حجر إسماعيل
حِجْر إسماعيل أو الحَطِيم أو الحِجْر هو بناء على شكل نصف دائرة من الجهة الشمالية من البيت الحرام، وهو في الأصل جزء من الكعبة، ولكن قريش حين بنت الكعبة لم تفي النفقة التي رصدتها لأجل البناء، فأخرجوا ذلك الجزء من بناء البيت، وأحاطوه بسياج، حتى يعلم أن ذلك المكان جزء من البيت. يقع الحِجْر بين الركن الشامي والعراقي، وبينه وبين كلا الركنين ممر يوصل إلى داخله. يُعد الحجر جزءًا من الكعبة ويأخذ أحكامها لرواية عائشة أن الرسول قال: «صلي في الحِجْر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت».
أصل الحِجْر أن إبراهيم الخليل حين بنى الكعبة مع ابنهإسماعيل، جعل بجنب الكعبة من جهة الشمال حِجْراً مدوَّراً حولها، وبنى عليه عريشًا من أراك لغنم إسماعيل تؤوي إليه.
لما أرادت قريش بناء الكعبة لم تجد من النفقة الحلال ما يكفي لعمارتها، فبنوها بما معهم من المال الحلال، واقتطعوا من جهة شمال الكعبة التي فيها الميزاب نحو سبعة أذرع، وضموها إلى حِجْر إسماعيل.
بعد أن بُعث النبي محمد، رغب أن يُعيد بناء الكعبة كما كان على قواعد إبراهيم، وأن يضم إليها ما اقتطعته قريش منها وجعلته في الحِجْر، لكنه لم يفعل ذلك، لأن الناس كانوا حديثي عهد بجاهلية. لما احترقت الكعبة زمن إمارة عبد الله بن الزبير لمكة، هدمها وأعاد بناءها على الصورة التي كان يرغب فيها النبي، فأدخل فيها ما اقتطع من الحجر. عندما قتل ابن الزبير عام 73 هـ، كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يعلمه بما فعل ابن الزبير في بناء الكعبة، فكتب إليه عبد الملك أن يعيد الحجر كما كان في عهد النبي، فنقض الحجاج الكعبة وأعاد بناءها على سابق عهدها. في عهد الدولة العباسية أراد الخليفة المهدي أن يبني الكعبة على ما بناها ابن الزبير، فاستشار الإمام مالك بن أنس فنهاه عن ذلك، وقال: «إني أكره أن يتخذها الخلفاء لعبة، هذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأياً آخر»للحِجْر فضل عظيم، فالصلاة فيه مستحبة لأنه من البيت، وقد صح عن النبي أنه دخل الكعبة عام الفتح وصلى فيها ركعتين، وروت عائشة أنها لما أرادت دخول الكعبة قال لها النبي: «صلي في الحجر فإنه من البيت». وكان عبد الله بن عباس يقول: «صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأخيار، قيل: ما مصلى الأخيار، قال: تحت الميزاب، قيل: وما شراب الأبرار، قال: ماء زمزم». والموضع الذي ذكره ابن عباس أنه تحت ميزاب الكعبة يقع داخل الحِجْر.
التسمية
حِجْر: وسمي الحجر حجرًا، لأنه حُجر من البيت، وكل بناء بنيته فحجرت عليه من الأرض يسمى حَجرًا، وهو مثل حِجر الإنسان أي حضنه، فهو حجر الكعبة. فالحِجْر إذا أطلق عامةً فالمراد به حِجْر الكعبة المشرفة، وهو مكان معروف بجانب الكعبة مما يلي الميزاب شمال الكعبة، وهو محوط مدوَّر على صورة نصف دائرة، وله فتحتان من طرفيه، للدخول إليه والخروج منه. يقول القاضي عياض: «حجر الكعبة وهو ما تركت قريش من بنائها على أسس إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وحجرت على المواضع ليعلم أنه من الكعبة، فسمي حجرًا لكن فيه زيادة على ما فيه من البيت، حده في الحديث بنحو من سبعة أذرع». قال الجوهري : «حجر الكعبة، وهو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال. وكل ما حجرته من حائط فهو حجر». قال ياقوت الحموي: «ولقد سمي حِجْرًا ؛ لأن قريشًا في بنائها تركت من أساس إبراهيم، وحجرت على المواضع، ليعلم أنه من الكعبة». قال الأزهري: «الحِجْر حطيم مكة، كأنه حجرة مما يلي المثعب من البيت».
جَدْر: ورد في صحيحي البخاري ومسلم أن عائشة بنت أبي بكر سألت رسول الله عن الجدر أمن البيت هو، قال: نعم.ورُوي عن ابن عباس أن رجل قال له أرأيت الحطيم قال: «لا حطيم، إن أهل الجاهلية كانوا يسمونه الحطيم، وإنما هو الجَدْر، كان أحدهم إذا حلف جاء بمحجنة أو بسوطه فوضعه عليه، وإنما هو الجَدْر، فمن طاف بالبيت فليطف من روائه».
حِجْر إسماعيل: سمي بذلك لأن إبراهيم جعله حِجْرًا لإسماعيل يأوي إليه هو وغنمه، وجعل فوقه عريشًا من أراك.
حُفرَة إسماعيل يقول ابن الضياء القرشي الحنفي: «ويسمى أيضًا حفرة إسماعيل عليه الصلاة والسلام، لأن الحجر قبل بناء الكعبة كان زربًا لغنم إسماعيل عليه السلام».
حَطِيْم: قل ابن الضياء: «والمشهور عند الأصحاب - أي الأحناف - أن الحطيم اسم للموضع الذي فيه الميزاب، وبينه وبين البيت فرجة، فسمي هذا الموضع حطيمًا، لأنه محطوم من البيت - أي مكسور منه - فعيل بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول، وقيل: فعيل بمعنى فاعل أي حاطم، كعليم بمعنى عالم، لأنه جاء في الحديث: من دعا على من ظلمه فيه حطمه الله». وقال الأزرقي: « فسمي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان، ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم، فقَلَّ من دعا هنالك على ظالم إلا هلك، وقَلَّ من حلف هنالك إثما إلا عجلت له العقوبة، فكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم، ويتهيب الناس الأيمان هنالك، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله بالإسلام، فأخر الله تعالى ذلك لما أراد إلى يوم القيامة».
قال ابن عثيمين: «هذا الحجر يسميه كثير من العوام حجر إسماعيل، ولكن هذه التسمية خطأ ليس لها أصل، فإن إسماعيل لم يعلم عن هذا الحِجر، لأن سبب هذا الحِجر أن قريشًا لما بنت الكعبة، وكانت في الأول على قواعد إبراهيم ممتدة نحو الشمال، فلما جمعت نفقة الكعبة وأرادت البناء، قصرت النفقة فصارت لا تكفي لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فقالوا نبني ما تحتمله النفقة، والباقي نجعله خارجا ونحجر عليه حتى لا يطوف أحد من دونه، ومن هنا سمى حِجْرًا، لأن قريشا حجرته حين قصرت بها النفقة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابين، بابا يدخل منه الناس، وبابًا يخرج منه.».