مواضيع مختلفة عن الصفوية والنصيرية والقرامطة

  • بادئ الموضوع Nabil
  • تاريخ البدء

Nabil

التحالف يجمعنا
مستشار المنتدى
إنضم
4/5/19
المشاركات
10,804
التفاعلات
19,817
الصفويون والصفوية

الدكتور محمد بسام يوسف



يُطلَق هذا الاسم على الدولة التي أسّسها (الشاه إسماعيل الصفويّ) وعلى أتباعه، وهو من سلالة الشيخ (صفيّ الدين الأردبيلي) الذي كان يسكن مدينة (أردبيل) التابعة لإقليم أذربيجان في شماليّ غرب إيران.. والشيخ الأردبيلي هو أحد مريدي الشيخ (تاج الدين الزاهد الكيلاني) صاحب إحدى الطرق الصوفية، وكان ينتمي إلى المذهب الشافعيّ.. وقد قام حفيد صفيّ الدين (الشيخ إبراهيم) بتطوير طريقته الصوفية، ثم باعتناق المذهب الشيعيّ (الشيعة الإمامية) وتحويل طريقته إلى طريقةٍ شيعيةٍ إمامية متعصّبةٍ غالية.. وسار على دربه ابنه الأصغر (جنيد) الذي قُتِلَ في إحدى حروبه، فخلفه ابنه (حيدر) الذي لُقِّبَ بلقب (سلطان)، وأمر أتباعه بأن يضعوا على رؤوسهم (قلنسواتٍ) من الجوخ الأحمر، تضم الواحدة منها اثنتي عشرة طيّةً، رمزاً للأئمّة الإثني عشر عند الشيعة الإمامية، وقد قُتِلَ (حيدر) أيضاً في إحدى حروب الثأر لوالده.. وخلفه ابنه (إسماعيل)، الذي أعلن فيما بعد دولته الصفوية (في عام 1501م)، ووطّد دعائمها، فامتدّت من إيران إلى ما حولها، إلى أن وصلت بغداد.

الدولة الصفوية:
كان المسلمون في إيران بأغلبيتهم الساحقة (90%) من أهل السنة الشافعية، إلى أن قامت الدولة الصفوية على يد (إسماعيل الصفويّ) كما ذكرنا في عام 1501م، الذي اتّخذ من مدينة (تبريز) عاصمةً له، وأعلن أنّ دولتَه (شيعية إمامية اثنا عشرية)، وقام بفرض عقيدته بالقوّة، على الرغم من أنّ علماء الشيعة حذّروه بأن لا يفعل ذلك، لأنّ الأغلبية الإيرانية الساحقة تنتمي إلى أهل السنة.. لكنه رفض وقال قولته المشهورة: [إنني لا أخاف من أحد، فإن تنطق الرعية بحرفٍ واحد، فسوف أمتشق الحسام، ولن أتركَ أحداً على قيد الحياة]!.. ثم قام بصكّ عملة الدولة، منقوشاً عليها مع اسمه عبارة: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي وَليّ الله)!.. ثم أمر جنوده بالسجود له كلما قابلوه، وقد اشتهر بدمويّته وساديّته الشديدة، فقام بقتل علماء المسلمين وعامّتهم، فقتل أكثر من مليون مسلمٍ سنيّ، ونهب أموالهم، وانتهك أعراضهم، وسبى نساءهم، وأمر خطباء المساجد من أهل السنة بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) رضي الله عنهم، وبالمبالغة في تقديس الأئمة الإثني عشر.. ووصل الأمر به إلى أن ينبشَ قبور علماء المسلمين من أهل السنة ومشايخهم، ثم أن يحرقَ عظامهم!.. وهكذا كانت دولة الشاه (إسماعيل الصفوي) تأسيساً لدول الإمامية الإثني عشرية كلها، ومثالاً يُحتَذى بها شيعياً فيما بعد، من حيث ممارساتها الشاذة!..

امتدّت الدولة الصفوية فيما بعد في كل أنحاء إيران وما جاورها، فقضى (الشاه إسماعيل) على الدولة التركمانية السنية في إيران، ثم سيطر على (فارس وكرمان وعربستان) وغيرها.. وكان في كل موقعةٍ يذبح عشرات الآلاف من أهل السنة.. إلى أن هاجم بغداد واستولى عليها، ومارس أفظع الأعمال فيها ضد أهل السنة، ومما فعله: [قام بهدم مدينة بغداد، وقَتل الآلاف من أهلَ السنّة، واستخدم التعذيب الشديد بحقّهم قبل قتلهم، ثم توجّه إلى مقابرهم، فنبش قبور موتاهم، وأحرق عظامهم!.. كما توجّه إلى قبر (أبي حنيفة) و(عبد القادر الجيلاني) ونكّل بهما ونبشهما!.. وكذلك قام بقتل كل من ينتسب لذرية القائد المسلم (خالد بن الوليد) رضي الله عنه في بغداد لمجرّد أنهم من نسبه، وقَتَلهم قتلةً شنيعة]!.. (تحفة الأزهار وزلال الأنهار، لابن شدقم الشيعي).

السلطان العثماني سليم الأول يهزم الشاه (إسماعيل الصفوي) :
عندما وصلت أخبار المجازر الصفوية وممارساتها إلى السلطان العثماني (سليم الأول) عام 1514م، قام بتجهيز جيشه وحرّر بغداد بعد ست سنواتٍ من الاحتلال الصفويّ، وأسر زوجة (إسماعيل الصفوي)، وقتل المتواطئين على احتلال العراق.. وبعد فراره، قام (إسماعيل الصفويّ) بإبرام حلفٍ مع الصليبيين البرتغاليين، على أن يحتل الصفويون (مصر والبحرين والقطيف)، ويحتل البرتغاليون (هرمز وفلسطين).. لكنّ العثمانيين أحبطوا مخطّطه هذا، إلى أن هلك (إسماعيل الصفوي) في (تبريز) عام 1524م.. فخلفه ابنه (طهمباسب الصفويّ).

الشاه طهماسب الصفوي:
خلف (إسماعيل الصفوي) ابنه (طهماسب)، الذي تحالف مع المجر والنمسا ضد الدولة العثمانية التي كان يحكمها السلطان (سليمان القانوني) عام 1525م.. واستعان (طهماسب) بأحد رجال الدين الشيعة اللبنانيين (نور الدين علي بن عبد العال الكركي)، فكتب له المؤلّفات التي برّرت ممارسات الشيعة ضد السنة، وأسّس بفكره ومؤلّفاته الشيعية لما يُسمى بـ (ولاية الفقيه)، بأن اعتبر زعيمَ الدولة الصفوية (نائباً للإمام المنتَظَر الغائب) وكالةً!.. وعاد نفوذ الصفويين إلى العراق عن طريق عملائهم الشيعة هناك، لكن السلطان (سليمان القانوني) أعاد فتح العراق من جديد، وقضى على حكامه الموالين للصفويين.
هلك (طهماسب) بالسمّ على يدي زوجته، فخلفه من بعده ابنه (إسماعيل الثاني) ثم ابنه الثاني (محمد خدابنده).. ثم جاء (عباس الكبير بن محمد خدابنده).

الشاه عباس الكبير بن محمد خدابنده:
تواطأ مع بريطانيا ضد العثمانيين، وحاصر المدن السنية، ونكّل بها وبأهلها، وقام بترحيل (1500) عائلةٍ سنيةٍ كردية، وقتل سبعين ألفاً من الأكراد السنة، ومنع الحج إلى مكة المكرّمة، وأجبر الناس على أن يحجّوا إلى قبر (الإمام موسى بن الرضا) في مدينة (مشهد) الفارسية!.. بينما قام بتكريم النصارى والأوروبيين، وبنى لهم الكنائس، وإعفائهم من الضرائب، وشاركهم أعيادهم، واحتسى الخمر معهم!..

هاجم الشاهُ (عباس الكبير) العراقَ، واستولى على بغداد والموصل وكركوك، ثم على معظم البلاد، وحاول فرض (التشيّع) بالقوة، لكنّ أهل العراق رفضوا ذلك، فنكّل بهم، قتلاً وتشريداً وتعذيباً، وسبى النساء والأطفال، وأعاد هدم مرقدي الشيخ (عبد القادر الجيلاني) و(أبي حنيفة النعمان)، وحوّل المدارس السنّية إلى (اصطبلات)، وقام بإعداد قوائم طويلةٍ لإبادة أهل السنّة في العراق.. إلى أن أهلكه الله، فخلفه الشاه (صفيّ الأول)، الذي حرّر العثمانيون العراقَ في عهده مرةً جديدةً وأخيرة!..

وانتهت الدولة الصفوية بعد مئة عامٍ تقريباً من عهد (صفيّ الأول)، أي في عام (1722م)، بعد أن استمرّت (221) سنة.. ولم يعد الصفويون إلى بغداد، إلا في عام 2003م، على ظهور الدبابات الأميركية الصليبية.. وذلك بعد أن عادوا إلى حكم بلاد فارس (إيران)، إثر انتصار ثورتهم الصفوية الشيعية بزعامة (الخميني) عام 1979م، وبعد أن رفعوا شعار: (تصدير الثورة الصفوية الخمينية)!..

الانحرافات العقدية الصفوية العميقة، تفضح حقيقة ابتعادهم عن الإسلام:
استُحدِثَت مجموعة من البدع في العهد الصفوي، ثم سار الشيعة على نهجها، وكأنها عقائد بديهية، ومن ذلك:

1- سبّ الصحابة والخلفاء الراشدين الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) رضوان الله عليهم، وذلك على المنابر وفي الشوارع والأسواق!..
2- الاحتفال سنوياً بذكرى مقتل الحسين رضوان الله عليه، وممارسة التطبير (ضرب الرؤوس بالسكاكين الحادة)، واللطم على الوجوه والصدور، وضرب الظهور بالجنازير، وارتداء الثياب السوداء، وإنشاد أشعار البكائيات.. وذلك منذ دخول شهر (المحرّم)، وحتى اليوم العاشر منه (يوم عاشوراء).. كما حرّموا الزواج في هذا الشهر!..
3- إدخال الشهادة الثالثة على الأذان: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله)!..
4- السجود على التربة الحسينية (قطعة من طين كربلاء)!..
5- وجوب دفن الموتى الشيعة في النجف بالعراق!..
6- تغيير اتجاه القبلة في مساجد الشيعة، مخالفةً لأهل السنة!..
7- إجازة سجود الإنسان للإنسان!..
8- رصد مرتّباتٍ ضخمةٍ لرجال الدين الشيعة، ومَنحهم إقطاعياتٍ وأوقافاً خاصة، وهي مستحدَثات مأخوذة عن (الفُرس)، وذلك تأسيساً لما يُسمى عند الشيعة اليوم بـ (الخُمس).. وذلك كله، لكي يقومَ رجال الدين بدعم الشاه أو السلطان عند عامة الشعب!..

وهكذا، تميّزت حقبة الحكم الصفويّ بثلاثة أمورٍ رئيسية:
1- فرض التشيّع بالقوّة، وارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحق أهل السنة، وتحويل إيران من دولةٍ سنّيةٍ خالصةٍ إلى دولةٍ ذات أغلبيةٍ شيعيةٍ صفوية (النسب الحالية هي: 63% شيعة، و35% سنّة، و2% نصارى وأرمن ويهود وزارادشت وبهائيون).. إذ يقدَّر عدد أهل السنة في إيران اليوم بخمسةٍ وعشرين مليون نسمة.
2- الغلوّ وإدخال مختلف أنواع الخرافات والبدع والطقوس (اليهودية والمجوسية والنصرانية والبوذية) إلى الشعائر الإسلامية وعقيدة الإسلام.
3- التحالف مع النصارى والصليبيين، ضد المسلمين.

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
الصفوية، أصولها وآلياتها وأهدافها

سميرة رجب



لأسباب كثيرة نعد نحن أهل البحرين أحق الناس بوضع تعريف متكامل عن العقيدة الصفوية وما يليها من غموض يجعل من السهل على أصحابها إنكارها والتبرؤ منها .. أهم تلك الأسباب هو ذلك الكم من التوتر السياسي شديد الحساسية الذي يلف المجتمع البحريني خوفاً على سيادة البحرين وهوية شعبها نتيجة تغلغل هذه الثقافة في نسيج التراث والوعي العلني والباطني لأكبر من هذا المجتمع .. ولما تسببه هذه العقيدة في البحرين من خلاف طائفي عميق ومتصاعد هو الفريد من نوعه في كل الوطن العربي ، يزيد في شدته حتى على الطائفية الدموية التي فرضت في العراق منذ أبريل 2003 ، والتي رغم شدة دمويتها لم تتمكن (الطائفية) أن تتحكم في وعي العراقيين الذي لا يخلو بيت من بيوتهم من التزواج المختلط بين المذاهب ، كما لا تخلو عشيرة أو قبيلة أو عائلة عراقية من رابطة الدم والاندماج العائلي بين الطائفتين ، وهي حالة لا يمكن كسر روابطها مهما افتُعلت لها من أسباب خارجية ، ومهما طال وقت هذا الصراع الذي تتحكم بع عوامل وأطراف من خارج العراق وليس من أبنائه .. بينما عدد الزيجات المختلطة في البحرين ، نسبياً ، لا زال في أرقامه الأولية نسبياً ، ناهيك عن الموانع والتحريمات التي تم وضعها كعراقيل لقيام هذا النوع من التزاوج منذ العام 1979 ، في خضم تصعيد حالة طائفية فريدة في نوعها وشدتها في المجتمع البحريني .

فالطائفية في مجتمعنا لم تعد خلافاً مذهبياً بقدر ما هي حالة سياسية افتعالية باتت شديدة الخطورة لما حققته من ثقافة الانسلاخ عن الوطن واعتناق عقيدة الصفوية ، بوعي أو دون وعي أو إدراك .. فما هي هذه العقيدة ؟!..
الصفوية بإيجاز شديد ، هي عقيدة الولاء لإيران عبر انتماء مذهبي مرتبط بنوع من التشيع ظهر مع قيام الدولة الصفوية في بلاد فارس منذ القرن السادس عشر .. وهو مذهب يتلون ويتشكل بألوان وأشكال متعددة على مدار تاريخه ، ليناسب ظرف المكان والزمان الذي يتطلبه الأمر ، أو يكون مؤثراً وقادراً على خلق أتباع ومريدين للاستقواء بهم سياسياً .. وتكمن خطورة الصفوية في أنها منذ البداية ألبست ملبساً دينياً ، وسرقت من المذهب الجعفري اسمه فأساءت إليه أقصى درجات الإساءة لارتباط الصفوية بنزعة عرقية وعنصرية وباطنية قائمة على الحقد والانتقام من العرب تحت شعارات الثأر لـ " آل البيت " ، في حالة بعيدة عن روح المحبة والتسامح في الإسلام ..

بدأت الصفوية بنشر وتثبيت جذورها في المجتمع الإيراني بقوة السلاح والدم على يد مؤسسها الشاه إسماعيل الصفوي مع قيام دولته في العام 1501م ، الذي بدأ عهده بتحويل مذهب البلاد إلى التشيّع وإصدار أمره للخطباء والمؤذنين بتغيير نص التشهد لتمييز الشيعة بتشهد يختلف عن التشهد الذي جاء به الرسول الكريم ، فكان هذا أول خروج على الإجماع حول أصول الإسلام .. وفتحت سياسته باباً لظهور النفوذ الأجنبي ، لا في إيران بل في منطقة الخليج العربي ، وألحقت ضرراً بالإسلام بعد تصعيد حدة الصراع بين العثمانيين والصفويين ، وتحول الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة إلى صراع مسلح .

لم تختف الصفوية طوال القرون الماضية لأنها باتت جزءاً أساسياً من التراث والطقوس والشعائر الشيعية السائدة ، مما خلق رابطاً ثقافياً بين العالم العربي وإيران كموطن وموئل خاص بهذا المذهب ، فاستفاد الساسة الإيرانيون من هذه العلاقة في مناسبات سياسية مختلفة على مدار القرن العشرين لتحقيق مطامعهم في الأرض العربية .

استمرت الصفوية بين مد وجزر ، وعنف وسلم ، حسبما تتطلب السياسات الإيرانية .. إلا إن أهم الآليات التي اعتمدت عليها هذه العقيدة على مدار تاريخها عموماً ، ومنذ بدء مشروع تصدير الثروة الخمينية خصوصاً ، هو نشر فكرة مظلومية الشيعة في الأرض العربية ، بنشرها تعاليم عقائدية بينهم حول وجوب العيش بمظاهر الفقر والاضطهاد المجتمعي في كل مجتمعاتهم لتعزيز دعواتهم بظلم السلاطين السنة للشيعة ، حتى بات هذا النمط من العيش والحياة هي السمة السائدة في المجتمع الشيعي رغم تفاوت مستوياتهم المادية الذي يصل أحياناً للثراء الفاحش . وفي الجانب الآخر عمل أصحاب هذه العقيدة على تزوير الحقائق بشتى الطرق ، لإظهار أمرين مهمين ، وهو إهانة العرب ورفع شأن إيران في كل ما يمت بصلة إلى تاريخ الرسول العربي الكريم وآل بيته .. بدءاً بما تم تزويره عبر بعض القصص والروايات المتداولة في مجالس العزاء (اللطميات) الدورية ، وما يتكرر فيها من سرد تاريخي بعيد عن الحقيقة يدور في دائرة الإصرار زوراً على إيجاد وخلق خلاف وعداء ورفض ، مستمر على مدار التاريخ ، بين العرب من كل الطوائف (عدا الشيعة) وبين آل بيت الرسول الكريم .. هذه الروايات التي توجت بتصوير مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب " غدراً " بأيد عربية وبإصرار من الخليفة العربي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .. مروراً بروايات تاريخية مزورة تحكي عن ظلم العرب لآل البيت من بعده ، وانتهاءً بما يمارس من تعسف وتمييز ضد الشيعة على وجه الأرض العربية إجمالاً ..

وفي الجانب الآخر تعمل عقيدة الصفوية في كل أدبياتها على رفع شأن إيران ودورها التاريخي في الإسلام عن طريق ما قدمته في الوفاء لآل البيت و" الاحتفاظ بذكراهم حية لا تموت " ، وبانتقائية شديدة ، تزخر بها عقيدتهم ، تتعمد تجاهل كل ما يمت بذكرى آل البيت من المنسوبين للصحابة بالمصاهرة والنسب ، ومن ضمنهم على سبيل المثال بنات الرسول الكريم السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة أم كلثوم ، و الأخيرتان كانتا زوجتا الخليفة عثمان بن عفان .. والسيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وزوجة الخليفة عمر بن الخطاب .. والسيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وزوجة عبدالله المطرف بن عثمان بن عفان ، وأم ابنهما عبدالله الديباج .. والسيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وزوجة زيد بن عمر بن عثمان بن عفان .. وغير هذا الكثير الكثير عن التاريخ العربي الذي ربط الخلفاء الراشدين وأبناءهم وأحفادهم بالمصاهرة والنسب ورباط الدم بآل بيت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك التاريخ من شأنه أن يدحض الكثير من الافتراءات والأكاذيب المحشوة بها كتبهم وتحولها لصالح تاريخ العرب الذين لم يبرحوا يتفاخرون بحبهم لآل البيت والنسب الأصيل الممتد إليهم .. وهذه الانتقائية في التهميش والإقصاء لكل الجوانب المشرقة من تاريخ العرب يمكن اكتشافها بوضوح شديد في أمهات الكتب الصفوية الشائعة والسائدة في كل المؤسسات الدينية التي تمارس بها طقوسهم .. حتى بلغت استهانة الخميني بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضل شعب إيران على العرب كما جاء في وصيته قائلاً : " وأنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله " (" الوصية السياسية " ، الخميني / ص 23) .

وتذهب الصفوية إلى أبعد مدى بدعواها حول عدم صحة قرآن المسلمين الذي جمعه الخليفة عثمان بن عفان ، كما جاء في كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للحاج ميزار حسين بن محمد النوري الطبرسي ، الذي طبع في إيران في عام 1289هـ ، وجمع فيه إشاراتهم إلى أن القرآن زيد فيه ونقص منه ، و " أن القرآن الذي بين أيدينا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ماهو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة " (" تفسير الصافي / المقدمة " ، محسن الكاشاني) .. وهذا ما لا يزال دعاة هذه العقيدة يؤكدونه حسبما جاء على لسان المتحدث والداعية علي الكوراني ، في معرض رده على تساؤل أحد الحاضرين في ندوته بإحدى الحسينيات في الكويت ، في ذكرى ميلاد الإمام مهدي المنتظر ، بتاريخ منتصف شعبان 1427هـ (أكتوبر 2005م) ، بقوله " إن القرآن الصحيح هو الذي كتبه وجمعه الإمام علي بن أبي طالب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والذي لم يقبل به العرب في خضم صراعهم حول خلافة المسلمين بعد وفاة النبي عليه السلام ، مما دفع الإمام علي لإخفائه عند زوجته فاطمة الزهراء (إبنة الرسول) ، واستمر تداوله بين آل بيته من بعده حتى اختفى مع الإمام المهدي المنتظر ، وسيخرج هذا القرآن للخلق أجمعين مع ظهور المهدي، في آخر الزمان ".

لقد أفرغت عقيدة الصفوية الفكر الشيعي (الجعفري) من فلسفته ومضمونه واجتهاده الديني المعروف والموصوف بأعلى الرتب الفقهية والعلمية ، لتستخدم المذهب كواجهة سياسية ، من أولى أولوياتها رفع شأن إيران (كمدافع عن الحق وحامية لحمى الشيعة) ، وإهانة العرب وتاريخهم الذي اختزل في مجموعة من الروايات التي لا صحة لها إلا في عقول واضعيها ، وباتت ، لشدة تكرارها ، راسخة في عقول وأذهان التابعين لهذه الثقافة (دون وعي منهم) ، رغم ما يعلنه أصحابها بين وقت وآخر ، كذباً (للتقية) ، بعدم صحة هذه الأقوال ، هذا الكذب الذي يمارسونه ضمن المعتقدات الباطنية التي تبرره وتحلله بدعوى حماية المذهب من أعدائه .. علماً بأن الباطنية والتقية ليست من معتقدات المذهب الجعفري ، بل تم ابتداع الأولى بواسطة تابعيه ، والثانية جاءت ضمن عقيدة الصفوية وممارساتها .

أعطت الصفوية تصوراً عن المذهب الشيعي ، وهو الشائع في كل الأوساط ، مغايراً عن حقيقة المذهب الجعفري الذي تتلمذ على يدي مؤسسه ، الإمام جعفر الصادق ، إمامي المذهبين الحنفي والمالكي .. والأهداف سياسية كبرى أدخل على معتقدات الشيعة ، باسم الجعفرية ، أفكار جديدة نسب بعضها زوراً إلى الإمام الصادق ، وهي تناقض تعاليم الإسلام وأصوله .. على سبيل المثال أعطت الصفوية حقاً إلهياً مطلقاً لأفراد من بني البشر رغم مخالفتها للمعتقدات الجعفرية ، وهي ولاية الفقيه والتي قال فيها الخميني " وإن من ضروريات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل " (الخميني " الحكومة الإسلامية " ، ص35) .. كما قال " إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة " (" الحكومة الإسلامية " ص 112) .

وبجانب ذلك أعطت الصفوية قدسية خاصة لرجال الدين ومن يُدعى بالمرجعيات ما يجعل أقوالهم أقرب للقول المنزل .. فاستفادت حكومات إيرانية متعاقبة من هذه الثقافة في دعم أنظمتها وسياساتها رغم مفاسدها ، كما استفادت الإدارة الأمريكية من هذه الأقوال في دعم احتلالها العراق .. في الجانب الآخر ، فإنهم بمقدار تلك القدسية التي يسبغونها على تلك المرجعيات ، هم يحطون من منزلة رجال الدين والمرجعيات في المذاهب الإسلامية الأخرى (العرب) ، كما يكيلون السباب والشتائم إلى الخلفاء الراشدين وصحابة الرسول ، ضمن أفكار مترسخة في معتقدات الصوفية بأن سب وشتم هؤلاء يحقق لهم الثواب الذي يشفع لهم لدى آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجاءت مقولتهم " .. ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما " ( " رجال الكشي " ص 180) (إشارة إلى الخليفتين أبي بكر وعمر بن الخطاب) .

ورغم توفر المراجع والشواهد الكثيرة على شذوذ الصفوية عن المذهب الجعفري بمجمله ، إلا إننا نكتفي بهذا القدر منها للوصول إلى واقع الحال الذي نعيشه على إثر هذه المعتقدات التي باتت عاملاً من عوامل الهيمنة على دولتنا من الداخل والخارج .
منذ عام 1979 ، بعد أن تحولت إيران إلى دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين ، بدأت الصفوية التي كانت تجنح للسلم والباطنية والعمل في الخفاء ، بدأت تأخذ منحى أكثر ميلاً للجدية والعلانية ، تدريجياً .. حتى بدأت تظهر عنفها في دول مثل العراق والبحرين ولبنان والكويت واليمن ، وتتسلل كثقافة تجمع حولها المريدين في مجتمعات عربية أخرى مثل السودان والجزائر وتونس ومصر وغيرها .

بدأت هذه المعتقدات ، بما تنشره من غل طائفي يرمي بظلاله السياسية على كراهية العرب والعروبة الممثلة في الطائفة السنية الأوسع انتشاراً ، بدأت بسلخ قطاع كبير من الشباب العربي في الضفة الغربية للخليج عن أوطانهم ووطنيتهم ، كما رسخت فتاوى المرجعيات ركائز الاحتلال العراقي ، بتحريم مقاومته .. وبين هاتين الحالتين هناك قنابل موقوتة ، إما على وشك الانفجار أو تتفجر بين حين وآخر ، في باقي دول المنطقة لغليانها الطائفي بشكل أو بآخر .. ومن ينكر ، بإدراك منه أو بعدمه ، هذه المعتقدات السلبية المسمومة ، التي لا تسمية لها سوى الصفوية ، القادمة بغبارها الملوث من الضفة الشرقية للخليج العربي ، فهو جزء من هذا المشروع الصفوي الذي أعطاه الخميني ، بعد تسلمه مقاليد الحكم في العراق ، اسم " مشروع تصدير الثروة " .. وهو مشروع مرسوم ومفصل على مجتمعاتنا التي ترى فيها القيادة في إيران أنها سهلة الاقتناص ، ونجحت إلى حد كبير في اقتناصها إلى الآن .

وفي النهاية فهي ليست بثورة بقدر ما هي أطماع واحتلال وهيمنة تستهدف بلداننا .

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
العلويون والشيعة: تكفير مذهبي والتقاء سياسي!

ملف كتبه لأورينت نت: رواء جمال علي*



لطالما اعتبر الجميع أن حافظ الأسد هو رائد العلاقات العلوية-الشيعية ومؤسس الحلف الإستراتيجي بينه وبين إيران الشيعية، منذ أن وصل الخميني إلى حكم إيران من خلف ولاية الفقيه... لكن في الواقع لم يكن حافظ الأسد أكثر من حلقة في سلسلة حلقات هذا الحلف، الذي بدأ منذ مطلع القرن العشرين، ولم يكن حافظ رائده بل كان مؤسسو هذا التحالف هم مشايخ ورجال دين من الطائفة العلوية والشيعية، بمساعدة وتخطيط من دول استعمار سايكس بيكو!

مراجع الشيعة تزدري النصيرية!
ينتسب النصيريون إلى محمد بن نصير النميري (مولى لهم) (ت 260هـ)، وإسم النصيريين هو الاسم الرسمي المعتمد للعلويين في كل المصادر الشيعية منذ أن ظهرت هذه الفرقة أواسط القرن الثالث الهجري.
ومنذ أن ظهرت هذه الفرقة وشاعت كاحدى فرق الغلاة في العراق أولًا، ثم الشام، لم ينظر الشيعة الاثني عشرية إليهم على أنهم من الشيعة، فلم يسجل أي مصدر من كتب الرجال والتاريخ الشيعية القديمة، ما يوحي بوجود ودٍ بين الطرفين، أو اعتراف من جانب الشيعة بالفرقة النصيرية على أنها من فرق الشيعة، ويتضح ذلك من خلال ما كتبه الشيعة عن (محمد بن نصير) رأس الفرقة النصيرية (العلوية)، فقد أجمع كل من الطوسي والنوبختي وابن أبي الحديد وابن داوود الحلي والخاقاني والكشي وابن شهرآشوب... وآخرون على أن ابن نصير كذاب غالي ملحد ادعى النبوة وأباح المحارم... ولم يخرجوا جميعهم عن القول التالي وإن اختلفت العبارة فيما بينهم:
«وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري وذلك أنه ادعى أنه نبي ورسول وأن علي بن محمد أرسله وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ويقول بإباحة المحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم و يقول: إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات وأن الله لم يحرم شيئًا من ذلك... وذُكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عيانًا وغلام له على ظهره فرآه على ذلك، فقال: إن هذا من اللَّذات وهو من التواضع لله و ترك التجبر وافترق الناس فيه بعده فرقًا»

مراجع النصيرية: كربلاء يوم فرح!
وبالمقابل فإن أعلام العلويين بعد ابن نصير بادلوا الشيعة الاثني عشرية نفس الموقف ونفس الكُره واعتبروهم على ضلالة وتقصير في الاعتقاد وكثيرًا ما يشيرون إليهم باسم (المقصرة) ولربما لعنوهم وشتموهم كما نلاحظ في أشعار الخصيبي (260-246هـ) الذي يشبههم بالحيوانات كقوله:
فعُصبَة منهم مُقصرةٌ * تاهوا عن الحق كالبراذين

ويمدح الغلاة (النصيريين) و يلعن المقصرة (الشيعة) فيقول:
عن الغلو فديت القائلين به * ولعنة الله تخزي من يقصرنا

حتى أن الخصيبي يسخر من طقوس اللطم والنواح التي يؤديها الشيعة يوم عاشوراء في ذكرى مقتل الحسين بن علي،بقوله:
وباكي يبكي على ربه * لست بحمد الله من حزبه
بكى على المقتول في كربلاء * لا خفف الرحمن من كربه

أضف أن العلويين يعتبرون يوم كربلاء وقتل الحسين يوم فرح وسرور لا يوم ترح وبكاء كما يذكر ذلك المكزون السنجاري بقوله:
وليوم عاشور فعندي والذي بسط البسيطة يوم عيدي والهنا

وبالمجمل لم يعتبر الشيعة العلويين منهم، وكذلك لم يعتبر العلويون أنهم من الشيعة، وحتى بالاعتماد على المنهج العلمي البحت؛ فإن أصول العقيدة العلوية (السِّرية) ليست هي أصول العقيدة الاثني عشرية. وإن كانت كتب التاريخ ذكرت عن علاقة جمعت الخصيبي شيخ الطائفة النصيرية، بسيف الدولة الحمداني الذي كان اثنا عشريا؛ فان الخصيبي قدم نفسه لسيف الدولة على أنه شيعي اثنا عشري بدليل أن كل المؤلفات التي أهداها لسيف الدولة كانت في باب التشيع الاثني عشري لا الباطني النصيري.
وما يقال عن علاقة الخصيبي بسيف الدولة يقال عن علاقته المفترضة بعز الدولة وعضد الدولة وعموم البويهيين الذين كانوا شيعة اثنا عشريين.

علاقات تاريخية مقطوعة وصلها البعث!
بدأت الروابط بين العلويين والشيعة تنقطع مع هجرة النصيريين من العراق إلى الشام في نهاية القرن الرابع الهجري /العاشر الميلادي، وخلال الفترة بين القرن الحادي عشر ونهاية القرن التاسع عشر الميلادي لم يكن من علاقات ربطت العلويين الذين انعزلوا في جبال الساحل الشامي بالشيعة الذين تركزوا في العراق وإيران وأصبحوا على هامش التاريخ، بعد أن غاب إمامهم المفترض في سرداب سامراء.
إن البعث العلوي في بلاد الشام، والتمهيد والتمكين لهم في العصر الحديث لا ينفصل البتة عن البعث الشيعي في إيران والعراق ولبنان، ثم ربط كلا الطرفين ببعضهما تحقيقا لسياسة الدول الاوربية الاستعمارية في إنهاء الوحدة السياسية للدولة العثمانية ومن ثم تقسيم التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا في سايكس بيكو، وقيام كل منهما بإيجاد ركائز لاستعمار المشرق العربي اعتمادًا على إضعاف الغالبية المسلمة، والتمكين للأقليات الطائفية لتكون الوريث والخليفة لهذا الاستعمار ينوب عنه في حكم المنطقة.
ولم تكن فكرة استعمال الأقليات فكرة طارئة في العقلية السياسية الأوروبية ذلك أن مرحلة الحروب الصليبية في القرون الوسطى كانت ماثلة تمامًا في عقليتهم يدل على ذلك ما قاله غورو عند قبر صلاح الدين: «ها قد جئتك يا صلاح الدين منتصرًا» وما قاله اللنبي بعد أخذ الإنجليز القدس من العثمانيين: "الآن فقط انتهت الحروب الصليبية".
فمن خلال تاريخ الحروب الصليبية نعلم أن بلاد الشام عندما أخذها الصليبيون أخذوها من الفاطميين وهم من الأقليات الدينية الباطنية، وطوال فترة وجود الفاطميين بمصر كانت أوضاع الصليبيين على أحسن ما يكون، ولم يواجهوا مقاومة تذكر، ولم تظهر حركة التحرير إلا عندما تم إسقاط هذه الدولة-الطائفة، وظهرت دولة جديدة تنتمي للغالبية المسلمة التي تعيش في المنطقة.
وبما أن المستعمر الحديث كان على يقين من أن بقاءه في المنطقة هو مسألة وقت، كما كان بقاء الصليبيين مسألة وقت، فقد خططوا منذ وقت مبكر إلا يقعوا فيما وقع به صليبيو القرون الوسطى، لذلك كانت فكرة اعتماد الأقليات الدينية الموجودة في المنطقة هي خير وسيلة لبقاء النفوذ والاحتلال بشكل غير مباشر... سيما أن هذه الأقليات قد عُرف عنها منذ قرون أن لا مشكلة جوهرية بينها وبين أوربا، بل المصالح المشتركة هي أكبر وأكثر كما أثبت التاريخ ذلك، كمثال: الفاطميون والصليبيون. الشيعة الصفويون ودورهم في فك الحصار العثماني عن فيينا. الدروز والحلف الذي ربط فخر الدين المعني بإيطاليا ضد الدولة العثمانية. ومحمد علي باشا البكتاشي في مصر وعلاقاته مع فرنسا وانكلترا وتآمره على الدولة العثمانية ومحاولة إسقاطها.

الاهتمام الفرنسي بربط العلويين بالشيعة!
لذا فقد بدأت الاهتمامات الفرنسية بالعلويين في الشام من قبل اتفاقية سايكس بيكو، وتمثل ذلك في الدراسات الجغرافية والاجتماعية والدينية لمنطقة جبال الساحل السوري منذ نهاية القرن التاسع عشر كتلك التي وضعها الضابط الفرنسي كاهون، أو التي وضعها رينه دوسو... وقد دخلت القوات الفرنسية منطقة الساحل منذ عام 1919 أي قبل دخول غورو للشام بنحو سنة.
لقد كانت الخطة الفرنسية في بعث العلويين وتهيئتهم ليكونوا ذراعها في سوريا بعد الاحتلال، تقوم على إعادة إنتاج العلويين وفك عزلتهم وتلميعهم وتقديمهم من خلال ربطهم بالشيعة، من جهة وتأمين القبول لهم بين أهل السنة من جهة أخرى. وقد مر تاريخ العلاقات بين العلويين والشيعة منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا في أربع مراحل:

مرحلة فك العزلة:
وبدأت قبيل الاحتلال الفرنسي، وظهرت جلية مع الاحتلال الفرنسي بمحاولة الفرنسيين إبراز الشخصية العلوية وقطع صلتها بماضيها في أذهان المعاصرين من غير العلويين فاستحدثت لهم اسم (العلويين) لربطهم بشخص علي بن أبي طالب الذي له الاحترام والتقدير عند السنة والشيعة ليكون الاسم بديلًا عن اسم (النصيريين) المشتق من محمد بن نصير المكَفَّر عند الشيعة والسنة، ثم أوجدت لهم دويلة في منطقة الساحل وأطلقت عليها اسم (دولة العلويين) ثم دفعت أحد موظفيها العلويين (محمد غالب الطويل) لينتج أول كتاب عن تاريخ النصيريين بالاسم الجديد وهو (تاريخ العلويين)،
أما الجهد الأكبر والأبعد تأثيرًا فقد قام به أحد الشيوخ النصيريين وهو (سليمان الأحمد) الذي وقع على كاهله عبء التسويق للعلويين في الأوساط الشيعية على أنهم شيعة اثنا عشريين منذ مطلع القرن العشرين لذا نستطيع أن نقرر أن سليمان الأحمد هو رائد التحالف الشيعي-العلوي الذي وصل إلى ما وصل إليه اليوم.
وسليمان الأحمد (1866-1942م) من قرية الجبيلية (قضاء جبلة - محافظة اللاذقية) عاش في اللاذقية وزار كيليكيا، وبيروت صيدا والنجف وأقام في بعضها. درس الفقه الجعفري خاصة، والنحو، واشتغل بالتعليم في قرية ديفة والسلاطة. وعُين رئيسًا لمحكمة الاستئناف في عهد الملك فيصل، ثم أصبح مع حزب الكتلة ،وانتُخب عضوًا في المجمع العلمي العربي في دمشق. أنجب أربعة من الأولاد: محمد (بدوي الجبل)، وأحمد، وعلي، وفاطمة
لم يكن سليمان الأحمد مجرد سياسي وأديب وفقيه جعفري ... بل كان عند قومه أحد أعظم شيوخ الدين العلويين في العصر الحديث ويطلقون عليه لقب "الشيخ الأمجد" وكان هو أول من بدأ في إنشاء العلاقات مع الشيعة والتسويق للعلويين بين الشيعة على أنهم اثنا عشريين وليسوا طائفة باطنية لذلك درس الفقه الجعفري وانشأ علاقات وثيقة مع معاصريه من مراجع الشيعة يدل عليها تلك اللقاءات والزيارات والتفاهمات التي حدثت بينه وبينهم، وقد ذكر عبد الرحمن الخير (1903-1982) جانبًا منها فقال:
"في عام 1332/1914 م قام العلامتان سليمان الأحمد وإبراهيم عبد اللطيف مرهج بزيارة إخوانهما من علماء المسلمين الجعفريين في لبنان ودامت المحادثات أيام عدة أسفرت عن تعارف مذهبي وتفاهم أخوي ومودة صادقة".
لقد قام نشاط سليمان الأحمد على التقية فكان يظهر غير ما يبطن، فهو نصيري العقيدة بلا شك لكنه حاول استغلال الظروف لمصلحة قومه ليغير مواقف أهل السنة والشيعة منهم ويؤمن لهم قبولًا في تلك الأوساط على طريق الوصول إلى حكم سوريا الذي أصبح واقعا فيما بعد، ولم يكن حافظ الأسد هو أول من أوجد الحلف الإستراتيجي بين العلويين والشيعة بل كان الأسد من منجزات هذا التحالف الذي عمل عليه سليمان الأحمد، واعتمدته فرنسا منذ احتلال سوريا وإنشاء الدولة العلوية. ومما يؤكد أن سليمان الأحمد كان نصيري العقيدة - محكومًا بعقائد الأجداد والآباء- وأحد شيوخها ولم يكن ذلك الشيعي-الوطني كما أشاعوا عنه هو:

1. إن كان سليمان الأحمد شيعيًا جعفريًا فلماذا لم يبذل جهده في تحويل بني قومه إلى الجعفرية على وجه الحقيقة لا الدعاية والإعلان ؟ فلو كان سليمان الأحمد مقتنعًا بما كان يروج له لعمل عليه و لرأينا ثماره واقعًا في حين أن الواقع يقول إن العلويين قبل سليمان الأحمد هم نفسهم بعد سليمان الأحمد.

2. في مراسلات جرت بين محمد كرد علي والشيخ سليمان الأحمد، استفسر كرد علي من سليمان الأحمد عن عقائد النصيريين وأحوالهم. فأرسل له سليمان الأحمد رسالة فيها الجواب ،قال فيها:
«لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا ما أوجبته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام... إنما لهم طريقة كالنقشبندية والرفاعية وغيرهما من طرق الصوفية بالنسبة إلى أهل السنة. وهذا مصدر التقولات الباطلة عليهم... " والحقيقة أن سليمان الأحمد استعمل التقية في الرد وانسل من معتقده وبرَّأ نفسه وقومه من العقيدة النصيرية بينما في مراسلات سليمان الأحمد مع معاصره الشيخ النصيري صالح ناصر الحكيم فقد أقر بعقيدته النصيرية وتأليهه لعلي بن أبي طالب، ففي إحدى رسائله لصالح الحكيم قال له: "إن اصل عقيدة هذا المذهب و قاعدة أمره أن الصورة المرئية هي الغاية الكلية الظاهرة بالسبع قباب من هابيل إلى أمير المؤمنين هي هي الذات المعبود..." ثم يختم سليمان الأحمد رسالته لصالح الحكيم بأبيات من الشعر يختصر فيها معتقده كله بقوله:
أشهد أن لا إله إلا علي الأنزع البطين
ولا حجاب لديه إلا محمد الصادق الأمين
ولا سبيل إليه إلا سلمان باب الهدى المبين
وإضافة لما سبق فإن سليمان الأحمد هو صاحب الشرح الكبير لديوان الشاعر النصيري الكبير الحسن بن مكزون السنجاري، وكلا الديوان والشرح يدوران في مواضيعهما حول العقيدة النصيرية وأصولها وجزئياتها.

3. ذكروا أن سليمان الأحمد كان من المعادين للاستعمار الفرنسي و أعوانه و كان من المؤيدين للكتلة الوطنية. وإحدى الحقائق التاريخية هي أن العريضة التي رفعها أعيان الطائفة العلوية لحكومة اليهودي ليون بلوم و التي تطالب حكومة فرنسا بعدم الانسحاب من سوريا و تتباكى على يهود فلسطين ...كان من الموقعين عليها - إلى جانب سليمان الأسد جد حافظ - أحد أبناء سليمان الأحمد الشاعر المعروف بدوي الجبل باسم محمد سليمان الأحمد ،و لا ندري كيف يكون سليمان الأحمد معاديًا للفرنسيين و لأعوانهم و في نفس الوقت يكون ابنه من الغارقين في هذه العمالة للمستعمر و المطالبين ببقائه ،إلا إذا كان يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره.

في الوقت الذي كان سليمان الأحمد يعمل على التقارب العلوي-الشيعي، ظهر في الأوساط الشيعية العربية شخصيتان كانتا سلفًا على علاقة وتواصل مع سليمان الأحمد، هما: محسن الأمين العاملي الذي هاجر من جبل عامل في لبنان ليقيم في دمشق في حي اليهود حيث الأقلية الشيعية هناك ليعمل على جمعها وتوعيتها، والشخصية الثانية هي عبد الحسين شرف الدين، الذي هاجر من العراق إلى جبل عامل في لبنان في نفس وقت هجرة الأمين ليعمل على جمع الشيعة في لبنان وتوعيتهم هناك، وبشكل أكيد كان هناك مراسلات بين الأطراف الثلاثة تناولت أمورًا شخصية و علمية
وإن كان سليمان الأحمد هو رائد النهضة العلوية الحديثة فإن محسن الأمين هو رائد البعث الشيعي في سوريا، ولا يمكن الكلام عن تاريخ الشيعة في لبنان ونهضتهم المعاصرة دون الإقرار بأن عبد الحسين شرف الدين هو باعثها. ولم يكن ظهور هذا الثلاثي: الأحمد-الأمين-شرف الدين في وقت واحد وقيام الصلات فيما بينهم محض صدفة أبدًا
وقد مات الثلاثي: الأحمد-الأمين-شرف الدين في فترات متقاربة
عندما مات سليمان الأحمد سنة 1942م، مات وقد أوجد التواصل بين النصيرية والشيعة على مستوى النخب الفكرية وأقنع معاصريه من مراجع الشيعة كالأمين وشرف الدين ومحمد حسين كاشف الغطاء أنه وقومه جعفريون اثنا عشريون، وحصل من عبد الحسين شرف الدين على إجازة بالرواية عنه.
أما جهود محسن الأمين الذي توفي سنة 1952م فقد أثمرت في ربط أكبر أقلية دينية في سوريا (العلويون) مع أصغر أقلية دينية (الشيعة) ونتج عن ذلك أن أصبح للشيعة وزير في حكومة البعث الطائفي عام 1966 . وفيما يخص النصيرية فقد كان أول من برئ ابن نصير والخصيبي والنصيرية من تهم الغلو التي وصمتهم بها كل المصادر الشيعية، وألحقهم بالشيعة في موسوعته المعروفة باسم "أعيان الشيعة". ولاحقًا مع مطلع السبعينيات سيظهر رجل دين شيعي عراقي هو حسن مهدي الشيرازي سينتقل من العراق إلى سوريا ليتابع ما بدأه الأمين حيث سيحيي مزار السيدة زينب وينشيء أول حوزة شيعية (الحوزة الزينبية) في سوريا ، أما عبد الحسين شرف الدين فقد بذر في لبنان بذور الصحوة الشيعية وعندما حانت وفاته سنة 1957هـ أوصى أن يخلفه إيراني هو موسى الصدر الذي استدعي من إيران على عجل وأعطي الجنسية اللبنانية بمرسوم رئاسي بشكل مريب خلافًا للأصول المتبعة في لبنان من حظر التجنيس إلا على الموارنة

مرحلة تحقيق النسبة للتشيع
مع بداية الستينيات من القرن الماضي حدثت تغيرات سياسية متزامنة في المنطقة، فقد تمرد الخميني في إيران على الشاه مفتتحًا عصر الثورة التي ستسقط الشاه وتأتي بالملالي الشيعي نهاية السبعينيات. وحدث الانقلاب الطائفي في سوريا 1963م الذي أوصل العلويين إلى الحكم بشخص جديد-عمران-ماخوس في عباءة حزب البعث. وقبله بسنتين حدث انقلاب العراق الذي أسقط الملكية في الوقت الذي بدأ فيه محمد باقر الصدر عمله في بعث الشيعة في العراق، وفي لبنان بدأ نجم موسى الصدر بالبزوغ خلفًا لشرف الدين ومن وراءه الشيعة، وما كان سليمان الأحمد قد أسسه من علاقات مع معاصريه الشيعة استمر به من جاء بعده مثل عبد اللطيف مرهج وعبد الرحمن الخير وعلي عزيز إيراهيم... من جانب العلويين ومعاصريهم من الشيعة: موسى الصدر، ومحسن الحكيم، وحسن مهدي الشيرازي، ومحمد حسين فضل الله... ، وقد ذكر الشيخ العلوي علي عزيز إبراهيم جانبًا من تلك العلاقات والمراسلات في تلك الفترة والتي تضمنت في بعضها معونات مالية وبعضها توجيهات وإرشادات من مراجع شيعية عراقية ولبنانية على رأسها موسى الصدر لشيوخ الطائفة النصيرية، وبعضها مديح وثناء .
وقد نتج عن تلك اللقاءات والزيارات التي بدأ بها سليمان الأحمد وسار على خطاها من جاء بعده تلك الفتاوى الشيعية التي اعتبرت العلويين من الشيعة الاثني عشرية بعد أن كانت كل المصادر الشيعية تعتبرهم فرقة خارجة عن التشيع وعن الإسلام. ومن أمثلة هذه الفتاوى تلك التي أطلقها المرجع الشيعي حسن مهدي الشيرازي عام 1972م . و ما أفتى به موسى الصدر عام 1973م باعتباره العلويين من المسلمين وأنهم طائفة من الشيعة الاثني عشرية ليعطي المشروعية وقتها لحكم حافظ الأسد العلوي في سوريا بجعله مسلمًا شيعيًا كما ينص الدستور السوري وقتها من أن يكون دين رئيس الدولة هو الإسلام. ولم تأت الفتاوى الشيعية سالفة الذكر إلا بعد أن أصدر مشايخ الطائفة العلوية عام 1972م بيانًا أجمعوا فيه على أنهم طائفة شيعية تؤمن بما يؤمن به الاثني عشرية وتتعبد الله على مذهب جعفر الصادق .
وبفتوى الصدر وغيره من ملالي الشيعة مطلع السبعينيات زالت تلك الجفوة التي امتدت لقرون بين الاثني عشرية والنصيرية وحقق العلويون النسبة للشيعة، وأقول النسبة لا الانتساب إليهم، ذلك أنه لم يكن هدف العلويين التحول من النصيرية إلى الاثني عشرية وانما أن يُنسَبوا إلى الشيعة ليحققوا المشروعية لطائفتهم ويربطوا طائفتهم بأصل ديني معترف به.

مرحلة التشارك والتعاضد
اُفتتحت هذه المرحلة منذ مطلع السبعينيات حيث أخذ رجال الدين العلويين والشيعة بالتواري وتصدر المشهد سياسيون وعسكريون لكنهم مسيرون من قبل الدينيين، فبعد أن سيطر العلويون على حكم سوريا، اُصطنعت الظروف في لبنان لتسليمها إلى الشيعة، فكانت الحرب الأهلية منذ عام 1975 التي أرادوا من وراءها تفريغ لبنان من أي قوة سنية أو مسيحية، لصالح إفساح المجال للشيعة...
وخلال هذه الفترة أسس موسى الصدر حركة المحرومين وجناحها المسلح (حركة امل) منذ عام 1975 كأول تنظيم شيعي مسلح في لبنان بواجهة علمانية مسيرة من رجل دين هو موسى الصدر برعاية علوية من قبل حافظ الأسد، وهذا ما صرح به لاحقًا نبيه بري عندما قال:
« إن حركة امل لم تتسلم شيئًا على الإطلاق من أي إنسان خارج سوريا التي حصلنا منها على السلاح، أخذنا أسلحة ودبابات من سوريا وإمداداتي العسكرية كلها من سوريا، أنا لا أنكر ذلك».
وبعد تأسيس (أمل) بدأت مرحلة احتلال بيروت الغربية ذات الغالبية السنية من قبل الشيعة بتخطيط من الصدر، وعندما زاد الضغط من قبل الشيعة على بيروت الغربية في السنوات التالية، شكى وفد سني من بيروت لحافظ الأسد ما يقوم به الشيعة من استيلاء على الأراضي والممتلكات، فقال لهم إنه هو نفسه كان فلاحًا أطاح بسلطة وجهاء المدن. وعندما دخلت القوات السورية لبنان عام 1976 كانت الأوامر واضحة وصريحة من موسى الصدر للشيعة بأن لا يقف أحد مع الجبهة الوطنية التي يقودها كمال جنبلاط ضد الأسد.

مرحلة التوحد
في عام 1978 أخرج العراق الخميني من أراضيه فتلقى عرضًا من الأسد أن يقيم في سوريا لكن الخميني آثر فرنسا لغاية في نفسه أو في نفس من وراءه. حدث هذا بعد شهر من مقتل موسى الصدر الذي وقع في 31 آب 1978، وبعد هذا الحدث بستة شهور كان الخميني على متن طائرة فرنسية متوجهة إلى طهران ليكون على قمة السلطة هناك مستفتحًا عصر ولاية الفقيه.
لقد كان كلًا من الأسد والقذافي وأطراف أخرى خفية هي وراء قتل موسى الصدر والهدف هو إفساح المجال للخميني، ذلك أنه في ذلك الوقت كان الصدر أشهر شخصية شيعية وكانت طموحاته تتعدى زعامة شيعة لبنان إلى زعامة الشيعة في العالم، ولم يكن من طريقة لإزاحة الصدر وافساح المجال للخميني سوى بالتخلص من الصدر وهذا ماكان. وتبع ذلك بعد فترة تفكيك حركة امل لصالح التيار الخميني المتدثر بدثار امل فانشق الخمينيون عن «امل الصدر» وشكلوا «امل الإسلامية» بزعامة حسين الموسوي ثم لم يلبثوا أن غيروا الاسم إلى «حزب الله» الذي أعلنها بلا مواربة انه يتبع ولاية الفقيه الممثلة بآية الله الخميني، كان ذلك عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وبموافقة من الأسد وتسهيلات منه أدارت السفارة الإيرانية (علي محتشمي) في دمشق حزب الله ومولته ودربته من خلال قوات الحرس الثوري الإيراني التي سمح لها الأسد أن تفتتح معسكرات التدريب للشيعة في البقاع فصار لإيران جيبًا في لبنان وأصبح الحزب الشيعي الخميني ذراعًا لها استطاعت اعتمادًا عليه السيطرة على لبنان وتحويله إلى محمية إيرانية شيعية.

وعلى الجانب الآخر من سوريا من الشرق اندلعت الحرب الإيرانية العراقية مع مقدم الخميني للسلطة، وخلافًا لما تقتضيه مبادئ حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق من ضرورة مؤازرة الأخ العربي انسجاما مع مبادئ حزب البعث فإن الأسد العلوي آثر الخميني الفارسي الشيعي على العربي ولا شك أن العامل العقائدي (الديني) كان أحد العوامل المهمة وراء دعم الخميني وإيران ضد صدام حسين والعراق، ولم يكن دعم الأسد لإيران مقتصرًا على الإعلام بل شارك في الحرب بشكل مباشر فتحولت سوريا إلى ممر للأسلحة السوفيتية المتوجهة إلى إيران، وقاعدة لاستقطاب الشيعة وتدريبهم قبل عبورهم إلى إيران، وتحول الاقتصاد السوري إلى مؤازر للاقتصاد الإيراني، وقيل أن الطائرات السورية شاركت في نهايات الحرب في قصف أهداف عراقية لصالح إيران
وهكذا وبرعاية ومساعدة من الأسد استطاعت إيران الخمينية أن تمد جسرًا إلى قلب العالم العربي لتصبح ركنًا أساسيا فيه، وما فعله الأسد كان نظير ما فعله الشيعي ابن العلقمي عندما اغرى هولاكو باجتياح العراق فانساحت قوات المغول في العالم العربي ناشرة الخراب كما انساح النفوذ الإيراني اليوم معيدًا نفس الخراب.

هيمنة إيرانية وحلف استراتيجي!
إن ما بدأه شيوخ العلويين والشيعة من علاقات وروابط مطلع القرن العشرين أثمر في فترة الثمانينيات والتسعينيات عن حلف استراتيجي بعيد المدى جمع الشيعة ممثلين بإيران وأحزابها المسلحة في المنطقة، والعلويين ممثلين بحكام سوريا، هذا الحلف تحول بعد العام 2000م إلى هيمنة إيرانية على سوريا بموافقة ورضا بشار الأسد بحيث تحولت سوريا إلى محمية إيرانية يتبادل فيها العلويون والشيعة أسباب وجودهم وبقائهم، فبقاء إيران ومشروعها الشيعي الصفوي كقوة ونفوذ في المشرق العربي يرتبط إلى حد بعيد ببقاء العلويين حاكمين ومهيمنين على سوريا، وبقاء العلويين في حكم سوريا يستمد بقاءه من قوة إيران ووجودها، وهذا الوضع موافق عليه أوربيًا وأمريكيًا وإسرائيليًا فأن تُحكم المنطقة بأقليات طائفية هو الوضع الأمثل الذي يضمن أمن إسرائيل ومصالح الغرب الاقتصادية والعسكرية ويبقي المنطقة في حالة توتر دائم يستنزف إمكانياتها ويمنعها من النهوض.
يقول «روبرت دريفوس» صاحب كتاب «لعبة الشيطان»: إن إسرائيل ترى الأقليات حلفاء لها مثل الموارنة والدروز والعلويين والشيعة... وهناك دراسات عديدة في مراكز الأبحاث توصي بالتعامل مع الإسلاميين الشيعة لأنهم يمكن الوثوق بهم على خلاف الإسلاميين السنة.. بل يدعو باحثون مثل ريتشارد بيرل ودانييل بليتكا لقيام جمهوريات شيعية في المنطقة ... وتسليم المنطقة للأقليات بصفتهم حلفاء موثوقين هو الاستثمار الذي عملت عليه الدول الاوربية منذ احتلالها للمنطقة وقد أصبح اليوم حقيقة، ولا مجال لإسقاط هذا المشروع إلا بكسر العمود الفقري لإيران (العلويين) أو كسر العمود الفقري للعلويين (إيران).

المصادر:
رجال الكشي-ص323-طبعة حجرية-مكتبة جامعة كولومبيا.
الموسوعة الشعرية العربية- ديوان الخصيبي –ص 20-مؤسسة محمد بن راشد 2009
ديوان الخصيبي – ص 29
ديوان الخصيبي-ص48
إبراهيم مرهج-شرح ديوان المنتجب-ص172-مخطوط
سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق، ص 149
الموقع الإلكتروني لمعجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين
إبراهيم مرهج-شرح ديوان المنتجب العاني-ص203-مخطوط
عبد الرحمن الخير-عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين الجعفريين-ص39-ط3-1992
محمد كرد علي-خطط الشام-ج6-ص261-263
إبراهيم سعود-الأدلة النقلية-ص98 وما بعدها-مخطوط
سجلات وزارة الخارجية الفرنسية رقم 3547 تاريخ 15/ 6 / 1936
كثير من المواقع العلوية في الإنترنت نشرت جانبا من المراسلات بين الأحمد ومعاصريه من علماء الشيعة
البعث الشيعي في سوريا-ص27-المعهد الدولي للدراسات السورية
عبد المنعم شفيق-حزب الله رؤية مغايرة-ص24
علي عزيز إبراهيم- العلويون والتشيع- ص1 وما بعدها –الدار الإسلامية-بيروت1992
راجع نص الفتوى عند منير الشريف-المسلمون العلويون من هم وأين هم-ص8-مؤسسة البلاغ-ط1-1994
البعث الشيعي في سوريا-ص33
راجع تفاصيل هذا البيان وأسماء الموقعين عليه والذي قدم له حسن مهدي الشيرازي (منير الشريف-المسلمون العلويون من هم وأين هم-ص7 وما بعدها-ط1)
عبد المنعم شفيق-حزب الله رؤية مغايرة-ص60
نفس المصدر السابق-ص59
البعث الشيعي في سوريا-ص37
نفس المصدر السابق-ص37
مجلة الوطن العربي- العدد 1514-10/3/2006

* باحث سوري متخصص في دراسة تاريخ وعقائد النصيرية
 
آل الأسد والعلويون واليهود: أصول وأهداف مشتركة!

ملف كتبه لأورينت نت: رواء جمال علي



يتابع الباحث في تاريخ العقائد وشؤون الأقليات الدينية رواء جمال علي، سلسلة ملفاته الهامة التي كانت اورينت نت قد انفردت بنشر العديد منها من قبل، حول علاقة العلويين بالانتداب الفرنسي على سورية، وعلاقة الشيعة مع العلويين، فيما يقدم لنا في هذا الملف نظرة على طبيعة العلاقة التي تربط العلويين باليهود، وعن الأصول والأهداف المشتركة التي صاغت حلم دولتهم، كما يقدم معلومات خطيرة عن علاقة آل الأسد باليهود وخصوصاً من خلال قصة الجاسوس الإسرائيلي كوهين الذي أعدم في دمشق في أيام من 1965 (أورينت نت)

يبتدئ تاريخ الفرق الباطنية التي جاء منها النصيريون (العلويون) بيهودي اسمه عبد الله بن سبأ، ويختتم دور التأصيل للعقيدة النصيرية بشخصية يشتبه في أن أصلها يهودي هو الميمون بن قاسم الطبراني.. وما بين الشخصيتين ثمة تاريخ طويل نحاول أن نختزل تحولاته الأساسية في هذا الملف.

عبد الله بن سبأ اليهودي ومكانته عند العلويين!
لم يختلف أحد من كتَّاب الفرق والملل والنحل والتاريخ على أن أوَّل نزعات الغلو وتأليه علي بن أبي طالب، كان وراءها شخصية يهودية هو عبد الله بن سبأ، الذي كان له دور كبير في أحداث الفتنة الأولى التي ابتدأت سنة (35هـ) بقتل الخليفة الراشدي عثمان بن عفان وانتهت بقتل الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب سنة (41هـ)، إذ يذكر النوبختي وغيره ذلك بقوله:
"وأول فرقة قالت بالغلو هم أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو يهودي أسلم ووالى عليًا، وكان يقول و هو على يهوديته في يوشع بن نون بأنه خليفة موسى، فلما أسلم قال في علي مثل ما كان يقول في يوشع، وقد همَّ علي بقتله لولا شفاعة بعض أصحاب علي فيه، فنفاه إلى المدائن".

أمّا الشيعي المعتزلي ابن أبي الحديد فيقول: وبعد سنة أو نحوها من هذه الحادثة (حادثة حرق علي لأتباع ابن سبأ)، ظهر عبد الله بن سبأ -و كان يهوديًا يتستر بالإسلام- بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام، واتبعه قوم فسُموا السبئية... ويستطرد ابن أبي الحديد حتى يقول: وتولدت من هذه المذاهب القديمة التي قال بها سلفهم، مذاهب أفحش منها قال بها خلفهم، حتى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية، وهي التي أحدثها محمد بن نصير النميري.

إذن لم يكن من خلاف عند الأقدمين على أن الفرق الغالية -ومنها النصيرية- هي ذات أصل يهودي. وقد حاول بعض المعاصرين إنكار حقيقة وجود ابن سبأ، وادعوا أنه أسطورة لا وجود لها إلا في مخيلة الرواة، اصطنعها من أراد الإساءة للشيعة، وفي الحقيقة لا قيمة لهذا الرأي إذا علمنا أن النصيريين أنفسهم في مصادرهم السرِّية لا ينكرون حقيقة وجود ابن سبأ، ويعتقدون فيه أنه من الملائكة من مرتبة النجباء وسيد هذه المرتبة، ظهر مع الله المتمثل في علي بن أبي طالب، جاء في أحد كتب الطائفة التي تلقن تعاليم الديانة النصيرية على طريقة السؤال والجواب مايلي:
- اشرح لي أسماء النجباء وعددهم في العالم النوراني الكبير والعالم البشري الصغير؟
- فيعدد أسماء النجباء و آخرهم في القائمة " وعبد الله بن سبأ وهو سيد النجباء"


وكذلك لا ينكر النصيريون تأليه ابن سبأ لعلي بن أبي طالب وما كان من قصته وأتباعه مع علي، ويذكر شيخ الطائفة النصيرية الحسين بن حمدان الخصيبي (260- 346هـ): أن ابن سبأ و أصحابه لم يكونوا مخطئين بادعائهم ألوهية علي بن أبي طالب التي جاهروا بها أكثر من مرة، وأن ابن سبأ وأصحابه هم أصحاب الأخدود، وهم الذين نزلت فيهم سورة البروج في القران الكريم، وهم المقصودون بقول الله تعالى: { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا ان يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }. ويترجم العلويون حبهم وولاءهم لابن سبأ من خلال مقام الأربعين المطل على مدينة القرداحة في اللاذقية، وهو مقام مقدس لابن سبأ وأصحابه الأربعين الذين أحرقهم علي بن أبي طالب، يحج إليه النصيريون ويتبركون به. وإذا سأل سائل كيف يحرق علي بن أبي طالب ابن سبأ وأتباعه ثم يأتي النصيريون ويقدسونهم، فالجواب بحسب عقيدتهم: أن النار التي أُحرِقوا بها لم تكن نارًا على وجه الحقيقة، بل هي تجلي لله ظهر بمظهر النار تلبيسًا على الخلق، وهذه النار هي واحدة من النيران المقدسة عند النصيريين كما يذكر ذلك شيخهم إبراهيم مرهج بقوله: "النيران السبع المقدسة: هي ثلاث لموسى في الوادي المقدس، ونار هابيل، ونار إبراهيم، ونار عبد الله بن سبأ، ونار الله الموقدة. و هذه النيران السبعة، مثال لتجلياته تعالى في مظاهر الأنوار، وسميت بالنار لإقامة الجدار محافظة على الأسرار".

الفكر اليهودي في العقيدة النصيرية!
وإذا تجاوزنا موضوع ابن سبأ وعلاقته بالعقيدة النصيرية، فإن أقدم المصادر المكتوبة التي تشكل أحد أهم الأصول العلمية للعقيدة النصيرية والتي يقدسها النصيريون ويستشفعون بها، هي ذات أصل يهودي، وهو كتاب "الأسوس" وهذا الكتاب هو أصول الحكمة المنسوبة لنبي الله سليمان بن داود -كما يزعمون- كما جاء في مقدمته: " هذا كتاب معرفة حكمة سليمان بن داوود عليه السلام، وهو الذي يسمى كتاب الأسوس، لان أساس كل شيء في معرفة هذا الكتاب"
وفي جزء من دعاء يسمى "دعاء السجود" ورد الدعاء: "بحق الأربعة كتب المنزلات ... وبحق كتاب الهفت، وكتاب الصراط، وكتاب الأسوس، وكتاب العقود، وبحق سليمان بن داود..."
وبحسب العقيدة النصيرية، فإنه من بين سبعة ظهورات للذات الإلهية واسمها بين البشر التي يقدسها النصيريون، هناك أربعة منها لأشخاص من التاريخ الديني اليهودي حسب ثنائية المعنى، الاسم، التي يعتقدها النصيريون، وهم:
يوسف ، يعقوب – يوشع بن نون ، موسى - آصف ، سليمان – شمعون الصفا ، عيسى بن مريم.

ويظهر التأثير اليهودي على عقيدة شيخ الطائفة الحسين بن حمدان الخصيبي في رسالته "الرستباشية" عندما يجعل نظرية الخلق اليهودية الصوفية للكون أصلًا من أصول العقيدة النصيرية، فبحسب معتقد الخصيبي فان الأحرف الأبجدية (ا، ب، ت ...) هي رموز ظاهرية، وفي حقيقتها الباطنية أشخاص مقدسة، حيث يمثل كل حرف شخصًا من الأشخاص يقوم كجزء من الكون، ومن مجموع الحروف قام بناء الكون بكلياته وجزئياته. وهذه النظرية هي نفسها نظرية فرقة القبَّالة اليهودية، ولا خلاف بين القبَّالة والنصيرية إلا في عدد الحروف، فالقبالة تعتبر الحروف اثنين وعشرين بعدد حروف الأبجدية العبرية، أما النصيرية فتجعل الحروف ثمانية وعشرين بعدد حروف الأبجدية العربية.
وفي بعض أشعار الخصيبي التي يسرد فيها تفاصيل رحلته التي عرج فيها إلى السماء–كما زعم- فقد هلل وكبر الله باللغة العبرية على طريقة اليهود كما ذكر ذلك شعرًا:
وقد هللت آهيا
شراهيا بلا فتن

وقد كبرت أدوناي
أصباؤوت مع الطبن

إهْيِهْ أَشِرْ إهْيِهْ = אהיה אשר אהיה: الحي القيّوم
أَدُونَايْ صْبَاؤُوتْ = אדוני צבאות: السيد الرب القدير

الطبراني: يهودي مندس أم متحول إلى النصيرية؟!
في نحو عام 346 هـ توفي الخصيبي في حلب بعد أن أوجد تجمعًا لأتباعه النصيريين هناك، وخلفه في الزعامة الدينية محمد بن علي الجلي، ورغم كون الجلي من أنطاكيا، إلا أن علاقة مجهولة البداية وصعبة التعليل قد ربطته بشخص من طبرية اسمه ميمون بن القاسم الطبراني (358- بعد 426 هـ) وهو الذي سيخلف الجلي بعد موته في زعامة النصيريين في حلب قبل أن يبدأ الطبراني مع اتباعه النصيريين مرحلة النزوح من حلب للسكن في جبال الساحل السوري، حيث سيموت هناك وسَيُبنى لاحقًا على قبره مسجدًا باسم لا يعبر عن هوية صاحب الضريح، وهو المسجد الذي يعرف اليوم باسم مسجد الشعراني في مدينة اللاذقية.
يرجع الطبراني في أصله إلى فلسطين، وينتسب إلى منطقة طبرية وهي مركز من مراكز المجموعات الغنوصية اليهودية (القبَّالة)، والغنوصية المسيحية (الهراطقة) في ذلك العصر.
والغنوصية هي تيار ديني ظهر ابتداءً في العصر الهلنستي في مصر وفلسطين، اعتقد أتباعه عقائد مازجت بين اليهودية والمسيحية التقليدية والوثنية الفرعونية والإغريقية، مضاف إليها الفلسفة الإغريقية، كالفيثاغورية والأفلاطونية الحديثة... وقد كانت الغنوصية أحد أهم الأصول التي قام عليها التشيع عمومًا، والفكر الباطني خصوصًا منذ القرن الأوَّل الهجري، بسبب وجود الجماعات الغنوصية في العراق وفارس منذ ما قبل الإسلام، فكانت الفرق الباطنية هي نتيجة عن تمازج بين المعتقدات الغنوصية والإسلامية ضمن الحركة التي أُطلق عليها مطلع العصر العباسي: الزندقة.

لو تأملنا في اسم الطبراني وهو (ميمون)، لجزمنا أنه ليس بعربي، ذلك أنه في ذلك الزمن في القرن الرابع الهجري، لم يكن العرب يسمون مثل هذه الأسماء، بل الشائع والمعروف أن اسم ميمون ارتبط باليهود بشكل خاص، وأشهر من حمل هذا الاسم موسى بن ميمون الفيلسوف والطبيب اليهودي المعروف، كذلك ميمون القداح مؤسس الدعوة الإسماعيلية، وهو فارسي ذو أصل يهودي بحسب ما ذكر بعض الدارسين للعقيدة الإسماعيلية.

وسواء كان الطبراني يهوديًا مندسًا في النصيرية أو هو يهودي متحول إلى النصيرية، فإن ما يثبت يهوديته السابقة، أنه كان أوَّل من أدخل عقائد ذات أصل يهودي أصبحت من الأصول الدينية للنصيرية حتى عصرنا الحالي لم يسبقه إليها أحد من أعلام النصيريين السابقين من مثل:
احتقار المرأة وعدها في مرتبة دون الشيطان، فالتعاليم اليهودية -كما في التلمود- تعتبر الإناث عمومًا سواء من الإنسان أو الحيوان نجسة، ويُتَرْجَم ذلك عند اليهود باعتبار المرأة الحائض نجسة وكل من يلمسها أو تلمسه نجس، وهي نجسة لأربعين يومًا إذا أنجبت ذكرًا، وثمانين يومًا إذا أنجبت أنثى، وتحريم استعمال إناث الحيوان في التضحية لله، وهو ما يشابه الحال عند النصيريين من اعتبار المرأة نجسة، وأنها خُلقت من ذنوب الشياطين، ولا يجوز إشراكها أو اطلاعها على أي شيء من أمور الدين أبدًا، كذلك يحرم النصيريون أكل لحم الإناث من الحيوان عمومًا، ولا يشركون النساء في إعداد القرابين أبدًا، ويعملون بالنص التلمودي في نجاسة المرأة أربعين يومًا بعد أن تلد، وبحسب المعمول به اليوم عند كثير من العلويين، يتم إرسال المرأة بعد الإنجاب إلى أهلها أربعين يومًا لأنها نجسة وكل ما تلمسه سيكون نجسًا. ولا يجوز للمرأة أن تشارك نهائيًا في القداسات النصيرية، ولا في إعداد الولائم التي تُذبح لهذه الغاية، ولا حتى في غسل الأواني التي اُستعملت في القداس. جاء في التلمود: " لا النساء والعبيد والصغار يقرأ بركة (الصلاة) الطعام". ونقل شيخ العلويين الكلازيين محمد بن يونس الكلازي عن ميمون الطبراني قوله: " خلق الله الأبالسة، ومن ذنوب الأبالسة خلق النساء وهن ظلمة الظلمة"

المرويات التوراتية لتأصيل عقيدة النصيرية!
وقد سار اللاحقون من العلويين على منهج الطبراني في هذا، يقول إبراهيم عبد اللطيف مرهج: إن اعتقادنا بالله هو خلاف اعتقاد فرعون (عمر بن الخطاب) والنساء والعبيد، وفي احدى وصايا أحد الشيوخ العلويين لأتباعه قوله:
"إخواني وأسيادي، حطُّوا عليكم رقيب، لقول العزيز الحميد، إن اجتمع المؤمنون في ذكر مولاهم الأنزع البَطِين، حطُّوا عليهم رقيب، لئلا تدخل عليهم النسوان".

ورغم أن النصيريين يستبيحون الخمر الذي يسمونه (عبد النُّور) ولا يعدونه محرمًا، فإن طقوس الصلوات الدينية التي يعتبر الخمر أهم أركانها هو تقليد يهودي، حيث تبتدأ الصلاة بالمباركة على الخمر. ونجد أنه في التلمود قسم خاص يتعلق بكيفية المباركة على الخمر وكيف يكون، حيث للخمر قيمة تعبدية خاصة عند اليهود. وكان الطبراني هو أوَّل من ألَّف للنصيريين (مجموع الأعياد)، كتابًا ناظمًا جامعًا لأعيادهم وطقوس تلك الأعياد، والتي تتلاقى مع الطقوس اليهودية في أكثر من جانب، حيث يدور محور تلك الطقوس حول الخمر.

وكان ميمون الطبراني أوَّل من استخدم المرويات التوراتية لإثبات العقيدة النصيرية والتأصيل لها، كما يشهد على ذلك مؤلفه (البحث والدلالة في مشكل الرسالة)، حيث ذكر قصصًا وأسماء لأنبياء من بني إسرائيل لم يرد أي ذكر لها في المصادر الإسلامية بل ذُكرت في العهد القديم فقط، من مثل أسماء: أشعيا، وأرميا، ودانيال... ولكل واحد من هؤلاء سِفر خاص به في العهد القديم. وكمثال من استشهادات الطبراني بالعهد القديم قوله: "رُوي أن أشعيا النبي منه السلام أنه قال: رأيت قديم الأيام (الله)، على كرسي من ذهب، والملائكة حوله يسبحونه ويقدسونه"، وجاء في العهد القديم في سفر أشعياء:
" رَأَيْتُ السَّيِّدَ (الله) جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ (الملائكة) وَاقِفُونَ فَوْقَهُ...".

وفي العصر الحديث ذكر سليمان الأضني صاحب كتاب "الباكورة السليمانية"، أنه لما ارتد عن النصيرية اعتنق اليهودية، و بقي عليها زمنًا قبل أن يتحول منها إلى المسيحية، وأن قومه بعد تحوله إلى المسيحية جاؤوه طالبين منه أن يبقى على اليهودية.

وفي آخر مثال نقدمه عن التأثير اليهودي في العقيدة النصيرية وطقوسها –والأمثلة على ذلك كثير- فكلنا يعلم أن النصيريين يستعملون (الخَلعة)، وهي خيط يُربط حول المعصم. هذا الخيط هو تقليد ورمز من رموز فرقة القبَّالة اليهودية يربطونه حول المعصم أيضًا، ولا فرق بين الخيطين سوى أن خيط القبَّالة أحمر، وخيط العلويين أخضر، وخيط القبَّالة يأخذونه من قبر راحيل أم يوسف عليه السلام، وخيط النصيريين يأخذونه من أضرحة مشايخهم.

اعتمادًا على ما ذكرناه سابقًا من بعض الشواهد عن العقيدة النصيرية ومدى تطابقها مع العقيدة اليهودية، فإن كل الدارسين للعقيدة النصيرية متفقين على أن اليهودية لاسيما الغنوصية منها كانت أحد الأصول التي تقوم عليها العقيدة النصيرية، فإذا عُلِم أن الغنوصية اليهودية الممثلة بفرقة (القبَّالة) التي تعتبر نواة الماسونية، نفهم السبب في اهتمام الغرب بالأقليات الباطنية والصوفية لا سيما النصيرية، فالأقليات الباطنية كلها ذات أصول عقائدية مشتركة، تتفق مع القبَّالة اليهودية في أصولها، من مثل مبدأ الثنوية، والتقية، وسرية التعاليم، وعلم الباطن، واحتقار المرأة، وتناسخ الأرواح، وقصة الخلق، ومعنى الجنة والخلاص ....

السامية والطائفية:
لا يقتصر التأثير اليهودي على عقائد وطقوس النصيريين الدينية، بل يتعدى ذلك إلى الأخلاق والسلوك والعادات المميزة للشخصية النصيرية، والتي ما هي سوى انعكاس طبق الأصل للأخلاق والسلوكيات المميزة للشخصية اليهودية. فالنظرة العنصرية للآخرين –الغير نصيريين- والتي يُبنى عليها إباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم كما أثبت ذلك الواقع العملي من خلال أفعالهم، ما هي سوى انعكاس طبق الأصل لما جاء في التلمود من تعاليم تبيح لليهودي دم وعرض ومال غير اليهودي. جاء في التلمود:
"الخارجون عن دين اليهود فسرقتهم جائزة" و "حياة غير اليهود ملك لليهودي فكيف بأمواله" و " اليهودي لا يخطئ إذا اعتدى على عرض الأجنبية لأن كل عقد نكاح عند الأجانب فاسد لأن المرأة غير اليهودية تعتبر بهيمة والعقد لا يوجد بين البهائم ".

وفي كتاب النصيرية "الأسوس" جاء ما نصه: "، أما ترى كيف أحل المؤمنون دماء الكافرين يتقربون بذبحهم إلى الله كفارة ... و لكل واحد منهم ألف ميتة جهادًا، و الف ذبحة، و قد يبقى عليهم بعد ذلك من العقوبة والانتقام، فيردوا بما بقي عليهم إلى عذاب النار..."
واختصر أحد أعلام النصيريين وهو محمد بن مقاتل القطيعي (ق 7 هـ) نفس النظرة اليهودية تجاه الغير، بوصية جامعة للنصيريين بقوله: " آمرك أن تجاهد بنفسك وبلسانك وعلمك إن قدرت وأمكنك الوقت للكفار، وتخالفهم في كل شيء، وتجاهدهم قولًا وفعلًا، فان أموالهم ودماءهم وأهاليهم مباحون لك، وحلال لك كله ليس فيه شيء محرم عليك من جميع ما في الدار ..."

ورغم هذه العقيدة العنصرية الإجرامية التي ثبتت على اليهود والنصيريين عبر التاريخ وفي الواقع العملي في فلسطين وسوريا وما نعيشه الآن فان اليهود اعتادوا عندما يوجه النقد أو التهام لهم إشهار سلاح (المعاداة للسامية) كسلاح يرهبون به خصومهم ويكمُّون أفواههم، وبنفس الأسلوب والأداة يستخدم العلويين سلاح (الطائفية) كتهمة جاهزة لكمّ أفواه منتقديهم، وكلا اليهود والعلويين اعتادوا المسكنة والتباكي على مذابح افتراضية ومظالم تاريخية وقعت بهم كأسلوب للابتزاز وإثارة الشفقة في حين أن ما يتهمون به خصومهم من جرائم وإبادة هو أصدق بهم، وعلى سبيل التذكار لا التعداد: مذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا... ومذابح حماة الأولى وتدمر وإدلب... والمذبحة المفتوحة في الشام منذ سنوات...من فعلها ولا زال يفعلها؟

آل الأسد وعلاقتهم باليهود!
لم يستطع أحد أن يحدد أصل عائلة الأسد لا من العلويين ولا من غيرهم. وحتى البطولات التي نسبها باترك سل لسليمان الأسد جد حافظ كلها أكاذيب لا أصل لها. وفي آخر ما نشره أحد العلويين وهو أكثم نعيسة (علوي) قال نقلًا عن حسن مخلوف (علوي): "هؤلاء قدموا من الأناضول (غير معروف قرعة أبوهم من أي دين) وكانوا مع عصابات تقوم بسرقة وقتل وحرق بيوت الفلاحين العلويين والمسيحيين الفقراء، وكانوا ﻻيعرفون حتى العربية، وكنا نسميهم (الشتا)، عَصوا القانون واحتموا برؤوس جبالنا، وحين كثرت مشاكلهم وجرائمهم، فكرنا أن نأتيهم بالحيلة لندجنهم ونأمن شرهم، فأرسلنا إليهم شيخًا ثم آخر وآخر، حيث عرضوا عليهم أن يستوطنوا في احدى قرانا الصغيرة وأن نعطيهم أرضًا يزرعوها وبيوتًا يسكنوها وتحت حمايتنا بدﻻً من حياة التشرد والملاحقة، وهذا ماحصل بالفعل. وسليمان جدهم كان له اسم غريب وبدلنا اسمه إلى سليمان الوحش، وبعد أن تدجنوا قليلًا غيروا كنيتهم من الوحش إلى الأسد".

قد لا يستطيع أحد أن يثبت أصلًا محددًا لتلك العائلة التي تزعمت النصيريين وقادتهم طوال نصف قرن، لكن ما من شك أنها قدمت خدمات لليهود بشكل أفضل من اليهود أنفسهم، وكل القرائن تشير إلى علاقة جمعت حافظ الأسد مع اليهود من خلال شبكة الياهو كوهين الجاسوس اليهودي المعروف، كان من نتيجتها تسليم الجولان لإسرائيل عندما كان الأسد وزيرًا للدفاع عام 1967م، فكُوفئ بحكم سوريا له ولأبنائه من بعده، والدلائل التي تثبت علاقة الأسد بكوهين -وربما كان وريث كوهين- هي كثيرة وقد ذكر أكرم الحوراني -وهو أحد أعمدة السياسة السورية في فترة ما قبل الانفصال- العديد من تلك القرائن نذكر منها:

1. محاولة تهريب جثة كوهين إلى إسرائيل عبر لبنان في ليلة اليوم التالي لإعدامه، حيث أدرك النهار المهربين، فخبأوا الجثة في أحد الكهوف في منطقة عرسال، فعثر عليها رعاة، فبلَّغوا عن جثة مجهولة تبين أنها لكوهين، كما ذكر ذلك الحوراني نقلًا عن مدير سجن المزة في وقتها... وقد تمت محاولة تهريب الجثة إلى إسرائيل بعدها أكثر من مرة. واليوم لا يستطيع بشار الأسد نفسه أن يثبت أن جثة كوهين لا زالت في سوريا، فهم بحسب ما نُقل عنهم لا يعلمون أين هي!
2. بعد انقلاب الأسد عام 1970 هرب أحمد سويداني رئيس الأركان زمن أمين الحافظ والمسؤول عن ملف التحقيق في قضية كوهين ومعه هذا الملف، وحاول اللجوء إلى العراق فلم يُسمح له، فعاد إلى بيروت، حيث اختطفته مخابرات الأسد، وبقي في سجن الأسد حتى التسعينيات، وبعدها لم يعرف مصيره.
3. قامت مخابرات الأسد باختطاف محمد بشير وداد، وهو ضابط الاتصالات الذي كان له اليد في اكتشاف كوهين -كما ذكر أمين الحافظ ذلك- فخُطف من بيروت وأُودع في سجن المزة، وبحسب شهادة الشهود –كما يذكر الحوراني- فإن محمد بشير وداد قد تم سجنه في نفس الزنزانة التي سجن فيها كوهين ولا يعرف له مصير.
إن كان مبرر اختطاف أحمد سويداني أنه أحد رجالات صلاح جديد، وليس لأنه يملك كل المعلومات عن قضية كوهين، فما هو مبرر اختطاف ضابط اتصالات كمحمد بشير وداد لم يعرف عنه سوى أنه كان أحد الذين ساعدوا في اكتشاف كوهين؟! وإن كانت جثة كوهين لم تنقل إلى إسرائيل، فلم يجهل حكام سوريا اليوم أين هي إلا لأنهم يعلمون أنها ليست في سوريا؟
وقد يجهل كثير من السوريين أن من أوائل المراسيم الجمهورية التي أصدرها حافظ الأسد بعد انقلابه، كان المرسوم رقم 385 لعام 1974، الذي أصدر فيه عفوًا عن 23 متهمًا بالتجسس لصالح إسرائيل.

إسرائيل في فلسطين.. ودولة العلويين في سوريا!
عندما نتكلم عن نهضة يهودية في العصر الحديث كان وراءها الماسونية تم بموجبها ظهور دولة إسرائيل، فان هذه النهضة لليهود ترافقت مع نهضة تزامنت معها للفرق الباطنية منذ منتصف القرن التاسع عشر، مما يدل أن هذا لم يكن صدفة بل كانت هناك يد واحدة وراء كل هذا، ومن أوجد دولة إسرائيل في فلسطين، هو من أوجد دولة العلويين في سوريا، وبعث الإسماعيلية في إيران والهند، واستحدث الأديان التي قامت على فكرة المهدوية كالبابية، والبهائية، والقاديانية... ليشكلوا جميعا منظومة واحدة الهدف النهائي منها هو إخراج (الماشيح) المسيح اليهودي المنتظر، فمعلوم أن مواصفات المهدي المنتظر عند كل الفرق الشيعية هي نفسها مواصفات المسيح اليهودي المنتظر (الأعور الدجال)، فمن مواصفات المهدي كما تذكر كتب الشيعة –كالكافي للكليني مثلا- أنه عندما يخرج سينادي بلسان عبري، وسيحكم بشريعة داوود، وأن جُلَّ أتباعه من بني إسرائيل. ومواصفات المسيح اليهودي عند اليهود، أنه سيخرج في بني إسرائيل بعد إعادة بناء هيكل سليمان، وسيكون من نسل داوود، وسيحكم العالم من كرسي داوود في أورشليم. وهذا ما يجعل من المهدي المنتظر للشيعة عمومًا والمسيح المنتظر لليهود شخصًا واحدًا باسمين مختلفين.

المصادر:
أكثم نعيسة- مقال على الرابط التالي:
http://www.all4syria.info/Archive/198218
ابن أبي الحديد- شرح نهج البلاعة
التلمود
الخصيبي، الحسين بن حمدان- الرسالة الرستباشية-مخطوط
العهد القديم
قاموس المصطلحات الدينية العبرية
القطيعي، محمد بن مقاتل- الرسالة المصرية- مخطوط
كتاب الاسوس- مخطوط-المكتبة الوطنية الفرنسية
كتاب التعليم- نشر جعفر الدندشي
كتاب المجموع- مخطوط
الكلازي، محمد بن يونس- التأييد في خاص التوحيد- مخطوط
مرهج، ابراهيم- شرح ديوان المنتجب العاني- مخطوط-
 
القرامطة في التاريخ

الدكتور خالد أحمد الشنتوت



الحركات الباطنية :
حركات سياسية بمنشئها،هدفها القضاء على الإسلام ، تحركها بقايا الجماعات الدينية المتعصبة التي قضى الإسلام على [زعاماتها الطاغوتية] كاليهود والنصارى والمجوس، وإذا كان المجوس هم محورها فإن اليهود هم المخططون لها وكان النصارى مؤيدين لها ( محمود شاكر ، التاريخ الإسلامي ، 6 /31) .
ولما كثر أحفاد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وجد الباطنيون أن انتماءهم لسيدنا علي رضي الله عنه يحقق أهدافهم لمكانته عند المسلمين ، فانتحلوا نسباً لعلي من طريق الحسين رضي الله عنهما ، والتحق بهم الجهلة من أنصار آل البيت ، وهم لايعرفون ماذا يراد بهم ..ويجب أن لا ننسى أن علي زين العابدين أمه بنت ملك الفرس يزدجرد . ( المرجع نفسه ، ص 32 ) .
كان زعماء الحركات الباطنية يظهرون الزهد في الدنيا والانقطاع إلى الآخرة في بداية أمرهم كي يقبل الناس عليهم ، حتى إذا وثقوا بهم نقلوهم من مرحلة إلى مرحلة حتى يحلون لهم ماحرم الله ، ووجدوا في شيوعية المال والنساء وسيلة كي يلتف حولهم الناس ،وهكذا فعل القرامطة ...(المرجع نفسه، بتصرف ، ص 33) .
وفي الوقت الذي كانت حركة الزنج تحتضر ظهرت دعوة الإسماعيلية ودعوة القرامطة ، وكلها تطلق العنان للشهوات وتصطاد الشباب في سن المراهقة . وأشيع في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري أن أسرة محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قد انتقلت إلى السلمية في بلاد الشام ( شرق حماة ) وفي نفس الوقت انتقلت إلى السلمية أسرة ميمون القداح بن ديصان ( يهودي أسلم أو ادعى الإسلام ) وانتسب إلى الدعوة الإسماعيلية .
وكان من الدعاة إلى الإسماعيلية في جنوبي العراق ( مهرويه ) الذي يخفي عقيدته المجوسية وأصله فارسي ، ومثله ( حسين الأهوازي ) الذي التقى بحمدان بن الأشعث ( قرمط ) ، وصار حمدان من دعاتهم ، ولما مات حسين الأهوازي خلفه على الدعوة ( حمدان قرمط ) ، وكان من أشهر دعاته ابن عمه ( عبدان ) و( زكرويه بن مهرويه ) .
كان القرامطة دعاة للإسماعيلية ، ثم انشقوا عنهم ، عندما كشفوا أن الدعوة في السلمية لم تعد لمحمد بن إسماعيل وإنما لأولاد عبد الله بن ميمون القداح(*)، حيث أنكر أبناء القداح الإمام المنتظر وعدوه خرافة ، لما ظنوا أن القرامطة التزموا بخطهم تماماً ... ( المرجع نفسه ،بتصرف ، ص 77- 82) .
استطاع ( زكرويه بن مهرويه ) التخلص من (عبدان )، ابن عم حمدان ، ومفكر القرامطة ، واستطاع كذلك التخلص من حمدان نفسه ، ثم اختبأ وأرسل أولاده دعاة ، ومنهم ولده يحيى ، والحسين ، وكلاهما ادعيا أنهما من نسب إسماعيل بن جعفر الصادق ، وسار الحسين إلى السلمية بعد خروج عبيد الله بن .....بن ميمون القداح ، ودخل الحسين السلمية بعد أن أعطى أهلها الأمان ، ثم نكل بهم ، وقتل الهاشميين دلالة على الحقد على آل البيت رغم ادعائه الانتساب إلى آل البيت ، وقتل من استطاع من آل محمد بن إسماعيل ، كما قتل آل عبيد الله القداحي ، ثم سار على رأس قرامطته إلى حماة ، والمعرة ، وبعلبك ، وعمل القتل في أهل كل بلد وصل إليها ...وانتهى به الحال إلى أن أسره الخليفة ( المكتفي ) وصلب في بغداد (291) هـ .كما قتل أخوه يحيى كذلك ..... وعندئذ خرج أبوهما ( زكرويه ) من مخبئه ، وسار بجيشه نحو بلاد الشام ، واعترض قوافل الحجيج ، حتى قـُتل (301)هـ ( المرجع نفسه ، ص 95- 97).

أبو سعيد الجنابي :
وفي عام (281)هـ ظهــر في البحريــن ( أبو ســعيد الجنـابــي ) واســمه ( الحسن بن بهرام ) ، صحب ( عبدان ) أو (حمدان ) وتأثر به ، وتشرب دعوته ، فالتف حوله بقية القرامطة ، ومن ساءت حالته المعيشية ، والشباب الذين أغراهم بالنساء التي جعلها مباحة لهم ، وظهرت جماعته في القطيف ، وعاثوا في الأرض الفساد ، فقتلوا وسلبوا في بلاد هجر ، ثم ساروا إلى القطيف فقتلوا الكثير من أهلها ، ثم توجهوا إلى البصرة ، فأرسل الخليفة العباسي جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل ، إلا أن الجنابي انتصر عليهم، وأسر الجيش العباسي كله ، ثم قتل الجنابي الجيـش كله، (عشرة آلآف ) ماعدا قائد الجيش (الغنوي) الذي أطلق سراحه .
استمر أبو سعيد الجنابي يعيث الفساد في المناطق التي يصل إليها ، وخاصة طرق الحجاج حتى عام (326) هـ ، حيث تمركز في منطقته، وتشبث بها .
وقد انتهى قرامطة الشام بعد مقتل ( يحيى بن زكرويه عام(290)هـ ومقتل أخيه ( حسين ) عام (291)هـ ، وتشتتوا في البلاد وتفرقوا ، كما قضي على قرامطة العراق بعد خروج (زكرويه ) ومقتله عام (301) هـ ، كما دالت دولة قرامطة اليمن بعد موت علي بن الفضل مسموماً عام (303) هـ ، ولكن زادت شوكة قرامطة البحرين ( أبو سعيد الجنابي ) وهم أخبث القرامطة وأكثرهم فساداً ( المرجع نفسه ، ص 117) .
وبعد مقتل ( أي سعيد الجنابي ) على يد خادمه في الحمام ، عام (301) هـ قام مكانه ابنه سعيد ، ثم ابنه سليمان أبو طاهر.

سليمان أبو طاهر الجنابي :
ماترك رذيلة إلا فعلها ، وقد عاث في الأرض فساداً ، وأرهب الناس ، وارتكب المنكرات ، وهتك المحارم ، واستطاع أن يدخل البصرة عام (311)هـ ، والكوفة عام (313) هـ ، وفعل بالأهالي الأفاعيل ، وسار في وادي الفرات حتى شمال دير الزور حالياً ، واقترب من الموصل ، وبث الرعب ونشر الفساد ، وانتهك الأعراض ، ومن الموصل اتجه إلى مكـــة فضجت البوادي والأعراب من أفعاله ، حتى انقطع الحج ، وقد انتصر على جيش المقتدر عام (316)هـ وفي العام التالي دخل مكـة المكرمة في موسم الحج وقتل الحجاج ورمى جثثهم في بئر زمزم ، واقتلع الحجر الأسود وحمله معه إلى هجـر حيث بقي حتى عام (339) هـ .
قال أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبي في تاريخه: إن أبا طاهر سليمان حسن القرمطي صاحب البحرين دخل مكة في سبعمائة رجل، فقتلوا في المسجد الحرام نحو ألف وسبعمائة من الرجال والنساء وهم يتعلقون بأستار الكعبة.
وردم منهم ببئر زمزم، وصعد على باب الكعبة، واستقبل الناس وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وقتل في سكة مكة وشعابها زهاء ثلاثين ألفاً، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك. وأقام بمكة ستة أيام، وأوقع بهم في سابع ذي الحجة. ولم يقف أحد تلك السنة وقفةً، فرماه الله في جسده وطال عذابه حتى تقطعت أوصاله.
قال محمود الأصبهاني: دخل رجل من القرامطة وهو سكران فصفر لفرسه، فبال عند البيت وقتل جماعة .
ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم قلعه. وأقام القرمطي بمكة أحد عشر يوماً، ثم رحلوا وبقي الحجر الأسود عندهم نحو عشرين سنة.
وقيل: هلك تحته إلى هجر أربعون جملاً. انظر تاريخ الإسلام للذهبي .
ثم اتجه بعد مكة إلى الكوفة فانقطعت قلوب أهل بغداد عام (319)هـ إذ أشيع أنه سائر إليهم ...( المرجع نفسه ن ص 118) .

استمر ( أبو طاهر الجنابي ) يعيث الفساد ، ويقطع طرق الحجاج ، حتى عام (326)هـ ، حيث اختلف القرامطة بينهم ، إلا أن أبا طاهر احتفظ بمركزه ، وتخلص من خصومه ، وهذا جعله يتمسك في منطقته ، ويترك الفساد في الأرض ، ويترك قطع طريق الحج ، لذا تمكن حجاج بغداد من الحج عام (317)هـ .
مات أبو طاهر بن أبي سعيد الجنابي عام (332) هـ ، فخلفه إخوته الثلاثة سعيد أبو القاسم ، وأحمدأبو العباس ، ويوسف أبو يعقوب ، وتفرقت كلمتهم ، فأعيد الحجر ألأسود إلى الكعبة عام (339) هـ ...بعد أن بقي عندهم في هجر (22) سنة ، بعد أن طلب الفاطميون منهم ذلك ، لأن الناس تحدثوا بذلك كثيراً ، فخاف الفاطميون أن ينقلب هذا الحديث بين الناس إلى ثورة عارمة ضد الرافضة في كل مكان .
سار القرامطة إلى طبريا ليأخذوها من الأخشيد ، وطلبوا النجدة من سيف الدولة فأمدهم بالحديد ، وتمكنوا من دخول دمشق (357)هـ . وزعيم القرامطة يومذاك ( الحسين بن أحمد بن بهرام ) وقد أمده عز الدولة البويهي بالسلاح من بغداد ، فساروا إلى الرملة وأخذوها ، ثم توجهوا إلى القاهرة ، فهزموا على أبوابها ، فرجعوا إلى الشام ، فلاحقهم العبيديون وأخذوا منهم الشام ( المرجع نفسه ، ص 164 ) .

وفي الربع الأخير من القرن الرابع وحتى منتصف القرن الخامس كسرت شوكة الشيعة ، بعد زوال دولهم المتعددة ، كالبويهيين والحمدانيين ، والعبيديون والقرامطة ، وبزوال البويهيين ضعف أمر القرامطة ، ثم قضي عليهم (470) هـ ، وخرجت جزيرة أوال (البحرين ) عن طاعة القرامطة عام (458)هـ وخضعت للعباسيين ، وبني فيها مسجد خطب فيه للخليفة العباسي ، وهب السكان ضد القرامطة ، بمساعدة الخليفة العباسي ، ودعمهم من قبل السلطان السلجوقي ( ملكشاه ) عام (462)هـ ، وهزم القرامطة عام (467)هـ ثم تجمع المسلمون وهزموا القرامطة في معركة الخندق عام (470)هـ شمال الإحساء ، وقضوا عليهم ، وبزوال القرامطة من منطقة هجر زال حكم عمالهم في اليمامة ( الأخيضريون ) ثم قضى صلاح الدين الأيوبي على العبيديين ( 567) هـ .(المرجع نفسه ، ص 218).

* ميمون ديصان القداح كما يبدو في الغالب أنه رجل يهودي من يهود الفرس، خلفه ولده عبد الله ، وسكن السلمية ، وسمى أولاده وأحفاده بأسماء أولاد وأحفاد محمد بن إسماعيل بن جعفر .....بن علي بن أبي طالب ، وقد أشيع أن هذه الأسرة انتقلت إلى السلمية ...في نفس الوقت الذي انتقلت فيه أسرة ميمون القداح ...( انظر موقع سفر الحوالي ) ومحمود شاكر (6/77) .

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
عودة
أعلى