كتاب الإستخبارات العسكرية في الإسلام

الملازم أبو عبيدة الجراح

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
كتاب المنتدى
إنضم
24/12/20
المشاركات
862
التفاعلات
4,674
المقدمة

الحمد الله ولي المؤمنين والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وخاتم النبيين وآله وصحبه الغر الميامين.

إن التخطيط السليم للمعركة يتوقف إلى حد كبير على معرفة نوايا العدو وأسراره، وإن الاستخبارات هي التي تمد القائد بالأسس التي يبني عليها قرارات.

ونظراً لأهمية الاستخبارات العسكرية وشمولها نجد أن أعمال وأنشطة الإستخبارات العسكرية كانت موجودة مع الإنسان منذ القدم ولكنها أصبحت في هذه الأيام أكثر استخداماً ودقة وتركيزاً، ولما كان الأمر كذلك اخترت هذا الموضوع عنواناً لرسالتي حتى نبين حكم الإسلام فيه.

أما الأهداف والدوافع الأخرى لاختيار هذا الموضوع فأجملها بما يلي:

1 - حساسية هذا الموضوع وخطورته وأهميته بالنسبة للدولة الإسلامية إذا ما عرف حكمه في الشرع والطريق الصحيح الذي يجب أن فيه وبيان أهمية الاستخبارات العسكرية في مجال الأمن ومقاومة الجاسوسية.

٢ - إنني بعد البحث والاستقصاء في الكتب الفقهية ورسـائـل المـاجستيـر والدكتوراه المقدمة لم أجد من أفرد هذا الموضوع في البحث أو تناوله بشكل مفصل، فلذلك كانت لي الرغبة في الكتابة فيه وتفصيل أقسامه ومجالاته وأشكاله المختلفة أملا من ذلك أن يصبح مرجعاً أساسياً للتدريس في الكليات والمدارس التي ما زالت تعتمد غالباً على مجرد نشرات صغيرة او کتيبات مترجمة.

3 - إنني أعمل في القوات المسلحة الأردنية، ولذا أحبت بشوقي أن يكون موضوع رسالتي من الواقع العملي والتطبيقي في هذا المجال.

IMG_٢٠٢١١٠٢٧_١٤٤٣٢٢.jpg
 
قدم نشاط الاستخبارات في الحصول على المعلومات

إن الرغبة في الحصول على المعلومات مقدماً متأصلة من أجل البقاء للإنسان والحيوان والطير، فالكثير من الحيوانات تستكشف الغاب لتبحث عن المأكل والمشرب، وترى أنواعاً من الطير تهاجر آلاف الأميال حيث تجد المكان المناسب لتضع بيضها.

أما الإنسان فإننا نلاحظ منذ بداية التاريخ أن حياته على الأرض تتطلب منه استفسارات مقدماً عن موقعه ومستقبله وحياته كعضو في الجماعة التي يعيش فيها.

كانت مصادر المعلومات قديماً تتشكل من الكهنة والسحرة والعرافين، وصار رجال الدين مصدراً للتنبوءات التي تستهدف حل مشكال الإنسان.

ومن جهة نظر الاستخبارات نجد أن الإنسان البدائي كان يمارس نشاط الاستخبارات في صورة بدائية وبسيطة جداً إلا أنها في الحقيقة تمثل جوهـر نشاط الاستخبارات الحديثة بأبعادها المختلفة.

ص15
 
صور الحرب النفسية في إلاسلام.

التفرقة بين العدو وحلفائة:


في غزوة الخندق، تجمعت قوى قريش والقبائل الأخرى واليهود للقضاء على المسلمين، وحدث أن جاء نعيم بن مسعود الغطفاني، وكانت غطفان القبائل التي انضمت إلى قريش في التجمع المذكور، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه أسلم ولم يعلم قومه بسلامة، وطلب منه أن يأمره بما يشاء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:

إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، «فإن الحرب خدعة»، فقام نعيم بهذه المهمة بأسلوب بارع حاذق بحيث حققت مهمته هدفها في الوقيعة بين المتحالفين وفي إزالة الثقة فيما بينهم.

فقد ذهب نعيم إلى يهود بني قريظة، (وكان لهم نديماً في الجاهلية) فقال لهم: وقد عرفتم ودي إياكم، وقد ظاهرتم قريشاً وغطفان على حرب محمد، وليس كان البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه، وأن قريشاً وغطفان إن رأوا لهزة (أي فرصة) وغنيمة أصابوها وإن كان غير
ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين محمد ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتى ناخذوا منهم رهناً (رهائن) من أشرافهم حتى تناجزوا محمداً».

قالت بنو قريظة : أشرت بالنصح ولست عندنا بمتهم.

ثم خرج نعيم إلى قريش فقال لهم: «بلغني أن قريظة ندموا، وقد أرسلوا إلى محمد: هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فتعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم تكون معك على من بقي منهم، فأجابهم أن فإن طلبت قريظة منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا لهم رجلا واحداً..... وجاء نعيم غطفان فقال لهم «أنتم أهلي وعشيرتي» وقال لهم مثل ما قال لقريش وجاء نعيم وحذرهم ما حذرهم.

أرسل أبو سفيان وسادة غطفان إلى قريظة عكرمة بن أبي جهل، في نفر من قريش وغطفان في ليلة سبت وطلبوا منهم الاستعداد للهجوم نهار السبت، ثم طلبت رهائن من قريش وغطفان قبل أن تشرع بأي هجوم قالت قريش وغطفان: لقد صدق نعيم ولما رفض طلب قريظة بإعطائها رهائن من قريش وغطفان قالت لقد صدق نعيم وهكذا كانت دعوة نعيم البارعة سبباً في تفريق جمع الاعداء.

ص171
 
الإخلاص والتضحية.

حاصر مسلمة بن عبدالملك بن مروان المتوفى سنة 120 للهجرة حصناً، فندب الناس إلى نقب منه فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه الله عليه وعليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد ، فنادى أني قد عزمت عليه إلاجاء، فجاء رجل فقال أنا أخبركم عنه، إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً، ألا تسودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة «أي تكتبوه» ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوه ممن هو، قال مسلمة: فذاك له، قال : أنا هو، فكان مسلمة لايصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب، وهذا نموذج من جند الإسلام الذين يخلصون بعملهم ويضحون بأنفسهم ابتغاء مرضاة الله.

ص202
 
عودة
أعلى