تهديدات مبالغ فيها
رغم أن الولايات المتحدة أقوى اقصاد في العالم وتتحكم بالكثير من مفاصل الاقتصاد العالمي، فإن تهديدات ترامب بتدمير الاقتصاد التركي مبالغ فيها. ويعود السبب الأساسي إلى أن هذا الاقتصاد متنوع ولا يعتمد على مادة أو سلع معدودة تتحكم في سوقها الولايات المتحدة، فتركيا دولة تنتج وتصدر الأغذية والألبسة وقطع التبديل والحديد والصلب والمنتجات الكيميائية وقائمة واسعة من الآلات والتجهيزات المنزلية ومواد البناء. كما أنها من البلدان التي تزدهر فيها التجارة السياحة. وفي لغة الأرقام لا تشكل السلع الأمريكية سوى 5 بالمائة من واردات تركيا التي وصلت إلى 223 مليار دولار عام 2018 مقابل 34 بالمائة للاتحاد الأوروبي و 10 بالمائة للصين وأكثر من 8 بالمائة لروسيا. أما الصادرات التركية فتذهب بالدرجة الأولى إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة حوالي 46 بالمائة وإلى روسيا والإمارات والعراق بنسبة 6 بالمائة لكل منهما، أما الولايات المتحدة فتحتل المرتبة الخامسة بنسبة 5.5 بالمائة من مجمل الصادرات التي بلغت 168 مليار دولار عام 2018.
واشنطن وسطوتها على مسارات المال
غير أن قوة الولايات المتحدة الاقتصادية ليست في حضور سلعها أو غيابها من سوق معينة، بل في تحكمها بالكثير من المفاصل والمسارات المالية لتمويل التجارة بين الدول. ومما يعنيه ذلك قدرتها على فرض عقوبات توقف التحويلات المالية عبر البنوك التركية وتجفف منابع الدولار اللازمة للتجارة الخارجية ودعم موقع العملة التركية. كما تحتاج تركيا أيضا إلى الدولار لتمويل خدمة دينها الخارجي المرتفع واستثماراتها في البنية التحتية. وعليه فاذا كانت تهديدات ترامب المتعلقة بتدمير الاقتصاد مبالغ فيها، فإن بإمكان واشنطن شل عمل قطاعات اقتصادية حيوية عديدة من خلال حظر معاملاتها المالية إذا وصلت العلاقات إلى نقطة القطيعة. غير أن الأمور لن تصل إلى هذه النقطة طالما بقيت تركيا في عضوية حلف شمال الأطلسي وهي التي تشكل بالنسبة له أهمية جيوسياسية فائقة.
ويظهر التأثير الأمريكي على القطاع المالي التركي بشكل خاص من خلال تهديدات ترامب الأخيرة والتي أفقدت الليرة نحو 6 بالمائة من قيمتها في غضون الاسبوعين الماضيين. وفي صيف العام الماضي 2018 ادت تهديدات سابقة إلى فقدانها أكثر من 30 بالمائة من قيمتها خلال أيام. ولم يفلح الاتفاق الأخير في 17 اكتوبر/ تشرين الأول في دفعها إلى التعافي مجددا سوى بنسبة 1 بالمائة. وتبدو العملة التركية اليوم من أسوأ العملات أداء بين عملات الدول الصاعدة والأكثر عرضة للتقلبات بسبب المخاطر الجيوسياسية الناتجة عن السياسة التركية تجاه سوريا وتوجه أنقرة المتزايد لتعزيز التعاون العسكري مع روسيا رغم معارضة حلفيتها التقليدية واشنطن لذلك. ويزيد الطين بلة السياسة الاقتصادية الداخلية التي تضعف ثقة المستثمرين بمستقبل تركيا كبلد مستقر. وهو الأمر الذي يظهر من خلال الهزات التي تتعرض لها البورصة التركية من فترة لأخرى. وتكمن أحد مشاكل تركيا الأساسية في أن ازدهارها الاقتصادي المعاصر اعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الغربية التي تدفقت في فترة حكم أردوغان التي اتسمت بالانفتاح على الجيران وتعزيز الحريات والتعددية السياسية في وقدرت مؤسسة التجارة والآستثمار الألمانية حجم الدين العام بنحو 455 مليار دولار مقابل احتياطي لا يتجاوز 71 مليار دولار بحلول عام 2017. ومن المرجح أن الوضع أصبح أكثر سوءا منذ ذلك الحين على ضوء تزايد الخلافات السياسية بين أردوعان من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى.