متجدد ملف الساحة الفلسطينية

1.jpg
 

من تل الزعتر إلى اليرموك... القاتل دائماً واحد

كتب ماجد عزام

1.jpg





فرض تدمير مخيم اليرموك نفسه على أحياء الذكرى الـ 43 لتدمير مخيم تل الزعتر، تأكد تماماً ما كنا نعرفه من أن القاتل واحد حتى وإن اختلفت الأدوات والتحالفات مع نفس حملة الكذب وتزوير الحقائق، ورغم أن الذكرى الـ43 لتدمير تل الزعتر تزامنت مع تدمير اليرموك، وجعله غير قابل للحياة مع مشاركة فصائل فلسطينية في الجريمتين، إلا أننا شهدنا هذا العام تلعثم وخجل من حركة فتح وفصائل فلسطينية أخرى ممن كانوا ضحايا المجرزة الأولى، بينما تحولوا إلى شهود زور في المجزرة الثانية.

اجتاح جيش نظام الأسد لبنان بناء على ضوء أخضر – ليس برتقالي حتى - من أمريكا وإسرائيل، كما قال وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في مذكراته، وكما قال الأكاديمي والمفاوض الإسرائيلي ايتمار راينوفيتش الصديق الشخصي لرئيس الوزراء السابق إسحق رابين، علماً أن هذا الأخير كان سفيراً في واشنطن عند الاجتياح الأسدي للبنان.

الإمساك بالورقة اللبنانية عبر القضاء على المعارضين، من ثم الإمساك كذلك بالورقة الفلسطينية عبر القضاء على منظمة التحرير، كان جزءا من حزمة هدفت لإبرام تسوية للقضية الفلسطينية. سُمّيت آنذاك صفقة أو عملية جنيف غير أن العناد والصمود اللبناني الفلسطيني أفشل الخطة التي تورط بها نظام الأسد فقط من أجل تقوية سلطات قبضته الداخلية ونفوذه الإقليمي.

وكان الغرض إيقاع أكبر قدر من الضحايا، كما التدمير التام للمخيم في سياق خلق أنهار من الدماء بين أبناء الوطن الواحد في لبنان، كما بين اللبنانيين والفلسطينيين

من نافل القول طبعاً الإشارة إلى أن نظام الأسد لم يحصل على التفويض الشرعي الدستوري الديموقراطي اللازم من الشعب السوري، ولم يخضع للمساءلة أو الاستجواب أو المحاسبة في الشارع، في البرلمان، في الإعلام، وصناديق الاقتراع، عن التدخل في لبنان والسياسة الخارجية بشكل عام. هل كان ذلك لخدمة سوريا العظيمة أم سوريا الأسد.

أما فيما يتعلق بتفاصيل مجزرة الزعتر فقد قام جيش النظام بالجزء الأكبر فيها عبر القصف المباشر بالطائرات والصواريخ، وكان الغرض إيقاع أكبر قدر من الضحايا، كما التدمير التام للمخيم في سياق خلق أنهار من الدماء بين أبناء الوطن الواحد في لبنان، كما بين اللبنانيين والفلسطينيين.

للأسف شاركت آنذاك أيضاً فصائل تدعي أنها فلسطينية – القيادة العامة والصاعقة - في حصار وتجويع وتدمير المخيم، وهي فصائل كانت وما زالت هامشية، ولكن مستأجرة ومرتزقة وتعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من النظام، كما يتباهى أحمد جبريل دائماً، وكانت ثمة مشاركة طبعاً لمليشيات مسيحية وبنظرة إلى الوراء، فقد كانت أقرب إلى الحشود الشعبية التي أراد النظام توريطها أو استخدامها في حروبه وجرائمه تحت شعار تحالف الأقلية.

من حيث لا يدري لخّص زياد الرحباني مشهد تل الزعتر كاملا، عندما قال في مقابلة مع قناة الميادين الناطقة باسم الحشد الشعبي الإعلامي-تشرين أول أكتوبر 2012-، أنه شاهد بأم عينيه من على شرفة بيت العائلة عائلة فيروز وعاصي الرحباني، ميشيل سماحة وعاصم قانصو مع ضباط مخابرات من جيش النظام والجيش اللبناني ويراقبون بسرور القذائف الصاروخية، وهي تنهال على أهالي وسكان تل الزعتر .

للعلم فقد استشهد المدافعون المقاتلون عن المخيم بالكامل عند سقوطه، ومن ثم جرى قتل المدنيين العزّل عن سبق إصرار وترصد وبعد ذلك تدمير المخيم بالكامل.

في ذلك الوقت أيضاً تحدثت الآلة الإعلامية لنظام آل الأسد وحلفائه عن إعادة إعمار المخيم وعودة من نزحوا من أهله عند انتهاء الحرب، وهو ما لم يحدث طبعاً.

وصف الشهيد ياسر عرفات تل الزعتر بأنه ستالينغراد فلسطين بينما قال المرحوم جورج حبش إن نظام آل الأسد قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل

وصف الشهيد ياسر عرفات تل الزعتر بأنه ستالينغراد فلسطين بينما قال المرحوم جورج حبش إن نظام آل الأسد قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل، وأمر مماثل تقريباً قاله الشهيد جورج حاوي عن شهداء الحركة الوطنية اللبنانية، طبعاً في السياق السياسي، تم دوماً توصيف الحقائق كما هي حيث رغبة نظام الأسد الأب، في قتل وإنهاء التمثيل السياسي الفلسطيني الشرعي من أجل المتاجرة بالقضية الفلسطينية.

في الذكرى الـ 42 للمذبحة التي لا تسقط بالتقادم نجد أن المشهد نفسه تكرر في مخيم اليرموك، حيث نظام الأسد الابن يمارس القتل والتدمير في سوريا بحق السوريين والفلسطينيين بضوء أخضر جلي صريح من إدارة أوباما ثم إدارة ترامب، ضوء أخضر أو في الحد الأدنى برتقالي من الاحتلال الإسرائيلي.

تدمير اليرموك وباقي المخيمات كما – المدن البلدات السورية – تم عن سبق إصرار وترصد وجرى اتباع سياسة الأرض المحروقة في السياق الفلسطيني - السوري- للاقتناع أن هؤلاء لا مكان لهم فى الكيان الطائفي –سوريا المتجانسة والمفيدة- الذي أراده النظام في سوريا، وهو نفس ما أراده في لبنان.

الفصائل التي شاركت في حصار وتدمير اليرموك هي نفسها التي شاركت في حصار وتدمير تل الزعتر مع بعض التحديثات لمرتزقة جدد دائماً تصرفوا أيضا كجزء من النظام في المعركة اليائسة لتفادى سقوطه الحتمي.

في اليرموك كذلك ورغم أن المخيم تدمر بنسبة 80 بالمئة وأصبح مكانا غير قابل للحياة، كما تقول الأمم المتحدة، إلا أن النظام وأبواقه يتحدثون يكذبون عن إعادة الإعمار

مشهد شرفة آل الرحباني في تل الزعتر تكرر بحذافيره تقريباً مع اليرموك في سوريا بشكل عام نفس التحالفات السياسية مع تحديثات في الإطار فقط، وهذا ما يمكن وصفه بتحالف الأقلية الذي عمل عليه نظام الأسد الأب والابن في سوريا ولبنان، وبينما تصرفت الفصائل الفلسطينية المفتقدة للشرعية جماهيرية كأقلية بالمعنى السياسي أو حتى الفكري الثقافي.

في اليرموك كذلك ورغم أن المخيم تدمر بنسبة 80 بالمئة وأصبح مكانا غير قابل للحياة، كما تقول الأمم المتحدة، إلا أن النظام وأبواقه يتحدثون يكذبون عن إعادة الإعمار، عودة اللاجئين غير أن المؤلم ربما يتمثل بتسويق السلطة منظمة التحرير وحتى حركة فتح ضحايا تل الزعتر مع هذه البروباغندا الجوبلزية الإجرامية.

في السياق الفلسطيني كانت ذكرى مجزرة مخيم الزعتر هذا العام لافتة وحافلة بالدلالات ، فقد سكت من قال عن حق وطوال عقود أن نظام آل الأسد ارتكب المجزرة دون أن يرفّ له جفن، وأنه تعمد قتل المدنيين العزل وتدمير المخيم في سياق سياسة واضحة صريحة، الأسوأ أنه هؤلاء باتوا حلفاء أو شهود زور للنظام في مجزرته الجديدة بحق مخيم اليرموك، وباتوا جزءا من آلته الدعائية عن تدمير داعش والإمبريالية والصهيونية - التي دعمت نظام الأسد طوال الوقت - كما عن مزاعم وأكاذيب إعادة الإعمار ، وحث وتشجيع اللاجئين للعودة للمخيم المدمر دون أي ضمانات جدية بإعادة الإعمار، ودون ضمانات أمنية بعدم الاعتقال أو التنكيل بهم من قبل الأجهزة الأمنية للنظام وأدواته من الفصائل.

عموماً ومن تل الزعتر وضبيه وحماة إلى اليرموك والغوطة والزبداني مروراً بالبداوي ونهر البارد وبرج البراجنة، ومن سعد صايل وحسن خالد إلى جورج حاوي وسمير قصير وحمزة الخطيب وإبراهيم قاشوش وغياث مطر ونيراز وسعيد وباسل الصفدى كان القاتل والمجرم دائماً واحد، حتى لو اختلفت وتعددت الأدوات، السيرورة التاريخية تثبت كذلك أن النظام فشل في فرض الهزيمة والاستسلام على السوريين الفلسطينيين واللبنانيين، وأن كل المجازر والجرائم لن تمنع سقوطه ووجوده كجملة اعتراضية في تاريخ سوريا العظيمة الممتد والعريق.

 
" إرشيف فلسطين "

قبل نشوء الكيان الغاصب حافلة نقل عام تعمل على خط حيفا - بيروت

1.jpg
 

تل الزعتر: حتى لا ننسى ولا نغفر

مقال بقلم البروفسور اسعد ابو خليل من لبنان


1.jpg


مرّت الذكرى التاسعة والثلاثون لمجزرة تل الزعتر، وتذكّرها الناجون مثل كل سنة بصمت وبعيداً عن الإعلام. تل الزعتر رمز لأشياء كثيرة، ومنها الصمود والمقاومة والبسالة والتضحية والتكافل والعناد بوجه مؤامرة عربيّة ــ إسرائيليّة ــ غربيّة. لكن لبنان يريد أن يتبرّأ منها، وان يجعل من قاتلي النساء والأطفال في المخيّم أبطالاً محترمين.


كان سهلاً على اللبنانيّين بالمجموع تبنّي السرديّة الكتائبيّة ــ القواتيّة للحرب الأهليّة. كان أسهل عليهم اعتناق رواية براءة اللبنانيّين الشديدة. وقد ساهم في شيوع السرديّة الكتائبيّة ــ القواتيّة عن الحرب انهيار معظم قيادات الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والتحاقها بركب التيّار الحريري الخليجي، وقيام الثنائي جورج حاوي ومحسن إبراهيم بدورة كاملة من الانقلاب على مشروع كانا في صلب قيادته. وقيام محسن إبراهيم بتقديم نقد ذاتي مجّاني بالنيّابة عن جماهير الحركة الوطنيّة (التي لم تكلّفه بالهمّة) ساهم (بطريقة مباشرة أو مداروة) بتدعيم السرديّة الكتائبيّة ــ القواتيّة. وقيادات المقاومة الفلسطينيّة لم تساهم في دحض الرواية اللبنانيّة السائدة التي لخّصها غسّان تويني في عنوان كتابه عن الحرب وذلك خشية الظهور بمظهر المُتدخّل في شؤون «البلد الشقيق». بكلام آخر، ليس هناك من سرديّة عن الحرب خلا سرديّة الميليشيات الفاشيّة المُتحالفة مع العدوّ الإسرائيليّة. يختلف العونيّون والقواتيّون على كل القضايا لكن يجمعون — ومعهم 14 آذار وبعض 8 آذار — على سرديّة الحرب نفسها. إنه بعبع «الغريب» الذي فعلها — والوصف استعمله بيار الجميّل لتسويغ جرائم حربه.
وفي الوقت الذي يُنعِم فيه محسن إبراهيم (باسمه أم باسم شهداء الحركة الوطنيّة اللبنانيّة الذين استشهدوا في قتال القوى الانعزاليّة الفاشيّة) بالاعتذار عن حمل الحركة الوطنيّة لواء المقاومة الفلسطينيّة (وهذا الحمل كان أنبل وأشرف ما في تاريخ ودور هذه الحركة التي شابها الكثير من الفساد والتبعيّة والانهزاميّة والانتهازيّة والتخاذل والنفاق) يطلق موقع «القوّات اللبنانيّة» في الذكرى التاسعة والثلاثين لسقوط مخيّم تل الزعتر مقالة زهو بالمجازر التي ارتكبتها القوى الانعزاليّة في المخيّم.


والزهو بالمجازر ليس صفة الموقع فقط: يحتوي «يوتيوب» على مقابلة مع ميشال عون يزهو فيها إنه هو وضع خطّة اقتحام المخيّم الآهل بالسكّان. موقع «القوّات» في مقالة بعنوان «معركة تل الزعتر» (دائماً تكون المجازر معارك عند الإسرائيليين وأولادهم الشرعيّين في المنطقة العربيّة) وصَفَ الشعب الفلسطيني في المخيّم بـ «الأوباش»، وقال إن مرتزقة وضبّاطاً من الدول العربيّة والأجنبيّة كانوا يقودون المعارك فيما كان شبل من الأشبال الفلسطينيّين الشجعان هو الذي رمى ويليام حاوي، قائد زمرة القُتَلة، برصاصة قتلته بعد سقوط المخيّم. وموقع «القوّات» كي يستخرج نصراً من رحم المجازر زعم أيضاً ان عسكريّين من الاتحاد السوفياتي هم الذين بنوا وحصّنوا المخيّم فيما كان تحصينه وتدعيمه على يد طلبة مدارس ثانويّة في لبنان. بين عامي 1973 و1975، كان متطوّعون من طلبة المدارس الرسميّة والخاصّة يذهبون في سيّارات وباصات إلى مخيّم تل الزعتر لأن المخطّط ضد المخيّمات الفلسطينيّة في المنطقة الشرقيّة من بيروت كان واضحاً خصوصاً بعد المحاولة الفاشلة للقضاء على شوكة الثورة الفلسطينيّة في ربيع 1973 عندما طلعت طائرات السلاح الجوّي اللبناني (النائمة أبداً بوجه العدوّ الإسرائيلي) من مراقدها لتقصف مخيّمات بيروت.
وموضع «تل الزعتر» بات لا يُذكر في لبنان إلا للسجال في الموضوع السوري، فخصوم النظام السوري الجُدد تذكّروا فجأة ان النظام السوري كان شريكاً في الحرب على المُخيّم، فيما يردّ أدعياء النظام السوري بالاستشهاد بمقابلة مع المناضل ناجي علّوش على «يوتيوب» نفى فيها ان تكون قوّات سوريّة قد شاركت في اقتحام المخيّم. لكن مسألة مشاركة النظام السوري لم تكن بشكل المُشاركة في الاقتحام، بل اتخذ أشكالاً أخرى لم نعرفها بالتحديد بعد. لكن من المؤكّد أن القوّات الانعزاليّة كانت يومذاك في أوج تحالفها مع النظام السوري وكانت تسعى جادّة لاجتذاب القوّات السوريّة ومخابراتها إلى لبنان. (وردت فكرة مشاركة قوّات سوريّة في اقتحام المخيّم في تصريح لكمال جنبلاط في 29 حزيران وجاء فيه: «إن كتيبة سوريّة عبرت إلى المنطقة الشرقيّة بملابس مدنيّة واشتركت في الهجوم». لكن جنبلاط نفسه ناشد الملك خالد بن عبد العزيز التدخّل لإنقاذ المخيّم فيما كان النظام السعودي يمدّ قوّات الكتائب و«الأحرار» بالسلاح والذخيرة).
كان كل قادة «الجبهة اللبنانيّة» (القيادة العليا لميليشيات اليمين قبل ان يستحوذ عليها كلّها بشير الجميّل بعد مجزرة الصفرا - كل تاريخ تلك الميليشيات مكتوب بالمجازر) يستنجدون جهاراً ويوميّاً بالنظام السوري. ولم تكن حروبهم فقط ضد الغريب بل هي كانت أيضاً ضد المسلمين واليساريّين ومَن تبقّى في مخيّلتهم من «غرباء» (أي الملوّنين والسود). كان ذلك يوم قال شمعون عن التدخّل العسكري السوري في لبنان: «لم نختلف يوماً مع السوريّين ونحن قبلنا الوساطة السوريّة والمبادرة السوريّة وما جرى بالنسبة للتدخّل العسكري ما هو إلّا ضمن إطار روح المبادرة التي قبلناها» (راجع وراجعي الصحف اللبنانيّة يوم 12 حزيران 1976). وعندما اقترحت الجامعة العربيّة آنذاك قوّات سلام عربيّة رفضت «الجبهة اللبنانيّة» أن تحلّ هذه القوّات محل القوّات السوريّة، وقال شمعون بالنيابة عن الجبهة: «عدم سحب القوّات السوريّة من لبنان على ان تتعاون القوّات العربيّة مع هذه القوّات، كذلك ضمان مواقفة سوريا على دخول القوّات العربيّة» (راجع وارجعي الصحف اللبنانيّة يوم 20 حزيران 1976).
ما نعلمه بالتأكيد عن الدور السوري إضافة إلى حالة الحلف الوثيق آنذاك أن مبعوث الجامعة العربيّة في شأن تل الزعتر، حسن صبري الخولي، فوجئ عندما زار غرفة العمليّات المشتركة لحزب الكتائب في سن الفيل بأن وجد مسؤولاً استخباريّاً - عسكريّاً سورياً (علي مدني)، الذي ما لبث ان غادر عائداً إلى دمشق مصطحباً معه ميشال سماحة وكريم بقرادوني من حزب الكتائب. وقال الخولي إنه «التقى العقيد على المدني برفقة ضبّاط سوريّين في غرفة العمليّات التابعة لحزب الكتائب في سن الفيل» («السفير»، 13 آب، 1976). كما أن شقيق قيادي في حركة «امل» أخبرني أن شقيقه الذي وقع في براثن حزب الكتائب بعد سقوط النبعة شاهد في مركز الكتائب في سن الفيل الضابط السوري، إبراهيم حويجي (المُتهم بتنفيذ اغتيال كمال جنبلاط). ولم تسمع وسائل الإعلام الرسميّة السوريّة بسقوط تل الزعتر بعد سقوطه. كما أنه لم يكن بمستطاع القوّات الانعزاليّة إحكام الطوق حول تل الزعتر من دون تزامن «التوغّل» الذي قام به الجيش السوري في أنحاء مختلفة من لبنان (شرقاً وشمالاً) ما حمى ظهير المناطق الخاضعة لنفوذ القوى الفاشيّة. وقد أوردت الكاتبة اليساريّة، تابثا بتران في كتابها عن الحرب الأهليّة (وهو من أفضل الكتب عن الحرب حتى منتصف الثمانينيات)، «الصراع حول لبنان»، أن مدفعيّة النظام السوري شاركت في دكّ المخيّم لكنها لم توردْ مرجعاً غير «الإعلام اللبناني» في حينه (ص. ٤٠٣).
كما ان القيادة العرفاتيّة تستحقّ المسؤوليّة عن سقوط المخيّم، وهي («حركة فتح» تحديداً) كانت في حالة تفاوض مع حزب الكتائب لتسليم المخيّم سلميّاً عندما اقتحمت القوى الفاشيّة المخيّم. عرفات كان مسؤولاً عن الوثوق بضمانات مخالفي العهود والاتفاقيّات على مرّ السنتيْن الأولى من الحرب الأهليّة. وقد قدّم المسؤول العسكري في منطقة بيروت في حركة «فتح»، المناضل أبو داوود، خطّة تفصيليّة لفك الحصار عن المخيّم لكن عرفات (الذي لم يكن يقبل بالمسّ بخطوط التماس بين المتقاتلين في سنوات الحرب) رفض العرض، ورفض غيره أيضاً. وكان عرفات بالرغم من ذلك يرسل البرقيّات إلى المقاومة في المخيّم آمراً بالصمود والمقاومة وواعداً بالعمل سريعاً على فك الحصار والوصول إلى أهله.
لكن مخيّم تل الزعتر لا يرد في الذكرى المُتكرّرة. خصوم النظام السوري لا يذكرونه إلا من باب إحراج النظام السوري وإدانته (وهو يستحقّ الإحراج والإدانة على ألف فعلة شنيعة وفعلة) لكنهم (في ١٤ آذار) ينسون أنهم متحالفون مع الأحزاب التي ارتكبت المجزرة.


سؤوليّة الأولى والكبرى في مجزرة تل الزعتر تقع على الكتائب و«الأحرار» و«حركة الشبيبة اللبنانيّة» و«التنظيم» و«حرّاس الأرز» وعلى من كان يرعاهم في تل أبيب، بالإضافة الى قيادة الجيش اللبناني التي كانت في سنوات الحرب، ووفق عقيدة فؤاد شهاب العسكريّة، مُتواطئة مع العدوّ الإسرائيلي. والأنظمة العربيّة (السوريّة والأردنيّة والسعوديّة) كانت هي أيضاً ترعى وتموّل وتساعد التنظيمات التي ارتكبت المجزرة الفظيعة هناك. والقوى الفاشيّة هذه كانت تكرّر يوماً بعد يوماً ان ليس هناك من مدنيّين في المخيّم وأن كل من يقطن فيه هم من المقاتلين («المرتزقة» بحسب وصف إعلام الكتائب) فيما أجلى الصليب الأحمر نحو 12,000 مدنيّ ومدنيّة بعد سقوط المخيّم. ولم يكن بين هؤلاء الآلاف ذكور بين سن الثامنة والخمسين.
ونشب نزاع بين المقاتلين بعد سقوط المخيّم حول حصّة كل فصيل لبناني يميني في قتل الفلسطينيّين الناجين (راجع مجلّة «نيوزيوك» عدد 26 آب، 1976)، الكل كان يريد ان ينهش في الدم الفلسطيني. وتقصّد القَتَلة ان يدعو أهل المخيّم إلى الخروج الآمن حتى يعاجلوهم بإطلاق الرصاص العشوائي. عائلات كاملة ابيدت، بحسب وصف بتران، التي تضيف أن صبية في عمر الثامنة والعاشرة أُعدموا، وان بنات في الأعمار نفسها تعرّضوا للاغتصاب (ص. ٢٠٩).
وتنافس قادة الجبهة اللبنانيّة على شيطنة الشعب الفلسطيني وتصوير المخيّمات الآهلة بالسكّان على أنها معسكرات وقلاع عسكريّة فقال بيار الجميّل: «هي قواعد عسكريّة ومستودعات ذخيرة وأحياناً ملاجئ للفوضيّين والنهيليّين وكل الذين تنكّروا لأوطانهم ومجتمعاتهم وللقيم الإنسانيّة» (طبعاً كانت بيانات بيار الجميّل - الأمّي باللغة العربيّة - تُكتب له). اما كميل شمعون فقال: «إن تل الزعتر (وجسر الباشا) ليسا بمخيّميْن بل تحوّلا لمعسكرات، لدويلات العنف محصنين بالإسمنت فوق الأرض وتحتها وبالدهاليز المحشوّة بالأسلحة الثقيلة... لقد بات هذان المكانان ملجأين للأشرار وشذّاذ الآفاق الغرباء المتمرّسين بكل الأعمال الإجراميّة وليس فيهما ما يتفق مع فكرة مخيّم للاجئين لأنه لم يعد فيهما لا عائلات ولا نساء ولا أولاد» (راجع وراجعي الصحف اللبنانيّة في 28 حزيران 1976). (والطريف ان القيادات نفسها عادت وزهت أنها ساهمت في إجلاء النساء والأولاد والعائلات من المخيّم بعد سقوطه للتدليل على إنسانيّتها). والخطاب الذي استُخدم كمقدّمة لتدمير مخيّم تل الزعتر وجسر الباشا وضبيّة هو نفسه الذي استعمل فريق 14 آذار كمقدّمة لتدمير مخيّم نهر البارد، وثارت ثائرة كل هؤلاء عندما حاول حسن نصرالله ان يمنع اقتحام المخيّم وتدميره عن بكرة ابيه وأمّه.
لم تكن الحرب على تل الزعتر ومن كل الجهات (وهو مخيّم مُحاصر) مجزرة واحدة بل سلسلة من المجازر تراكمت وتعدّدت في طول أيّام الحصار الطويل. في عمليّة قصف وحشي شارك فيه الجيش اللبناني بقوّة في 27 تمّوز تم هدم مبنى في رأس الدكوانة كان يختبئ في ملجأه العشرات من المدنيّين والمدنيّات: وسحبت فرق الإنقاذ من ملجأ المبنى المُنهار 150 جثّة، وتم سحب 15 ناجياً معظمهم من الأطفال، وهم في حال «بالغة السوء». ولم يكن بينهم مقاتل واحد بحسب مسؤول في فرق الإنقاذ، وبحسب شهادات الطبيب الناجي، يوسف العراقي.
لم تكن المؤامرة على تل الزعتر منفصلة عن المؤامرة الأكبر التي رعت الحرب الأهليّة في لبنان. لم يكن كلام وخطاب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة عن مؤامرة كبرى من المُبالغات. قد يكون السفير الأميركي الحالي، ديفيد هيل، أقلّ ذكاء من أسلافه من المنصب، ولعلّ ذلك سبب صراحته بعد لقاء أخير له من سامي الجميّل (بحضور مستشار للجميّل وهو من خرّيجي الذراع البحثي للوبي الصهيوني في واشنطن) عندما أثنى على دور حزب الكتائب في تاريخ لبنان ووصفه بالمُميّز وقال: «حزب الكتائب ركن لاستقرار لبنان ولقيم عديدة يتشاطرها اللبنانيّون من حريّة واستقلال وسيادة، وهذه القيم تساندها الولايات المتحدة ولهذا لدينا شراكة مع حزب الكتائب اللبنانيّة منذ سنوات عديدة». إن هذا التصريح ليس إلا اعترافاً مُخفّفاً عن مشاركة الحكومة الأميركيّة إلى جانب الحكومة الإسرائيليّة في الحرب الأهليّة إلى جانب ميلشيات اليمين الفاشي (كان بعض السفراء الأميركيّين في لبنان، مثل ريتشارد باركر، يكنّون عداء كبيراً لحزب الكتائب لكن الإدارة في واشنطن الخاضعة لمشيئة اللوبي الإسرائيلي وبناء على حسابات الحرب الباردة، كانت تدفع نحو دعم كبير لبشير الجميّل). وبعد أيّام من زيارة السفير الأميركي لسامي الجميّل، زاره السفير السعودي الذي قال عن الجميّل إنه «سليل بيت سياسي ووطني له في النضال والقيادة والذود عن لبنان تاريخ عريق». هؤلاء كانوا من مكوّنات المؤامرة ضد الشعب الفلسطيني في لبنان.
لم تتوقّف المؤامرة الإسرائيليّة التي نفّذها الملك الحسين ووصفي التل في 1970 في أيلول في الأردن من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينيّة، بل هي انتقلت إلى الحلقة الأضعف في لبنان. لكن لبنان آنذاك، خلافاً للأردن، كان يحتضن تيّاراً يساريّاً وقوميّاً عربيّاً عامراً مؤيّداً للثورة الفلسطينيّة («كانَ» فعل ماضٍ). وعندما حاول النظام اللبناني، في اعقاب الإنزال الإسرائيلي في فردان في نيسان 1973 بتواطؤ مباشر مع العدوّ من قبل قيادة الجيش اللبناني، أن يقضي على المقاومة الفلسطينيّة فشل فشلاً ذريعاً، وقاتل لبنانيّون لنصرة المخيّمات الفلسطينيّة. وينسى، لا بل يتناسى، الكثير من اللبنانيّين اليوم ان المنظمّات الفلسطينيّة كانت تضم في صفوفها الآلاف من اللبنانيّين واللبنانيّات ومن مختلف الطوائف اللبنانيّة (يُراجع في هذا الكتاب الصادر حديثاً عن تجربة المناضل المعروف، معين الطاهر).
لم تكن مؤامرة فقط ضد مخيّم فلسطيني واحد. هي مؤامرة استهدفت أكثر من مخيّم وأبادت في سنوات الحرب مخيّم تل الزعتر وجسر الباشا وضبيّة (في حلقة على الشاشة البرتقاليّة من إعداد زياد نجيم تم طمس مجزرة مخيّم ضبيّة وزعم الضيوف الانعزاليّون أن المخيّم سقط سلميّاً وأنه لم يسقط فيه ضحايا بينما مات في قصف ضبيّة العشرات قبل سقوطه). كما ان العدو الإسرائيلي كان قد أباد مخيّم النبطيّة عام 1974 وهجّر أهله شمالاً، لكن المخيّم لا يرد في تعداد منظمّة «الأنروا».
إن المخطّطات الصهيونيّة المصدر والتي توافقت مع مخطّطات أنظمة عربيّة مختلفة (خليجيّة وبعثيّة) في تحجيم وحتى تدمير مخيّمات فلسطينيّة في لبنان كانت مستمرّة بعد فشل مشروع طرد الشعب الفلسطيني من لبنان وتوزيعه على دول عربيّة (تحقّق جزء من هذا المشروع في عام 1982 بعد ترحيل شوكة المقاومة الفلسطينيّة عن لبنان). كان سامي الصلح يبحث مع دبلوماسيّين أميركيّين في توزيع الفلسطينيّين منذ الخمسينيات. والعدوّ الإسرائيلي أراد ان يرحّل الشعب الثابت في أرضه إلى أصقاع بعيدة من فلسطين.
لا، لم يعتذر لا سمير جعجع ولا حزب الكتائب اللبنانيّة عن فظائع الحروب والمجازر ضد المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان. وحتى لو اعتذروا: هناك ما يُعتذر عنه، وما يُصفح عنه وما لا يُصفح عنه قطّ. يُصفح عن الذي سرق أزهاراً من حديقة منزل ليهديها لحبيبته، يُصفح عن الذي داس على قدمي خطأً ولو أوجعني. يُصفح عن الذي هوّن من الخطر الانعزالي قبل ان يصل إلى منزله لكن هناك ما لا يحتمل الصفح والغفران. حزبا الكتائب والقوّات كانا مسؤولين عن حملات منظمّة (ومنسّقة مع العدوّ الإسرائيلي) للتهجير العرقي والطائفي: يذكر الخطاب الكتائبي والقوّاتي تل الباشا وتل الزعتر بزهو، لكنه لا يذكر الأحياء الإسلاميّة التي هجّروا اهلها في المنطقة الشرقيّة من بيروت، من حارة الغوارنة إلى سبني إلى النبعة الى الكرنتينا (ولم يكن الهجوم على الدامور والعيشيّة على فظاعته إلا ردّ فعل على مجزرة الكرنتينا وعلى استفزازات الكتائبيّين في الدامور في الطريق الساحلي) إلى حي بيضون في الأشرفيّة (حيث سكن عبد الله العلايلي، والذي لم يكتفِ الكتائبيّون بسرقة بيته بل عبثوا بمحتويات صناديق مخطوطة لمعجمه الذي قضى سنوات في جمعه وووضعه). السرديّة لميليشيات الانعزاليّين انهم حاربوا «الفلسطيني الغريب» لا إنهم حاربوا لبنانيّين من طوائف أخرى، او حتى من الموارنة، من مجزرة الصفرا إلى مجزرة إهدن.
مرّت مجزرة تل الزعتر (أودت بحياة ثلاثة آلاف شهيد بين مقاتلين أبطال ومدنيّين ومدنيّات) هكذا عرضاً، كما تمرّ ذكراها كل عام. عدد الذين يتذكّرون ضحايا صبرا وشاتيلا يصغر كلّ عام، والمُشرف العام على مجزرة صبرا وشاتيلا تحوّل على يد المخابرات السوريّة ورفيق الحريري - وبصمت الموافقة من حزب الله - إلى رمز مُقاوم وعدوّ لدولة العدوّ التي درّبته وجهّزته. لكن تل الزعتر تحتل موقعاً خاصاً في الذاكرة الفلسطينيّة والشباب الفلسطيني حول العالم لا ينساها كما لا ينسى ذكرى مجازر اخرى تعرّض لها الشعب الفلسطيني في منفاه العربي. تل الزعتر سجلّ لخالدين في الزمن وفي المكان. والعدوّ الكتائبي الذي حرص على تدمير كل المخيّم وسحقه بالبلدوزر كان ينفّذ أوامر معلّميه في تل ابيب. وكما فشل العدو الإسرائيلي بالنار والدمار والاحتلال و«الجدار الحديدي» في القضاء على القضيّة الفلسطينيّة، فإن ميلشيات اليمين المهزومة فشلت في القضاء على القضيّة الفلسطينيّة، ولن ينفع مع أمين الجميّل ان يتلقّى مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في رام الله صكوك براءة.
كم كان أبو أياد محقّاً: إن طريق فلسطين فعلاً تمرّ في جونية وفي بكفيّا وفي صور وفي بيروت (الشرقيّة والغربيّة) وفي كل قرية ومدينة في لبنان. وفي تحرير فلسطين تحريرٌ للبنان من استعمار ثابت، ومُتعدّد الألوان والأشكال والهويّات. ولأن الحروب على المخيّمات جرت على أيدٍ عديدة ومتعدّدة (من أنظمة عربيّة ومن أحزاب يمينيّة رجعيّة ومن حركة «أمل» التي لا تُعدّ في الصف اليميني الرجعي في حسابات الرياضيّات الطائفيّة)، فإن المخيّمات الفلسطينيّة، المُدمّرة والماثلة اليوم هي عنوان لسجلّ من العار اللبناني (الرسمي والشعبي). وهؤلاء المثقّفون العرب الليبراليّون الذين يصرّون على أن إنسانيّة العربي لا تكتمل قبل الوقوف على أطلال مخيّمات الاعتقال النازي في أوروبا، أولى بهم ان يدعونا إلى زيارة أطلال المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)


 


قبل النكبة ثلاثينيات القرن العشرين لا حدود و لا تأشيرات و لا جواز سفر بين بلدان الشام

" كزدورة و صورة في حيفا "

1.jpg
 

الثوب الفلسطيني التقليدي يروي تاريخ هذا الشعب الضاربة جذوره عميقاً في ارض الاجداد

 

50 عاماً على إحراق المسجد الاقصى ,,,, مرت بدون ان يتذكرها احد !

1.jpg


 
لمحة من تاريخ القدس من التأسيس حتى الفتح الاسلامي:
========


أسسها الكنعانيون في الألف الثالث قبل الميلاد وخلال هذه الفترة قدم إليها العرب الساميون في هجرتين كبيرتين: الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد

واستقر اليبوسيون في منطقة القدس فقط بينما ذهب الكنعانيون إلى الساحل، واليبوسيون هم عبارة عن قبيلة كنعانية، وقد بنى اليبوسيون بقيادة ملكهم "ملكي صادق" مدينة القدس وأسموها "شاليم" وهو اسم إله السلام عند الكنعانيين، ثم حرفت لاحقا إلى "أورشالم" والتي تعني "مدينة السلام"، وقد كانت تسمى أيضا ب"يبوس" نسبة إلى اليبوسيين،

تذكر مصادر تاريخية عن الملك اليبوسي "ملكي صادق" أنه هو أول من بنى يبوس أو القدس، وكان محبًا للسلام، حتى أُطلق عليه "ملك السلام" ومن هنا جاء اسم المدينة وقد قيل أنه هو من سماها بأورسالم أي "مدينة سالم"


خضعت مدينة القدس للنفوذ المصري الفرعوني بدءا من القرن 16 ق.م. وفي عهد الملك إخناتون تعرضت لغزو "الخابيرو" وهم قبائل من البدو، ولم يستطع الحاكم المصري عبدي خيبا أن ينتصر عليهم، فظلت المدينة بأيديهم إلى أن عادت مرة أخرى للنفوذ المصري في عهد الملك سيتي الأول 1317 – 1301 ق.م

وفي عام 1260 ق . م. تولى قيادة بني إسرائيل يوشع بن نون فعبر بهم الأردن واحتل مدينة أريحا وتركها دكاء وأباد كل سكانها ولكن العبرانيين لم يستطيعوا الاستيلاء على القدس إلا في زمن داوود عليه السلام أي حوالي عام 1000 ق.م. فاتخذها داوود عاصمة له ، ثم حكم سليمان من بعد أبيه أربعين سنة 963-923 ق.م. فبنى الهيكل في القدس بأيدي البناءين الكنعانيين ، وكلمة هيكل ذاتها الكنعانية وهكذا لم تدم دولة اليهود الموحدة إلا حوالي 97 عاما 1020-923 ق.م. وهي نفس المدة التي دامت فيها دولة الصليبين فيما بعد تقريباً . وخلف سليمان ابنه رحبعام الذي انقسمت الدولة في زمانه إلى دولتينمملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم وقد عمرت من 923 –586 ق.م


سيطر الملك والنبي داود عليه السلام على المدينة حوالي سنة 1000 ق.م، بعد أن احتلها من اليبوسيين، وجعل منها عاصمةلمملكته ولكن اليبوسيين سكان المدينة الأصليين ظلو بالمدينة

تنص المخطوطات العبرنية على أن النبي داود دام حكمه لمملكة إسرائيل 40 عامًا، وبالتحديد حتى سنة 970 ق.م، وبعد وفاته خلفه ولده الملك والنبي سليمان عليه السلام الذي حكم طيلة 33 عامًا

أصبحت القدس تُسمى بالمدينة المقدسة في عام 975 ق.م، وشكّلت عاصمة لمملكة إسرائيل الموحدة، وبعد وفاة سليمان عليه السلام انقسمت المملكة إلى قسمين شمالي وجنوبي وذلك بعد تمرد الأسباط العبرية الشمالية بسبط يهوذا الجنوبي الذي كان آل داود ينتمون إليه.

سُمي القسم الجنوبي بمملكة يهوذا في الجنوب، وأصبحت القدس عاصمة لها تحت قيادة رحبعام بن سليمان. أما القسم الشمالي فاتخد من مدينة السامرة عاصمة لمملكة اسرائيل الشمالية .

كان الكنعانيون واليبوسيون مازالو يعيشون في مناطقهم


مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها السامرة قرب نابلس وقد عمرت من 927 –الى 722 ق. م وسيطرت الخلافات القبلية على هاتين المملكتين ، ونشبت بينهما حروب دامية حتى أن الملك (يهواش ملك إسرائيل الشمالية أغار على القدس عاصمة الاسرائيليين الجنوبيين واستباح هيكلها . وهكذا دب الوهن في مملكتي اليهود مما فسح المجال أمام سرجون الآشوري فاستولى على مملكة إسرائيل الشمالية ودمرها عام (722 ق.م. وسبى أهلها إلى بابل وأسكن محلهم قبائل عربية نزحت من سورية

وفي سنة 587 ق.م، احتل الملك البابلي "نبوخذ نصّر الثاني" مدينة القدس بعد أن هزم آخر ملوك اليهود الجنوبيين "صدقيا بن يوشيا"، ونقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه، وعاث في المدينة دمارًا وخرابًا وأقدم على تدمير هيكل سليمان، مما أنهى الفترة التي يُطلق عليها المؤرخون تسمية "عهد الهيكل الأول

وقد عمل اليهود جواسيس ضد الدولة البابلية الكلدية لمصلحة كورش الفارسي ، مما مكنه من القضاء على الدولة البابلية الكلدانية حوالي عام 539ق.م. فعلت منزلة اليهود عنده اي لقورش الفارسي ، وخاصة بعد أن تزوج اليهودية أستير وسمح لهم بالعودة إلى القدس ، وبنى لهم الهيكل عام 516 ق.م. وظلت السيطرة الفعلية فيها للحثيين

،فعاد عدد من اليهود إلى القدس وشرعوا ببناء الهيكل الثاني، وانتهوا من العمل به سنة 516 ق.م، في عهد الملك الفارسيدارا الأول، وعُرف فيما بعد بمعبد حيرود تيمنًا بملك اليهود حيرود الكبير الذي قام بتوسيعه.

وحوالي سنة 445 ق.م، أصدر الملك الفارسي "أرتحشستا الأول" مرسومًا سمح فيه لسكان المدينة بإعادة بناء أسوارها،واستمرت المدينة عاصمة لمملكة يهوذا طيلة العقود التي تلت.

فقدت الإمبراطورية الفارسية فلسطين بما فيها القدس لصالح القائد والملك المقدوني، الإسكندر الأكبر، عام 333 ق.م، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون البطالمة في حكم المدينة، واستولى عليها في العام نفسه بطليموس الأول وضمها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام 323 ق.م.

في عام 198 ق.م، خسر بطليموس الخامس القدس ومملكة يهوذا لصالح السلوقيين (( اليونانيين -سلوقس الأول نيكاتور أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر، شكلت هذه الدولة إحدى دول ملوك طوائف الإسكندر، التي نشأت بعد موت الإسكندر المقدوني، )) في سوريا، بقيادة أنطيوخوس الثالث الكبير.

حاول الإغريق أن يطبعوا المدينة القدس بطابعهم الخاص ويجعلوا منها مدينة هيلينية( يونانية) تقليدية، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل سنة 168 ق.م، عندما قام المكابيين بثورة على الحاكم أنطيوخوس الرابع، تحت قيادة كبير الكهنة "متياس" وأبنائه الخمسة، ونجحوا بتأسيس المملكة الحشمونائيمية وعاصمتها القدس سنة 152 ق.م.


استولى قائد الجيش الروماني "پومپيوس الكبير"، على القدس في عام 63 ق.م بعد أن استغل صراعًا على سدّة المُلك بين الملوك الحشمونائيمية، وبهذا ضُمت القدس إلى الجمهورية الرومانية.


أقدم الرومان على تنصيب حيرود الأول ملكًا على اليهود ليضمنوا سيطرتهم وتحكمهم بمملكة يهوذا، فكرّس حيرود عهده لتجميل المدينة وتطوير مرافقها، فبنى عددًا من الأسوار والقصور والأبراج والقلاع، وقام بتوسيع المعبد حتى تضاعف حجم المنطقة حيث يقع.وبعد وفاة حيرود الأول في السنة السادسة قبل الميلاد، خلفه حيرود الثاني في حكم القدس من عام 4 قبل الميلاد حتى 6 بعده وعندها أخضع الرومان مملكة يهوذا للحكم الروماني المباشر نتيجة لعدم ثقة الحكومة بحيرود، فأصبحت تُعرف بمقاطعة اليهودية،على الرغم من أن خلفاء حيرود الأول، المتحدرين من أغريباس الثاني، استمروا بحكم المناطق المجاورة بوصفهم ملوك تابعين لروما حتى سنة 96 ميلادية.


شهد الحكم الروماني المباشر للقدس حوادث كثيرة، أولها الثورة اليهودية الكبرى، التي استمرت من سنة 66 إلى سنة 70م، حيث قام اليهود في القدس بأعمال شغب وعصيان مدني قمعها الحاكم الروماني "تيطس" بالقوة فأحرق المدينة وأسر كثيراً من اليهود ودُمّر المعبد للمرة الثانية، وعادت الأمور إلى طبيعتها في ظل الاحتلال الروماني للمدينة المقدسة.

ثم عاود اليهود التمرد وإعلان العصيان مرتين في عاميّ 115 و132م، والمرة الأخيرة عُرفت بثورة شمعون بن كوكبة، تيمنًا بقائد العصيان، وخلالها تمكن اليهود بالفعل من السيطرة على المدينة، وأعلنوها عاصمة لمملكة يهوذا مجددًا، إلا أن الإمبراطور الروماني "هادريان" تعامل مع الثوّار بعنف وأسفر ذلك عن تدمير القدس للمرة الثانية، وأخرج اليهود المقيمين فيها ولم يبق إلا المسيحيين، ومن شدّة نقمة الإمبراطور على اليهود، أصدر مرسومًا بجعل المدينة ذات طابع روماني فتم تغيير اسمها إلى "مستعمرة إيليا الكاپيتولينيّة"[66] واشترط ألا يسكنها يهودي، بل أقدم على تغيير اسم مقاطعة اليهودية بكاملها وجعله "مقاطعة سوريا الفلسطينية" تيمنًا بالفلستينيون الذين سكنوا الساحل الجنوبي لبلاد كنعان


خضعت المدينة لسيطرة الرومان ثم الروم البيزنطيين خلال القرون الخمسة التي تلت ثورة شمعون بن كوكبة، وبعد أن نقل الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطية، وأعلن المسيحية ديانة رسمية للدولة، أمر بتشييد عدد من المعالم المسيحية بالقدس، فبنيت كنيسة القيامة عام 326م، فكانت تلك نقطة تحول بالنسبة للمسيحيين في المدينة، حيث لم يعودوا مضطهدين، واستطاعوا ممارسة شعائرهم الدينية بحريّة.

أصبحت القدس مركزًا لبطريركية من البطريركيات الخمس الكبرى، وهي إلى جانب القدس: الإسكندرية وروماوالقسطنطينيةوأنطاكية، بعد أن تقرر إنشائها في مجمع نيقية.

استمرت القدس بالنمو والاتساع منذ أن انتهى عهد الهيكل الثاني بعد تدمير الأخير، حيث بلغت مساحتها كيلومترين مربعين (0.8 أميال مربعة.) ووصل عدد سكانها إلى حوالي 200,000 نسمة.


استمر حظر دخول اليهود إلى القدس طيلة عهد قسطنطين الأول حتى القرن السابع الميلادي.


انقسمت الإمبراطورية الرومانية عام 395م إلى قسمين متناحرين: الإمبراطورية الغربية وعاصمتها روما، والإمبراطورية الشرقية أو البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، وخضعت القدس مع باقي بلاد الشام إلى الإمبراطورية البيزنطية .


شجع الانقسام الروماني الفرس على الإغارة على القدس، فأمر شاه الإمبراطورية الساسانية، كسرى الثاني، قائدا جيوشه "شهربراز" و"شاهين"، بالسير إلى سوريا واستخلاص القدس من أيدي الروم، ففعلا ما طُلب منهما ونجحا في احتلالها، خصوصًا بعد أن ساعدهم اليهود في فلسطين، الذين كانوا ناقمين على البيزنطيين.


الفرس المدينة في سنة 614م، بعد حصار استمر 21 يومًا. تنص السجلات البيزنطية أن الفرس واليهود ذبحوا آلاف المسيحيين من سكان القدس، وما زال هذا الأمر موضع جدال بين المؤرخين، حيث قال البعض بصحته ونفاه البعض الآخر.

استمرت المدينة خاضعة للفرس طيلة 15 سنة، إلى أن استطاع الروم استعادتها سنة 629م تحت قيادة الإمبراطور هرقل، وظلت بأيديهم حتى الفتح الإسلامي عام 636م.



السنة التي فتحت فيها القدس، فقد ذكر الطبري عن سيف أنها كانت سنة 15هـ، كما ذكر ابن سعد، وخليفة بن خياط، واليعقوبي، وابن عساكر، والواقدي، والبلاذري، والطبري في رواية أخرى عن سيف أن الفتح كان سنة 16هـ. كما ذكر ياقوت الحموي، والبلاذري وابن اسحق، والطبري في رواية سيف عن هشام بن عروة بأن الفتح كان سنة 17هـ. والأغلب أن عام 17هـ، هو الأصح


أبو عبيدة بن الجراح بعد انتصاره في معركة اليرموك وفتح مدينة دمشق، يرسل رسوله، عرفجة بن ناصع النخعي، يطلب التوجيه من الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة، فيأمر الخليفة قائده المظفر وصديقه الحميم بأن يتوجه بالمسلمين نحو القدس. وعند ذلك يوجه القائد أبو عبيدة جيوشه نحو القدس، على هيئة كتائب يقود كل منها أحد القادة، أمثال خالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وتضم كل منها خمسة آلاف جندي ويفصل بينها وبين الكتيبة الأخرى مسيرة يوم واحد. بالإضافة لجيش عمرو بن العاص الذي كان قد سبقهم إليها، وإلى ضعفة الناس والنساء الذين سار بهم أبو عبيدة على مهل رفقًا بهم.

وكدأب المسلمين في فتوحاتهم، وجه أبو عبيدة رسالة لأهل القدس خيَّرهم فيها بين الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال. فكان أن رفض بطريركها صفرونيوس الذي تولى قيادتها بعد فرار بطريكها إلى مصر على إثر معركة أجنادين-رفض طلب أبي عبيدة، وتحصن بالمدينة آملا في وصول إمدادات ونجدات رومية إليه، خصوصًا وهو يعلم أهمية القدس لدى الروم النصارى، وظنًا منه أن المسلمين لن يستطيعوا تحمل برد القدس الشديد، مما سيضطرهم لفك الحصار عندما يشتد البرد.

وهنا تبدو مرة أخرى مقدرة المسلمين على تخطي الشدائد، فتحملوا بتجهيزاتهم البسيطة، برد القدس الشديد وأمطارها الغزيرة، ولاقوا من ذلك عنتًا كبيرًا ولكن لم يفت في عزيمتهم ولم يفكروا في فك الحصار، وعند حلول فصل الربيع، رأي صفرونيوس أن ما توقعه لم يحدث، فلا الروم أنجدوه، ولا البرد أجبر المسلمين على فك الحصار. فلم يجد بدًا من عرض التسليم على أبي عبيدة، ولكنه اشترط أن يحضر الخليفة بنفسه من المدينة المنورة ليتسلم القدس ويعطي أهلها عهدًا، وذلك لما كان يسمعه عن الخليفة عمر بن الخطاب من عدالة، ورفق، ووفاء بالعهد.

ورغم أن بعض قادة أبي عبيدة قد أشاروا عليه بمناجزة أهل القدس حتى يجبروهم على الاستسلام، إلا أن ما رآه أبو عبيدة من شدة ما قاساه المسلمون من البرد، وما قاساه أهل القدس من الحصار الذي طال أمده، دفعه لأن يكتب للخليفة، يخبره بأحوال المسلمين والنصارى، وبما عرضوه عليه من تسليم المدينة للخليفة شخصيًا، وأشار عليه بالحضور لأن في ذلك حقنًا لدماء المسلمين.

أرسل أبو عبيدة رسالته مع رسول من المسلمين يرافقه وفد من أهل القدس أرسلهم صفرونيوس، وذكر أن أشد ما أثار دهشة وفد النصارى أن رسول أبي عبيدة أخذ يسأل عن مكان الخليفة حتى وجده مستلقيا من الحر، فقدم إليه وفد أهل القدس رسالة أبي عبيدة، وجلس الرسول بجانبه ببساطة العربي وأخوة الإسلام يصف له أحوال المسلمين ويبلغه سلامهم، في حين وقف وفد أهل القدس وهو لا يَكاد يصدق، أن حاكم المسلمين الذين دَوَّخوا دولتي الفرس والروم، ليس له مقر معروف، ولا حرس ولا حجاب، وإنه في مثل هذا الحال من البساطة في المظهر والمعاملة.

وهنا يلجأ عمر بن الخطاب لاستشارة الصحابة كدأبه في مثل هذه الأحوال، فيشير عليه بعضهم بالخروج ويشير بعض آخر بعدم الخروج. ولكنه يفضل الخروج رغم مشاق السفر، ويستخلف على المدينة عثمان بن عفان وفي رواية الطبري علي بن أبي طالبعبادة بن الصامت، والزبير بن العوام، والعباس بن عبد المطلب. رضي الله عنهما، ويصطحب خادمه وبعض أصحابه منهم​
وتبدو البساطة واضحة في تجهيزاته للخروج، فيركب بعيره الأحمر، ويضع عليه غرارتين في أحدهما سويق، وفي الآخر تمر، ويضع بين يديه قربة ماء ويخلفه جفنة زاد. كل ذلك أمام وفد أهل القدس ودهشتهم. ومن تواضعه أنه عندما وصل إلى مشارف بلاد الشام، استقبله المسلمون بالرايات والسيوف والخيول وعلى رأسهم أبو عبيدة. وأقبل أبو عبيدة على الخليفة عندما رآه مسلما عليه ومحاولًا أن يقبل يده تعظيمًا له، ثم تعانقا، وقيل إن المسلمين قدَّموا لعمر برذونًا وثيابًا بيضاء ليكون مظهره مهيبًا، في قلوب الروم، ولكنه رفض الثياب وركب البرذون، فهملج به البرذون، فنزل عنه مسرعًا وركب بعيره، وقال: "لقد غيَّرني هذا حتى كدت أتغير وأنس نفسي".

وروي أن عمر بن الخطاب وهو في طريقه من المدينة إلى القدس، عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع جرموقيه وأمسكها بيديه وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: "لقد صنعت اليوم صنعا عظيمًا عند أهل الأرض"، فما كان من عمر إلا أن صك أبا عبيدة في صدره قائلًا: "لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام"[3].

وزاد من دهشة النصارى أن عمر بن الخطاب عندما اقترب من القدس كان يركب ركوبة غلامه، وكان غلامه يركب جمله الأحر، فعندما رآه أهل القدس يركب حمارًا صغيرًا، وقيل كان ماشيًا والخادم يركب جملًا أحمر، أكبروه وسجدوا له، فقال: "لا تسجدوا للبشر واسجدوا لله". فتعجب القسيسون والرهبان من ذلك وقالوا: "ما رأينا أحدًا قط أشبه في وصف الحواريين من هذا الرجل"، وقال صفرونيوس باكيًا: "إن دولتكم باقية على الدهر، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة".

كما تجلى حرصه على أموال النصارى في تصرفه -لدى وصوله القدس- عندما علم بأن المسلمين قد استولوا على كرم من العنب يقع قرب المدينة، وكان تحت يد الروم وقد غلبهم المسلمون عليه، وكان الكرم لرجل من النصارى، فأخذ المسلمون يأكلون من عنب ذلك الكرم، فأسرع النصراني إلى عمر بن الخطاب شاكيًا، فدعا عمر ببرذون له فركبه عريانًا من العجلة، ثم خرج يركض به ليرد المسلمين عن الكرم، فلقي في طريقه أبا هريرة يحمل فوق رأسه عنبًا، فقال له الخليفة عمر: "وأنت أيضا يا أبا هريرة؟". فقال أبو هريرة رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، أصابتنا مخمصة شديدة، فكان أحق من أكلنا من ماله من قاتلنا". وعند ذلك استدعى عمر رضي الله عنه صاحب الكرم، وطلب منه أن يقدر ثمن محصوله، لأن الناس كانوا قد أكلوه، فقدره الذمي، ودفع له عمر ثمنه، فما كان من الذمي إلا أن أسلم [4].


وأذكر هنا ما أورده مؤلفا كتاب (تاريخ القدس ودليلها) وهما نصرانيان، نقلاه بدورهما عن كتاب للآباء الفرنسيسكان وهم من أكثر الفئات تعصبًا للنصارى، فقد ذكرا بأن عمر بن الخطاب عندما قدم إلى القدس: "استطلع أبا عبيدة على ما كان من أمر القتال، فقص عليه أبو عبيدة تفصيلًا لما جرى، وما أصاب المسلمين وأهل القدس من الضيق والشدة، فبكى عمر، وأمر فورًا بأن يبلغوا البطريرك قدومه، ففعل أبو عبيده ما أمره به الخليفة. وعند ذلك خرج صفرونيوس ومعه الرهبان والصلبان ووجوه النصارى، فلما انتهوا إليه، خف للقائهم، وقد حياهم بالسلام، واقتبلهم بمزيد من الاحتفاء والإكرام. وبعد أن تجاذب والبطريق أطراف الحديث، في شأن المعاهدة والتسليم، أخذ قرطاسًا وكتب لهم وثيقة أمانهم كما طلبوا.

وقد رفض عمر عند دخوله المدينة أن يصلي في كنيسة القيامة وصلى على مقربة منها. وعندما فرغ من صلاته قال للبطريرك: أيها الشيخ لو أنني أقمت الصلاة في كنيسة القيامة، لوضع المسلمون عليها أيديهم في حجة إقامة الصلاة فيها، وأني لآبى أن أمهد السبيل لحرمانكم منها، وأنتم بها أحق وأولى"


أما المصادر الإسلامية فتذكر أن الخليفة كتب للبطريرك صفرونيوس عندما حضر لاستقباله على جبل الزيتون كتابًا، أمنهم فيه على دمائهم وأموالهم وكنائسهم، إلا أن يحدثوا حدثًا عامًا، شريطة أن يدفعوا الجزية. وقد ذكرت المراجع الإسلامية والنصرانية، نصوصًا مختلفة لهذا العهد الذي عرف بالعهدة العمرية لا مجال للتفصيل فيها.

ثم دخل الخليفة يرافقه قادة المسلمين وأربعة آلاف جندي منهم لا يحملون إلا السيوف في أغمادها خوفًا من الغدر، فزار كنيسة القيامة وصلى على مقربة منها، ثم طلب من صفرونيوس أن يدله على مسجد داود عليه السلام، الذي أسرى بالرسول صلى الله عليه وسلم إليه حيث صلى فيه وعرج به منه إلى السماء. فطاف به صفرونيوس على عدة أماكن، وعمر ينظر إليها ثم ينكرها، لمخالفتها للوصف الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم سرى به، فلما وصل به صفرونيوس إلى ساحة المسجد الأقصى، وكانت مليئة بالزبل، نظر عمر يمينًا وشمالًا ثم كبرّ قائلا: "هذا والله مسجد داود عليه السلام الذي وصفه لنا رسول الله"، فأزال المسلمون الزبل عن المكان، فصلى فيه وقيل طلب من المسلمين ألا يصلوا فيه حتى تصيبه ثلاث مطرات [6].


قال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار: "يا أبا إسحق، أتعرف موضِع الصخرة؟". فقال كعب: "اذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم، كذا وكذا ذراعًا، ثم احفر فإنك تجدها". وعندما حفر عمر ومن معه ظهرت الصخرة، وقيل إن عمر رضي الله عنه عاد فسأل كعبًا: "أين ترى أن نجعل المسجد؟ - أو قال القبلة-"، قال كعب: "اجعله خلف الصخرة، فتجتمع القبلتان، قبلة موسى عليه السلام، وقبلة محمد صلى الله عليه وسلم". فقال له عمر -بعد أن صكه بيده في صدره: "لقد ضاهيت اليهودية يا أبا إسحق! خير المساجد مقدمها. فنجعل قبلته صدره كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها. اذهب، إليك عني، فإنا لم نؤمر بالصخرة، وإنما أمرنا بالكعبة. وما الصخرة إلا قبلة منسوخة".


قال الواقدي: لقد خط عمر مسجده إلى الجنوب الغربي من الصخرة المشرفة. وذكر البكري وابن حبيش والمقريزيفي الخطط وجمال الدين في مثير الغرام ونقل عنه السيوطي أن عمر بنى مسجده أمام الصخرة المشرفة. وذكر مجير الدين أن بداخل المسجد الأقصى في صدر صدره من جهة الشرق مجمع معقود بالحجر وأشيد به محراب، ويقال لهذا المجمع جامع عمر، لأنه من بقية بناء عمر عند الفتح. وذكر كروزويل بأن المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب كان مكان المسجد الأقصى اليوم، ونقل ذلك عن كلير منت غانو.


لم يشر البلاذري (ت: 279هـ / 868م)، والطبري (ت: 310هـ / 915م)، واليعقوبي (ت: 874م)، وابن الفقيه (ت: 292هـ / 03 9م) إلى المسجد الذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب عندما تعرضوا لفتح القدس، ووصفوا الحرم القدسي في أيامه الأولى، وهذا أمر يدعو إلى الاستغراب.

وقد وصفه الواقدي فقال: "وخط عمر بن الخطاب مسجده إلى الجنوب الغربي من الصخرة وصلى وأصحابه به صلاة الجمعة. وكان البناء من الخشب، ويتسع لحوالي ثلاثة آلاف مصلي، وغادر القدس بعد أن أقام بها عشرة أيام".

وأقدم وصف لهذا المسجد أورده أحد السائحين الفرنجة إلى الشرق وهو الأسقف اركولف، اسقف غاليا (فرنسا اليوم)، حيث زار القدس بقصد الحج عام 670م أي بعد الفتح الإسلامي بحوالي اثنين وعشرين عامًا فقط. فقال إن عمر بن الخطاب بنى بساحة الهيكل مسجدًا مربع الشكل، يتسع لحوالي ثلاثة آلاف مصلي، ويقع إلى جوار الحائط من الشرق، وهو مبنى من بقايا أعمدة وجذوع أشجار، وغير مسقوف.

كما ذكر لي سترانج بأن المؤرخ الرومي ثيوفانوس (751 - 818م) قد وصف المسجد الذي بناه عمر فقال: "إن الخليفة عمر بن الخطاب بدأ يبني مسجده في منطقة الهيكل سنة (22هـ / 643م)، لهذا ظل الغربيون والنصارى عامة يطلقون اسم (مسجد عمر) على المسجد الأقصى، مع أن (مسجد عمر) عند المسلمين هو المسجد الصغير المقام أمام كنيسة القيامة على المكان الذي صلى فيه عمر بن الخطاب عندما فتح القدس​
 
الترهيب والتحريض سلاحا نتنياهو المجربان في الانتخابات




ليس هناك سبب يدعو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لترك أهم سلاحين اعتمدهما في المعارك الانتخابية، التي بدأ خوضها مرشحاً لرئاسة الحكومة منذ عام 1995، عندما نافس شمعون بيريس، بعد اغتيال إسحاق رابين، في الانتخابات المباشرة، وأثبت هذان السلاحان فاعليتهما.

فقد أعلن نتنياهو يومها أن اليسار نسي كيف يكون يهودياً، وسكت على شعار انتخابي لحركة "حاباد" العنصرية "نتنياهو جيد لليهود"، ما ترك رسالة خفية في عقل الناخب اليهودي أن بيريس جيد للعرب. أعطى الشعاران مفعولهما، وتغلب نتنياهو على بيريس بفارق 27 ألف صوت خلافاً لكل التوقعات. الترهيب وزرع الخوف من جهة، والتحريض ضد اليسار والإعلام والعرب من جهة ثانية، هما السلاحان اللذان دأب نتنياهو على امتشاقهما وإشهارهما في المعارك الانتخابية كلما شعر بخطر الفشل، أو بانعدام الحماس في صفوف الناخبين اليهود. وقد عاد نتنياهو، في الانتخابات المعادة، والتي من المقرر أن تجرى بعد 12 يوماً، في 17 سبتمبر/أيلول الحالي، لإشهار هذين السلاحين مجدداً.

"
التحريض ضد العرب الفلسطينيين في الداخل، والمسارعة للالتزام بعدم إشراك أحزابهم في أي ائتلاف مقبل، هو سمة هذه الانتخابات
"

التحريض ضد العرب عموماً، وضد "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" تحديداً، والادعاء بأن الحزب (رغم أنه كان متحالفاً في قائمة مع الحركة الإسلامية) تمكن من اجتياز نسبة الحسم فقط بفضل التزوير، هو عنوان التحريض الجديد الذي يشنه نتنياهو، منذ الأحد الماضي، عندما منح الشرعية وصادق على منشور وضعه حزب الليكود على صفحة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وجاء فيه "إنهم يسرقون منا الانتخابات.

اليوم يتضح أنه لو تم منع عمليات التزييف لما تمكن حزب التجمع من اجتياز نسبة الحسم، ولكان معسكر اليمين بقيادة رئيس الحكومة حصل على 61 مقعداً، ولكان الأمر وفر على إسرائيل انتخابات جديدة". منشور الليكود، الذي قام نتنياهو بمشاركته، يؤجج عند الناخب الإسرائيلي مشاعر العنصرية ضد حزب "التجمع" بشكل مباشر، وضد الفلسطينيين في الداخل، لأنه يتبنى تلقائياً الادعاءات العنصرية بأن الانتخابات لدى العرب في الداخل غير نزيهة ومصحوبة بعمليات تزوير وتزييف، يدفع المواطن الإسرائيلي الآن ثمنها عبر جره لانتخابات جديدة لا لزوم لها.

هذا التحريض يضاف إلى مساعي نتنياهو وحزبه الفاشلة، في الانتخابات السابقة في إبريل/نيسان الماضي، بوضع ونصب كاميرات سرية في مراكز الاقتراع العربية، يشكل "سبباً وجيهاً" وموضوعياً، على الأقل في نظر الناخب الإسرائيلي العادي لتأييد إعلان حزب الليكود أنه يعتزم سن قانون يتيح له نصب كاميرات المراقبة في مراكز الاقتراع، رغم إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أن هذا الإجراء غير ديمقراطي.

مظاهر التحريض العنصري، والشعارات العنصرية لم تقف، بطبيعة الحال، عند التحريض المباشر على العرب، بل تعدت ذلك، في سياق التنافس الانتخابي، إلى توظيف تصريحات بائسة لرئيس القائمة المشتركة أيمن عودة بشأن استعداده للتحالف في حكومة مع حزب "كاحول لفان" مقابل شروط معينة، بينها إنهاء الاحتلال، وتلقف هذه التصريحات لوصم منافسيه، لا سيما الجنرال بني غانتس وأفيغدور ليبرمان بأنهما يعتزمان تشكيل حكومة يسار، بالاعتماد على أصوات العرب، وبالتحالف مع أحزابهم التي لا تعترف بشرعية إسرائيل كدولة الشعب اليهودي.
 
قناة إسرائيلية: "خليفة غرينبلات" عديم التجربة ودرس بتل أبيب

920196172057515.jpg


بيركوفيتش نشأ في منزل يهودي أرثوذكسي، ودرس في إسرائيل مدة عامين- إعلام عبري

تناول الإعلام العبري، الجمعة، تفاصيل الخليفة المرتقب لمبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي قدم استقالته أمس الخميس.

فمن جهتها، أوضحت قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية، أن أفي بيركوفيتش، وهو مستشار جارد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي، سيحل محل المبعوث المستقيل غرينبلات (52 عاما).

وأعلن البيت الأبيض أمس عن استقالة غرينبلات، مرجعا سبب الاستقالة بحسب ما أوردته القناة إلى "تأجيل طرح خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ"صفقة القرن"، منوهة أن "استقالة غرينبلات تأتي في تطور درامي على الساحة السياسية وذلك قبل أقل من أسبوعين على انتخابات الكنيست الإسرائيلي".

وذكرت القناة أن "غرينبلات يعد الرجل الأول الذي كان وراء الإعداد لصفقة القرن على مدار العامين ونصف العام الماضيين، وتم تعيين غرينبلات في هذا المنصب في أعقاب انتخاب ترامب عام 2016 رئيسا للولايات المتحدة الأميركية".

وفي التفاصيل، أوضحت صحيفة "معاريف" أن بيركوفيتش (30 عاما) الذي يعمل مستشارا خاصا في البيت الأبيض، هو خريج كلية الحقوق بجامعة "هارفارد" عام 2016، ومنذ تخرجه يعتبر المساعد الأيمن لكوشنير، وتم تضمنيه لفريق خطة السلام الأمريكية، مع كوشنر وغرينبلات والسفير الأمريكي لدى الاحتلال ديفيد فريدمان.

ونوهت الصحيفة، أن المبعوث الأمريكي الجديد بيركوفيتش، شارك في حملة ترامب للانتخابات الرئاسية عام 2016، موضحة أن تعيين بركوفيتش "أثار العديد من الأسئلة بين الدبلوماسيين السابقين الذين وجدوا صعوبة في فهم كيفية وضع هذه المهمة على عاتق خريج جامعي شاب يتخذ خطواته الأولى في العالم السياسي".

وأوضحت هوب هيكس، المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض في2017 أن "دور بيركوفيتش كان إداريا ولوجستيا في المقام الأول، وكان يتضمن التنسيق في الغالب للاجتماعات".

كما علق مارتن إنديك، المبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية نيابة عن إدارة أوباما، على تعيين بيركوفيتش بقوله: "هذا شخص لطيف، لكنه لا يتمتع بتجربة سابقه".

وذكرت "معاريف"، أن "بيركوفيتش نشأ في منزل يهودي أرثوذكسي، ودرس في إسرائيل مدة عامين في مدرسة دينية أرثوذكسية بعد المدرسة الثانوية"، مشيرة إلى أن "هوارد فريدمان وهو أول رئيس أرثوذكسي لـ"إيباك"، هو ابن عم بيركوفيتش".


المصدر:عربي21
 
عودة
أعلى