التي دارت رحاها بين 1915 و1916 هي أمّ المعارك والانتصارات بالنسبة إلى العثمانيين، فإن أحفادهم يستذكرون اليوم بفخر كبير معارك أخرى صمدت فيها القوات العثمانية مثل معركة ساريكاميش ضد الروس أو حصار الكوت والعمارة (في العراق).
وبالنسبة إلى غورسل غونكو، رئيس تحرير المجلة التاريخية الشهرية "تاريخ"، لا وجود لهزيمة السلطنة في ذاكرة تركيا المعاصرة.
ويقول لوكالة فرانس برس "نحن الأتراك نتذكّر ونتحدّث عن تلك الفترة من خلال انتصار غاليبولي وانتصار حصار كوت العمارة".
ويضيف "الهزيمة المدمّرة في 1918، ما زالت تُفسَّر على أنّها +خيانة+ من جانب سلطات ذلك الزمان".
"بطولة" و"إبادة"
ويولي إردوغان أهميّة متزايدة لهذه الانتصارات، فهو يضعها في إطار خط بياني يشمل الأحداث الكبرى التي عرفها الأتراك على مرّ قرون من تاريخهم، من مرحلة ما قبل قيام السلطنة العثمانية مروراً بتأسيس الجمهورية الحديثة ووصولاً إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد حكمه في تمّوز/يوليو 2016.
ويقدّم رئيس الجمهورية التركية هذه المعارك على أنّها تحدّ للغرب، إذ إنّها تشهد على دفاع القوات العثمانية عن مناطق كانت تقع في المجال الطبيعي لنفوذ تركيا.
وتُعتبر معركة غاليبولي محطّة أساسية في تاريخ الأتراك. ففي هذه المعركة، أحبط العثمانيون محاولة القوات الحليفة غزو اسطنبول ووضعوا الأسس لقيام الجمهورية التركية التي أسّسها في 1923 مصطفى كمال "أتاتورك"، قائد القوات العثمانية في معركة غاليبولي.