كيف كانت القدس أيام السلطان عبد الحميد الثاني؟

برهان شاهين

التحالف بيتنا
محللي المنتدى
إنضم
18/12/18
المشاركات
1,969
التفاعلات
9,371

msjd_qb_lskhr.png


سلط تقرير لـ "الجزيرة نت"، على ما كانت عليه مدينة القدس خلال فترة حكم السلطان العثماني، عبد الحميد الثاني (1842م – 1918م).
وأمام الاستيطان ومحاولات اليهود من أجل تثبيت وجودهم في القدس، قام السلطان عبد الحميد بجعل القدس سنجقا (لواء) مستقلا عن ولاية دمشق ومتصرفية لها اتصال مباشر بالباب العالي، واتخذ الإجراءات التالية:
- إصدار تشريعات وقوانين تمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتقضي بأنه لا يسمح لليهود بالدخول إلى فلسطين إلا حجاجًا أو زوارًا مقابل دفع 50 ليرة تركية والتعهد بمغادرة البلاد خلال 31 يوما.
- تعيين متصرف مستقيم وحازم على القدس يطبق سياسة الباب العالي.
- إبلاغ القناصل بأنه منزعج من إقامة اليهود بعد انتهاء التصريح.
- إصدار التصريح من السفارة العثمانية في البلاد التي يأتي منها اليهود.
- تعيين شخصية صارمة لثني اليهود عن الاقتراب من القدس.
وفيما يخص بلدية القدس ومهامها، ففي عهد السلطان عبد الحميد الثاني كان لبلدية القدس نظام مالي متعدد الإيرادات والمصروفات، وكانت موارده على النحو التالي:
- الرسوم التي خصصتها الدولة.
- الضرائب المختلفة.
- الغرامات.
- رسوم القيان والميزان والمكاييل والعقود والذبحية ورسوم بيع أو شراء المواشي.
- الإعانات.
واستفاد أهالي القدس والمدن المجاورة من حركة تدفق الأموال على القدس من الدول الغربية خلال هذه الفترة وزادت حركة البناء والعمران، ويلاحظ المتتبع لجداول مهن البناء في القدس التوسع المطرد في دخول الحرفيين والتجار، وكان الحرفيون والتجار غالبا من المسلمين حيث إنهم أكثر سكان فلسطين وبأيدهم التجارة والحرف والصناعات. وقد زاد التوسع العمراني في هذه الفترة والبناء خارج السور بحيث أصبح البناء الحديث طابعا جديدا مميزا لهذه المدينة الخالدة.
ومما زاد في تدفق الأموال على القدس ارتباطها بميناء يافا البحري الذي كان ثغر فلسطين الجنوبي، علاوة على إنشاء خط سكة حديد يوصل إلى القدس، وقد بدأ تشغيله عام 1892م.
ومن أبرز الأعمال التي تم إنجازها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في القدس:
- في عام 1901م تم إيصال المياه إلى القدس من مياه أرطاس.
- في عام 1907 تم إنشاء السبيل الواقعة بجانب السور بباب الخليل، وذلك في عهد المتصرف أكرم بك سنة 1907م.
- تجديد سبيل قايتباي الواقعة بين الصخرة المشرفة وباب القطانين.
- بناء المدرسة الرشيدية المقابلة لباب الساهرة خارج السور، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى رشيد بك متصرف القدس زمن السلطان عبد الحميد سنة 1906م.
- أنشئت السكة الحديدية بين يافا والقدس سنة 1892م.
- تم إنشاء المستشفى البلدي الكائن غربي المدينة عند الشيخ بدر سنة 1891م.
- تم إنشاء برج على السور فوق باب الخليل سنة 1909م.
كما قام العثمانيون بتقنين زيارات الأجانب إلى القدس، حيث لم يسمح للزائر بالإقامة في هذه الديار أكثر من ثلاثة أشهر يرهن خلالها جواز سفر الزائر غير المسلم ويمنح بطاقة حمراء مدة إقامته في فلسطين ثم يعود من حيث أتى.
ومما هو جدير بالذكر أن الدولة العثمانية كان لها موقف متميز من النشاط الصهيوني والدولي على سواء، فقد أصر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني على رفض المشروع الصهيوني، سواء في مباحثاته مع هرتزل أو مع الوسطاء الأوروبيين لأن القدس مدينة مثل مكة، وتجسد هذا بإصدار فرمانات سلطانية متلاحقة تمنع دخول اليهود والأجانب إلى فلسطين إلا للزيارة مدة محددة.
ونظرا إلى خطورة الحركة الصهيونية ودور الدول الأوروبية في تشجيعها ودعمها فقد كان السلطان العثماني يخشى أن تصبح فلسطين مثل "جبل لبنان" وأن تلعب الدول الأوروبية في فلسطين الدور نفسه الذي لعبته في لبنان.
رأى السلطان كما يذكر في يومياته أن هدف الدول الأوروبية كان خلق المشاكل الداخلية والفتن في إمبراطوريته لأنها تريد إضعافها، ولأن السلطان كان زعيم الجامعة الإسلامية كما أن الدين الإسلامي كان يمثل روح العصر في الدولة العثمانية ويسيطر على أكثر العثمانيين، فلا يعقل أن يتخلى عن الأرض المقدسة لشعب غريب عن المنطقة.
وهو كذلك لا يريد إيجاد أقلية جديدة فمشاكله مع الأقليات في إمبراطوريته تكفيه وهي كثيرة، وقد استمر على موقفه هذا من الصهيونية والهجرة اليهودية حتى قيام ثورة الاتحاد والترقي عام 1908م وخلعه في عام 1909 م.
لا يخفى أن القدس كانت ضمن الخلافة الإسلامية العثمانية، وأن السلاطين العثمانيين أدركوا الأخطار التي كانت تحيق بالقدس خلال مراحل متعددة، وزاد هذا الخطر حينما ثقلت المسؤولية وأخذت حراب الغرب تنهش في جسم الدولة العثمانية التي أجمعوا على تسميتها "الرجل المريض" وكانوا ينتظرون نهايتها ليتسنى لكل منهم أخذ نصيبه من هذه الكعكة، وكان على الجانب الآخر التقاء المصالح الصهيونية والاستعمارية في هذه المنطقة.
كما أن الدور النشط الذي تمتعت به الصهيونية العالمية في هذه المرحلة كان له نصيب الأسد في إذكاء نار الحروب، وتأجيج الصراعات العالمية آنذاك من أجل تحقيق أهدافها في فلسطين. فقد عملت جاهدة على أيدي رجالاتها المتفننين في السياسة والدهاء مع استثمار الأموال الصهيونية في تحقيق أهدافهم للوصول إلى هذه الديار، وفعلا تحقق لهم ما أرادوا بعد أن أشعلوا نارا أكلت الأخضر واليابس طيلة أيام تآمرهم وما زال التآمر قائما حتى أيامنا هذه.
 
رحم الله الخليفة العثماني عبد الحميد رحمةً واسعة
ولكن الأدهى من ذلك هو عندما يأتيك أقزام هذا الزمان وكلابهم ويسعون لتشويه صورة هذا السلطان العظيم وصورة الخلافة العثمانية
 

عسكري ساخط: يوميات جندي عثماني فلسطيني في الحرب العالمية الأولى

=======================


عسكري ساخط: يوميات جندي عثماني فلسطيني في الحرب العالمية الأولى

محمد عبد العزيز​




بين يدي كتاب بعنوان "
عام الجراد: الحرب العظمى ومحو الماضي العثماني من فلسطين – يوميات جندي مقدسي عثماني 1915-1916" ويشمل دراسة لسليم تماري ونص يوميات الجندي إحسان حسن الترجمان الذي شارك في الحرب العالمية الأولى في القدس.


اختار محقق النص عنوان "عام الجراد" للكتاب لأن هجمة الجراد الكارثية على أراضي فلسطين وسورية سنة 1915 اختزلت في الذاكرة الجماعية ارتباط قسوة الطبيعة بالمجاعة والأوبئة وهمجية الحرب والتهجير في لحظة واحدة من الزمن.


نجحت الحرب العالمية الأولى في محو ذاكرة أربعة قرون من الحكم العثماني، واختصرتها في أذهان الأجيال اللاحقة برموز الطغيان الثلاثة: جمال باشا والسفر برلك (تهجير أهالي بعض المناطق)، وأعواد المشانق في ساحة البرج ببيروت، وفي باب العامود في القدس. هكذا كان المشهد الأخير للدولة العثمانية في بلاد الشام أسود قاتماً. لقد تحولت الدولة في نظر رعاياها من دولة عثمانية واعدة متعددة القوميات إلى دولة الأتراك، ومن القمع العثماني إلى الطغيان الطوراني.


قصة إحسان حسن الترجمان واختفاء يومياته وكيف وصلتنا؟


إحسان هو عسكري مجند في القيادة العثمانية في القدس، ولد عام 1893 في باحة الحرم القدسي الشريف، وهو واحد من المجندين العرب الذي يذكرنا المؤرخ التركي جورسيل جونشو بأنهم بلغوا 300 ألف من قوام الجيش العثماني. تجند في تشرين الثاني/نوفمبر 1914 وكان عمره 21 عاماً عند إعلان النفير العام وانضمام تركيا إلى دول المحور (ألمانيا والنمسا)، ضد الحلفاء الروس والإنجليز.


من حسن حظنا
أن يدون الجندي حسن الترجمان يومياته في هذه الفترة.



قضى الترجمان فترة الحرب في القدس وهو "يلعب بشواربه"، بحسب قوله واستعان بعلاقاته الاجتماعية ليتهرب من الخدمة على جبهة السويس. وأصبحت يوميات الترجمان من جملة ضحايا الحرب، ولم تظهر إلى الوجود إلا بعد قرن من الزمن في مكان غير متوقع، ويبدو أن عائلته بمن فيها والداه وأخواته، لم تعلم بوجود اليوميات، وبالتالي لم تشعر بغيابها.


قضى الترجمان فترة الحرب في القدس وهو "يلعب بشواربه"، بحسب قوله واستعان بعلاقاته الاجتماعية ليتهرب من الخدمة على جبهة السويس

يرجح أن الترجمان قد ترك يومياته في المنزل أو لدى صديقه حسن شكري الخالدي، وعندما احتلت إسرائيل شرق المدينة في حزيران/يونيو 1967 ضمت ما تبقى من القدس العربية. وظهرت اليوميات المفقودة فجأة في في أرشيفات الجامعة العبرية في قسم "الأملاك العربية المتروكة". ويعود تاريخ هذا القسم إلى تموز/يوليو 1948، بعد شهرين من قيام الهاغانا باحتلال القدس الغربية. حينها أرسل الملازم "كاتزين سوفر" رئيس شرطة القدس الجديد إلى الدكتور "كورت وورمن" رئيس مكتبة الجامعة العبرية يشير فيه إلى مصير 12 ألف من المجلدات والمخطوطات التي تم الاستيلاء عليها من البيوت العربية، وضمن لائحة الكتب قائمة بأسماء بعض البيوت المنهوبة، ومن ضمنها منزل عادل بيك الترجمان في شارع المصرارة.

لم يكن اسم صاحب المذكرات واضحا فقد كانت مدونة باسم محمد عادل الصالح. لكن، داخل المذكرات وجد المحقق سليم تماري أن أصدقاء صاحب اليوميات ينادونه إحسان، وتتقاطع فترة كتابة اليوميات مع يوميات خليل السكاكيني. وهناك يوم يزور فيه الجندي إحسان بيت خليل السكاكيني، ويدون السكاكيني اسم إحسان فنتعرف عليه بوضوح. لقد بذل سليم تماري – وهو الذي حقق أيضاً مذكرات السكاكيني التي وقعت في ثماني مجلدات - جهداً علمياً في إضاءة الكثير من المعلومات، وتتبع تاريخ النص. ودراسته التي تسبق مادة المذكرات ثرية بالملاحظات التاريخية والاجتماعية، ومن الإضافات القيمة مقارنته بين مذكرات إحسان الترجمان ومذكرات جندي عثماني اسمه محمد الفصيح قاتل على جبهة جناق قلعة، ودون يومياته. ويقارن تماري بين شخصية الاثنين والفروق بينهما، وكيف رأى كل منهما الحرب ذاتها وهما على جبهتين مختلفتين.


يوميات الترجمان والتاريخ من أسفل



هناك التاريخ الذي يكتبه القادة والمنتصرون أو حتى الزعماء السياسيون، ويشير تماري إلى مذكرات أمثال: عوني عبد الهادي، ومحمد عزة دروزة، ورستم حيدر أو حتى قادة عسكريين مثل فوزي القاوقجي، أو رواد فكريين مثل خليل السكاكيني، ونجاتي صدقي. إلا أن يوميات الترجمان مختلفة،
فهي مذكرات جندي عادي ومواطن مقدسي.



وتتيح لنا مذكراته التي دونها على ضوء شمعة ليلاً بعد انتهاء الدوام اليومي، الكثير من تفاصيل هذه الفترة. لقد عمل إحسان مساعد كاتب تحت قيادة روشن بيك، وكان روشن بك أعلى سلطة عسكرية في فلسطين العثمانية، ويتبع مباشرة لجمال باشا قائد الجيش الرابع في دمشق، وكان جمال باشا يزور القدس باستمرار خلال الحرب.


يفتتح الترجمان
يومياته بنقاش أجراه في ربيع سنة 1915 مع زملائه:


"
كان مدار حديثنا عن هذه الحرب المشؤومة وعن انتهاء مدتها وعن مصير هذه الدولة.. فحياة هذه الدولة (العثمانية) قصيرة لا شك، وسيفضي أمرها إلى الانحلال عاجلاً أم آجلاً لأن تقسيمها أصبح ظاهراً كالشمس، ولكن ماذا سيكون نصيب فلسطين يا ترى؟ والجواب هين إما الاستقلال وإما الالتحاق بمصر، والأمر الأخير أقرب لنا من الاستقلال ".



"كان مدار حديثنا عن هذه الحرب المشؤومة وعن انتهاء مدتها وعن مصير هذه الدولة.. فحياة هذه الدولة (العثمانية) قصيرة لا شك، وسيفضي أمرها إلى الانحلال عاجلاً أم آجلاً"

جندي ساخط على دولة تلفظ أنفاسها الأخيرة



يبدي
إحسان في يومياته كراهيته الشديدة لجمال باشا، ولقيادات الاتحاد والترقي. إنه حزين على انتكاسة حملة جمال باشا في السويس التي قاتل فيها أقرباؤه ومعارفه، ويخاف أن يرسل لجبهة القتال.


و
يغضب إحسان من قرارات جمال باشا توظيف اليهود والمسيحيين في طوابير العمال وتكليفهم بالمهن الشاقة، ويحكي في يومياته عن زواج جمال باشا بمومس يهودية.


وفي بعض الأحيان
يصف جمال باشا كشخصية اعتباطية مهمتها التنكيد على الجند، فهو يمدد ساعات العمل ويلغي الإجازات الاسبوعية بلا مبرر، ويصل غضب إحسان إلى ذروته من جمال باشا بعد شنق جنديين في ساحة باب الخليل في 30 آذار/مارس 1915 بتهمة التجسس مع الإنجليز، الأمر الذي يراه إحسان تهمة كاذبة.


لدى
إحسان ارتباك في الهوية، تارة يلوم شعبه الفلسطيني للصبر على الظلم والذل بل يصفه "بالأمة الذليلة الخانعة"، قائلاً إن أي شعب يحترم نفسه يجب أن يثور على أوضاع اضطهاده، إلا أنه يغتبط لانتصارات العثمانيين في الدردنيل وكوت العمارة في جنوب العراق، ثم عندما تحدث الثورة العربية بقيادة الشريف حسين يتضامن معها ويكتب: "بارك الله بك أيها الشريف.. أنتم أيها العربان برهنتم للعالم أنكم رجالاً تأبون الذل والهوان".



مدينة القدس والحرب العالمية الأولى



كانت القدس مركزاً لمتصرفية كبيرة شكلت نصف مساحة فلسطين الانتدابية، وكان أشرافها ووجهاؤها نخبة متنفذة في مجريات الأمور في المدن المحيطة (يافا والخليل تحديداً)، وتكمن أهمية هذه اليوميات في إضاءة جزء من ظلال الحياة اليومية للمدينة، فقد كانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) حقبة مفصلية في مسار انقطاع التواصل بين الحاضر العثماني للمجتمع الشامي وبين مستقبله الانتدابي.


و
أثرت الحرب العالمية الأولى في تقويض القيم الاجتماعية السائدة، واستحداث أنماط سلوكية جديدة، فمع غياب أعداد كبيرة من الرجال والشباب عن عائلاتهم، بسبب التجنيد الإجباري والموت على جبهات القتال، تعرضت مئات الآلاف من العائلات لضربات الفقر المدقع والجوع والمرض.



وظهرت أنماط سلوكية جديدة لم تشهدها هذه المدن بهذا الزخم من قبل. ا
نتشر التسول والسرقة والدعارة، وكلها سلوكيات صاحبت الحرب. إن إشارات سليم تماري لتحولات المدينة تذكرنا بملاحظات الشيخ محمد رشيد رضا في رحلاته إلى بلاد الشام في بيروت ودمشق ورصده أثر الحرب العالمية الأولى على تلك المدن.


لقد
حولت الحرب فلسطين إلى ورشة بناء عملاقة للمنشآت العسكرية، وفي الإمكان نسبة العديد من سمات الحداثة التقنية، التي نسبت إلى فترة الانتداب البريطاني في فلسطين (والفرنسي في سوريا ولبنان)، إلى مبادرات عثمانية بدأت أيام الحرب، فلقد تم حفر الآبار الأرتوازية في أنحاء البلاد، وبدأ ربط التجمعات الحضرية الرئيسية بشبكة من الأنانبيب، وامتدت السكة الحديد من شمال البلاد إلى الجهات الجنوبية (الحفير وبئر السبع)، كما ربطت شبكة الهاتف والتلغراف فلسطين وسوريا بالعالم الخارجي. وتطورت الخدمات الصحية بفتح المستشفيات والعيادات لمكافحة أوبئة الملاريا والكوليرا والتيفوس، التي انتشرت خلال الحرب وحصدت ضحايا لا يقل عددها عن ضحايا المعارك.

وأثرت الحرب العالمية الأولى في تقويض القيم الاجتماعية السائدة، واستحداث أنماط سلوكية جديدة، فمع غياب أعداد كبيرة من الرجال والشباب عن عائلاتهم، بسبب التجنيد الإجباري والموت على جبهات القتال

و
يرجع إنجاز العديد من المشاريع إلى تشكيلات "طوابير العملة" وهم عمال سخرهم الجيش العثماني لبناء الطرق وسكك الحديد ومعسكرات الجيش، وعلى الرغم من سوء أوضاع هؤلاء العمال إلا أن عملهم أتاح لهم الطعام المجاني والإقامة المجانية بمعسكرات الجيش.


وتغيرت عادات سكان القرى والبلدات الصغيرة لتقترب من العادات في حواضر بيروت ودمشق وحلب، ولفت نظري كيف استخدم سليم تماري كتاب صلاح عيسى "رجال ريا وسكينة" ليفسر عادات العمال في الجيش الرديف الذي صاحب الجيش البريطاني في مصر أثناء الحرب العالمية الأولى، وطبق تلك الرؤية على العمال الذين رافقوا الجيش العثماني.


يشير تماري أيضاً إلى
تحولات مهمة في أنماط العمل والحياة اليومية، فقد بدأ سكان المدن باقتناء ساعات الجيب لتحديد بداية ساعات العمل ونهايتها. واحتلت المقاهي مقام المنازل كأماكن تجمع وزيارة للرجال، وفي القدس ويافا كما هي الحال في بيروت وحلب ودمشق، شجعت الدولة إنشاء الملاهي الليلية والمواخير للترفية عن الجنود.

على الناحية الأخرى كان للحرب تأثيراً انعتاقياً إيجابياً في المجتمع خلال الحرب ذاتها، ففي أجواء الحرب والدمار وتعطيل حياة الناس الطبيعية ظهرت آفاق جديدة للحداثة الاجتماعية، و
أحدثت الحرب احتكاكاً واسع النطاق وحراكاً سكانياً كبيراً. لقد احتك المجندون بعساكر الجيش الشاهنشاهي من قوميات أخرى، من أتراك وأكراد وسوريين وعراقيين وألبان وبلغار بالإضافة إلى ضباط ألمان ونمساويين من حلفاء تركيا.


أخيرا في بعض نظريات النقد الأدبي يوجد مصطلح "موت المؤلف" ويقصد به انتهاء قدرة المؤلف على المشاركة في تأويل عمله، وأن تصبح قراءة العمل في متناول القراء فقط، في حالة إحسان الترجمان فقد مات فعلا موتاً حقيقيا برصاصة عام 1917 وهو في عمر الرابعة والعشرين، مات مؤلف اليوميات دون أن ينشرها بعد ن أأن تعلم عادة تسجيل اليوميات من أستاذه خليل السكاكيني. وبصدفة تاريخية وصلت المذكرات إلينا فرأينا جنديا عاديا يرى كثيرا من مظاهر الحرب على حقيقتها دون إدعاءات أيديولوجية، رأينا جنديا يفكر في موعد زواجه وفي ثريا بنت الجيران ويعِد نفسه أن يتوقف عن التدخين، جنديا يشفق على المومسات في طرق القدس ليلاً، جنديا غير مقتنع بالحرب ويعيش لحظات وعي مشوش تحدث لكل من يعيش في أوقات التحولات التاريخية، فلا هو عثماني خالص ولا عروبي خالص ولا فلسطيني خالص، لكن الذي ميز كل ما كتبه هو الأريحية والصدق واختلاط الخاص بالعام.


 
عودة
أعلى