- إنضم
- 14/5/19
- المشاركات
- 5,688
- التفاعلات
- 30,132
بسم الله الرحمن الرحيم
1441/9/8 - 2020/5/1
أطول حروب القرن العشرين، نشبت بين العراق وإيران في سبتمبر/أيلول 1980 وانتهت في أغسطس/آب 1988 وخلفت أكثر من مليون قتيل، وألحقت أضرارا بالغة باقتصاد البلدين.
ظلت مشكلة ترسيم الحدود بين العراق وايران، لاسيما في الممر المائي "شط العرب"، مصدر التوتر الرئيسي بين العراق وايران منبع الكثير من الخلافات والتصادمات التي بلغت ذروتها في حرب دامية ضروس بين البلدين تواصلت لثمانية اعوام. وشط العرب هو ممر مائي ينتج عن التقاء نهري دجلة والفرات ويصب في الخليج، ويبلغ طوله 204 كم، أما عرضه فمتفاوت فهو عند المصب يبلغ أكثر من كيلومترين، ويصل عرضه عند مدينة البصرة إلى حوالي الكيلومتر الواحد.
وقد منحت المعاهدات التاريخية التي ورثها العراق عن الدولة العثمانية له الحق في السيادة على هذا الممر المائي عدا مناطق محددة أمام "المحمرة" و"عبادان". وظلت إيران تطالب بتقاسم السيادة على مياه الشط بينما كان العراق يجد في الشط منفذه الأساسي الى الخليج لاسيما انه يعاني ندرة منافذه إلى مياه الخليحجالعميقة التي تسهل استقبال وارداته ووصوله صادراته إلى الموانئ العالمية.
الـخــــــــلاف الـحــــــــــدودي
يعود الخلاف على شط العرب إلى فتراتٍ قديمة، فطيلة العهد العثماني ظل خط تماسٍ ساخنا بين الدولة العثمانية وإيران بمختلف الدول التي قامت فيها، وظل خاضعا للدولة العثمانية بموجب اتفاقية القسطنطينية (1913) التي نصت على أنّ السيادة الإيرانية تقتصر على مناطق شرق شط العرب وبعض الجزر الموجودة في أسفل وادي الرافدين. وفي عام 1937 تم توقيع أول معاهدة بين إيران والدولة العراقية الحديثة لترسيم الحدود بين البلدين، استندت إلى المعاهدات السابقة بين الدولتين العثمانية والفارسية. ويرجع أول تحديد للحدود بين العراق وإيران إلى زمن بعيد يسبق حتى معاهدة "ويستفاليا" التي وضعت أسس القانون الدولي عام 1648 عندما وقعت إتفاقية عثمانية فارسية باسم معاهدة "زوهاب" في 17 مايو /ايار عام 1639 هي معاهدة السلام وترسيم الحدود بين الدولتين العثمانية والفارسية. وسبقت هذه المعاهدة معاهدة اخرى بين الدولتين كانت معاهدة عسكرية لوقف القتال بين الجانبين عرفت باسم معاهدة "أماسية" عام 1555.
بدأ الاهتمام بالحدود في منطقة شط العرب في أربعينيات القرن التاسع عشر مع تزايد نفوذ شيخ المحمرة في هذه المنطقة في تلك المنطقة، وتنازع العثمانيين والفرس على السيادة على هذه المناطق التي تسكنها عشائر عربية. وحددت اتفاقية أرضروم الثانية التي وقعت في 31 مايو/ أيار 1847 بين الحكومتين العثمانية والفارسية، بتوسط من القوى الكبرى في حينها بريطانيا وروسيا، لاول مرة، الحدود في شط العرب التي وصفت في عبارات عامة دون تحديد دقيق.
وقد تنازلت الحكومة الفارسية للحكومة العثمانية عن مطالبتها بمدينة السليمانية إلى جانب جميع الأراضي المنخفضة، أي الأراضي الكائنة في القسم الغربي من منطقة "الزاب". مقابل سيادتها على مناطق على المحمرة والضفة الشرقية من النهر. وحددت اتفاقية 1937 الحدود في شط العرب نفسه وصولا إلى عبدان، وكان الخلاف الحدودي أحد الأسباب التي أجلت اعتراف إيران باستقلال العراق سنوات، فقد كانت إيران تنظر إلى الجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية والعامر بالمزارات كعمقٍ روحي واجتماعي يعسر التخلي عنه.
وفي عام 1975، وقع العراق وإيران اتفاقية الجزائر (6 مارس/آذار 1975)، وتضمنت تخلي إيران عن دعم الأكراد في شمال العراق مقابل اعتراف بغداد بشط العرب بالتناصف بين البلدين من خلال إعادة ما يعرف بخط التالوك إلى سابق عهده. بيد أنَّ اتفاقية الجزائر أكدت مضامين اتفاقية القسطنطينية وجعلت منها قاعدة لترسيمٍ مستقبلي للحدود بين البلدين. وقبل اتفاق الجزائر، كانت إيران قد انتهزت فرصة إخلاء بريطانيا جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى فاستولت عليها رغم مطالب دولة الإمارات العربية المتحدة.
خــــــلاف عـلــــى الـتـفــســـــيـر
وحددت المادة الثانية من ملحق المعاهدة بعبارات غامضة هذه الحدود بقولها "تعترف الحكومة العثمانية، بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية (الإيرانية) التامة على مدينة "المحمرة" ومينائها، وجزيرة "الخضر" (عبادان) ومرساها والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية - أي الضفة اليسرى - من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس، فضلا عن ذلك يحق للسفن الفارسية الملاحة في النهر المذكور بملء الحرية من محل مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين".
وظل الخلاف قائما بين الممثلين التركي والفارسي في لجنة المعاهدة على تفسير الفقرة الثانية، حتى اضطر ممثل بريطانيا في اللجنة الكولونيل وليامز عام 1850 إلى رسم خط للحدود يعكس بأقصى دقة ممكنة ما اشارت اليه هذه الفقرة، وقد رسم خط الحدود على إمتداد الضفة الشرقية لشط العرب من نقطة اتصاله مع قناة "الجديدة" في الشمال حتى مياه الخليج في الجنوب. وظل الخلاف قائما بين الحكومتين حتى نهاية العام التالي حيث أقرا بإحترام خط الحدود الذي رسمه الكولونيل وليامز على اسسس مؤقتة مع الحفاظ على الوضع القائم.
لم تمنع المعاهدة المذكورة من اندلاع حروب واحتكاكات وتجاوزات مختلفة بين الجانبين حتى نوفمبر /تشرين الثاني 1911 حيث توسطت بريطانيا وروسيا القيصرية بعد تدهور العلاقات بين الفرس العثمانيين من جديد. ونجحتا في عقد اتفاق جديد عرف باسم اتفاق طهران نص على تشكيل لجنة مشتركة تضم بريطانيا روسيا القيصرية إلى جانب البلدين. لبحث الخلاف الحدودي بينهما.
الـتـفـتـــيـش عــن الـنــــفــط
ودخل النفط الذي اكتشف بكميات قابلة للاستثمار التجاري في منطقة مسجد سليمان عام 1908 كعامل أساسي في محاولة إيجاد ترسيم جديد للحدود. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1913 تم التوصل إلى اتفاق جديد وقع في الاستانة (عاصمة الدولة العثمانية في حينها) سمي باسم بروتوكول الاستانة، تنازلت الحكومة العثمانية فيه عن جزء من سيادتها على مياه شط العرب امام منطقة "المحمرة" وبطول 7.25 كم ، بيد انه ترك السيادة على شط العرب للدولة العثمانية عدا المناطق التي تم استثنائها.
كما ترك الاتفاق للجنة الرباعية مهمة تحديد الحدود، ونص على أنه "في حال الاتفاق على تحديد قسم من الحدود يعتبر ذلك القسم قد ثبت نهائيا ولا يكون عرضة لأي تدقيق أو تعديل فيما بعد". وواصلت لجنة ترسيم الحدود عملها ولم تتوقف عند اندلاع الحرب العالمية الاولى حتى دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب المانيا وتمكنت من تحديد ما يقارب من 1898 نقطة حدودية على امتداد الحدود من الخليج حتى الحدود الايرانية التركية الحالية شمالا.
دولـتـــــــان جـــديــدتــــان ومـشـــــــــاكـل قـديــمـة
بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 تحت الانتداب البريطاني رفضت الدولة الفارسية الاعتراف بها لثمانية اعوام، وكانت ايران في تلك المرحلة تمر ايضا بحالة تحول سياسي اذ قام رضا شاه بهلوي الذي كان قائدا لفرقة القوزاق الفارسية في عهد دولة القاجاريين ووزيرا للدفاع بحل الحكومة، وتعيين نفسه رئيسا للوزراء حتى عام 1925 ، حيث خلع آخر شاهات القاجاريين وأعلن نفسه شاها جديدا وعلى رأس سلالة جديدة حكمت ايران هي السلالة البهلوية.
وفي عام 1932 زار ملك العراق آنذك فيصل فارس برفقة رئيس وزرائه نوري السعيد، إيران وصدر بيان عن الزيارة يدعو الى التفاوض لحل الخلافات الحدودية بين البلدين. وفي 18 تموز عام 1937 عقدت أول معاهدة صداقة بين العراق إيران (تحول اسم فارس إلى ايران عام 1934) واعقبها توقيع اتفاقية اخرى لحل الخلافات بين الجانبين بالطرق السلمية. وفي 1938/12/8 جرى الاتفاق على تنظيم اعمال لجنة خاصة لترسيم الحدود بين البلدين. في البروتوكول الملحق بمعاهدة عام 1937 أقرت إيران بالحدود على وفق محاضر جلسات لجنة ترسيم الحدود لسنة 1914 المنبثقة بروتوكول الاستانة عام 1913، وبحقوق العراق في مياه شط العرب وتنظيم حقوق الملاحة فيها عدا مناطق محددة، بعد أن حصلت على تنازل جديد من الحكومة العراقية بإعطائها مساحة جديدة (7.75 كم) امام جزيرة عبادان على امتداد خط "الثالوك" فضلا عن السماح للسفن الحربية الايرانية بالدخول عبر شط العرب حتى الموانئ الايرانية.
شهدت تلك المرحلة تعاونا بين النظامين الملكيين العراقي والايراني، لا سيما في شؤون الامن الاقليمي، بيد ان الخلافات الحدودية لا سيما حول شط العرب ظلت كامنة، وكانت ايران تستغل الفرص للمطالبة باقتسام مياه النهر على اساس خط الثالوك (وهي كلمة ألمانية يقصد بها الخط المتكون من إمتداد أعمق نقطة في المقاطع المتتالية للنهر). تقدمت المفوضية الإيرانية ببغداد إلى وزارة الخارجية العراقية في 4 نيسان/ ابريل 1949 بمذكرة أرفقت بها مسودة لاتفاقية بشأن صيانة وتحسين الملاحة في شط العرب تشكل بموجبها لجنة تعطى صلاحيات واسعة في التشريع والتنفيذ والقضاء والادارة واستيفاء العوائد. وقد رفضت الحكومة العراقية المقترح الايراني. وفي عام 1957 اقترحت الحكومةالعراقية تكليف وسيط محايد من السويد لحل الخلافات بين البلدين.
شاه إيران - محمد رضا بهلوي
مـشــــــكــلات مـع الـنــــــظــام الـجـــمــــــهــوري
استثمر الشاه ما حدث في العراق من انقلاب سياسي وتحول من النظام الملكي إلى الجمهوري ليطالب بترسيم الحدود في شط العرب بالاعتماد على خط الثالوك. وتوترت العلاقات بي البلدين كما رد رئيس الوزراء العراقي، عبد الكريم قاسم، بالمطالبة بإقليم خوزستان (عربستان) ووصل الامر إلى اشتباكات محدودة على الحدود بن البلدين لكنها لم تتطور إلى حرب واسعة.
ظلت المشكلة معلقة طوال عقد الستينيات وفي عام 1964 اتفقت الحكومتان الإيرانية والعراقية على استئناف المباحثات في طهران حول المشاكل الحدودية ومشكلة شط العرب وظلت هذه المحادثات متعثرة لأربع سنوات دون نتيجة واضحة. في عام 1969 استغل الشاه ضعف النظام البعثي الجديد الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام واحد فقط وقام بإعلان الغاء معاهدة عام 1937 من جانب واحد، كما قامت إيران بتحشيد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بين العراق. وفرضت إيران أمرا واقعا على الملاحة في شط العرب بمعزل عن اشتراطات المعاهدة السابقة، معلنة أنها ستعتبر المياه العميقة وسط النهر (خط الثالوك) حدا لتقاسم السيادة على الممر المائي، ولم تقم الحكومة العراقية برد واضح إلا أنها وجهت أنظارها نحو ميناء ام قصر وخور الزبير كمنافذ على الخليج.
في 1975/3/6 وقع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي صدام حسين اتفاق مصالحة في الجزائر، إبان اشتداد التمرد الكردي في العراق. ونص الاتفاق على تسوية الخلاف الحدودي بين البلدين حول شط العرب والمناطق الحدودية الاخرى، وقام العراق لأول مرة بالتنازل عن حقوقه في المعاهدات السابقة بالسيادة على الممر المائي واعتماد خط الثالوك اساسا لترسيم الحدود في شط العرب مقابل وقف إيران لدعمها للتمرد الكردي في شمال العراق.
نائب الرئيس العراقي صدام حسين، الرئيس الجزائري هواري بومدين، شاه إيراين محمد رضا بهلوي - الجزائر 1975
الـســـــــــــيـاق الـســـــــيـاسـي
قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ورفع قادة إيران الجدد شعار تصدير الثورة الذي كان يُقلق الدول العربية المحيطة بإيران وفي مقدمتها العراق ودول الخليج. كان نظام البعث في العراق يستشعر هذا الخطر بشكلٍ حاد نظرا للوجود الشيعي القديم في البلد الذي هو منشأ التشيع أصلا، وتوجد فيه أهم المزارات (كربلاء، النجف،...)، كما أنَّ التنظيمات الشيعية في العراق -خاصة حزب الدعوة- كان لها حضورٌ وازن يجعل منها رأس حربةٍ حادا في أي مخطط إيراني للاستيلاء على السلطة. وفي المقابل، كانت إيران ترصد بتوجس وصول صدام حسين للسلطة في العراق عام 1979 خلفا للرئيس أحمد حسن البكر. وتزايدت المخاوف الإيرانية مع توقيعه ميثاق الدفاع العربي في فبراير/شباط 1980، الذي اعتبرته إيران عملا عدائيا يستهدفها ويُجيش دول المنطقة ضدَّها في صراعٍ حدودي تعتبر أنه يجب أن يحافظ على طابعه الثنائي.
الخميني وهو مؤسس جمهورية إيران الإسلامية وقائد الثورة الإسلامية عام 1979
نــــذر الــحــــــــرب
لكن نظام الحكم في العراق استغل فوضى الأوضاع في ايران بعد إنهيار نظام الشاه وعودة آية الله الخميني الى بلاده التي اعلنت جمهورية اسلامية، ليطالب لاول مرة في 1979/10/30 بـ "مراجعة اتفاقية الجزائر وتطبيع العلاقات بين البلدين" وبانسحاب إيران من جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والكف عن ما وصفه البيان العراقي إعلان بالمطالب "الشوفينية" في بعض مناطق الخليج، وتسوية مشاكل الأقليات العربية والكردية وغيرها.
وتصاعدت التوترات بين البلدين وبدأت نذر الحرب تلوح في الافق مع تصاعد التدخلات في الشؤون الداخلية بينهما تقديم بغداد وطهران دعما لأطراف المعارضة في البلد الاخر، فضلا عن الحملات الإعلامية. فقد دعت ايران إلى اسقاط نظام صدام حسين وتصدير ثورتها الاسلامية الى العراق، كما حدثت اشتباكات حدودية بين البلدين واتهامات متبادلة بقصف المدن والقصبات الحدودية، وصلت ذروتها في الرابع من ايلول/ سبتمبر حيث اتهم العراق ايران بقصف مناطق حدودية في خانقية ونفط خانه. كما اتهم ايران باستخدام الطائرات لقصف المناطق الحدودية العراقية ،قائلا أنها اسقط بعضها وأسر احد طياريها.
وفي 1980/9/17 ألغى صدام حسين اتفاقية الجزائر التي وقعها مع الشاه عام 1975 داعيا الى عودة السيادة العراقية على كامل شط العرب فضلا عن مطالبة إيران "بالاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، وإنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج العربي عند مدخل مضيق هرمز، وكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق". لكن ايران أدانت ذلك واعتبرته اعلانا للحرب عليها.
قال غاري سيك مساعد مستشار الأمن القومي الامريكي (بريجنسكي) لشؤون الخليج إبان إدارة كارتر أن صدام حسين "اتصل فعلا بالعمانيين والاماراتيين والسعوديين، وقال لهم انه بات جاهزا لشن حرب ايام ستة فاعلة. وستكون القاضية لاسقاط النظام الثوري في ايران. لكن عليه ان يستخدم قواعدهم لكي يقوم بذلك. وقد وافق العديد منهم ". واضاف " نحن اكتشفنا ذلك قبل يوم واحد من التنفيذ، وفي الغالب عندما كانت الطائرات في الجو متجهة في هذا الاتجاه. واتذكر اننا اتصلنا بعمان وابلغناهم بأن عليهم ان ينتظروا ويفكروا".
ونفى المسؤول الأمريكي السابق سيك ان تكون الولايات المتحدة قد اعطت الضوء الاخضر للعراق لبدء الحرب، كما نفى وجود أي تنسيق مع الجانب العراقي، مضيفا "الواقع، اذا كنا قد فعلنا شيئا فهو العكس. لاننا كنا في تلك الايام نحاول ان نفتح علاقة مع الحكومة الجديدة، الحكومة الثورية، وفعلا قمنا بارسال مبعوثين اليهم لابلاغهم عن حقيقة أن صدام كان يحشد قواته".
ووصف الهجوم العراقي في 22 /9/ 1980 بأنه كان مفاجأة في منظور ادارة الرئيس الامريكي كارتر، واصفا لحظة معرفته ومستشار الامن القومي بريجنسكي بالهجوم بقوله: "كنت مع بريجنسكي في ذلك الصباح الذي حدث فيه الهجوم، وعندما سمعت به لأول مرة هرعت إلى مكتبه، وجدت في مكتبي خارطة تبين توزيع الحدود وأنابيب النفط، اخذتها معي الى مكتبه وجلسنا على الأرض ونشرنا الخارطة وبدأنا في النظر اليها لتحديد الوضع الاستراتيجي".
ويرى بافل اكوبوف رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس والسفير السابق للاتحاد السوفياتي في الكويت أن "السبب الرئيسي، وإن ربط بشط العرب، هو النفط". فضلا عن التناقضات والخلافات الدينية "وما للطرفين من مخططات طموحة للسيطرة على الخليج وعلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها". وكشف آكوبوف عن أن الاتحاد السوفياتي حينذاك الذي كان قد قطع توريد الاسلحة إلى العراق (عاد لتقديمها له لاحقا بعد عام 1982)، قد عرض على القيادة الايرانية عبر سفيره فيها انذاك فلاديمير فينوغرادوف تزويدهم بـ " الدعم العسكري وتوريدات الاسلحة، لكن القيادة الايرانية رفضت هذا الاقتراح معلنة انها لا تستطيع القبول بهذه المساعدة لان الاتحاد السوفياتي يدعم العراق ولان الاتحاد السوفياتي قام بغزو افغانستان".
الـحـــــــــــــــــرب
اندلعت الحرب لعدة أسباب على رأسها الدعاية الإيرانية القائمة على تصدير الثورة واشتداد الخلاف بين العراق وإيران حول ترسيم الحدود خاصة في منطقة شط العرب المطلة على الخليج العربي الغني بالنفط بالإضافة إلى الاشتباكات العسكرية المتقطعة بين البلدين. وفي الرابع من سبتمبر/أيلول 1980، اتهمت العراق إيران بقصف البلدات الحدودية العراقية معتبرة ذلك بداية للحرب، فقام الرئيس العراقي صدام حسين في 17 سبتمبر/أيلول بإلغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءا من المياه الإقليمية العراقية. وفي 22 شهر ايلول/ سبتمبر 1980دفع صدام حسين بقواته إلى داخل الاراض الايرانية.
مع تواتر الحوادث القتالية على الحدود، قرر مجلس قيادة الثورة العراقية في 22 سبتمبر/أيلول 1980، شنَّ حملةٍ عسكرية ضد إيران، وتقدم الجيش العراقي سريعا، وكان تقدير القيادة العراقية يقول إن الحرب ستكون خاطفة ومحدودة لظنها أن الجيش الإيراني كان ضعيفا بعد حملة اعتقالات نفذتها السلطات الإيرانية الجديدة لعدد من كبار قادة الجيش الإيراني إبان عهد الشاه، ثم بدأت حرب ضروس بين البلدين عدت الأطول في القرن العشرين وأحد أكثر حروبه دموية.
بيد أنَّ تقدم القوات العراقية أذكى تعبئة وطنية قومية شاملة تُغذيها الدعاية الرسمية الإيرانية القائمة على بعدين: أحدهما بُعد ديني يُسوق أنَّ الحرب بين نظام إسلامي وآخر علماني بعثي. ما البعد الثاني فإذكاء جذوة القومية الفارسية وأمجادها الغابرة. وبعد المكاسب الأولية للجيش العراقي -وأهمها السيطرة على المحمرة وعبدان ومناطق في وسط إيران- فإنَّ التعبئة الإيرانية الواسعة أوجدت قدرا من التوازن انعكس في ثباتِ مواقع الفريقين بين ديسمبر/كانون الأول 1980 و ديسمبر/كانون الأول 1981. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قراره رقم 479 في 28 سبتمبر/أيلول 1980 يدعو فيه الطرفين إلى وقف القتال والمبادرة إلى التفاوض لكن طرفي الصراع لم يبديا أي اهتمام بالقرار.
وبحلول فبراير/شباط 1982، استعاد الجيش الإيراني عبدان ومناطق واسعة في وسط البلاد. وفي مايو/أيار الموالي استعاد خورامشاه، وبحلول الصيف كان الجيش الإيراني قد بدأ شن هجماتٍ في عمق الأراضي العراقية. قبِل العراق قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن في يوليو/تموز 1982، لكن إيران رفضت الالتزام به.
في العامين المواليين، ركزت إيران جهدها على السيطرة على البصرة فردَّ العراق بإطلاق حرب المدن في أبريل/نيسان 1984، وهي حملات جوية كثيفة استهدفت المدن الإيرانية، وردَّت عليها إيران بقصفٍ صاروخي لأهداف عسكرية واقتصادية عراقية. وبينما كانت الحرب تدور رحاها على الأرض، كانت هناك حرب أخرى تستهدف ناقلات النفط والسفن التجارية للبلدين قبل أن تتوسع لتشمل الدول الداعمة، ومن ذلك مهاجمة سفن حربية إيرانية عددا من السفن التجارية الكويتية ما دعا الكويت إلى طلب المساعدة الدولية لحماية سفنها.
الـــــــدور الإقـلــــــيـــمـي والــــدولــــــي
انحازت الدول العربية -باستثناء الجزائر وليبيا وسوريا- للعراق، فاستفاد من دعمٍ سخي من دول الخليج لتغطية كلفة الحرب الباهظة، فقد بلغ المجهود الحربي والتسليحي العراقي أحيانا أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا. أما بالنسبة للفاعلين الدوليين فظل دورهم هامشيا إلى حدود 1986، حين شرعت إيران في استهداف ناقلات النفط الكويتية، فطلبت الكويت حماية أميركية تردَّدت واشنطن أولا في تقديمها ثم قررت نشر سفن حربية في الخليج لمرافقة الناقلات الكويتية.
وحصل العراق على حاجته من الأسلحة من فرنسا أولا ثم من الصين والاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، وكذلك من الولايات المتحدة على نطاقٍ أقل، وإنْ كانت مصادرُ عدة تتحدث عن حصول العراق على دعمٍ لوجستي غربي (أميركي، بريطاني وفرنسي..) تمثل في صور بالأقمار الصناعية لمواقع الجيش الإيراني وتحركاته، وكذلك تقديم قطع غيار ومعدات وذخائر. أما إيران فحصلت على أسلحة من بعض الدول الشيوعية وقطع غيار دبابات (أم 48 وأم 60) من دول أخرى، كما حصلت على دعم بالأسلحة والذخيرة من نظام الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد في سوريا ونظام العقيد الليبي معمر القذافي.
الـكـــــــلـفــــة والـتــــــبــعــــــــات
انتهت حرب الخليج في الثامن من أغسطس/آب 1988، ويُقدر خبراء اقتصاديون كلفة ثماني سنوات من الحرب بأكثر من أربعمئة مليار دولار، فضلا عن كلفة بشرية أهم وهي أكثر من مليون قتيل وأضعاف ذلك من المصابين والمعوقين. كما خلَّفت دمارا واسعا في البنية التحتية للبلدين وألحقت ضررا كبيرا بالمنشآت النفطية التي هي قوام اقتصاديهما.
* ومنذ انتهاء الحرب عام 1988 وحتى الآن والوضع القانوني لشط العرب على ما هو عليه يحكمه بروتوكول القسطنطينية 1913 ومحاضر جلسات الحدود 1914 واتفاقية 1937.
aljazeera
aljazeera
bbc
bbc
1441/9/8 - 2020/5/1
أطول حروب القرن العشرين، نشبت بين العراق وإيران في سبتمبر/أيلول 1980 وانتهت في أغسطس/آب 1988 وخلفت أكثر من مليون قتيل، وألحقت أضرارا بالغة باقتصاد البلدين.
ظلت مشكلة ترسيم الحدود بين العراق وايران، لاسيما في الممر المائي "شط العرب"، مصدر التوتر الرئيسي بين العراق وايران منبع الكثير من الخلافات والتصادمات التي بلغت ذروتها في حرب دامية ضروس بين البلدين تواصلت لثمانية اعوام. وشط العرب هو ممر مائي ينتج عن التقاء نهري دجلة والفرات ويصب في الخليج، ويبلغ طوله 204 كم، أما عرضه فمتفاوت فهو عند المصب يبلغ أكثر من كيلومترين، ويصل عرضه عند مدينة البصرة إلى حوالي الكيلومتر الواحد.
وقد منحت المعاهدات التاريخية التي ورثها العراق عن الدولة العثمانية له الحق في السيادة على هذا الممر المائي عدا مناطق محددة أمام "المحمرة" و"عبادان". وظلت إيران تطالب بتقاسم السيادة على مياه الشط بينما كان العراق يجد في الشط منفذه الأساسي الى الخليج لاسيما انه يعاني ندرة منافذه إلى مياه الخليحجالعميقة التي تسهل استقبال وارداته ووصوله صادراته إلى الموانئ العالمية.
الـخــــــــلاف الـحــــــــــدودي
يعود الخلاف على شط العرب إلى فتراتٍ قديمة، فطيلة العهد العثماني ظل خط تماسٍ ساخنا بين الدولة العثمانية وإيران بمختلف الدول التي قامت فيها، وظل خاضعا للدولة العثمانية بموجب اتفاقية القسطنطينية (1913) التي نصت على أنّ السيادة الإيرانية تقتصر على مناطق شرق شط العرب وبعض الجزر الموجودة في أسفل وادي الرافدين. وفي عام 1937 تم توقيع أول معاهدة بين إيران والدولة العراقية الحديثة لترسيم الحدود بين البلدين، استندت إلى المعاهدات السابقة بين الدولتين العثمانية والفارسية. ويرجع أول تحديد للحدود بين العراق وإيران إلى زمن بعيد يسبق حتى معاهدة "ويستفاليا" التي وضعت أسس القانون الدولي عام 1648 عندما وقعت إتفاقية عثمانية فارسية باسم معاهدة "زوهاب" في 17 مايو /ايار عام 1639 هي معاهدة السلام وترسيم الحدود بين الدولتين العثمانية والفارسية. وسبقت هذه المعاهدة معاهدة اخرى بين الدولتين كانت معاهدة عسكرية لوقف القتال بين الجانبين عرفت باسم معاهدة "أماسية" عام 1555.
بدأ الاهتمام بالحدود في منطقة شط العرب في أربعينيات القرن التاسع عشر مع تزايد نفوذ شيخ المحمرة في هذه المنطقة في تلك المنطقة، وتنازع العثمانيين والفرس على السيادة على هذه المناطق التي تسكنها عشائر عربية. وحددت اتفاقية أرضروم الثانية التي وقعت في 31 مايو/ أيار 1847 بين الحكومتين العثمانية والفارسية، بتوسط من القوى الكبرى في حينها بريطانيا وروسيا، لاول مرة، الحدود في شط العرب التي وصفت في عبارات عامة دون تحديد دقيق.
وقد تنازلت الحكومة الفارسية للحكومة العثمانية عن مطالبتها بمدينة السليمانية إلى جانب جميع الأراضي المنخفضة، أي الأراضي الكائنة في القسم الغربي من منطقة "الزاب". مقابل سيادتها على مناطق على المحمرة والضفة الشرقية من النهر. وحددت اتفاقية 1937 الحدود في شط العرب نفسه وصولا إلى عبدان، وكان الخلاف الحدودي أحد الأسباب التي أجلت اعتراف إيران باستقلال العراق سنوات، فقد كانت إيران تنظر إلى الجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية والعامر بالمزارات كعمقٍ روحي واجتماعي يعسر التخلي عنه.
وفي عام 1975، وقع العراق وإيران اتفاقية الجزائر (6 مارس/آذار 1975)، وتضمنت تخلي إيران عن دعم الأكراد في شمال العراق مقابل اعتراف بغداد بشط العرب بالتناصف بين البلدين من خلال إعادة ما يعرف بخط التالوك إلى سابق عهده. بيد أنَّ اتفاقية الجزائر أكدت مضامين اتفاقية القسطنطينية وجعلت منها قاعدة لترسيمٍ مستقبلي للحدود بين البلدين. وقبل اتفاق الجزائر، كانت إيران قد انتهزت فرصة إخلاء بريطانيا جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى فاستولت عليها رغم مطالب دولة الإمارات العربية المتحدة.
خــــــلاف عـلــــى الـتـفــســـــيـر
وحددت المادة الثانية من ملحق المعاهدة بعبارات غامضة هذه الحدود بقولها "تعترف الحكومة العثمانية، بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية (الإيرانية) التامة على مدينة "المحمرة" ومينائها، وجزيرة "الخضر" (عبادان) ومرساها والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية - أي الضفة اليسرى - من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس، فضلا عن ذلك يحق للسفن الفارسية الملاحة في النهر المذكور بملء الحرية من محل مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين".
وظل الخلاف قائما بين الممثلين التركي والفارسي في لجنة المعاهدة على تفسير الفقرة الثانية، حتى اضطر ممثل بريطانيا في اللجنة الكولونيل وليامز عام 1850 إلى رسم خط للحدود يعكس بأقصى دقة ممكنة ما اشارت اليه هذه الفقرة، وقد رسم خط الحدود على إمتداد الضفة الشرقية لشط العرب من نقطة اتصاله مع قناة "الجديدة" في الشمال حتى مياه الخليج في الجنوب. وظل الخلاف قائما بين الحكومتين حتى نهاية العام التالي حيث أقرا بإحترام خط الحدود الذي رسمه الكولونيل وليامز على اسسس مؤقتة مع الحفاظ على الوضع القائم.
لم تمنع المعاهدة المذكورة من اندلاع حروب واحتكاكات وتجاوزات مختلفة بين الجانبين حتى نوفمبر /تشرين الثاني 1911 حيث توسطت بريطانيا وروسيا القيصرية بعد تدهور العلاقات بين الفرس العثمانيين من جديد. ونجحتا في عقد اتفاق جديد عرف باسم اتفاق طهران نص على تشكيل لجنة مشتركة تضم بريطانيا روسيا القيصرية إلى جانب البلدين. لبحث الخلاف الحدودي بينهما.
الـتـفـتـــيـش عــن الـنــــفــط
ودخل النفط الذي اكتشف بكميات قابلة للاستثمار التجاري في منطقة مسجد سليمان عام 1908 كعامل أساسي في محاولة إيجاد ترسيم جديد للحدود. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1913 تم التوصل إلى اتفاق جديد وقع في الاستانة (عاصمة الدولة العثمانية في حينها) سمي باسم بروتوكول الاستانة، تنازلت الحكومة العثمانية فيه عن جزء من سيادتها على مياه شط العرب امام منطقة "المحمرة" وبطول 7.25 كم ، بيد انه ترك السيادة على شط العرب للدولة العثمانية عدا المناطق التي تم استثنائها.
كما ترك الاتفاق للجنة الرباعية مهمة تحديد الحدود، ونص على أنه "في حال الاتفاق على تحديد قسم من الحدود يعتبر ذلك القسم قد ثبت نهائيا ولا يكون عرضة لأي تدقيق أو تعديل فيما بعد". وواصلت لجنة ترسيم الحدود عملها ولم تتوقف عند اندلاع الحرب العالمية الاولى حتى دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب المانيا وتمكنت من تحديد ما يقارب من 1898 نقطة حدودية على امتداد الحدود من الخليج حتى الحدود الايرانية التركية الحالية شمالا.
دولـتـــــــان جـــديــدتــــان ومـشـــــــــاكـل قـديــمـة
بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 تحت الانتداب البريطاني رفضت الدولة الفارسية الاعتراف بها لثمانية اعوام، وكانت ايران في تلك المرحلة تمر ايضا بحالة تحول سياسي اذ قام رضا شاه بهلوي الذي كان قائدا لفرقة القوزاق الفارسية في عهد دولة القاجاريين ووزيرا للدفاع بحل الحكومة، وتعيين نفسه رئيسا للوزراء حتى عام 1925 ، حيث خلع آخر شاهات القاجاريين وأعلن نفسه شاها جديدا وعلى رأس سلالة جديدة حكمت ايران هي السلالة البهلوية.
وفي عام 1932 زار ملك العراق آنذك فيصل فارس برفقة رئيس وزرائه نوري السعيد، إيران وصدر بيان عن الزيارة يدعو الى التفاوض لحل الخلافات الحدودية بين البلدين. وفي 18 تموز عام 1937 عقدت أول معاهدة صداقة بين العراق إيران (تحول اسم فارس إلى ايران عام 1934) واعقبها توقيع اتفاقية اخرى لحل الخلافات بين الجانبين بالطرق السلمية. وفي 1938/12/8 جرى الاتفاق على تنظيم اعمال لجنة خاصة لترسيم الحدود بين البلدين. في البروتوكول الملحق بمعاهدة عام 1937 أقرت إيران بالحدود على وفق محاضر جلسات لجنة ترسيم الحدود لسنة 1914 المنبثقة بروتوكول الاستانة عام 1913، وبحقوق العراق في مياه شط العرب وتنظيم حقوق الملاحة فيها عدا مناطق محددة، بعد أن حصلت على تنازل جديد من الحكومة العراقية بإعطائها مساحة جديدة (7.75 كم) امام جزيرة عبادان على امتداد خط "الثالوك" فضلا عن السماح للسفن الحربية الايرانية بالدخول عبر شط العرب حتى الموانئ الايرانية.
شهدت تلك المرحلة تعاونا بين النظامين الملكيين العراقي والايراني، لا سيما في شؤون الامن الاقليمي، بيد ان الخلافات الحدودية لا سيما حول شط العرب ظلت كامنة، وكانت ايران تستغل الفرص للمطالبة باقتسام مياه النهر على اساس خط الثالوك (وهي كلمة ألمانية يقصد بها الخط المتكون من إمتداد أعمق نقطة في المقاطع المتتالية للنهر). تقدمت المفوضية الإيرانية ببغداد إلى وزارة الخارجية العراقية في 4 نيسان/ ابريل 1949 بمذكرة أرفقت بها مسودة لاتفاقية بشأن صيانة وتحسين الملاحة في شط العرب تشكل بموجبها لجنة تعطى صلاحيات واسعة في التشريع والتنفيذ والقضاء والادارة واستيفاء العوائد. وقد رفضت الحكومة العراقية المقترح الايراني. وفي عام 1957 اقترحت الحكومةالعراقية تكليف وسيط محايد من السويد لحل الخلافات بين البلدين.
شاه إيران - محمد رضا بهلوي
مـشــــــكــلات مـع الـنــــــظــام الـجـــمــــــهــوري
استثمر الشاه ما حدث في العراق من انقلاب سياسي وتحول من النظام الملكي إلى الجمهوري ليطالب بترسيم الحدود في شط العرب بالاعتماد على خط الثالوك. وتوترت العلاقات بي البلدين كما رد رئيس الوزراء العراقي، عبد الكريم قاسم، بالمطالبة بإقليم خوزستان (عربستان) ووصل الامر إلى اشتباكات محدودة على الحدود بن البلدين لكنها لم تتطور إلى حرب واسعة.
ظلت المشكلة معلقة طوال عقد الستينيات وفي عام 1964 اتفقت الحكومتان الإيرانية والعراقية على استئناف المباحثات في طهران حول المشاكل الحدودية ومشكلة شط العرب وظلت هذه المحادثات متعثرة لأربع سنوات دون نتيجة واضحة. في عام 1969 استغل الشاه ضعف النظام البعثي الجديد الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام واحد فقط وقام بإعلان الغاء معاهدة عام 1937 من جانب واحد، كما قامت إيران بتحشيد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بين العراق. وفرضت إيران أمرا واقعا على الملاحة في شط العرب بمعزل عن اشتراطات المعاهدة السابقة، معلنة أنها ستعتبر المياه العميقة وسط النهر (خط الثالوك) حدا لتقاسم السيادة على الممر المائي، ولم تقم الحكومة العراقية برد واضح إلا أنها وجهت أنظارها نحو ميناء ام قصر وخور الزبير كمنافذ على الخليج.
في 1975/3/6 وقع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي صدام حسين اتفاق مصالحة في الجزائر، إبان اشتداد التمرد الكردي في العراق. ونص الاتفاق على تسوية الخلاف الحدودي بين البلدين حول شط العرب والمناطق الحدودية الاخرى، وقام العراق لأول مرة بالتنازل عن حقوقه في المعاهدات السابقة بالسيادة على الممر المائي واعتماد خط الثالوك اساسا لترسيم الحدود في شط العرب مقابل وقف إيران لدعمها للتمرد الكردي في شمال العراق.
نائب الرئيس العراقي صدام حسين، الرئيس الجزائري هواري بومدين، شاه إيراين محمد رضا بهلوي - الجزائر 1975
الـســـــــــــيـاق الـســـــــيـاسـي
قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ورفع قادة إيران الجدد شعار تصدير الثورة الذي كان يُقلق الدول العربية المحيطة بإيران وفي مقدمتها العراق ودول الخليج. كان نظام البعث في العراق يستشعر هذا الخطر بشكلٍ حاد نظرا للوجود الشيعي القديم في البلد الذي هو منشأ التشيع أصلا، وتوجد فيه أهم المزارات (كربلاء، النجف،...)، كما أنَّ التنظيمات الشيعية في العراق -خاصة حزب الدعوة- كان لها حضورٌ وازن يجعل منها رأس حربةٍ حادا في أي مخطط إيراني للاستيلاء على السلطة. وفي المقابل، كانت إيران ترصد بتوجس وصول صدام حسين للسلطة في العراق عام 1979 خلفا للرئيس أحمد حسن البكر. وتزايدت المخاوف الإيرانية مع توقيعه ميثاق الدفاع العربي في فبراير/شباط 1980، الذي اعتبرته إيران عملا عدائيا يستهدفها ويُجيش دول المنطقة ضدَّها في صراعٍ حدودي تعتبر أنه يجب أن يحافظ على طابعه الثنائي.
الخميني وهو مؤسس جمهورية إيران الإسلامية وقائد الثورة الإسلامية عام 1979
نــــذر الــحــــــــرب
لكن نظام الحكم في العراق استغل فوضى الأوضاع في ايران بعد إنهيار نظام الشاه وعودة آية الله الخميني الى بلاده التي اعلنت جمهورية اسلامية، ليطالب لاول مرة في 1979/10/30 بـ "مراجعة اتفاقية الجزائر وتطبيع العلاقات بين البلدين" وبانسحاب إيران من جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والكف عن ما وصفه البيان العراقي إعلان بالمطالب "الشوفينية" في بعض مناطق الخليج، وتسوية مشاكل الأقليات العربية والكردية وغيرها.
وتصاعدت التوترات بين البلدين وبدأت نذر الحرب تلوح في الافق مع تصاعد التدخلات في الشؤون الداخلية بينهما تقديم بغداد وطهران دعما لأطراف المعارضة في البلد الاخر، فضلا عن الحملات الإعلامية. فقد دعت ايران إلى اسقاط نظام صدام حسين وتصدير ثورتها الاسلامية الى العراق، كما حدثت اشتباكات حدودية بين البلدين واتهامات متبادلة بقصف المدن والقصبات الحدودية، وصلت ذروتها في الرابع من ايلول/ سبتمبر حيث اتهم العراق ايران بقصف مناطق حدودية في خانقية ونفط خانه. كما اتهم ايران باستخدام الطائرات لقصف المناطق الحدودية العراقية ،قائلا أنها اسقط بعضها وأسر احد طياريها.
وفي 1980/9/17 ألغى صدام حسين اتفاقية الجزائر التي وقعها مع الشاه عام 1975 داعيا الى عودة السيادة العراقية على كامل شط العرب فضلا عن مطالبة إيران "بالاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، وإنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج العربي عند مدخل مضيق هرمز، وكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق". لكن ايران أدانت ذلك واعتبرته اعلانا للحرب عليها.
قال غاري سيك مساعد مستشار الأمن القومي الامريكي (بريجنسكي) لشؤون الخليج إبان إدارة كارتر أن صدام حسين "اتصل فعلا بالعمانيين والاماراتيين والسعوديين، وقال لهم انه بات جاهزا لشن حرب ايام ستة فاعلة. وستكون القاضية لاسقاط النظام الثوري في ايران. لكن عليه ان يستخدم قواعدهم لكي يقوم بذلك. وقد وافق العديد منهم ". واضاف " نحن اكتشفنا ذلك قبل يوم واحد من التنفيذ، وفي الغالب عندما كانت الطائرات في الجو متجهة في هذا الاتجاه. واتذكر اننا اتصلنا بعمان وابلغناهم بأن عليهم ان ينتظروا ويفكروا".
ونفى المسؤول الأمريكي السابق سيك ان تكون الولايات المتحدة قد اعطت الضوء الاخضر للعراق لبدء الحرب، كما نفى وجود أي تنسيق مع الجانب العراقي، مضيفا "الواقع، اذا كنا قد فعلنا شيئا فهو العكس. لاننا كنا في تلك الايام نحاول ان نفتح علاقة مع الحكومة الجديدة، الحكومة الثورية، وفعلا قمنا بارسال مبعوثين اليهم لابلاغهم عن حقيقة أن صدام كان يحشد قواته".
ووصف الهجوم العراقي في 22 /9/ 1980 بأنه كان مفاجأة في منظور ادارة الرئيس الامريكي كارتر، واصفا لحظة معرفته ومستشار الامن القومي بريجنسكي بالهجوم بقوله: "كنت مع بريجنسكي في ذلك الصباح الذي حدث فيه الهجوم، وعندما سمعت به لأول مرة هرعت إلى مكتبه، وجدت في مكتبي خارطة تبين توزيع الحدود وأنابيب النفط، اخذتها معي الى مكتبه وجلسنا على الأرض ونشرنا الخارطة وبدأنا في النظر اليها لتحديد الوضع الاستراتيجي".
ويرى بافل اكوبوف رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس والسفير السابق للاتحاد السوفياتي في الكويت أن "السبب الرئيسي، وإن ربط بشط العرب، هو النفط". فضلا عن التناقضات والخلافات الدينية "وما للطرفين من مخططات طموحة للسيطرة على الخليج وعلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها". وكشف آكوبوف عن أن الاتحاد السوفياتي حينذاك الذي كان قد قطع توريد الاسلحة إلى العراق (عاد لتقديمها له لاحقا بعد عام 1982)، قد عرض على القيادة الايرانية عبر سفيره فيها انذاك فلاديمير فينوغرادوف تزويدهم بـ " الدعم العسكري وتوريدات الاسلحة، لكن القيادة الايرانية رفضت هذا الاقتراح معلنة انها لا تستطيع القبول بهذه المساعدة لان الاتحاد السوفياتي يدعم العراق ولان الاتحاد السوفياتي قام بغزو افغانستان".
الـحـــــــــــــــــرب
اندلعت الحرب لعدة أسباب على رأسها الدعاية الإيرانية القائمة على تصدير الثورة واشتداد الخلاف بين العراق وإيران حول ترسيم الحدود خاصة في منطقة شط العرب المطلة على الخليج العربي الغني بالنفط بالإضافة إلى الاشتباكات العسكرية المتقطعة بين البلدين. وفي الرابع من سبتمبر/أيلول 1980، اتهمت العراق إيران بقصف البلدات الحدودية العراقية معتبرة ذلك بداية للحرب، فقام الرئيس العراقي صدام حسين في 17 سبتمبر/أيلول بإلغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءا من المياه الإقليمية العراقية. وفي 22 شهر ايلول/ سبتمبر 1980دفع صدام حسين بقواته إلى داخل الاراض الايرانية.
مع تواتر الحوادث القتالية على الحدود، قرر مجلس قيادة الثورة العراقية في 22 سبتمبر/أيلول 1980، شنَّ حملةٍ عسكرية ضد إيران، وتقدم الجيش العراقي سريعا، وكان تقدير القيادة العراقية يقول إن الحرب ستكون خاطفة ومحدودة لظنها أن الجيش الإيراني كان ضعيفا بعد حملة اعتقالات نفذتها السلطات الإيرانية الجديدة لعدد من كبار قادة الجيش الإيراني إبان عهد الشاه، ثم بدأت حرب ضروس بين البلدين عدت الأطول في القرن العشرين وأحد أكثر حروبه دموية.
بيد أنَّ تقدم القوات العراقية أذكى تعبئة وطنية قومية شاملة تُغذيها الدعاية الرسمية الإيرانية القائمة على بعدين: أحدهما بُعد ديني يُسوق أنَّ الحرب بين نظام إسلامي وآخر علماني بعثي. ما البعد الثاني فإذكاء جذوة القومية الفارسية وأمجادها الغابرة. وبعد المكاسب الأولية للجيش العراقي -وأهمها السيطرة على المحمرة وعبدان ومناطق في وسط إيران- فإنَّ التعبئة الإيرانية الواسعة أوجدت قدرا من التوازن انعكس في ثباتِ مواقع الفريقين بين ديسمبر/كانون الأول 1980 و ديسمبر/كانون الأول 1981. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قراره رقم 479 في 28 سبتمبر/أيلول 1980 يدعو فيه الطرفين إلى وقف القتال والمبادرة إلى التفاوض لكن طرفي الصراع لم يبديا أي اهتمام بالقرار.
وبحلول فبراير/شباط 1982، استعاد الجيش الإيراني عبدان ومناطق واسعة في وسط البلاد. وفي مايو/أيار الموالي استعاد خورامشاه، وبحلول الصيف كان الجيش الإيراني قد بدأ شن هجماتٍ في عمق الأراضي العراقية. قبِل العراق قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن في يوليو/تموز 1982، لكن إيران رفضت الالتزام به.
في العامين المواليين، ركزت إيران جهدها على السيطرة على البصرة فردَّ العراق بإطلاق حرب المدن في أبريل/نيسان 1984، وهي حملات جوية كثيفة استهدفت المدن الإيرانية، وردَّت عليها إيران بقصفٍ صاروخي لأهداف عسكرية واقتصادية عراقية. وبينما كانت الحرب تدور رحاها على الأرض، كانت هناك حرب أخرى تستهدف ناقلات النفط والسفن التجارية للبلدين قبل أن تتوسع لتشمل الدول الداعمة، ومن ذلك مهاجمة سفن حربية إيرانية عددا من السفن التجارية الكويتية ما دعا الكويت إلى طلب المساعدة الدولية لحماية سفنها.
الـــــــدور الإقـلــــــيـــمـي والــــدولــــــي
انحازت الدول العربية -باستثناء الجزائر وليبيا وسوريا- للعراق، فاستفاد من دعمٍ سخي من دول الخليج لتغطية كلفة الحرب الباهظة، فقد بلغ المجهود الحربي والتسليحي العراقي أحيانا أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا. أما بالنسبة للفاعلين الدوليين فظل دورهم هامشيا إلى حدود 1986، حين شرعت إيران في استهداف ناقلات النفط الكويتية، فطلبت الكويت حماية أميركية تردَّدت واشنطن أولا في تقديمها ثم قررت نشر سفن حربية في الخليج لمرافقة الناقلات الكويتية.
وحصل العراق على حاجته من الأسلحة من فرنسا أولا ثم من الصين والاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، وكذلك من الولايات المتحدة على نطاقٍ أقل، وإنْ كانت مصادرُ عدة تتحدث عن حصول العراق على دعمٍ لوجستي غربي (أميركي، بريطاني وفرنسي..) تمثل في صور بالأقمار الصناعية لمواقع الجيش الإيراني وتحركاته، وكذلك تقديم قطع غيار ومعدات وذخائر. أما إيران فحصلت على أسلحة من بعض الدول الشيوعية وقطع غيار دبابات (أم 48 وأم 60) من دول أخرى، كما حصلت على دعم بالأسلحة والذخيرة من نظام الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد في سوريا ونظام العقيد الليبي معمر القذافي.
الـكـــــــلـفــــة والـتــــــبــعــــــــات
انتهت حرب الخليج في الثامن من أغسطس/آب 1988، ويُقدر خبراء اقتصاديون كلفة ثماني سنوات من الحرب بأكثر من أربعمئة مليار دولار، فضلا عن كلفة بشرية أهم وهي أكثر من مليون قتيل وأضعاف ذلك من المصابين والمعوقين. كما خلَّفت دمارا واسعا في البنية التحتية للبلدين وألحقت ضررا كبيرا بالمنشآت النفطية التي هي قوام اقتصاديهما.
* ومنذ انتهاء الحرب عام 1988 وحتى الآن والوضع القانوني لشط العرب على ما هو عليه يحكمه بروتوكول القسطنطينية 1913 ومحاضر جلسات الحدود 1914 واتفاقية 1937.
aljazeera
aljazeera
bbc
bbc