طـائـرات "الـدرون"..سـباق تسـلـح جـديـد في الشـرق الأوسـط

عــمــر الـمـخــتــار

رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي
عضو قيادي
إنضم
14/5/19
المشاركات
5,688
التفاعلات
30,128
بسم الله الرحمن الرحيم
1441/2/22 - 2019/10/21

c_scale,fl_progressive,q_80,w_800.jpg


الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، خلال الآونة الأخيرة، بدأت تتجه إلى استخدام أوسع للطائرات بدون طيار والذي قد لا يحتاج إلى كلفة مالية عالية مقابل ما تشكله من تهديد على الطرف الآخر في الحرب

"إن سباقًا لاقتناء طائرات الدرون سينشأ في منطقة الشرق الأوسط".. بهذه الكلمات حذر الباحث والمحلل السياسي علي حسين باكير من تداعيات الاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة على مستقبل منطقة هي بالأصل رخوة أمنيًا ودخلت في صراعات لا تعرف لها مخرجًا. فمع تعـقد المشهد السياسي في دول الشرق الاوسط، وطول أمد الصراعات فيها، وعدم وجود مؤشرات لحلول مستقبلية، أخذت الحروب والنزاعات في المنطقة في الآونة الأخيرة تأخذ منحى جديد غير تقليدي، لا سيما عبر استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) كسلاح فعال، خاصة في ظل الظروف الراهن المعـقدة.

فحقيقة أن الطائرات المسيرة غير معقدة ورخيصة الكلفة وقادرة على التخفي عن أجهزة الرادارات، ومجهولة المصدر أغلب الأحيان، ما يتيح لمستخدميها فرصة التملص من مسؤولية استخدامها، ويجعلها سلعة مرغوبة للغاية للذين يرغبون في تمرير أجندتهم بأقل التكاليف، ولا يودون الدخول في صراعات مفتوحة كلفتها عالية ماديًا وبشريًا. المنخرطون في لب صراعات الشرق الأوسط وجدوا ضالتهم في سلاح "الدرونز"، خاصة أنه يمكن أن يكون وسيلة ضغط لإحداث تغيير في مجريات السياسة، بسبب فعاليته الرمزية قبل الهائلة كما تفعل الأسلحة المتطورة.

وهذا ما رأيناه مؤخرًا في حادثة "أرامكو" السعودية، حيث تسببت هجمات بطائرات مسيرة على منشأتي للنفط بوقف نصف انتاج الرياض من الخام، ما أثر على أسعار النفط عالميًا. وهذا يمكن رؤيته أيضًا في الهجمات بالطائرات المسيرة من حين لآخر ضد أهداف في سوريا ولبنان والعراق، تُحمّل فيه تلك الدول إسرائيل مسؤوليتها. ولا يخفى على أحد أن بؤر الصراع في المنطقة، خلال الآونة الأخيرة، بدأت تتجه إلى استخدام أوسع للطائرات المسيرة، لا سيما في دول اليمن والسعودية وليبيا والعراق وسوريا.

مـزيـد مـن الـتـهـديـدات الأمـنـيـة ومـزيـد من الإنـفـاق

المحلل السياسي علي باكير رأى، في حديث مع الأناضول، أن من تداعيات استخدام طائرات الدرون مزيد من الهجمات في منطقة رخوة من الناحية الأمنية ويكثر فيها اللاعبون غير الحكوميون من إرهابيين ومليشيات طائفية مسلحة ومليشيات متطرفة. مضيفًا: وهذا يعني المزيد من التهديدات الأمنية للمنشآت الحيوية والمواطنين في الشرق الأوسط. وقال إن "الهجمات الأخيرة التي تحصل ستشجع المزيد من اللاعبين الحكوميين وغير الحكوميين باعتماد الدرون في هجماتهم وهو ما يعني أن سباقًا لاقتناء الدرون سينشأ في المنطقة يقابله سباق على اقتناء أنظمة تحييد خطر الطائرات المسيرة هذه، وهذا يعني المزيد من الإنفاق في مجال كان من المفترض ان يتم تخفيف الإنفاق فيه لصالح قطاعات أخرى تهم شعوب المنطقة".

باكير نفسه، كان كتب مقالًا نشرته مجلة "ناشيونال انترست" الأمريكية، الشهر الماضي، بعنوان "لعبة الدرون– التهديد المتنامي من السماء" تحدث فيه عن اهتمام دول مثل إيران بهذا الطراز من الأسلحة، لتأثيره الرمزي قبل الهائل على منافسين إقليميين. جاء في المقال أنه بالنسبة لإيران، فإن لطائرات الدرون مزايا عديدة تتوافق مع سياستها الحربية "غير المتماثلة"، لا سيما أنها رخيصة إلى حد ما، وآمنة، ومسيرة عن بعد، ويمكنها بسهولة اختراق الحدود لإجراء مهام استطلاع ومراقبة ومهام استخباراتية، كما يمكنها شن هجمات.

وورد أيضًا: "حقيقة أنها (طائرات الدرون) ليست معـقدة أو باهظة الثمن تجعلها جذابة للغاية لإيران". ولفت المقال أيضًا إلى أن أيران أرسلت، خلال السنوات الماضية، العديد من الطائرات المسيرة إلى حلفائها أو وكلائها في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وقال إن طهران استخدمت وما تزال تستخدم أراضي تلك الدول كحقل اختبار لطائراتها المسيرة ضد دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وغيرها.

الـدرون.. مـؤشـر لـنهـايـة عـصـر الـنـفـاثـات

صحيفة الغارديان تطرقت إلى الموضوع نفسه، في مقال بعنوان "الطائرات المسيرة بالشرق الأوسط مؤشر لنهاية عصر تفوق الطائرات النفاثة السريعة". وقالت الصحيفة البريطانية إنه في تاريخ الحروب الحديثة باتت عبارة "من امتلك السماء فاز الحرب" بمثابة مبدأ ثابت، في إشارة واضحة إلى مدى فعالية حروب الدرون في الصراعات "الباردة".

كما لفتت إلى أن الطائرات المسيرة الصغيرة والرخيصة "غيرت" من فكرة ضرروة تخصيص عشرات المليارات لبناء قوات جوية حديثة وإعطاء الجيوش الأولوية في أي صراع تقريبًا "لاسيما في ساحات القتال بالشرق الأوسط". ونوهت أنه في الأشهر الثلاثة الماضية لوحدها أحدثت طائرات الدرون تأثيرًا كبيرًا في العراق وسوريا ولبنان وربما الآن في السعودية، في إشارة لهجمات أرامكو.

وتضيف الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي رغم امتلاكه أحدث المقاتلات السريعة والأسلحة الدقيقة، تحول لاستخدام الطائرات بدون طيار لضرب أهداف في سوريا. وأشارت أيضًا إلى وجود عامل كبير- ربما يكون الدافع وراء اللجوء إلى حرب الدرونات- وهو إمكانية إنكار المسؤولية عن هجمات منفذة ضد عدو ما لتجنب الدخول في صراع مفتوح. ولفتت أن قدرة الطائرات المسيرة على التخفي عن أجهزة الرادار وبالتالي جعل المستهدف يضرب تخمينات بشأن الفاعل تمثل غاية مطلوبة لدى المهاجمين (كإسرائيل على سبيل المثال) بهدف منع تصعيد "حروب الظل" وجعلها تتحول إلى "حروب مفتوحة".

وفي ما يلي قائمة الدول الشرق الأوسطية التي تعـرضت أو شهدت استخدامًا للطائرات المسيرة عشرات المرات خلال الآونة الأخيرة.

السعـودية

خلال الشهر الحالي والفائت لوحدهما، نفذت جماعة "الحوثي" باليمن، نحو 18هجومًا بطائرات مسيرة ضد أهداف محددة بالسعودية، أعلنت الرياض إسقاط معظمها، بحسب رصد الأناضول. كان أحدث وأشد استخدام لطائرات الدرون وقع في 14 الشهر الجاري، حيث تم استهدف منشأتين نفطيتين للسعودية، ما تسبب بوقف أكثر من 50 % من انتاج الرياض للخام.

لـبـنـان

في 25 أغسطس / آب الماضي، استهدف الجيش الإسرائيلي بطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات ضاحية بيروت الجنوبية، في لبنان.

الـعــــــراق

في أواخر الشهر الماضي، شنت طائرتان مسيرتان هجوما على أحد ألوية "الحشد الشعبي"، قرب الحدود العراقية السورية (غرب)، ما أدى إلى مقتل أحد عناصره وإصابة آخر، وسط تلميحات بأن إسرائيل وراء تلك الهجمات.

الـيـــمــــن

في الآونة الأخيرة كان اليمن منطلقًا لعشرات الهجمات بالطائرات المسيرة التي تنفذها جماعة الحوثي ضد أهداف في السعودية. كما يتعرض هو لنفس النوع من الهجمات، حيث أعلنت جماعة "أنصار الله"، قبل شهر، إسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيرة من نوع "MQ9" بمحافظة ذمار وسط اليمن.

مـضـيـق هــرمــز

في يوليو / تموز الماضي، أعلنت واشنطن إسقاط طائرة مسيرة إيرانية في مضيق هرمز، عبر مدمرتها الأمريكية "بوكسر"، رغم نفي طهران ذلك. وقبل شهر قالت إيران إنها أسقطت طائرة مسيرة من طراز "غلوبال هوك"، تابعة للقوات الجوية الأمريكية، بدعوى اتنهاكها للمجال الجوي الإيراني. بعد انطلاقها من الأراضي الإماراتية.

لـيـــبـــيـا

في الشهر الماضي، أسفرت غارة بطائرة مسيرة تابعة لحفتر تشغلها فرنسا والإمارات، على حي سكني بمدينة "مرزق" الليبية عن مقتل 41 شخصًا وإصابة 60. حساب "Free Libya Now" على "فسبوك"، الذي يديره نشطاء حقوقيون ليبيون قال حينها إن الغارة تعد السابعة من نوعها خلال الأيام الأخيرة.

فــلــســــــطـيـن

لا تقتصر عمليات إسرائيل في العمق السوري أو اللبناني ضد ما تعتبرهم وكلاء إيران بالمنطقة، بل أيضًا تطال قطاع غزة الفلسطيني. في منتصف شهر يوليو الماضي، أعلن الجيش الاسرائيلي سقوط طائرة مُسيّرة له، كانت تُحلق في أجواء قطاع غزة.

إســــرائــيــل

إسرائيل نفسها التي كثيرًا ماتستخدم الطائرات المسيرة سواء لأغراض تجسسية أو هجومية، يتم استهدافها هي الأخرى بذلك النوع من الطائرات. رصد للأناضول وجد أن إسرائيل تعرضت خلال العام الجاري لنحو 6 هجمات بطائرات مسيرة سواء مصدرها قطاع غزة الفلسطيني، أو الأراضي السورية.

ســــــوريـا

تتحدث روسيا والنظام السوري مرارا عن استهداف المعارضة السورية قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية بالطائرات المسيرة، وكان الروس يعلنون في كل مرة إحباط الهجمات التي ينسبونها إلى فصائل سورية معارضة.

الـكـــــــويــت

في 17 سبتمبر / أيلول، كشفت الكويت عن رصد تحليق طائرة مسيرة في مناطق على الجانب الساحلي من مدينة الكويت، رفعت على إثرها حالة الاستعداد القتالي "الاحترازي" .




AA


 
قبلا كانت الطائرات الغير مأهولة حكرا على الأمريكان وحدهم واليوم هى بمتناول كثير من الدول وحتى العصابات المسلحة وبالرغم من كل ذلك لها استخدامات مفيدة اخرى وخاصة بمجالات الاستكشاف لأجل أهداف تنموية
 
تتصدر إسرائيل المرتبة الأولى

ثم

إيران

المرتبة الثانية

ثم

تركيا المرتبة الثالثة

ثم

دولة الإمارات المرتبة الرابعة

ثم

العربية السعودية المرتبة الخامسة

ثم

جمهورية مصر العربية المرتبة السادسة

ثم

دولة العراق المرتبة السابعة

 


مجلة «التايم» الأمريكية: أكبر حرب للطائرات المُسيَّرة عن بُعد «الدرون» في التاريخ هي في #ليبيا يُسيرها ضباط إماراتيين، دائما ما يخطئون أهدافهم و يقتلون مدنيين.

EQ0mkQKXUAEhf3o.jpg



 

سماوات مستباحة.. كيف أصبحت أجواء ليبيا الأكثر ازدحاما بالدرونز في العالم؟

424.jpg


في الرابع من أغسطس/آب الماضي، شهدت السماوات الليبية حدثا غير عادي، حين دُمِّرت طائرة بدون طيار صينية الصنع بواسطة القوات التابعة لحكومة الوفاق المُعترَف بها دوليا أثناء قيامها بمهمة استطلاع قتالية، وكانت الطائرة من طراز "وينغ لونغ 2" تُديرها دولة الإمارات العربية المتحدة لصالح ميليشيات اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" المعروفة باسم "الجيش الوطني الليبي". لم يكن الحادث الفارق بالطبع هو سقوط الطائرة، فقد بات هذا المشهد معتادا في ليبيا خلال الفترة الأخيرة، ولكنه تَمثَّل في الطريقة التي سقطت بها الطائرة، حيث رجَّح خبراء(1) أن الطائرة أُسقِطت بواسطة سلاح ليزر تركي الصنع محمول على سيارة مُدرَّعة.

لم يكن ذلك حدثا عاديا بحال، فقد كانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ الحروب التي تُدمَّر فيها مركبة قتالية مسلحة بواسطة أشعة ليزر صادرة عن مركبة أخرى في ساحة قتال حقيقية، والغريب أن ذلك حدث في ليبيا على يد قوات شبه نظامية وليس جيشا مدربا تقليديا، وبواسطة سلاح تركي وليس أميركي أو روسي أو حتى صيني، ما سلَّط الضوء على تحوُّل(2) الصراع الليبي إلى ساحة إدخال التقنيات القتالية الجديدة، التقليدية منها والهجينة، بداية من الهجمات الإلكترونية وصولا إلى الأسلحة الليزرية والطائرات بدون طيار المقاتلة (الدرونز).

لفترة طويلة، كان تصنيع وتشغيل الطائرات بدون طيار على وجه الخصوص حكرا على الجيوش الأكثر كفاءة تقنية في العالم، وتحديدا الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل بفارق ملحوظ، وعلى مدار قرابة عقدين من الزمان، أي منذ وقوع أول هجوم مُسجَّل بالدرونز المسلحة في أفغانستان عام 2001، حرصت الولايات المتحدة على فرض قيود على انتشار هذه التقنية، فقامت بتشديد مُتطلّبات تصدير هذه الطائرات من أجل تفادي وقوعها في أيدي خصومها في نهاية المطاف، لدرجة أنها امتنعت عن تصدير الدرونز المسلحة حتى لحلفائها المقربين باستثناء إيطاليا وبريطانيا.

00000000-0000-0000-0000-000000000000.jpg

الدرونز الأميركية في أفغانستان (رويترز)

لكن ذلك كله تغيَّر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة مع دخول الصين بقوة نادي الدول المُصنِّعة للطائرات بدون طيار المقاتلة، وعلى عكس واشنطن، كانت بكين أكثر ترحيبا بتمرير تكنولوجيا الدرونز الرخيصة -التي صُنِعَت بالأساس عبر محاكاة الدرونز الأميركية- للعديد من القوى الطامحة لامتلاك هذه التقنية الحصرية، بما في ذلك بعض القوى الشرق أوسطية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والعراق، وتزامنا مع ذلك كانت العديد من القوى الأخرى تُحقِّق اختراقا في مجال تصنيع الدرونز وفي مقدمتها تركيا، التي تُعَدُّ اليوم القوة الرابعة عالميا في هذا المجال، وإيران.


مع انتشار تكنولوجيا الطائرات بدون طيار وتزايد كفاءتها، تسابقت الجهات الحكومية وغير الحكومية للحصول على هذه الطائرات وتشغيلها، فمن ناحية(3) يُعَدُّ إنتاج وصيانة الدرونز أرخص بكثير من تكلفة الطائرات النفاثة العادية وطيّاريها، فضلا عن كونها تأتي مع العديد من المزايا التشغيلية والتكتيكية التي تفوق مزايا الطائرات المقاتلة، حيث يمكن للطائرات بدون طيار كشف الأهداف المتحركة، والتحليق فوقها لفترة طويلة وتتبُّعها بدون أن تُكتشف قبل ضرب تلك الأهداف في نهاية المطاف، في الوقت الذي تقوم فيه أيضا بجمع المعلومات القيّمة أثناء قيامها بهذه العمليات.

وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، بدأت الطائرات بدون طيار في غزو واحتلال السماوات المُلتهِبة منذ عام 2015 أثناء العمليات ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، ولاحقا استُخدِمت بواسطة التحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن، قبل أن تبدأ ملكية الدرونز في التسرب من أيدي الدول إلى أيدي وكلائها من الميليشيات، بداية من حزب الله اللبناني الذي يُدير أكبر ترسانة درونز تملكها ميليشيا غير نظامية في العالم، مرورا بالحوثيين في اليمن، وليس انتهاء بحفتر وميليشياته الذين بدؤوا في استخدام الطائرات بدون طيار لشنِّ حملات جوية مُكثَّفة بهدف السيطرة على كامل الأراضي الليبية.

ورغم ذلك، لم يكن حفتر وحلفاؤه الإقليميون هم أول من أدخل الدرونز إلى السماوات الليبية، فقد كانت الدرونز الأميركية سبّاقة في احتلال السماوات الليبية بالفعل منذ عام 2011 خلال الحملة الجوية التي شنَّها حلف الناتو ضد نظام القذافي، ولاحقا خلال الحملة الأميركية ضد "تنظيم الدولة" في ليبيا عام 2016، قبل أن يبدأ الفرقاء الليبيون في استخدام الطائرات بدون طيار في مساعيهم لفرض السيطرة على البلاد وحسم الحرب الأهلية بالقوة المُميتة في السماء، وهو نهج تعزَّز بشكل ملحوظ خلال معارك الأشهر الأخيرة مع تدفُّق الطائرات بدون طيار من الرعاة الإقليميين إلى طرفَيْ النزاع، وهو ما جعل ليبيا تستحق عن جدارة وصف "السماء الأكثر ازدحاما بالدرونز في العالم".

أجواء طرابلس المُستباحة

على مدار تاريخها كانت ليبيا مسرحا للتدخُّلات العسكرية الأميركية خصوصا من الجو، حيث يعود التدخُّل الأميركي الأول في ليبيا إلى أكثر من قرنين من الزمان، وتحديدا لعام 1804 حين قرَّرت واشنطن شنَّ غزو بحري ضد درنة بهدف تغيير حاكم البلاد يوسف باشا القره مانلي خلال الحرب المعروفة باسم "حرب الساحل البربري الأولى"، فيما وقع التدخُّل الثاني خلال الحرب العالمية الثانية حين اضطرت القوات الأميركية للتدخُّل لاستعادة شرق ليبيا من أيدي القوات الألمانية، ليفرض الجيش الأميركي سيطرته آنذاك على قاعدة ويلس الجوية بالقرب من طرابلس، قبل أن يُطرَد الأميركيون من ليبيا عام 1970 بعد فترة وجيزة من سيطرة معمر القذافي على السلطة.

غير أن أول مواجهة جوية تخوضها القوات الأميركية في ليبيا كان عليها أن تنتظر حتى أغسطس/آب عام 1981، حين قامت(4) الطائرات الأميركية بإسقاط طائرتين ليبيتين من طراز سوخوي "سو - 22" قرابة السواحل الليبية ردا على قيام نظام القذافي بتحدي واشنطن وتمديد مياهه الإقليمية لمسافة 12 ميلا داخل خليج سرت، ولاحقا في أبريل/نيسان 1986 تعرَّضت مدينتَيْ طرابلس وبنغازي لقصف أميركي مُكثَّف قُتلت خلاله ابنة القذافي الرضيعة وأُصيب اثنان من أبنائه في ضربة انتقامية جاءت ردا على عدد من العمليات المسلحة التي رعاها نظام القذافي ضد المصالح الأميركية حول العالم.

00000000-0000-0000-0000-000000000000 (1).jpg

درونز من طراز "MQ-1" المعروفة باسم "المفترسة" (رويترز)

وبحلول عام 2011 وجدت القوات الأميركية الجوية طريقها لليبيا مجددا، وأتت الطريقة هذه المرة ضمن إطار العملية "فجر أوديسا" التي دشّنتها واشنطن وحلف الناتو بهدف فرض منطقة حظر طيران فوق الأراضي الليبية تزامنا مع تظاهرات الربيع العربي التي قمعها القذافي بلا هوادة، وفي ذلك التوقيت شهدت الأجواء الليبية تحليقا للدرونز للمرة الأولى في أجواء البلاد بعد أن دخل سرب الاستطلاع السريع رقم 324 التابع للقوات الجوية الأميركية إلى المعركة، في 25 مارس/آذار من ذلك العام، مُسلَّحا بأسطوله من الدرونز من طراز "MQ-1" المعروفة باسم "المفترسة"، وأُطلِقت من المحطة البحرية الجوية في سيغونيلا جنوب إيطاليا لتشنَّ غاراتها الأولى على أهداف عسكرية تابعة لنظام القذافي في مدينة مصراتة.


على مدار الأشهر الستة التالية واصلت أسراب الطائرات بدون طيار التحليق من القاعدة الجوية الإيطالية لسماء الدولة شمال الأفريقية في حملة واسعة النطاق وغير مسبوقة شهدت(5) إطلاق 234 صاروخا من طراز "هيلفاير" من الطائرات "المفترسة"، بما يُعادل أكثر من 20% من إجمالي عدد الصواريخ التي أطلقتها الولايات المتحدة منذ قامت بنشر النظام لأول مرة عام 1997، وبما يشمل الصواريخ التي أُطلِقت في ساحات الصراع الساخنة في العراق وأفغانستان أوائل الألفية الحالية.

هدأت الحملة الجوية الأميركية نسبيا في أعقاب الإطاحة بالقذافي، لكنها تسارعت مجددا(6) عام 2016 مع تدشين البنتاغون لعملية "برق الأوديسا"، بعدما طلبت حكومة الوفاق الوطني الليبية الشرعية والمدعومة من الأمم المتحدة مساعدة واشنطن لطرد مقاتلي "تنظيم الدولة" في مدينة سرت، وهو ما دفع إدارة أوباما لتصميم حملة جوية جديدة باستخدام الدرونز في شمال ليبيا أتت مصحوبة بتخفيف للمبادئ التوجيهية الأميركية المصممة لحماية المدنيين من أجل إعطاء البنتاغون حرية أكبر لتنفيذ الضربات الجوية. ونتيجة لذلك، وبين شهرَيْ أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول من تلك العملية، نفَّذت الولايات المتحدة أكثر من 500 غارة جوية تم إجراء 60% منها على الأقل باستخدام أسراب الدرونز الأكثر تطوُّرا من طراز "MQ-9" المعروفة باسم "الحصّادة"، مصحوبة بمساعدة من طائرات حربية نفاثة، ويعني هذا الرقم ببساطة أن واشنطن استخدمت قصف الطائرات بدون طيار في "سرت" بوتيرة أعلى بكثير مما فعلته في كامل العراق وسوريا خلال المدة الزمنية نفسها.

00000000-0000-0000-0000-000000000000 (2).jpg

درونز من طراز "MQ-9" المعروفة باسم "الحصّادة" (رويترز)

بخلاف ذلك، تحوَّلت الحملة الجوية في سرت إلى حقل تجارب لاختبار المفاهيم والإستراتيجيات الجديدة لاستخدام الطائرات بدون طيار لأغراض القتال في المناطق الحضرية، حيث استُخدِمت تكتيكات هجومية جديدة واختُبِرت كفاءة مهام الدعم للمقاتلين الذين يخوضون قتال الشوارع، فضلا عن اختبار عمل الدرونز بالتناغم مع الطائرات المروحية القتالية وطائرات مشاة البحرية "المارينز"، حيث استُخدِمت الدرونز لتوجيه تلك الطائرات التقليدية في سابقة قلّما حدثت قبلا بهذا النطاق المُتسع.


بالتزامن مع ذلك، تسبَّبت قدرة الطائرات "الحصادة" على الطيران لساعات طويلة في تحسين كفاءة ودقة وأزمنة مهام التتبُّع والمراقبة والاستهداف، ونتيجة لذلك قدَّرت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) أن ما بين 800 إلى 900 من مقاتلي "تنظيم الدولة" في ليبيا قُتلوا خلال فترة العملية (أقل من سبعة أشهر فقط)، ليبدأ عدد الغارات الجوية الأميركية في الانخفاض مجددا مع اقتراب موعد رحيل أوباما عن البيت الأبيض نهاية عام 2016.

ومع قدوم الرئيس الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض شهدت وتيرة الضربات الأميركية في ليبيا انخفاضا ملحوظا، حيث شنَّ الأميركيون 27 غارة جوية فقط خلال عام 2017، لكن هذا الانخفاض في الأرقام لا يعكس فقط انخفاض النشاط الجوي الأميركي في عهد ترامب الذي أعلن منذ اللحظة الأولى أن بلاده لا ينبغي أن يكون لها دور في ليبيا، ولكنه يعكس أيضا حجم التعتيم الكبير الذي تفرضه إدارة ترامب على ضرباتها الجوية والطريقة المختلفة لاحتساب عدد الضربات، حيث صارت تُحتَسب الضربات المتزامنة كضربة واحدة، فمثلا من الممكن أن تحتوي الضربة الواحدة على أكثر من خمس ضربات متزامنة منفصلة، وبخلاف ذلك، ووفق ما رصدته مؤسسة نيو أميركا، فإن الكثير من المعلومات الجوهرية حول الضربات مثل أماكن انطلاق الضربات وعدد الطائرات المشاركة أصبحت تخضع لتعتيم كبير.

غير أن هذا النشاط الأميركي الخافت كان على موعد مع صحوة ملحوظة(7) في الخريف الماضي، وخلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، قتلت الغارات الجوية الأميركية 43 مقاتلا من المنتسبين لـ "تنظيم الدولة" في ليبيا عبر هجمات للدرونز أُطلِقت من القواعد الجوية الأميركية في نيامي بالنيجر، بما يعادل ثلث عدد مقاتلي التنظيم هناك والمُقدَّر عددهم بـ 150 مقاتلا في الوقت الراهن، ورغم أن هذه الهجمات هي الأولى لأميركا خلال العام الماضي 2019، فإن هذا النشاط الخافت لم يكن كافيا لحمايتها من آثار الصراع المحتدم على النفوذ بين طرفَيْ الحرب الأهلية الليبية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي فقد البنتاعون طائرة بدون طيار غير مسلحة كانت تُحلِّق في الأجواء الليبية، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنها أُسقِطت بواسطة الدفاعات الجوية الروسية التي تُشَغَّل من قِبل ميليشيات "حفتر"، أو المرتزقة العسكريين الروس الذين يقاتلون في صفوفه.

طائرات حفتر الإماراتية


حتى أواخر عام 2015 تقريبا، ظلَّ استخدام الطائرات بدون طيار في ليبيا حكرا على الولايات المتحدة كما فصَّلنا، ولكن الأمور تغيَّرت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب الأهلية الليبية الثانية بين حكومة الوفاق الوطني المُعترَف بها دوليا بقيادة فايز السراج والفصائل الموالية لها في الغرب وبين ميليشيات حفتر المدعوم من البرلمان المنحل في مدينة طبرق الشرقية، حيث بدأ الطرفان المتحاربان في البحث عن قوة جوية كفء لدعم نشاط الميليشيات البرية، وقد اعتمد الطرفان(8) في البداية على بقايا الأسطول الجوي التقليدي المُتهالِك لنظام القذافي، حيث امتلك كلٌّ منهما ما يعادل 15 طائرة مقاتلة إضافة إلى عدد من طائرات النقل، ولكن سرعان ما اتضح أن معظم هذه الطائرات فقدت صلاحياتها بعد أن خسرت ميليشيات حفتر طائرة "ميج - 21" روسية الصنع وخسرت حكومة الوفاق طائرتين فرنسيتَيْ الصنع من طراز "ميراج" خلال الأشهر الأولى للحرب.

ومع عدم إمكانية الحصول على طائرات جديدة لتجديد أساطيلهما الجوية، استنفد الجانبان جهدا كبيرا في صيانة الأساطيل الجوية المصابة بالشيخوخة، لكن هذا الوضع تغيَّر مع نهاية عام 2016 حين قرَّرت الإمارات الإلقاء بثقلها العسكري في الحرب دعما لحفتر، فقامت(9) أبوظبي بإعادة بناء قاعدة الخادم الجوية في محافظة المرج شرق ليبيا، مع نشر طائرات هجومية من طراز إير تراكتور، إضافة إلى طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز وينغ لونغ المسلحة بصواريخ بلو أرو (LJ-7) المضادة للدبابات بهدف توفير الغطاء الجوي لقوات حفتر، وفي الوقت نفسه قامت بمنح بعض الدرونز المسلحة لميليشيات الجنرال الليبي التي أصبحت أحد أول(10) الفاعلين من غير الدول الذين يتحكمون بطائرات بدون طيار خاصة بهم.

شارك هذا الأسطول الإماراتي الصغير من الطائرات بدون طيار في مهام جوية واستطلاعية لدعم ميليشيات حفتر أثناء قتاله ضد "المسلحين الإسلاميين" في بنغازي عام 2016 وفي درنة عام 2018، ولكن طرابلس ظلَّت بعيدة نسبيا عن القاعدة الجوية التي أنشأتها الإمارات شرق ليبيا، في حين أن مدى الدرونز الصينية لم يسمح لها بالتحليق لهذه المسافة الطويلة، ما جعل تأثير الطائرات بدون طيار محدودا نسبيا في المعارك التي خاضها حفتر ضد حكومة الوفاق.

aa5dfa4d-ecf4-4a9d-b920-2ad8aab36e1d.png


ولكن ذلك تغيَّر العام الماضي 2019، وتحديدا في شهر أبريل/نيسان، بعد أن قرّر حفتر وداعموه في أبوظبي والقاهرة وباريس شنَّ حملة عسكرية للاستيلاء بالقوة على العاصمة طرابلس والأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية في ليبيا، حيث استُخدِمت الدرونز في شنِّ الغارات الجوية في مناطق وادي ربيع والحيرة والعزيزية وعين زارة، لكن النقطة الفاصلة في مسيرة استخدام الطائرات بدون طيار في الحرب الليبية حدثت في نهاية يونيو/حزيران المنصرم، وتحديدا مع استيلاء القوات الموالية لحكومة الوفاق على مدينة غريان الإستراتيجية على بُعد 75 كم جنوب العاصمة طرابلس.

كان فقدان غريان بمنزلة ضربة رمزية وخسارة إستراتيجية لحفتر وقواته، ومَثَّلَ انتكاسة خطيرة لمحاولته السيطرة على طرابلس بالقوة، حيث كانت غريان النقطة الأكثر ديناميكية في شبكة حفتر اللوجستية مع كونها تُمثِّل أحد خطَيْ الإمداد الرئيسين لميليشياته في هجومه على طرابلس. لذا بعد خسارته المدينة أصبحت قواته البرية تعتمد حصرا على سلسلة الإمداد الضعيفة المتبقية من ترهونة، وبخلاف ذلك كانت غريان موطنا لمطار صغير لعب دورا حاسما في نقل الأسلحة والمعدات التي لا يمكن نقلها برا عبر الجو، لذا لم يكن من المفاجئ أن تكتشف القوات الموالية لحكومة الوفاق في غريان مخابئ ضخمة ضمَّت صواريخ مضادة للدبابات أميركية الصنع حصل عليها حفتر من فرنسا، بخلاف أسلحة أخرى حازها الجنرال الليبي من حلفائه في أبوظبي.

إذن، استخدم حفتر غريان ومطارها لتوفير خطوط إمداد سريعة لقواته بطريقة لم يكن من الممكن ضمانها عبر خط ترهونة البري البطيء، لذا فإن خسارة المدينة كان بداية النهاية لحملة حفتر البرية، ومع اتجاه حكومة الوفاق لفرض الحصار على ترهونة، لم يكن الأمر سوى مسألة وقت حتى تفشل حملة طرابلس رسميا مع إهانة مخزية لحفتر، ونتيجة لذلك كان على الجنرال الليبي أن يبحث عن طريقة أخرى لفرض سطوته العسكرية، مُحوِّلا إستراتيجيته من الحرب البرية إلى حملة جوية شرسة مدعومة من الخارج هدفت لفرض أكبر قدر ممكن من التكاليف البشرية والعسكرية على حكومة الوفاق الوطني.

دُشِّنت الحملة الجديدة مطلع يوليو/تموز المنصرم باسم "عاقبة الغدر"، تزامنا مع تقارير غير مؤكدة حول حصول حفتر على بعض وحدات من طائرة "إف - 16" الأميركية، لكن المؤكد هو أن أبوظبي قدمت(11) لـ "الجيش الوطني الليبي" ما لا يقل عن 8 طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز "وينغ لونغ 1"، إضافة إلى عدد آخر من طائرات "وينغ لونغ 2"، وجميعها من فئة الدرونز متوسطة الارتفاع عالية التحمُّل (medium - altitude long - endurance)، بخلاف بعض وحدات الطائرة بدون طيار النمساوية "سكيبل كامكوبتر إس - 100" وعدد غير معروف من طائرات "مهاجر - 2" الإيرانية، فضلا عن الطائرات بدون طيار التي أدارتها وحدات سلاح الجو المرتزقة التابعة لإريك برنس، والعاملة في ليبيا بتمويل إماراتي، وقد شُغِّلت معظم هذه الطائرات من قاعدة الخادم الجوية ومن أماكن أخرى أقرب إلى طرابلس، فيما تُشير دلائل إلى استخدام تقنيات الأقمار الصناعية للسماح بإعادة توجيه الطائرات عن بُعد.

وفَّر هذا الدعم الإماراتي لحفتر تفوُّقا جويا ملحوظا خلال الأسابيع الأولى لحملته العسكرية الجديدة، في حين اتضح التأثير المُدمِّر لهذه الحرب الجديدة منذ ساعاتها الأولى، ففي 2 يوليو/تموز شنَّت الطائرات بدون طيار الإماراتية غارة جوية على جماعة مسلحة تابعة لحكومة الوفاق الوطني، ولكن الضربة أخطأت هدفها وأصابت مرفقا لاحتجاز المهاجرين في ضواحي طرابلس مما أسفر عن مقتل 44 شخصا على الأقل وإصابة 130 آخرين.


فخر الصناعة التركية

تسبَّبت القدرات الجوية المتطورة التي حصل عليها حفتر من حلفائه، وعلى رأسهم الإمارات، في مخالفة واضحة للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى ليبيا، تسبَّبت في اختلال موازين القوى في الصراع الليبي لصالح حفتر وميليشياته على حساب حكومة الوفاق المُعترَف بها دوليا والتي أصبحت منعزلة جغرافيًّا بصحبة الغالبية العظمى من سكان ليبيا على مساحة محدودة من الأرض، ليتعرَّضوا جميعا لقصف جوي مستمر وعنيف مدعوم من قوى إقليمية ودولية.

كان إدراك هذا الموقف المتدهور لحكومة الوفاق هو ما دفع تركيا في النهاية لتجاوز سياستها المُتحفِّظة تجاه ليبيا وتوجيه الدعم العسكري للوفاق، وهو دعم شمل قيام أنقرة بتوريد الشاحنات المدرعة من طراز "بي إم كيربي" وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، والأهم الطائرات بدون طيار من طراز "بيرقدار تي بي 2" التي رُصِدت مشاركتها في الصراع لأول مرة في غارة جوية في مصراتة في 16 مايو/أيار الماضي قبل استخدامها بشكل أوضح بعد حملة حفتر، ويُعتَقد أنها لعبت دورا مهما في حسم الأمور لصالح حكومة الوفاق في معارك غريان الحاسمة.

70cb215f-77eb-4d8b-9073-10468aa95586.png


تُعَدُّ بيرقدار أحد طرازين من الدرونز التركية التي تُصَنَّع محليا، جنبا إلى جنب مع الطائرة بدون طيار المسماة "أنكا"، وقد خاضت(12) الطائرة بيرقدار رحلتها الأولى من مطار سينوب على البحر الأسود قبل أكثر من عقد من الزمان في عام 2007، ومنذ ذلك الحين تحوَّلت الطائرة متوسطة الحجم ذات الأذرع المزدوجة لتصبح العمود الفقري لسلاح الدرونز التركي الناشئ مع قدرتها على التحليق على ارتفاع يتجاوز 27 ألف قدم لمسافة تبلغ 150 كم ومع حمولة تزن 55 كيلوغراما، وبحلول نهاية عام 2017 كان المخزون التركي من طائرات بيرقدار قد بلغ 94 طائرة -نصفها على الأقل طائرات مسلحة- تُشغَّل بواسطة ست وحدات عسكرية وأمنية في البلاد، وهي الجيش والقوات الجوية والقوات البحرية والدرك والمخابرات الوطنية والمديرية العامة للأمن (الشرطة المدنية).

وفي وقت مبكر من عام 2016 بدأت تركيا للمرة الأولى في استخدام أسطولها من الدرونز في العمليات العسكرية خارج حدودها، خاصة في سوريا والعراق، قبل أن تُقرِّر أنقرة مؤخرا توسيع نطاق تشغيل طائراتها بدون طيار إلى الأجواء الليبية، ووفقا لموقع ميدل إيست آي البريطاني فإن الدفعة الأولى من الدرونز التركية التي سُلِّمت في شهر مايو/أيار (قبل معارك غريان) شملت 4 وحدات من طائرة بيرقدار وُزِّعَت بين القواعد الجوية في مصراتة وميتيجا، لكن القوات الموالية لحكومة الوفاق لم تكن تمتلك الخبرة الفنية لتشغيلها، لذلك فإن أنقرة اضطرت لإرسال مُشغِّلين محليين لإدارة عمليات الطائرات بدون طيار هناك.


00000000-0000-0000-0000-000000000000 (3).jpg

الدرونز التركية "بيرقدار تي بي 2" (وكالة الأناضول)

تسبَّبت هذه الخطوة في تعريض تركيا بشكل مباشر للآثار الجانبية للحرب الليبية، وفي 6 يونيو/حزيران الماضي تعرَّض اثنان من المُشغِّلين الأتراك للإصابة ودُمِّرت طائرتان من طراز بيرقدار خلال غارة جوية مساندة لحفتر على قاعدة ميتيجا الجوية يُرجَّح أن الإمارات هي مَن نفَّذتها. ودفعت الغارة الجوية الإماراتية تركيا لزيادة استثماراتها العسكرية في ليبيا بما في ذلك الطائرات بدون طيار، لتنجح الدرونز التركية في الإعلان عن حضورها في الصراع مجددا عبر غارة جوية ناجحة في يوليو/تموز استهدفت قاعدة الجفرة الجوية التابعة لميليشيات حفتر وتسبَّبت في تدمير طائرتَيْ نقل ثقيل أوكرانيتين، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كانت أنقرة قد زوَّدت حكومة الوفاق بـ 12 طائرة بدون طيار من طراز بيرقدار على الأقل، ساهمت كلها في جلب التوازن للصراع وساعدت في سد فجوة القوة الجوية بين حكومة الوفاق وبين القوات الموالية لحفتر المدعومة إقليميا من البداية.


ونتيجة لهذا الحشد المتبادل للدرونز على جانبَيْ الصراع، أصبحت الطائرات بدون طيار الدعامة الرئيسة للصراع في ليبيا خلال النصف الثاني من العام الماضي، وبحسب تقرير الأمم المتحدة حول الصراع فقد شهدت الأجزاء الليبية منذ انطلاق معارك طرابلس نحو 1100 غارة جوية استُخدِمت خلالها الطائرات بدون طيار (850 منها كانت من نصيب حفتر وقواته)، غارات تنوَّعت مهامها بين المراقبة والتتبُّع والضربات الإستراتيجية للمطارات ومستودعات الأسلحة والدعم الجوي المباشر للوحدات المشاركة في القتال الحضري، وتسبَّبت هذه الهجمات ومعظمها لحفتر في مقتل أكثر من 280 مدنيا ونزوح أكثر من 140 ألف شخص، وفق تقديرات المنظمة الأممية.

وفَّرت الدرونز إذن لطرفَيْ الصراع الليبي، ورعاتهم الإقليميين، باختلاف نسب التشغيل الفارقة، طريقة فعَّالة ورخيصة نسبيا لاستئناف الحرب وتوجيه ضربات مؤثرة لبعضهم بعضا، مُستغلِّين السهولة النسبية في الحصول عليها حاليا، ووجود العديد من القوى العالمية -وعلى رأسها الصين- التي أبدت اهتماما بكسر احتكار الأميركيين لهذا النوع من الأسلحة عبر بيع الدرونز الرخيصة إلى الدول الراغبة، حيث تُكلِّف الطائرة بدون طيار الصينية مثلا قرابة مليون دولار فقط مقارنة بـ 15 مليون دولار لنظيرتها الأميركية، وتقوم الدول المشترية بدورها بتمرير مخزوناتها من الطائرات لوكلائها من الفاعلين من غير الدول، كاسرة بذلك احتكار الفاعلين الدوليين للبُعد الجوي للحرب. ورغم ذلك، فإن الاعتماد على الطائرات بدون طيار وحدها أثبت فشله في تحقيق أي نتائج إستراتيجية بخلاف تغذية النزاع وزيادة أعداد القتلى بين المدنيين.


ففي حين أن الدرونز تُثبت كفاءة تتزايد يوما بعد يوم في عملية جمع المعلومات والاستهداف والقصف الجوي، فإنها تُظهِر كفاءة أقل في حسم الصراعات العسكرية المباشرة بسبب القيود المفروضة على تشغيلها خاصة في المهام بعيدة المدى. فعلى سبيل المثال، يُعتَقد أن جميع الطائرات بدون طيار المستخدمة في الصراع الليبي تمتلك نطاقا يصل إلى 150 كيلومترا فقط، وهو ما يتطلَّب من مختلف الفاعلين إنشاء محطات أرضية قريبة من مناطق القصف المستهدفة لتمديد نصف قُطر التشغيل الخاص بالطائرات، ويعني ذلك الحاجة أحيانا إلى إنشاء محطات للطائرات في قلب المناطق التي يسيطر عليها الخصوم، وهو أمر يبدو مُتعذِّرا وبالغ الصعوبة بداهة.

بخلاف ذلك، لا يأتي تشغيل الطائرات بدون طيار دون عواقب غالبا، فعلى سبيل المثال، وخلال الأسابيع الأولى للصراع الليبي، فَقَدَ طرفا النزاع قرابة 6 طائرات بيرقدار وعددا من طائرات وينغ لونغ إما بسبب أخطاء التشغيل وإما بسبب استهدافها من قِبل مضادات الطائرات، ومع قلة عدد الدرونز المتاحة تحت تصرُّف الفصائل الليبية وصعوبة استبدالها، فإن ذلك يفرض قيودا على عدد الطلعات الجوية وديمومتها، وغالبا ما تُدرك القوات المستهدفة مع الوقت عدد الذخائر التي تحملها الطائرة وغالبا ما تعمد لإخفاء نفسها لحين التأكد من أن القنابل المحمولة قد استُنزِفت.

ويسعى أطراف الصراع الليبي للحصول على الأنظمة المضادة للدرونز مثل الصواريخ "أرض - جو" التي يُوفِّرها المرتزقة الروس لحفتر، وأنظمة التشويش والأسلحة الليزرية المتطورة (تُوفِّرها تركيا لحكومة الوفاق على ما يبدو)، من أجل تحييد تأثير الطائرات بدون طيار في الصراعات، وفي ضوء ذلك، يبقى السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن أيًّا من الفريقين لن يكون بمقدوره تحقيق نصر عسكري كامل على الأرض بالاعتماد على الدرونز المسلحة وحدها، وأن جُلَّ ما يفعله التدفُّق المستمر لهذه الطائرات هو جلب نوع من توازن الردع الجوي المحدود للحرب القائمة منذ أكثر من 4 أعوام، ما يعني فعليا إطالة أمد تلك الحرب إلى حدٍّ لا يمكن التنبؤ به، مع ما يحمله ذلك من عواقب وخيمة على المدنيين الذين يفقدون حيواتهم ومنازلهم كآثار جانبية للموت المتساقط من السماء، في غياب أي حل سياسي يلوح في الأفق، حتى الآن.


aljazeera





 
موضوع مهم أخي @عــمــر الـمـخــتــار
الطائرات بدون طيار هي أسلحة الحاضر والمستقبل
يجب استيعاب هذه التكنولوجيا
وإنشاء قاعدة صناعية وطنية لذلك
 
طائرات درونز في الشرق الاوسط من يمتلك تقنية تصنيعها اسرائيل وايران اما تركيا الفضل يعود الى الاسرائيليين الذين زودوهم بهذه التقنية ومع ذلك اسقط العشرات منها في ليبيا مقابل عدم تدمير خمسة منظومات بانستر مع العلم الدفاع الجوي لقوات حفتر ليس طبقي لوكانوا يمتلكون دفاع جوي طبقي لتم حظر جوي عليها بينما الاسرائيلي لم يواجه دفاع جوي طبقي فسوريا لا تمتلك دفاع جوي طبقي مرة وحيدة استعملوا درونزهم ضد جوي طبقي ايراني وتم اسقاطها وكانت أطلقت من أذربيجان لتجسس على المنشآت النووية بينما الايراني استطاع اختراق دفاع جوي طبقي متطور مثل الكويت والسعودية واختراق الأجواء الاسرائيلية لمدة طويلة
 

تقصف طرابلس وصنعاء.. قصة تحول "الدرونز" الصيني لأداة قتل إماراتية

de31ccbf-3742-459b-98e0-e019ce906ae2.jpeg


لم يهتم الأميركيون على الأرجح كثيرا بعملية اغتيال "صالح الصماد" رئيس المجلس السياسي اليمني الأعلى في غارة بطائرة بدون طيار مسلحة، وطبيعة هدفها ومدى نجاحها، قدر اهتمامهم بشيء آخر، فقد صبوا تركيزهم نحو ذلك السلاح الذي استخدمه الإماراتيون لتوجيه ضربتهم، والذي لم يكن سلاحا أميركيا بحال، حيث كانت طائرة بدون طيار صينية الصنع من طراز "وينغ لونغ 2" مسلحة بصواريخ موجهة من طراز "بلو أرو 7″، وهي طائرة صُمّمت بدقة لمحاكاة طائرة "إم كيو 9" جوهرة تاج الطائرات بدون طيار الأميركية التي تصنعها جنرال أتوميكس الأميركية أيضا، والمعروفة باسم الحاصدة (Reaper).

وبشكل تدريجي بدأ الأميركيون في استيعاب الدرس القاسي، وهو أن الشرق الأوسط وتحديدا الخليج الذي ظل لعقود سوقا حصريا للأسلحة الأميركية لم يعد كذلك تماما، وأن الولايات المتحدة تتعرض لنوع جديد من المنافسة (2) من قبل قوة جديدة طالما نأت علنا عن الانخراط العسكري أو التورط في الصراعات والمنافسات الإقليمية خاصة في الشرق الأوسط، ولكن هذه السياسة الصينية بدا وأنها في طريقها لتغير سريع، حيث تندفع بكين مستخدمة قوتها الناعمة مع غطاء حذر يتوسع باستمرار من القوة الصلبة لتقدم نفسها كقوة عظمى قادرة على ممارسة النفوذ على بعد آلاف الأميال عن حدودها.

غزو الدرونز

أحد هؤلاء الشركاء المحتملين هي دولة الإمارات العربية المتحدة التي طالما سعت دون جدوى للحصول على طائرات بدون طيار مسلحة من الولايات المتحدة، ولكن واشنطن رفضت(11) طلبها مرة تلو المرة محتجة بالاتفاقات التي تحد من المبيعات الأميركية لهذا النوع من الأسلحة، وخاصة نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ لعام 1987 الذي وقّعته 35 دولة بما فيها الولايات المتحدة، وهو نظام يضع قيودا على تصدير القذائف الصاروخية والطائرات بدون طيار بناء على مداها وقدرتها التدميرية.

وحتى في عام 2015، حين أصدرت إدارة أوباما قواعد تصدير جديدة للطائرات بدون طيار، فإن توسع استخدام هذا النوع من الأسلحة في عمليات الاغتيال الموجه في أفغانستان واليمن وغيرها حفز المخاوف بشأن مشروعية استخدام آلات القتل الموجهة خارج مناطق القتال، ما دفع الإدارة الأميركية إلى وضع قواعد إضافية على استخدام الحكومات لهذه الأسلحة. وبعد أشهر من الضغط والجدل في الداخل الأميركي، وقّعت(12) 45 دولة على أول إعلان مشترك لتصدير واستعمال الطائرات بدون طيار المسلحة، إعلان ألزم المصدرين نظريا على أن يكونوا شفافين بشأن المبيعات وأن يضمنوا احترام المشترين لقوانين الحرب وحتى معايير حقوق الإنسان.

في الشرق الأوسط، وافقت دولتان فقط هما الأردن والعراق على الشروط الأميركية الجديدة، ولكن ذلك لم يؤهّلهما إلى الآن للحصول على الدرونز الأميركية التي قصرت واشنطن توريدها على حلفائها الأوروبيين في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، حتى وإن أعلنت(13) إدارة ترمب الشهر الماضي سياسة جديدة لتصدير الدرونز لم يتضح تأثيرها بعد، أما بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط الأخرى الراغبة وفي مقدمتها الإمارات، فإنها قررت مباشرة البحث عن بدائل مع قيود أقل حول التوريد وشروط الاستخدام، وفي تلك اللحظة ظهرت الصين للصورة كمرشح أوحد.

4654af0f-2985-4b83-913f-bed5d3817e4b.jpeg


بدأت الصين تصدير طائرات بدون طيار خلال عامي 2014 و2015، معلنة بذلك دخولها كمنافس عالمي في صناعة الأسلحة من ناحية، وكقوة كبرى قادرة على التأثير على الصراعات والتحالفات حول العالم من ناحية أخرى. فبعد فترة طويلة من إدمان الصين على بيع الأسلحة منخفضة التقنية للبلدان الأكثر فقرا، فإنها تشرع اليوم في إغراق العالم بالأسلحة الأكثر تطورا بما في ذلك المقاتلات الشبحية والطائرات بدون طيار. وكما العادة حققت الصين نجاحا سريعا في ذلك لتصبح خلال أربعة أعوام "2012-2016" ثالث أكبر بائع للأسلحة في العالم من حيث القيمة (نحو 6.5%)، بعد الولايات المتحدة (33%) وروسيا (23%)، حيث نجحت خلال فترة قصيرة في التفوق (14) على عمالقة أوروبا الثلاثة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

ومع الرفض الأميركي لمطالبها، توجهت أبوظبي إلى بكين للحصول على بغيتها، وفي بادئ الأمر اقتنت أبوظبي النسخة غير المسلحة من تلك الطائرات الصينية، وتوجهت لاحقا إلى جنوب أفريقيا لتزويدها بنظم استهداف ليزري، ليتم توظيف تلك الطائرات للمرة الأولى في حرب اليمن. وفي وقت لاحق، توافقت الإمارات وبكين على توريد النسخ الأحدث من طائراتها بدون طيار المسلحة من طراز "لونغ وونغ 1″، ولاحقا طائرات "لونغ وونغ 2" الأكثر تطورا التي حصلت عليها الإمارات في صفقة سرية واكتشفت (15) لأول مرة في صور الأقمار الصناعية في قاعدة "القسيورة" السرية على حدود أبوظبي مع السعودية وسلطنة عمان أواخر العام الماضي.

f6def517-de6c-4ce9-bf95-a975928a2ec0.jpeg


لم تكن الإمارات الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ابتاعت الدرونز الصينية، ففي مطلع مايو/أيار الماضي، وخلال معرض "سوفكس" العسكري لقوات العمليات الخاصة الذي تستضيفه العاصمة الأردنية عمان بشكل دوري، عرضت(16) الأردن لأول مرة مقتنياتها من الطائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز "رينبو سي إتش فور" (Rainbow-CH4) التي اشترتها عَمّان منذ عام 2015 والمصممة على نمط الطائرة الأميركية الشهيرة "إم كيو 1" المعروفة باسم المفترسة (Predator).

لم يقف الأمر عند حدود الأردن أيضا، حيث كانت السعودية سابقة للحصول على الطائرات الصينية حين حصلت على دفعة من طائرات "وينغ لونغ" عام 2014، قبل أن تعززها بدفعة أخرى من طائرات سي إتش فور في العام التالي، وهو العام نفسه الذي توجهت فيه الحكومة العراقية إلى بكين، مدفوعة بحربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، للحصول على طائرات سي إتش فور، وهي طائرات استُخدمت لشن 260 غارة جوية ضد مسلحي "تنظيم الدولة الإسلامية" على مدار عامين بعد أن تم تسليحها بصواريخ من طراز "أرو -1" المضادة للدبابات وهي المكافئ الصيني لصواريخ "هيل فاير" الأميركية الشهيرة.

ورغم أن الصين لا تكشف عن جميع عملائها الدوليين، فإنها اعترفت على الأقل بتوريد طائراتها لكل من العراق والأردن والسعودية والإمارات إضافة إلى مصر والجزائر، فضلا عن المشترين التقليديين للأسلحة الصينية وعلى رأسهم باكستان وميانمار وتركمانستان، وصولا إلى دول أفريقية على رأسها نيجيريا وإثيوبيا وزامبيا.

f3993e72-9590-4177-a9f6-46de6da1bdec.jpeg


وفي ظل استمرار الحظر الأميركي على توريدها، كانت هيمنة الطائرات الموجهة الأميركية الشهيرة مثل ريبر وبرداتور تتلاشى في سماوات الشرق الأوسط لصالح(17) المحلقات الجديدة من طراز وينغ لونغ ورينبو، التي صارت تهيمن على مسارح النزاع في المنطقة الملتهبة بداية من الحرب ضد "تنظيم الدولة" في العراق، ومرورا بعمليات الاستهداف والاغتيال الموجه في حرب اليمن وحتى في ليبيا حيث تستخدم الإمارات الطائرات بدون طيار الصينية للمساعدة في دعم حليفها الجنرال خليفة حفتر، كما تستخدم الطائرات الصينية من قبل الجيش المصري في حملته العسكرية في سيناء، وكذا في أنشطة مكافحة التهريب ومنع تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر حدود مصر الغربية مع ليبيا.

وفي غضون ذلك، كانت الصين تتطلع إلى نقطة تحول أخرى جديدة وهي بناء طائرات بدون طيار عسكرية في الشرق الأوسط، وفي مارس/آذار من العام الماضي 2017 وإبان زيارة للملك السعودي سلمان لبكين، اتفق(18) المسؤولون الصينيون والسعوديون على إنتاج ما يصل إلى 100 طائرة دون طيار في السعودية، بما في ذلك طائرات سي إتش فايف (CH5) الأكثر تطورا والتي يعتبرها البعض نسخة أكثر تطورا من الحاصدة الأميركية من حيث المدى والقدرة التدميرية، وبتكلفة لا تتجاوز 5 ملايين دولار مقابل 15 مليون دولار لنظيرتها الأميركية، باستثناء ضعف قدرات التتبع لعدم ربطها بالأقمار الصناعية. وتقدر وزارة الدفاع الأميركية أن الصين يمكن أن تنتج ما يقرب من 42 ألف طائرة بدون طيار بقيمة مبيعات تزيد على 10 مليارات دولار حتى عام 2023.



aljazeera





 

هل ستغير المسيّرات القتالية شكل الشرق الأوسط؟

يمكننا اعتبار أن استخدام الطائرات القتالية المسيرة لتنفيذ مهمام قتالية نوعية هو تطور دفاعي حديث، لكنه سريع النمو، إذا استخدمته الولايات المتحدة لأول مرة عام 2001 في محاولة لم يكتب لها النجاح لاغتيال قائد طالبان آنذاك الملا عمر.

في ذلك الوقت احتكرت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تقنية تصنيع واستخدام الطائرات المسيَّرة حول العالم، قبل أن تتمكن الصين ودول شرق أوسطية من تحقيق قفزات نوعية في تصنيع وتصدير هذه التقنية القتالية بطريقة تهدد الاحتكار الغربي، بل تتفوق عليه في كثير من الميّزات.

بعد عشرين عاماً من أول ظهور للمسيّرات القتالية كمنتج غربي، رشيق وذكي، وقادر على تنفيذ مهمات قتالية محدودة ونوعية، رخيصة التكاليف المادية والبشرية، وقادر على الانخراط بقوة في الحروب البعيدة أو تلك التي تُخاض بالوكالة (Proxy Wars) انتقل ثقل تطوير واستخدام هذه التقنية إلى الشرق بدخول الصين القوي على خط التصنيع والتصدير بعد توفيرها خيارات اقتصادية أكثر، أعقب ذلك تحول منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة حيوية للمسيّرات القتالية فيها ثلاث قوى إقليمية تمتلك تقنيات التصنيع، وعشر دول على الأقل تستخدم المسيرات في مهماتها الدفاعية أو الهجومية، بالإضافة إلى العديد من كيانات "ما دون الدولة" تم منحها هذه التقنية عبر حلفاء ووسطاء إقليميين، مستفيدين من انخفاض تكلفة هذا السلاح، وسهولة تهريبه عبر الحدود من خلال عمليات التفكيك وإعادة التركيب.

وعلى مدار العقد الأول من الألفية، ظل الاحتلال الإسرائيلي الدولة الثانية في امتلاك تكنولوجيا تصنيع المسيرات القتالية بعد الولايات المتحدة، حيث استطاع منذ عام 2014 تصدير أول طائرة لتستحوذ تل أبيب في حينها على نحو 60% من السوق العالمي، وكان أبرز زبائنها هم الأوروبيين، بالإضافة إلى دول أمريكا اللاتينية والهند.
وامتازت المسيّرات الاسرائيلية بالدقة والقدرة على حمل صواريخ ذاتية، إضافة إلى دمجها تقنيات الذكاء الصناعي الذي يتيح تنفيذ هجمات صاروخية دون تلقي أوامر بشرية، وساعد اختبار هذا السلاح ضد الفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة، على توفير ساحة امتحان حقيقية لنجاعته ممَّا رفع من أسهمه لدى المستوردين، لكنه كما السلاح الأمريكي، بقي مرتفع الثمن، وتصديره محصور في جهات محدودة من الدائرة الضيقة لحلفاء تل أبيب وواشنطن الموثوقين.

على الرغم من العقوبات الدولية، استطاعت إيران في العقد الأخير تطوير قدراتها التصنيعية في مجال المسيّرات الذي أعلنت رسمياً عن دخوله عام 2012، ووفقاً لتقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية في 2019، فإن قطاع المسيرات كان أسرع قطاعات سلاح الجو الإيراني نمواً. ونظراً للعقوبات الدولية، وتراجع السمعة الإقليمية فقد واجهت طهران تحديات جسيمة في الترويج لمسيّراتها لدى المستوردين، ممَّا يكاد يحصر استفادتها من هذه التقنية إلى حدود استخدامها كأداة لتمددها الإقليمي عبر تزويد حلفائها بالمنطقة كالنظام السوري، وكيانات "ما دون الدولة" بهذا السلاح، كما فعلت مع جماعة أنصار الله (الحوثي) في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان.

وقد شهدت ساحات العراق وسوريا اختبارات واسعة النطاق للمسيّرات الايرانية في بيئة معادية تنتشر فيها مضادات الطيران الأمريكية والإسرائيلية، وينصب التركيز الإيراني اليوم على تطوير أنظمة التحليق والتحكم لتضليل هذه المضادات، الأمر الذي إن تمّ فإنه سوف يمهّد لبناء واقع أمني جديد في المنطقة.

أما تركيا التي صارت مؤخراً تنافس الصين على المرتبة الثالثة عالمياً في سوق المسيّرات القتالية، بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن جملة من الدوافع حفّزتها لهذا الاقتحام القوي لمجال المسيّرات.
فتجربة حظر تصدير السلاح الذي نفذته واشنطن على خلفية الأزمة القبرصية ما زالت حاضرة لدى صانع القرار، بالإضافة إلى التلكؤ في صفقات دفاعية أخرى، كما ماطلت إسرائيل أيضاً طلباً تركياً عام 2006 للحصول على مسيّرات قتالية، أضف إليه التوجس التركي من اللجوء إلى الصين باعتبارها عضواً حيوياً في الناتو.

أما الدافع الآخر فيتعلق بالتحديات الأمنية التي تفرضها المجموعات الانفصالية مثل PKK "الإرهابي" التي هاجمت تركيا انطلاقاً من طبيعة جغرافية وعرة على حدودها منذ عقود، ممَّا زاد في أهمية اللجوء إلى سلاح الجو الرشيق وغير المكلف لكسر تحدي الجغرافيا.

وفي العقد الأخير، تنبّهت أنقرة إلى أهمية الصناعات النوعية بصفة عامة والدفاعية منها بشكل خاص، لا سيما أن عدد الدول التي تمتلك تقنيات المسيّرات القتالية لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهي تقنية ذكية من حيث قيمتها السوقية العالية مقارنة مع تكلفة الإنتاج المنخفضة نسبياً، كما أنها عسكرياً توفر أداة قتالية ذات ميزات تتفوق على السلاح التقليدي من حيث انخفاض التكلفة السياسية والبشرية، والذكاء والدقة والقدرة على المناورة، وسهولة ربطها بتقنيات الذكاء الصناعي، ممَّا ينبّئ بازدياد الطلب عليها في المستقبل.

وبما أن منطق تجارة السلاح عماده هو القدرة على إثبات نفسه في ساحات قتال حقيقية، استفادت أنقرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، من تقاطعاتها مع الملف السوري والليبي والأذربيجاني، في اختبار نجاعة مسيّراتها، عبر تسجيل نجاحات عسكرية لفتت نظر المهتمين من دول أوسطية وشرق أوروبية تسارع اليوم إلى اقتناء هذه الطائرات وتشغيلها، وقد مارست تركيا سياسة تصدير ذكية ونظيفة اقتصرت على الدول ذات السمعة الجيدة، ونأت بنفسها عن تسريب تقنياتها إلى كيانات ما دون الدولة ممَّا فرض احتراماً وحصانة لصناعتها، على عكس ما لجأت إليه إيران.
ولأن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل لديها خطوط حمراء في سياسات التصدير، تجعلها متحفظة تجاه تزويد دول شرقية أو شرق أوسطية بتقنياتها حفاظاً على التفوق الأمريكي عالمياً، والإسرائيلي في المنطقة، فإن تركيا بدت أكثر انفتاحاً على أسواق دفاعية متنوعة، عاشت تعطشاً طوال سنوات للحصول على هذه التقنية.

ولأن ساحات كسوريا وليبيا وأذربيجان أثبتت فيها المسيّرات التركية قدرة عالية على مناورة الدفاعات الجوية الروسية ذات السمعة الجيدة، فإن هذه المسيّرات لاقت اهتماماً مضاعفاً لدى الأوروبيين الذين ما زالوا يرون في روسيا أحد أهم التحديات الأمنية عالمياً. ولا ننسى بأن العلاقة المتميزة بين تركيا وقطر ساعدت أنقرة في دخول السوق الخليجي المتعطش للتسلح ومراكمة التقنيات، فبعد حصول الدوحة على عدد من هذه المسيّرات أبدت الرياض اهتماماً بالتفاوض على صفقة استيراد مرتقبة.

كل هذه التطورات السريعة على صعيدي التصنيع الذي تتربع اليوم تركيا وإسرائيل على طرفيه في الشرق الأوسط، وتسعى إيران بشكل حثيث لحجز موقعها فيه، بالإضافة إلى الاعتماد المتزايد على المسيّرات لأغراض دفاعية وهجومية في المنطقة، يجعل من الأهمية بمكان مراقبة شكل التوازنات الأمنية وكيف تتأثر ويُعاد تشكيلها بدخول تقنيات المسيّرات القتالية على خطوط التماس العسكري والأمني.

وبوجود عدد لا بأس به من ساحات القتال المفتوحة، وساحات التنافس المحمومة التي تتشارك فيها العديد من القوى الدولية والإقليمية الصراع على النفوذ، وتلجأ إلى المسيرات القتالية كأحد أهم أدواتها العسكرية والأمنية، فليس من الغريب الاستنتاج بأن هذه التقنية النامية باطراد ستساهم بلا شك في إعادة تشكيل الخريطة الأمنية للشرق الأوسط، لا سيما إن دخلت أطراف جديدة على خطوط التشغيل والاستثمار.



TRT ARABI

 
عودة
أعلى