- إنضم
- 7/2/21
- المشاركات
- 1,727
- التفاعلات
- 3,991
تحتفظ الذاكرة الشعبية المصرية للظاهر بيبرس البندقداري بسيرة عطرة تتجاور فيها مواقف البطولة مع المشاهد الإنسانية إلى جانب الأساطير والحكايات.. إذ يشهد التاريخ للفارس المغوار بأنه كان بطل معركة المنصورة التي كسرت فيها شوكة الفرنجة وأسر ملكهم لويس التاسع عام 1250، كما كان بيبرس صاحب الفضل في تنفيذ خطة عزل فرسان المغول عن مشاتهم في عين جالوت ما أدى إلى اندحار الجيش وهزيمته تحت ظلال سيوف الجيش المصري عام 1260م.
تقع مدينة أنطاكية على الضفة اليسرى لنهر العاصي على بعد ثلاثين كيلومتر من شاطئ البحر، وتتبع لواء الإسكندرون – تحت السيادة التركية منذ عام 1939م- بعد أن كانت المدينة جزءا من الأراضي السورية.. وكانت المدينة عاصمة سورية الرومانية، وإليها كانت أولى رحلات القديسين بولس وبطرس، وفيها تأسست أول كنيسة في العالم، وفيها سمّي أتباع المسيح بالمسيحيين لأول مرة، وفي ذلك الزمن كانت أنطاكية تسمى “مدينة الله العظمى”.
كتب المطران جورج خضر، مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس: “لست أخترع مدينة الله العظمى، وهي ليست كبرياء بيزنطية، فالاسم وثني والعهود المسيحية تلقته تلقيا. المسيحيون اتخذوا اسم الله الذي تحمله عبارة مدينة الله اتخاذا أقرب إلى قلوبنا. في تاريخ الاسم أنّ: التلاميذ دعوا مسيحيين في أنطاكية أولا (أعمال الرسل 26:119)”.
أنطاكية في الوقت الحالي
وهي المدينة المذكورة في القرآن الكريم في سورة يس في قوله تعالى ” وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ” يس(20)
وقد أراد بيبرس فتح المدينة لأسباب تتعلق بعزمه على تأديب كل من تحالف مع المغول وعاونهم في عدوانهم على بلاد المسلمين، وكانت مملكة أرمينيا الصغرى، ومملكة أنطاكية على رأس تلك القوى الداعمة للمغول، ومن المؤكد أيضا أن “بيبرس” أراد رد المدينة إلى حظيرة الإسلام حيث أن المدينة كانت قد فُتِحَت على يد أبي عبيدة بن الجراح عام( 15هـ -636م) عقب معركة اليرموك، وبقيت المدينة في حوزة المسلمين لأكثر من ثلاثة قرون قبل أن يستردها البيزنطيون بقيادة نيقفور الثاني سنة 690م.
مع اضطراب أوضاع الحكم في الدولة البيزنطية استطاع “ألكسيوس كومنين” الوصول لعرش الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة عام (474هـ -1081م) وكانت دولة سلاجقة الروم بزعامة “سُليمان بن قُتلُمُش” قد تمددت في أراضي الدولة البيزنطية واحتلت عددا من المدن، ولم يرد “ألكسيوس” الذي كان في حرب مع “النورمان” أن يحارب في أكثر من جبهة، ما جعله يؤثر مهادنة السلاجقة ويتنازل لهم عن إدارة قيليقية وأنطاكية وملطية في مقابل دعمه بسبعة آلاف مقاتل في حربه مع أعدائه.. وبذلك عادت أنطاكية إلى المسلمين لكن لفترة وجيزة إذ كانت هدفا لأولى الحملات الصليبية (491 هـ – 1098م).
ضرب الصليبيون بقيادة “بوهيموند” النورماندي الحصار على المدينة بأربعة آلاف فارس من ناحية الباب الجنوبي، بينما حاصرت قوات تم إنزالها في اللاذقية آتية من قبرص بابين آخرين من أبواب المدينة، في حين استعصى الباب الرابع على الحصار بسبب وقوعه قبالة جبل شاهق وعر، واستمر الحصار حتى اشتد برد الشتاء وعزت المؤن؛ فهلك الجند، وذبحت الجياد لتؤكل، وروي أن الجثث قد أكلت من شدة الجوع.
بعد حصار دام قرابة السبعة أشهر استطاع “بوهيموند” دخول المدينة إذ نجح في استمالة أحد الحراس من المتحولين من المسيحية إلى الإسلام وقيل أنه كان مكرها.
“وقد خرج مدد من الموصل بقيادة الأمير “كربوغا” لرفع الحصار عن المدينة، ولكنه وصل بعد سقوط المدينة بأربعة أيام، أي أنه أتى لكي يحاصر الصليبيين أنفسهم، وشدد عليها الحصار حتى ساءت أحوال الصليبيين، إذ وجدوا أنفسهم محاصرين من الداخل والخارج وقلت المؤونة لديهم مما اضطرهم إلى أكل الجيف وأوراق الشجر، ودفع الصليبيون إلى إرسال وفد إلى “كربوغا” يطلبون منه الأمان ليخرجوا من أنطاكية، غير أن “كربوغا” رفض طلبهم وقال لهم: لا تخرجون إلا بالسيف، وهذا ما دفع ببطرس الناسك باختلاق قصة الحربة المقدسة وقال: بأنه رأى القديس أندراوس يقول له بأن الحربة المقدسة التي طعن بها المسيح عند صلبه – حسب اعتقادهم- موجودة في أنطاكية”.
ويروى أن الحربة قد استخرجت بمعرفة بطرس نفسه، ثم أنهم وضعوها على رأس الجيش؛ لرفع معنويات الجند الذين أفلحوا- هذه المرة- في كسر المسلمين وتفريقهم،” وكان الإمبراطور البيزنطي “اليكسوس كومنينونس” الأول في طريقه أيضا لمساعدة الصليبيين؛ ولكنه عاد عندما وصلته أخبار سقوط المدينة”.
واقتسم “بوهيموند” و”ريموند” حكم المدينة لبعض الوقت ثم استأثر “بوهيموند” بالحكم، الذي استمر في سلالته حتى سقوط المدينة في يد بيبرس في رمضان عام666هـ كما سنبين.
وما إن سقطت المدينة في أيديهم بعد حصار دام قرابة السبعة أشهر؛ حتى بدءوا حملة تطهير ديني ضد أهلها من المسلمين فقتلوا أعدادا كبيرة وطردوا عشرات الآلاف خارجها، واستقدموا إليها المسيحيين من كل حدب وصوب، وللحقيقة فإن أول من لجأ إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للمدينة كان معاوية بن أبي سفيان فترة ولايته على الشام إذ “قرر أن يُعطِي فيها وحَوْلها إقطاعاتٍ ضخمة لمن ينتقل إليها من المسلمين؛ فرحل إليها المسلمون من دمشق وحمص ولبنان، بل ومن العراق، ليستوطنوا في هذه المنطقة، وبالتالي تغيرت التركيبة السكانية في المنطقة لصالح المسلمين، وصارت المدينة إسلامية آمنة، خاصةً بعد تثبيت الأقدام الإسلامية في المدن التي تقع في شمالها مثل مرعش وطرسوس وملطية وغيرها”.
ثم أزال الصليبيون بقيادة “بوهيموند” كل الآثار الإسلامية وحولوا جميع مساجد أنطاكية إلى كنائس، ثم شرعوا في تحصينها فبنوا حولها سورا بطول اثني عشر ميلا، وقد ضم السور مئة وستة وثلاثين برجا كبيرا يحتوي كل برج على نحو مئة وخمس وسبعين شرفة يتناوب عليها الحراس ليل نهار، فصارت بذلك المدينة من أكثر المدن منعة وتحصينا.
ظلت مملكة أنطاكية الصليبية منذ هذا العهد وعلى مدى نحو سبعة عشر قرنا- شوكة قوية في ظهر المسلمين، لا يكف ملوكها عن محاولات النيل منهم بكل ما استطاعوا من الوسائل حتى كان تحالفهم مع المغول الذين كانوا قد اجتاحوا بلاد المسلمين وأسقطوا الخلافة العباسية في بغداد ونشروا الخراب والدمار أينما حلوا.
أنطاكية مدينة الله العظمى
تقع مدينة أنطاكية على الضفة اليسرى لنهر العاصي على بعد ثلاثين كيلومتر من شاطئ البحر، وتتبع لواء الإسكندرون – تحت السيادة التركية منذ عام 1939م- بعد أن كانت المدينة جزءا من الأراضي السورية.. وكانت المدينة عاصمة سورية الرومانية، وإليها كانت أولى رحلات القديسين بولس وبطرس، وفيها تأسست أول كنيسة في العالم، وفيها سمّي أتباع المسيح بالمسيحيين لأول مرة، وفي ذلك الزمن كانت أنطاكية تسمى “مدينة الله العظمى”.
كتب المطران جورج خضر، مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس: “لست أخترع مدينة الله العظمى، وهي ليست كبرياء بيزنطية، فالاسم وثني والعهود المسيحية تلقته تلقيا. المسيحيون اتخذوا اسم الله الذي تحمله عبارة مدينة الله اتخاذا أقرب إلى قلوبنا. في تاريخ الاسم أنّ: التلاميذ دعوا مسيحيين في أنطاكية أولا (أعمال الرسل 26:119)”.
أنطاكية في الوقت الحالي
وهي المدينة المذكورة في القرآن الكريم في سورة يس في قوله تعالى ” وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ” يس(20)
وقد أراد بيبرس فتح المدينة لأسباب تتعلق بعزمه على تأديب كل من تحالف مع المغول وعاونهم في عدوانهم على بلاد المسلمين، وكانت مملكة أرمينيا الصغرى، ومملكة أنطاكية على رأس تلك القوى الداعمة للمغول، ومن المؤكد أيضا أن “بيبرس” أراد رد المدينة إلى حظيرة الإسلام حيث أن المدينة كانت قد فُتِحَت على يد أبي عبيدة بن الجراح عام( 15هـ -636م) عقب معركة اليرموك، وبقيت المدينة في حوزة المسلمين لأكثر من ثلاثة قرون قبل أن يستردها البيزنطيون بقيادة نيقفور الثاني سنة 690م.
مع اضطراب أوضاع الحكم في الدولة البيزنطية استطاع “ألكسيوس كومنين” الوصول لعرش الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة عام (474هـ -1081م) وكانت دولة سلاجقة الروم بزعامة “سُليمان بن قُتلُمُش” قد تمددت في أراضي الدولة البيزنطية واحتلت عددا من المدن، ولم يرد “ألكسيوس” الذي كان في حرب مع “النورمان” أن يحارب في أكثر من جبهة، ما جعله يؤثر مهادنة السلاجقة ويتنازل لهم عن إدارة قيليقية وأنطاكية وملطية في مقابل دعمه بسبعة آلاف مقاتل في حربه مع أعدائه.. وبذلك عادت أنطاكية إلى المسلمين لكن لفترة وجيزة إذ كانت هدفا لأولى الحملات الصليبية (491 هـ – 1098م).
ضرب الصليبيون بقيادة “بوهيموند” النورماندي الحصار على المدينة بأربعة آلاف فارس من ناحية الباب الجنوبي، بينما حاصرت قوات تم إنزالها في اللاذقية آتية من قبرص بابين آخرين من أبواب المدينة، في حين استعصى الباب الرابع على الحصار بسبب وقوعه قبالة جبل شاهق وعر، واستمر الحصار حتى اشتد برد الشتاء وعزت المؤن؛ فهلك الجند، وذبحت الجياد لتؤكل، وروي أن الجثث قد أكلت من شدة الجوع.
بعد حصار دام قرابة السبعة أشهر استطاع “بوهيموند” دخول المدينة إذ نجح في استمالة أحد الحراس من المتحولين من المسيحية إلى الإسلام وقيل أنه كان مكرها.
“وقد خرج مدد من الموصل بقيادة الأمير “كربوغا” لرفع الحصار عن المدينة، ولكنه وصل بعد سقوط المدينة بأربعة أيام، أي أنه أتى لكي يحاصر الصليبيين أنفسهم، وشدد عليها الحصار حتى ساءت أحوال الصليبيين، إذ وجدوا أنفسهم محاصرين من الداخل والخارج وقلت المؤونة لديهم مما اضطرهم إلى أكل الجيف وأوراق الشجر، ودفع الصليبيون إلى إرسال وفد إلى “كربوغا” يطلبون منه الأمان ليخرجوا من أنطاكية، غير أن “كربوغا” رفض طلبهم وقال لهم: لا تخرجون إلا بالسيف، وهذا ما دفع ببطرس الناسك باختلاق قصة الحربة المقدسة وقال: بأنه رأى القديس أندراوس يقول له بأن الحربة المقدسة التي طعن بها المسيح عند صلبه – حسب اعتقادهم- موجودة في أنطاكية”.
ويروى أن الحربة قد استخرجت بمعرفة بطرس نفسه، ثم أنهم وضعوها على رأس الجيش؛ لرفع معنويات الجند الذين أفلحوا- هذه المرة- في كسر المسلمين وتفريقهم،” وكان الإمبراطور البيزنطي “اليكسوس كومنينونس” الأول في طريقه أيضا لمساعدة الصليبيين؛ ولكنه عاد عندما وصلته أخبار سقوط المدينة”.
واقتسم “بوهيموند” و”ريموند” حكم المدينة لبعض الوقت ثم استأثر “بوهيموند” بالحكم، الذي استمر في سلالته حتى سقوط المدينة في يد بيبرس في رمضان عام666هـ كما سنبين.
وما إن سقطت المدينة في أيديهم بعد حصار دام قرابة السبعة أشهر؛ حتى بدءوا حملة تطهير ديني ضد أهلها من المسلمين فقتلوا أعدادا كبيرة وطردوا عشرات الآلاف خارجها، واستقدموا إليها المسيحيين من كل حدب وصوب، وللحقيقة فإن أول من لجأ إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للمدينة كان معاوية بن أبي سفيان فترة ولايته على الشام إذ “قرر أن يُعطِي فيها وحَوْلها إقطاعاتٍ ضخمة لمن ينتقل إليها من المسلمين؛ فرحل إليها المسلمون من دمشق وحمص ولبنان، بل ومن العراق، ليستوطنوا في هذه المنطقة، وبالتالي تغيرت التركيبة السكانية في المنطقة لصالح المسلمين، وصارت المدينة إسلامية آمنة، خاصةً بعد تثبيت الأقدام الإسلامية في المدن التي تقع في شمالها مثل مرعش وطرسوس وملطية وغيرها”.
ثم أزال الصليبيون بقيادة “بوهيموند” كل الآثار الإسلامية وحولوا جميع مساجد أنطاكية إلى كنائس، ثم شرعوا في تحصينها فبنوا حولها سورا بطول اثني عشر ميلا، وقد ضم السور مئة وستة وثلاثين برجا كبيرا يحتوي كل برج على نحو مئة وخمس وسبعين شرفة يتناوب عليها الحراس ليل نهار، فصارت بذلك المدينة من أكثر المدن منعة وتحصينا.
ظلت مملكة أنطاكية الصليبية منذ هذا العهد وعلى مدى نحو سبعة عشر قرنا- شوكة قوية في ظهر المسلمين، لا يكف ملوكها عن محاولات النيل منهم بكل ما استطاعوا من الوسائل حتى كان تحالفهم مع المغول الذين كانوا قد اجتاحوا بلاد المسلمين وأسقطوا الخلافة العباسية في بغداد ونشروا الخراب والدمار أينما حلوا.