نقطتان مهمتان : اتفاقية الجزائر، ورسالة دي كويلار
ثمة نقطتان مهمتان نرى من الضروري طرحها لإعطاء القارىء صورة كاملة عن جوانب النزاع.
النقطة الأولى: تتعلق في اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975. لقد اضطر العراق إلى القبول بالاتفاقية وما تضمنته من إجحاف للسيادة العراقية على شط العرب نتيجة للظروف العسكرية الحرجة التي كان يمر بها القطر آنذاك، والناجمة عن الاتفاق “الاسرائيلي” – الايراني ودعمهم للعصيان الكردي المسلح في شمال العراق. لقد واجهت القيادة العراقية في تلك المرحلة خيارين صعبين، فإما الوصول إلى اتفاق مع الحكومة الايرانية والقبول في شروطها المجحفة، أو تعريض وحدة الأراضي العراقية إلى مخاطر انسلاخ شمال العراق عن الوطن. فاختارت القيادة الخيار الأول وهو الوصول إلى اتفاق مع نظام الشاه بعد أن أصر الملا مصطفى البرزاني على الاستمرار في القتال بناء على تعليمات “اسرائيلية”.
بعد توقيع الاتفاقية، قامت الحكومة العراقية في تنفيذ جميع التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقية، في حين نفذت ايران الفقرات التي تحقق لها مكاسب جغرافية وسياسية، وتلكأت في تنفيذ الفقرات الأخرى وخاصة إعادة منطقتي زين القوس وسيف سعد إلى العراق.
ولم يكن موقف نظام خميني من تنفيذ الفقرة الأولى من الاتفاقية أفضل من نظام الشاه، فلقد رفضت القيادة الايرانية الجديدة الاعتراف بها وكما سبق توضيحه في هذه المساهمة، وألغتها عمليا في الرابع من أيلول إثر قيامها بالزحف على منطقتي سيف سعد وزين القوس واحتلالها عسكريا واستخدامها في قصف المدن العراقية. إزاء هذا الموقف لم يكن أمام القيادة العراقية إلا إلغاء الاتفاقية بعد أن ألغتها ايران، فأعلن مجلس قيادة الثورة في 19/9/1980 إلغاء اتفاقية الجزائر.
نسوق هذه الحقائق للرد على اللذين يتهمون العراق في انتهاز فرصة الارتباك الذي عانت منه ايران بعد تغيير النظام وشن الحرب على ايران للتخلص من الإجحاف الذي ألحقته الاتفاقية في حقوق العراق وسيادته التاريخية على شط العرب. العراق لم يكن في حاجة للتخلص من تبعات الاتفاقية باستخدام الخيار العسكري بعد أن ألغتها ايران.
أما النقطة الثانية: فتتعلق بالموقف الدولي من مسألة تحديد الطرف المسؤول عن شن الحرب وبالتالي تحمل تبعاتها القانونية. فلغاية شهر كانون الأول/ ديسمبر1991 لم يكن هنالك أي موقف رسمي صادر عن دولة أو هيئة دولية يحدد الطرف المسؤول عن نشوب الحرب. لكن في 9/12/1991 أصدر الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق خافير دي كويلار وبشكل مناقض لمهام الأمين العام، ومخالف لميثاق المنضمة، وثيقة مشبوهة حمل فيها العراق مسؤولية شن الحرب. الوثيقة المرقمة (23273/أس) نصت على “أن الهجوم على ايران يوم 22/9/1980 لا يمكن تبريره في إطار ميثاق الأمم المتحدة أو أية قواعد أو مبادىء معترف بها في القانون الدولي أو أية مبادىء أخلاقية دولية، وهو ينطوي على المسؤولية عن الصراع”.
إصدار الوثيقة المذكورة جاء نتيجة اتفاق أمريكي – ايراني لتبادل مواطنين أمريكان اختطفوا من قبل “حزب الله” في لبنان، كشف تفاصيله السيد جيادو مينيكوبيكو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق في كتاب نشر مؤخرا وكتب عنه الدكتور عبد الواحد الجصاني مقالا قيما نشر في موقع “البصرة” يوم الخميس 30/8/2006.
موقف الأمين العام، كما أشرنا يتناقض مع كل الوقائع القانونية ومخالف لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع العراقي- الايراني، والواقع أن الوثيقة ذاتها تحمل تناقضا كبيرا لا يؤهلها لأن تكون وثيقة يمكن الاعتماد عليها قانونيا في تحميل العراق مسؤولية شن الحرب.
مسؤولية ايران في إطالة الحرب
إذا كان ثمة تباين في تحديد الجانب المسؤول عن شن الحرب، أو وجود خلاف على تحديد التاريخ الفعلي لانطلاقها، فأن مسوؤلية القيادة الايرانية عن إطالة الحرب وبالتالي تحمل تبعاتها القانونية والأخلاقية المدمرة مسلمة لا يمكن لأي مراقب موضوعي، أو مؤرخ منصف القفز عليها وإنكارها.
فالقيادة الايرانية و”مرشدها الأعلى الخميني” يتحملون المسؤولية الكاملة لإطالتها من خلال رفضهم لجميع المبادرات المقدمة لإنهاء النزاع، ورفضهم الانصياع لأحكام الدين ومنطق الحكمة، وإصرارهم على رفع شعارات عقيمة، واعتمادهم على حسابات خاطئة، ومراهنتهم على خيار إطالة الحرب كوسيلة لإلحاق الهزيمة في شعب العراق وقواته المسلحة.
كيف يمكن تثبيت مسوؤلية القيادة الايرانية في إطالة الحرب؟؟.
المسوؤلية الايرانية عن إطالة الحرب يثبتها رفض القيادة الايرانية لجميع المبادرات والمقترحات سواء تلك التي عرضتها القيادة العراقية، أو التي قدمتها الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية.
لقد رفض الخميني، “المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية”، جميع المبادرات التي طرحت لإنهاء النزاع بين البلدين، وراهن على خيار مواصلة الحرب. ففي حديث بثه راديو طهران في 27/9/1980، قال الخميني “نحن على استعداد لإرسال جميع أبنائنا لمحاربة الخونة بل وللحرب حتى آخر جندي لنا”!!.
مواقف أعضاء القيادة السياسية الايرانية لم تختلف عن موقف مرشدهم الأعلى. ففي تقرير لوكالة (رويتر) للأنباء بث من بيروت في 23/2/1981، أكد هاشمي رفسنجاني رئيس “مجلس الشورى” الايراني “أن طهران لن تنظر في أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع العراق ما لم تتم الإطاحة بالحكومة البعثية”!!. هذا الموقف العدائي المتعنت استمر حتى صيف 1988 عندما اضطرت القيادة الايرانية لقبول إطلاق النار إثر هزائمها العسكرية المتتالية وعجزها عن مواصلة القتال.
إن رصد الجهود المقدمة لوقف الحرب وموقف الحكومتين العراقية والايرانية الرسمي منها، يقدم لنا صورة جلية عن تعنت القيادة الايرانية وإصرارها الأهوج على مواصلة القتال، ويساعدنا على تحديد الطرف المسؤول عن استمرار الحرب.
مبادرات السلام التي رفضها الطرف الإيراني
سنقدم في الفقرات القادمة عرضا مسهبا لمبادرات السلام التي رفضتها القيادة الايرانية، سواء تلك التي قدمتها القيادة العراقية، أو التي قدمت من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، أو من حركة دول عدم الانحياز، أو منظمة المؤتمر الإسلامي ومبادرات أطراف أخرى. وسنركز على المبادرات المقدمة خلال الفترة من 23 أيلول 1980، إلى نهاية عام 1984، لكون أنّ معظم مبادرات حل النزاع قد قُدمت إبان تلك المرحلة.
1- مبادرات السلام التي قدمتها القيادة العراقية
قدمت القيادة العراقية العديد من المبادرات الهادفة لوقف إطلاق النار، وإيجاد حل شامل
ونهائي للنزاع بين البلدين. تلك المبادرات تم عرضها من موقع النصر والاقتدار، وانطلاقا من المسؤولية الإنسانية للقيادة العراقية، وحرصها على مواصلة عملية البناء الاقتصادي والاجتماعي وليس من موقع الضعف والهزيمة كما حاولت القيادة الايرانية تفسيرها. كل تلك المبادرات رفضتها القيادة الايرانية نتيجة لحساباتها الخاطئة. أدناه موجزا لأهم المبادرات المقدمة من القيادة العراقية.
* في 28/9/1980، وبعد ستة أيام من الرد العراقي الكبير على الاعتداءات الايرانية، عرض العراق رسميا على ايران السلام. وأعربت القيادة العراقية استعداها التام للانسحاب من الأراضي الايرانية، وإقامة علاقات طبيعية مع ايران، وأكدت أن مطالب العراق لا تتجاوز استعادة حقوقه الوطنية المشروعة.
* في الأول من تشرين الأول/أكتوبر اقترح العراق وقف إطلاق النار خلال الفترة من 5 إلى 8 تشرين الأول 1980.
* في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس صدام حسين بتاريخ 10/11/1980 أكد السيد الرئيس “أن في الوقت الذي يكون فيه المسؤولون الايرانيون في وضع يمكنهم من أن يعترفوا بحقوقنا سوف ننسحب من أراضيهم”. وأضاف” نحن نحترم الطريق الذي اختاروه وعليهم أن يحترموا الطريق الذي اخترناه في الحياة”.
* في خطاب للرئيس صدام حسين في الذكرى الستين لتأسيس الجيش العراقي في 6/1/1981 أكد السيد الرئيس “أن العراق مستعد أتم الاستعداد للانسحاب من الأراضي الايرانية، وإقامة علاقات طبيعية مع ايران تقوم على أساس احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
* في الخطاب الذي ألقاه الرئيس صدام حسين في الجلسة المغلقة لمؤتمر القمة الإسلامي الذي انعقد في الطائف في كانون الثاني 1981، أكد مواقف العراق السابقة من إنهاء الحرب، وجدد بأن “العراق على أتم الاستعداد لإعادة الأراضي الايرانية التي احتلت في الحرب”.
* في حديث للرئيس صدام حسن مع مقاتلي الجيش الشعبي في 14/9/1981، أكد “إننا حاضرون فورا لإيقاف الحرب”.
* لدى استقباله الوفود النسوية المشاركة في مؤتمر الاتحاد النسائي العربي في 5/11/1981 أكد الرئيس صدام حسين حب العراق للسلام واستعداد القيادة العراقية لإيقاف القتال وإقامة علاقات حسن الجوار”.
* خلال جلسات مؤتمر قمة دول عدم الانحياز المنعقد في نيودلهي عام 1983 قدم العراق اقتراحا لتشكيل لجنة دولية للتحكيم تتولى مهمة تحديد مسؤولية الطرف البادىء بالحرب، وتحديد الجانب المسؤول عن استمرارها. وقد جدد العراق الدعوة في مؤتمر القمة الإسلامي الرابع في الدار البيضاء بالمغرب سنة 1984.
* في 16/2/1983 أعلن الرئيس صدام حسين “أنني مستعد للتفاوض في أي وقت يراه الخميني، ومستعد للالتقاء به في أي مكان يشاء حتى ولو كان المكان في طهران” تبعا لما أوردته صحيفة (الأهرام) في عددها الصادر يوم 17/2/1983.
* أرسل الرئيس صدام حسين عدة رسائل مفتوحة للشعوب الايرانية أكد فيها رغبة العراق الحقيقية في السلام. وناشد القيادة الايرانية فيها بالتوقف عن اعتداءاتهم وأن يجنحوا للسلام. الرسالة الأولى أرسلت في 15/2/1983 والثانية في 4/3/1983 وتم توجيه الرسالة الثالثة في 7/5/1983.
2 – قرارات مجلس الأمن ودعوات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أصدر مجلس الأمن عدة قرارات طالب فيها الطرفين بوقف إطلاق النار، وحل النزاع عن طريق التفاوض. كذلك وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جميع دوراتها المنعقدة خلال الأزمة دعوات إلى الطرفين لوقف النزاع المسلح. رفضت القيادة الايرانية جميع تلك القرارات والدعوات باستثناء قرار مجلس الأمن (598) الصادر في 1987، والذي قبلته ايران في آب 1988.
أدناه أهم القرارات والدعوات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن التي رفضتها ايران.
* في 23 أيلول 1980 وجه السيد كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك نداء لحكومة البلدين طالب فيه ضبط النفس والتوقف عن استخدام القوة، وتسوية المشاكل القائمة بين البلدين بالطرق السلمية.
* في 28 أيلول 1980، أصدر مجلس الأمن الدولي في جلسته المرقمة (224) القرار رقم (479)، دعا فيه البلدين إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية، وحل النزاع بما ينسجم مع مبادىء العدل وأسس القانون الدولي. في اليوم التالي لصدور القرار أعلن العراق القبول به والالتزام بفقراته، إلا أن الحكومة الايرانية رفضت القرار.
* أصدر مجلس الأمن القرار المرقم (514) لسنة 1982، دعا فيه إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء جميع العمليات العسكرية، وطالب في انسحاب قوات البلدين إلى الحدود
المعترف بها دوليا.
* في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1982، أصدر مجلس الأمن القرار (522)، شجب فيه إطالة الحرب وتصعيد الصراع بين البلدين، ودعا إلى الوقف الفوري للحرب. وقد سجل مجلس الأمن في هذا القرار ترحيبه باستعداد العراق للتعاون في تنفيذ قرار المجلس رقم (514) في 1982.
* في تشرين الأول 1983، أصدر مجلس الأمن القرار المرقم (540) الداعي للوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية، وأكد على حق حرية الملاحة والتجارة في المياه الدولية.
* قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 تشرين الأول 1982، والذي أكد ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى انسحاب قوات البلدين إلى الحدود الدولية.
* نتيجة لرفض القيادة الايرانية قرارات مجلس الأمن ودعوات الأمين العام والجمعية العمومية، كلف الأمين العام السيد أولف بالمه رئيس وزراء السويد القيام بمهمة مبعوث دولي لتحقيق السلام بين العراق وايران. قام السيد بالمة يرافقه المستشار النمساوي برونو كرايسكي بخمسة جولات لتحقيق السلام، فشلت جميعها بسبب التعنت الايراني، ورفض القيادة الايرانية التعامل مع المبادرة بشكل ايجابي.
كنموذج للموقف السلبي، وغير العقلاني للقيادة الايرانية من مبادرة السيد أولف بالمة نورد تصريح محمد علي رجائي رئيس الحكومة الايرانية حينذاك لإذاعة (مونت كارلو) في 18/11/ 1980، حيث قال رجائي “إن مهمة المبعوث الدولي لن تغير شيئا بالنسبة للحرب، وأن الحرب يحسمها أولئك اللذين يتقاتلون وليس السيد أولف بالمه أو أية هيئة دولية”!. بعد 17 عشر شهرا وخمسة جولات عمل في البلدين أعلن السيد بالمه بأن جميع محاولاته في التوسط بين البلدين قد وصلت إلى طريق مسدود.
* في 25/5/1982، وجه الأمين العام الجديد دي كويلار رسائل إلى حكومتي الدولتين عارضا التوسط لإنهاء الحرب بعد حصوله على تخويل مجلس الأمن لا يجاد السبل الكفيلة بإيقاف الحرب. قبل العراق الدعوى ورفضتها ايران. الرفض الايراني جاء عبر “فراساتي” مندوب ايران الدائم في الأمم المتحدة. حين صرح “أن ايران لا تقبل المبادرة وأنها تعارض اجتماع مجلس الأمن، وأن الاجتماع غير ضروري وأنها ترفض أوراق العمل المقدمة للمجلس بخصوص النزاع”.
* في 12/6/1984 أعلن الأمين العام ديكويلار رغبة مجلس الأمن في ضرورة التزام الطرفين بقرارات مجلس الأمن السابقة ووقف النزاع بين البلدين، وخاصة قرار المجلس رقم (540 ) الصادر في 31 تشرين الأول عام 1983.
3 – مبادرات منظمة المؤتمر الإسلامي “لجنة المساعي الحميدة”.
قد يكون من المفيد أن نثبت بأن الجهود الإسلامية لوقف النار وتسوية النزاع المسلح بين ايران والعراق بدأت في وقت مبكر جدا من الأزمة، وبعد نشوب الحرب في 4-9- 1980 مباشرة. ففي 15/9 شكلت باكستان ودول إسلامية أخرى فريقا مكونا من وزراء خارجية للعمل على إيجاد السبل الكفيلة بوقف إطلاق النار بين البلدين وإجراء مفاوضات بين بغداد وطهران (تقرير وكالة “رويتر” من بيروت 16-9-1980 ).
* بين 27 – 28 أيلول أجرى الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق والسيد الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي مباحثات موسعة مع قيادة البلدين. رحب العراق بمبادرتهم واستقبلهم الرئيس العراقي وتعهد على التعاون من أجل إنجاح مساعيهم، إلا أن الخميني رفض استقبال الوفد معلنا “أن الحرب ستستمر حتى آخر جندي ايراني”.
* في 6 تشرين الأول 1980، جددت المنظمة مبادرتها فأكد العراق رسميا قبول المبادرة وإطارها، وأكد عدم وجود نوايا عراقية للبقاء في الأراضي الايرانية. لكن القيادة الايرانية كعادتها رفضت قبول المبادرة.
إحدى الأفكار التي طرحتها اللجنة من خلال السيد الحبيب الشطي “وقف العمليات الحربية بين البلدين خلال فترة الحج الواقعة بين 8 إلى 22 تشرين الأول وفقا لأحكام الشريعة التي تحرم القتال في هذا الشهر المبارك للأمة الإسلامية. استجاب العراق رسميا لكن القيادة الايرانية رفضت الفكرة.
* في 12 تشرين الأول زار الحبيب الشطي طهران وصرح أثناء زيارته وفقا لما نشرته صحيفة (السفير) اللبنانية يوم 12 تشرين الأول “إن موقف ايران لا يزال بعيدا جدا عن موقف العراق، وأن ايران مصرة على عدم إجراء مفاوضات أو القبول بوقف للعمليات العسكرية”.
* إثر مؤتمر الطائف تشكلت لجنة المساعي الحميدة التي قامت بثلاث جولات بين البلدين. الأولى في آذار 1981، الثانية في تشرين الأول 1981، والثالثة في آذار 1982، طرحت اللجنة مجموعة من الأفكار لحل الأزمة قبلها العراق دون تحفظ، إلا أن ايران رفضت المقترحات لقناعتها بقدرتها على تحقيق مكتسبات ونتائج من خلال ساحات القتال لا من خلال منضدة المفاوضات.
* في 6 تشرين الأول 1981 قدم السيد الحبيب الشطي اقتراحا جديدا تضمن إجراء تحقيق لتحديد مسؤولية الطرف البادىء في الحرب، يصاحبه وقف إطلاق النار وانسحاب القوات العراقية من الأراضي الايرانية.
* في آذار 1982 توجه الرئيس الغيني احمد سيكوتوري مع أعضاء لجنة المساعي الحميدة إلى بغداد طارحا أفكارا جديدة قبلها العراق، إلا أن ايران رفضت المبادرة من خلال تصريح رئيس الجمهورية علي خامنئي نشرته صحيفة (السفير) اللبنانية في عددها الصادر يوم 20/3/1982. “إن ايران ستقاتل حتى انتصار الإسلام، وأن تجديد الوساطات لإنهاء الحرب رتبت بإيحاء من أمريكا لسلب ايران انتصارها من ميدان المعركة”!!.
* في 29/4/1982 تقدمت اللجنة بخطة مكونة من أربع نقاط لإنهاء الصراع المسلح بين البلدين، رفضت ايران المبادرة وقبلتها الحكومة العراقية كما نقلت صحيفة (الرأي العام الكويتية) في عددها الصادر في 29/4/1982.
* في 16/2/1983 أعلنت القيادة العراقية استعدادها للتفاوض مع ايران في أي وقت أو مكان تحدده القيادة الايرانية للتفاوض وإن كان المكان في طهران وفقا لما نشرته صحيفة (الأهرام) القاهرية في عددها الصادر يوم 17/2 /1983.
* في 19/12/1984 طالب المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في صنعاء في ضرورة لجوء الطرفين للمفاوضات ووقف العمليات العسكرية.
4 – مبادرات منظمة عدم الانحياز / لجنة النوايا الحسنة.
في 20 تشرين الأول 1980 أعلن مكتب التنسيق التابع لحركة عدم الانحياز عن تشكيل لجنة وزارية لإيجاد حل للنزاع المسلح بين العراق وايران. فتشكلت لجنة أطلق عليها اسم لجنة “النوايا الحسنة ” برئاسة السيد ايسيدرو مالميركا وزير خارجية كوبا وعضوية وزراء خارجية كل من الباكستان وزامبيا والهند ومنظمة التحرير الفلسطينية. بعد ساعات قليلة من إعلان تشكيل اللجنة، أذاع راديو طهران نص رسالة رئيس الجمهورية الايراني طالب فيها البلدان الأعضاء في منظمة عدم الانحياز “إدانة العراق” كشرط مسبق لاستقبال اللجنة في طهران. مقابل هذا التعنت الايراني، أعلنت الحكومة العراقية قبولها التعامل مع اللجنة دون شروط مسبقة.
* في 13/5 /1981 أصدرت لجنة “النوايا الحسنة” بيانا أعربت فيه عن ارتياحها لنتائج اجتماعاتها في بغداد، وأشادت باستعداد العراق الدائم للتعاون مع اللجنة وفقا لما ورد في خبر نشرته صحيفة (الرأي) الأردنية الصادرة في اليوم المذكور. إلا أن أعضاء اللجنة أصيبوا بإحباط شديد إثر مقابلتهم محمد علي رجائي في طهران، حيث أخبرهم “بأن الرحلات المكوكية بين طهران وبغداد لا تنفع بشي، وأن مصير الحرب سيتقرر على الجبهات”.
* في 8 آب 1981، أطلقت اللجنة محاولة جديدة فزارت بغداد وطهران إلا أنها أخفقت في تحقيق نتائج ايجابية.
* في 12/3/1983 أعلنت رئيسة وزراء الهند ورئيسة مؤتمر دول عدم الانحياز السيدة أنديرا غاندي مبادرة جديدة لإنهاء الحرب إثر انعقاد المؤتمر.
* في 16/8/1984 قدمت حركة عدم الانحياز مبادرة جديدة لإنهاء الحرب بالاشتراك مع جمهورية مصر العربية رفضتها ايران وقبل بها العراق.
5 – مبادرات سلام أخرى رفضتها القيادة الايرانية
إلى جانب المبادرات المفصلة أعلاه، هنالك مبادرات أخرى تقدمت بها شخصيات وهيئات دولية أهمها:
* مبادرة قدمها مؤتمر كولمبو الإسلامي المنعقد في 1981، حيث اتخذ المؤتمرون قرارا بضرورة وقف إطلاق النار واللجوء للصلح.
* مبادرة قدمها المؤتمر الإسلامي الشعبي الأول عام 1983، حيث اتخذ المؤتمرين قرارا بتأليف لجنة لإصلاح البين وفقا لمبادىء الدين الإسلامي الحنيف، إلا أن ايران رفضت استقبال اللجنة.
* مبادرة الندوة الإسلامية العالمية في إسلام – أباد الباكستنانية عام 1984 التي دعت إلى إنهاء الحرب.
* مبادرة الندوة الإسلامية العالمية في دكار/السنغال عام 1985 التي رحبت بمواقف العراق واستجابته لنداءات الصلح ووجهت نداء إلى النظام الايراني طالبت فيه وقف الحرب والدخول في مفاوضات لإنهاء النزاع.
* مبادرة المؤتمر الإسلامي الشعبي الثالث المنعقد في بغداد عام1985، التي دعت قيادة البلدين للوقف الفوري للقتال والعودة إلى الحدود الدولية، والتفاوض المباشر للوصول إلى حل سريع وعادل ومشرف يحفظ حقوق البلدين.
* إعلان المجموعة الأوروبية في 23 – 9- 1985، ودعوتها إلى الوقف الفوري لإطلاق النار.
لقد أصرت القيادة الايرانية على مواصلة الحرب وأعلن أركانها في أكثر من مناسبة رفضهم التفاوض مع العراق قبل أن يوافق العراق على شروطهم دون أن يفصحوا بشكل واضح عن مطالبهم، وإن أعلنوا، فأن إعلانهم كان ضبابيا ومغالطا باستثناء ما صرح به السفير الايراني في موسكو.
في 29 أيلول 1980 عقد السفير الايراني في موسكو حينذاك “محمد المقرين” مؤتمرا إعلاميا نشرت وقائعه العديد من الصحف الأجنبية بما فيها صحيفة (لوموند) الفرنسية في عددها الصادر يوم 1-10-1980 أعلن فيه، أن إجراء مفاوضات مع العراق يخضع لشروط أساسية منها:
1- سقوط النظام العراقي وإنهائه.
2- احتلال ايران لمدينة البصرة العراقية كضمانه أو كغرامة عن خسائر الحرب على أن يتم إجراء استفتاء بعد ذلك في المدينة لتقرير مصير شعبها وتحديد تبعية العراق لايران.
3- إجراء استفتاء في كردستان العراقية لتقرير مصيرها واستقلالها الذاتي أو إلحاقها بايران.
خاتمة
تأسيسا على ما تم عرضه في الفقرات السابقة وفي ضوء الأدلة والقرائن المقدمة يمكن تثبيت المسلمات التالية:
أولا: إن القيادة الايرانية و”مرشدها الأعلى” الخميني، يتحملون السؤولية الكاملة لاندلاع الحرب.
ثانيا: إن الحرب قد بدأت في الرابع من أيلول 1980 إثر قيام القوات الايرانية في الزحف العسكري على الأراضي العراقية في (سيف سعد) و(زين القوس) واحتلالها ومن خلال مهاجمتها المدن والمنشآت العراقية، وليس في 22 أيلول 1980 كما تدعي ايران.
ثالثا: مسؤولية القيادة الايرانية عن إطالة أمد الحرب من خلال رفضها لجميع المبادرات المقدمة لإنهاء النزاع المسلح بين البلدين.
رابعا: الموقف المسؤول للقيادة العراقية، المستند على ثوابت وطنية وقومية راسخة، ورغبة صادقة في السلام سواء من خلال قبولها جميع قرارات مجلس الأمن، ودعوات الجمعية العامة للأمم المتحدة واستجابتها للمبادرات الدولية المقدمة لوقف النزاع المسلح، أو من خلال المبادرات التي طرحتها لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات لإيجاد السلام والأمن والتعاون المشترك بين البلدين.
خامسا: مسؤولية القيادة الايرانية عن جميع التبعات الأخلاقية والقانونية للحرب بما فيها تعويض شعب العراق عن الخسائر المالية والاقتصادية والبشرية للحرب.
سادساً: أحقية العراق في تعويضات الحرب وغراماتها وفقا للبند السادس من ميثاق الأمم المتحدة