سلسلة من لطائف القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي

سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ وَاللَّيْل }



قال تعالى
{ وَالْفَجْرِ } { وَاللَّيْل } { وَالضُّحَىٰ } { وَالْعَصْرِ }

‎تنوع القسم بأوقات مختلفة ومخلوقات كثيرة في القرآن الكريم ، فلله أن يقسم بما شاء من خلقه، أما الإنسان فلا يجوز له أن يقسم إلا بالخالق وهو الله العظيم

[المدثر] وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
أي ولّى، وهو سياق انكشاف بتوليه وإدباره
ألا ترى قال تعالى بعدها { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} وقرئت { إذا أدبر }



[التكوير] وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
سياق انتشار وبحث
ألا ترى قال سبحانه بعدها { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} فالصبح انتشر وعم الأرض بتنفسه


وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) [الإنشقاق] سياق اجتماع واكتمال
ألا ترى قال عزَّ وجلَّ بعدها { وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} أي اكتمل نوره

وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) [الفجر]
سياق طغيان وتعدٍ
لأنه سبحانه قال بعدها { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)} والليل تعدى بسريانه على النهار، وقال تعالى { وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)} بسبب تعديه وانفلاته في الحياة


وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) [الليل]
سياق اختلاف وتنوع
لأنه عزَّ وجلَّ قال بعدها { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} أي مختلف


وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2) [الضحى]
سياق سكون وتوقف، وذلك لمّا توقف وفتر الوحي عن رسول الله عليه السلام بمكة المكرمة

كل لفظة وكلمة خدمت سياقها، وجاءت في إطار المعنى العام، وصورت حالة من حالات الليل
وهذا يدفع عن القرآن الكريم تهمة الترادف والتكرار
وهذا من بديع التعبير القرآني
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم


الشيخ صالح بن عبد الله التركي



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }


الْوَعْد : هو يوم القيامة
جاءت هذه الآية ست مرات ، كل مرة يأتي معها أحد ملامح وأوصاف هذا الوعد العظيم
* في سورة يونس { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (18)}

ثم جاء بعدها { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ... (19)}
من سمات هذا الوعد وهو يوم القيامة أنه لا أحد ينفع أحدًا ولو بحسنة
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (3) [سورة الممتحنة]



في سورة الأنبياء : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)}
ثم جاء بعدها { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39)}
من سمات هذا الوعد أن العذاب واقع بهم لا محالة ولو علم هؤلاء لما استعجلوا ولما استهزأوا به واستخفوا بوقوعه { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)} [سورة الطور]


في سورة النمل { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (71)}
ثم جاء بعدها { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
من سمات هذا الوعد أنهم استعجلوا هذا اليوم، فجعل الله تعالى يوم بدر ردف لهم، فيوم بدر عجّل برحيلهم للآخرة وقربهم لهذا اليوم العظيم { فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14)} [سورة النازعات]


في سورة سبأ { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (29)}
ثم جاء بعدها { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)}
من سمات هذا الوعد أنه محدد الوقوع عند الله تعالى لا يستقدم ولا يستأخر، وهذا هو يوم الفصل
الذي أجلت له الخلائق { ... ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (107)} [سورة هود]



في سورة يس { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)}
ثم جاء بعدها { مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)}
من سمات هذا الوعد هي مجيء الصيحة في الدنيا وهم يختصمون أشد الاختصام في الدنيا
{ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } فيوم الوعد يسبقه صيحة في الدنيا تنهيهم جميعا.



* في سورة الملك { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25)}
ثم جاء بعدها : { قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (26)}
من سمات هذا اليوم أنه لا يعلم وقوعه إلا الله سبحانه، فقد أخفاه الله تعالى حتى عن النبي
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ... (187) }

[سورة الأعراف]
{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15) }

[سورة طه]


وبهذا التوجيه للآيات الآنفة يتبين لنا أنه لا تكرار في كتاب ربنا جل شأنه، وإنما ترددت هذه الآيات الست لغرض بياني اقتضاه السياق القرآني في وصف هذا الوعد العظيم وبيان سماته. فكل آية منهن تشخّص لنا هذا اليوم، هوله، وقته، علامته، تحديده، علمه، صفته
 
التعديل الأخير:

سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }


ما الفرق بين الاستعاذة في { بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { بِرَبِّ النَّاسِ

بصورة عامة: الاستعاذة في سورة الفلق هي الحماية من الشرور الخارجية الظاهرة، فكما أن الفلق والصبح يزيل ظلمات الليل
فالاستعاذة تدفع كل ما يخشاه الإنسان مما يؤذيه ويؤلمه
وبصورة عامة الاستعاذة في { بِرَبِّ النَّاسِ } من الشرور الداخلية وأعظمها الوسواس الخناس الذي يوسوس في الصدور وهو الشيطان عياذا بالله تعالى، فهو العدو الأكبر للإنسان، وطرده يكون بذكر الله تعالى، ومن أعداء الإنسان شياطين الإنس أيضا

والسؤال هنا: أيهما أعظم الاستعاذة في سورة الفلق أو سورة الناس
الشرور الخارجية يسهل التخلص منها والابتعاد عنها وهذه تتمثل في سورة الفلق، بخلاف الشرور الداخلية فمن الصعب الخلاص منها والانفكاك عنها وهذه تتمثل في سورة الناس
لذا كانت الاستعاذة في ‎سورة الفلق بأمر واحد وهو { بِرَبِّ الْفَلَقِ }
والاستعاذة في ‎سورة الناس بثلاثة أمور لخطورتها وهي
{ بِرَبِّ النَّاسِ } ، { مَلِكِ النَّاسِ } ، { إِلَٰهِ النَّاسِ }

ولا ريب أن الاستعاذة في سورة الناس أعظم
 
1633087160693.png
 
1633087194937.png
 
1633087350630.png
 
1652634236022.png
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

أغرب كلمة في القرآن الكريم

قال تعالى: { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ }

جاء عند أهل التفسير { ضِيزَىٰ } أي : ظالمة، جائر غير عادلة.
و{ ضِيزَىٰ } هي أغرب كلمة في القرآن وليس في كلام العرب صفة على وزن فعلى مثل ضيزى
وجاءت غريبة؛ للقسمة الغريبة التي قسمها الكفار بينهم وبين الله تعالى في شأن الملائكة كما قال تعالى { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ }
ولا يمكن لكلمة في العربية أن تقوم مقام هذه الكلمة إطلاقًا.

يقول الرافعي رحمه الله في كتابه إعجاز القرآن
إن كلمة { ضِيزَىٰ } جمعت أربع غرائب في أربعة حروف:
غريبة في لفظها
غريبة في معناها
غريبة في نطقها
غريبة في صوتها.
 
1652635120088.png
 
1652635241408.png
 
عودة
أعلى