على غرار “قره باغ”.. هل تتحول “دونباس” الأوكرانية إلى ساحة جديدة لضربات المسيّرات التركية؟
إسطنبول- “القدس العربي”: مع تصاعد التوتر العسكري في
منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، وتزايد احتمالات حصول مواجهة عسكرية بين أوكرانيا والمتمردين المدعومين من روسيا في تلك المنطقة، تشير الكثير من المؤشرات إلى أن أي مواجهة عسكرية قادمة في المنطقة ستكون ساحة جديدة لضربات المسيرات التركية الهجومية من طراز “بيرقدار” التي اقتنتها أوكرانيا، وهو ما يفرض تحدياً جديداً وخطيراً على العلاقات التركية الروسية.
وفي الأيام الأخيرة، تتزايد بشكل خطير احتمالات حصول مواجهة عسكرية واسعة في دونباس مع تصاعد الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في المنطقة، و
حشد روسيا قوات عسكرية غير مسبوقة على الحدود، وتعزيز الجيش الأوكراني قواته واستعداداته العسكرية هناك، وسط تهديدات روسية بالتدخل العسكري المباشر في حال هاجم الجيش الأوكراني الانفصاليين المدعومين من موسكو في دونباس.
وتدعم تركيا بشكل مطلق “وحدة الأراضي الأوكرانية” ومساعي كييف لفرض سيطرتها على منطقة دونباس التي يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا، كما ترفض حتى اليوم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتدعم مساعي أوكرانيا لاستعادتها، وتقدم الدعم لأتراك القرم المتواجدين في تلك المنطقة، وهي جميعها مواقف وخطوات تثير غضب موسكو.
تدعم تركيا بشكل مطلق “وحدة الأراضي الأوكرانية” ومساعي كييف لفرض سيطرتها على منطقة دونباس التي يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا، كما ترفض حتى اليوم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم
وبالتزامن مع كل هذه التطورات، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تركيا، السبت، والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث عُقد اجتماع ثنائي بين الزعيمين واجتماعات موسعة بمشاركة الوزراء وكبار المسؤولين، كان أبرزها اللقاءات بين وزراء الدفاع ومسؤولي
الصناعات العسكرية والدفاعية للتأكيد على تعزيز التعاون المتصاعد بين البلدين في المجالات الدفاعية، وهو ما يثير الكثير من القلق لدى روسيا التي تنظر لهذه التطورات بعين الريبة.
وبعد عامين على شراء أوكرانيا أول دفعة من
طائرات بيرقدار المسيرة التركية، وقّعت كييف مع أنقرة مؤخراً على صفقة جديدة لشراء مزيد من المسيرات التركية، بالتزامن مع التوقيع على اتفاقيات لتعزيز التعاون مع مجال التصنيع العسكري وتطوير الصناعات الدفاعية بما يتضمن بدرجة أساسية المسيرات والسفن العسكرية، في تقارب “استراتيجي” يحمل “رسائل مبطنة” لروسيا التي تنظر بعين الريبة لهذه التطورات.
وفي عام 2018، اشترت أوكرانيا من تركيا عددا من طائرات بيرقدار المسيرة، وأطلق كبار المسؤولين الأوكرانيين تصريحات تتغنى بالإمكانيات التي تتمتع بها الطائرات التركية من هذا الطراز، لا سيما الأداء المتقدم الذي أظهرته في المعارك الأخيرة التي استُخدمت فيها في سوريا وليبيا ومؤخراً في إقليم قره باغ.
الأداء المتقدم للمسيرات التركية ظهر بأقوى صوره من خلال التفوق على الأنظمة الدفاعية الروسية، حيث نجحت في تدمير عدد كبير جداً من الأنظمة الدفاعية الروسية من طراز بانتسير وغيرها في إدلب السورية، قبل أن تدمر عددا أكبر منها في ليبيا، وأخيراً تدمير أنظمة دفاعية روسية أخرى أكثر تقدماً ومنها
نظام “إس 300” الدفاعي في المعارك الأخيرة بإقليم قره باغ الأذربيجاني.
هذا
التفوق الجديد للمسيرات التركية على الأسلحة الروسية، دفع أوكرانيا، نهاية العام الماضي، للتوقيع على اتفاق جديد لشراء مجموعة أكبر من المسيرات التركية من طراز “بيرقدار” إلى جانب التوصل إلى اتفاق مع تركيا على الإنتاج المشترك وتبادل الخبرات لصناعة المسيّرات والسفن العسكرية بشكل مشترك خلال المرحلة المقبلة.
هذه الخطوة إلى جانب أهميتها الاستراتيجية لتعزيز التعاون الصناعي والدفاعي بين البلدين، بدت وكأنها “رسالة مبطنة” إلى روسيا، وذلك في ظل التأكيد التركي الدائم على دعم وحدة الأراضي الأوكرانية ورفض ضم روسيا للقرم ودعمها لجماعات انفصالية شرقي أوكرانيا، والخشية الروسية من نية أوكرانيا القيام بعمل عسكري لاستعادة المناطق الانفصالية.
التفوق الجديد للمسيرات التركية على الأسلحة الروسية، دفع أوكرانيا، نهاية العام الماضي، للتوقيع على اتفاق جديد لشراء مجموعة أكبر من المسيرات التركية من طراز “بيرقدار”
ونهاية الشهر الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن المسيّرات التركية من طراز “بيرقدار” قامت بأول طلعة جوية لها فوق البحر الأسود، وأوضحت الوزارة أن المسيّرات التركية المسلحة، نفذت طلعة جوية انطلاقاً من اليابس الأوكراني وصولاً إلى جزيرة “تيندريفسكا كوسا” في البحر الأسود، كما قامت بعدد من الطلعات الجوية الأخرى التي لم تكشف تفاصيلها
وتناولت الصحافة الروسية هذا التطور عن قرب، وأفردت مساحة واسعة لتغطيته. حيث أجمعت عدد من التحليلات على أن هذا التطور يمنح أوكرانيا ورقة قوية جديدة وحساسة في البحر الأسود تمكّنها من القيام بعمليات استطلاع واسعة، بالإضافة إلى قدرة هذه الطائرات على تنفيذ ضربات جوية دقيقة ضد أهداف بحرية وبرية ثابتة ومتحركة مختلفة.
ووصفت إحدى كبريات الصحف الروسية طائرة “بيرقدار” التركية بأنها
“فاتحة قره باغ”، في إشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته المسيّرات التركية التي استخدمها الجيش الأذربيجاني في حسم الحرب، وإلحاق هزيمة واسعة بالقوات الأرمينية التي أُجبرت على إنهاء احتلالها للإقليم عقب تدمير مئات العربات والمصفحات والأنظمة الدفاعية.
والسبت، نقلت وسائل إعلام تركية عن نائب رئيس لجنة الدفاع والاستخبارات الأوكرانية، قوله إن المسيرات التركية من طراز بيرقدار التي اقتنتها بلاده قامت بطلعات استطلاعية فوق منطقة دونباس، لافتاً إلى أنها نجحت في تحديد مواقع أنظمة دفاع جوي روسية من طراز تور وبانتسير.
وكان الكاتب التركي “طه داغلي” قال في مقال له بموقع “خبر 7” إن أوكرانيا التي شاهدت نجاعة المسيرات التركية ضد الأسلحة الروسية في سوريا وليبيا وقره باغ، وخاصة ضد الأنظمة الدفاعية، فإنها تخطط لاستخدام المسيرات التركية في استعادة أراضيها في ظل استعدادها للقيام بعمل عسكري لاستعادة منطقة “دونباس”، وهو الأمر الذي حذر منه عدد من الكتاب الروس أيضاً خلال الأسابيع الماضية.
وشهدت السنوات الأخيرة توسعا كبيرا في التعاون الدفاعي بين تركيا وأوكرانيا، ويعمل البلدان على قرابة 50 مشروعا تتعلق بالصناعات الدفاعية، حيث انتقل التعاون إلى مراحل التبادل المعلوماتي والتكنولوجي والإنتاج المشترك في مشاريع كبرى تتعلق بالتصنيع المشترك للمسيرات والسفن العسكرية إضافة إلى محركات الطائرات والصواريخ ومشروع آخر لصناعة طائرة نقل عسكرية إلى جانب أنظمة الصواريخ والأنظمة الدفاعية.
والسبت، أكد البيان الختامي لاجتماع المجلس الاستراتيجي التركي الأوكراني رفيع المستوى على “الالتزام بمواصلة تطوير التعاون في الصناعات الدفاعية والتخطيط لمشاريع مشتركة جديدة من خلال استكمال المشاريع القائمة بين تركيا وأوكرانيا”.
من شأن أي دعم عسكري تركي لأوكرانيا في صراعها مع المتمردين المدعومين من روسيا، أو استخدام المسيرات التركية في أي مواجهة مقبلة، أن يفرض تحدياً كبيراً على العلاقات التركية الروسية
وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع أردوغان، شدد الرئيس الأوكراني على أن “الصناعات الدفاعية تشكل قوة دافعة لشراكة بلاده الاستراتيجية مع تركيا”، لافتاً إلى أن “آفاق التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين تركيا وأوكرانيا كبيرة للغاية”. من جهته أكد أردوغان أن “الصناعات الدفاعية تشكل بعدا مهما في علاقات تركيا الثنائية مع أوكرانيا”، مشدداً على أن هذا التعاون “ليس موجهاً ضد بلد ثالث”.
ومن شأن أي دعم عسكري تركي لأوكرانيا في صراعها مع المتمردين المدعومين من روسيا، أو استخدام المسيرات التركية في أي مواجهة مقبلة، أن يفرض تحدياً كبيراً على
العلاقات التركية الروسية. وعلى الرغم من أن أردوغان وبوتين اللذين تحدثا هاتفياً قبل أيام حول الملف الأوكراني، نجحا في السابق في تجاوز أزمات امتدت من ليبيا إلى قره باغ، إلا أن التحدي المقبل في أوكرانيا يبدو أكثر تعقيداً وخطراً على العلاقات المتنامية بين موسكو وأنقرة