الـجـغـرافـيـا الـحـربـيـة Military geography

عــمــر الـمـخــتــار

رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي
عضو قيادي
إنضم
14/5/19
المشاركات
5,688
التفاعلات
30,119
بسم الله الرحمن الرحيم
1442/7/12 - 2021/2/24

3A5DD8A1-9710-4CA2-BB72-7DA036653B64.jpeg


الجغرافيا العسكرية military geography هي ذلك الجزء من العلوم العسكرية الذي يتعامل مع خصائص منطقة العمليات area of operations بقدر ارتباطها بالقوات والمهام العسكرية . والجغرافيا العسكرية هي تطبيق لأساليب التحليل الجغرافي للمشكلات العسكرية .

الجغرافيا

الجغرافيا هي العلم الذي يتعامل مع التوزيع المكاني spatial distribution للظواهر على سطح الأرض أو على مقربة منه، وتستخدم الجغرافيا لتفسير أنماط وعلاقات الظواهر الطبيعية والبشرية مثل البشر والجوانب الاصطناعية لثقافاتهم وحيواناتهم ونباتاتهم الطبيعية والمناخ والمحيطات وأشكال سطح الأرض . وترتبط أهمية هذه الأنماط والعلاقات بأهمية المشكلة التي يُسعى لحلها.

ويمكن تقسيم الجغرافيا إلى عدة فروع، كل حسب المشكلة المطروحة، فتعنى الجغرافيا لاقتصادية economic geography بالتوزيع المكاني للمصانع والموانئ وحركة السلع والأموال بين الأماكن المختلفة، وتعنى الجغرافيا البشرية human geography بالطريقة التي يعيش فيها الناس وبيئاتهم، كما تعالج جغرافيا المدن urban geography العلاقات بين الجوانب المختلفة من المدن، وتعنى الجغرافيا السياسية political geography بأنماط العلاقات بين البلاد والوحدات السياسية الأخرى، وتعنى الجغرافيا الطبيعية geography physical بالمعالم الطبيعية لسطح الأرض كالأنهار والجبال والسهول والتربة وظواهر جوية كالعواصف، وأخيرا تعنى الجغرافيا بمناطق تحددها طبيعة ومجال المشكلة المطروحة. ويسعى المنهج الجغرافي للتحليل إلى تحديد الأقاليم (المناطق) المناسبة وتفسير التوزيع المكاني للظواهر في الإقليم أو المنطقة ضمن إطار المشكلة.


الجغرافيا العسكرية

تطبق الجغرافيا العسكرية في مناطق تحددها طبيعة ومهام القوات المسلحة. وتقسم إلى أربع فروع رئيسة: تحليل الأرض terrain analysis وتحليل المسرح theater analysis والجيوبولتيك geopolitics والجغرافيا العسكرية الموضوعية topical military geography.


أولا: تحليل الأرض

يستخدم تحليل الأرض لتحديد أثر الظواهر الطبيعية والاصطناعية لمنطقة عمليات على عمليات عسكرية تعبوية. وهذا يشمل حساب الظواهر الطبيعية كمعالم سطح الأرض والتضاريس وأنماط التصريف المائي والحياة النباتية وحياة الحيوان والحشرات، ومواد سطح الأرض، ويدخل في الحسبان منجزات الإنسان كالمباني والطرق والسكك الحديدية والمطارات والسدود وخطوط الأنابيب وفلاحة الأرض. ولكن لا يدخل الإنسان في الحسبان عادة في المنطقة المعنية. ويمكن أن يشمل تحليل الأرض الطقس والمناخ.

وتستعمل مصطلحات أخرى غير تحليل الأرض لوصف استخدام الجغرافيا العسكرية على المستوى التعبوي، ويستعمل كثيرا مصطلح تقدير الأرض terrain appreciation بالتبادل مع مصطلح تحليل الأرض رغم أنه يوحي بدراسة أضيق نطاقا وأكثر عمقا لأشكال سطح المنطقة، ويتضمن مصطلح استخبارات الأرض terrain intelligence توكيدا أكثر على جمع المعلومات الأساسية من تحليل المهمة كما استخدم مصطلح الطوبوغرافيا العسكرية military topography سابقا ليعني دراسة أشكال سطح الأرض من وجهة النظر العسكرية، واستخدامه الآن بشكل أساسي هو في صناعة وقراءة الخارطة، ولا تزال الطوبوغرافيا تعني أشكال سطح الأرض.

ويعنى تحليل الأرض بتوجيه المهمة، كما تعرّف منطقة العمليات طبقا للمهمة، وستختلف أهمية معالم سطح الأرض تبعا لطبيعة المهمة، وللتل والنهر على سبيل المثال أهمية مختلفة إن كانت المهمة دفاعية وليست هجومية. إن تحليل الأرض أمر ديناميكي متعدد الجوانب، فالموقف العسكري يتغير بإضطراد، وستتغير وجهات النظر، وهكذا ستتغير أهمية الأرض بالنسبة للقائد، فالتغيرات في الأسلحة العسكرية والتكنولوجيا يمكن أن تغير أهمية الأرض، ويمكن للنهر الذي كان يشكل حاجزا كبيرا أن يصبح معضلة بسيطة بعد إنتاج وتحسين معدات التجسير القتالي، ويمكن لهدف كان مهملا في الماضي بسبب بعده أن يصبح ذو أهمية بعد إنتاج أسلحة بعيدة المدى. حتى الأرض نفسها تتغير بفضل ظواهر وأحداث طبيعية كانجراف التربة والزلازل. كما تتغير بالإنشاءات البشرية كالمطارات والجسور، كما تغيرها العمليات العسكرية بفعل تحركات القوات ونيران المدفعية والضربات الجوية وتدمير البنى.


العناصر العسكرية لتحليل الأرض

1. الموانع obstacles: وهي معالم الأرض التي تبطئ أو تحد من سرعة حركة القوات الصديقة أو المعادية.


2. ساحات الرمي fields of fire: دور منطقة ما في تسهيل أو إعاقة النيران المباشرة direct fire بوساطة أسلحة تنطلق مقذوفاتها أفقيا.

3. المراقبة observation: وهي قدرة منطقة ما على السماح أو منع مراقبة المنطقة من قبل العدو بالمشاهدة البصرية أو بالمستشعرات.

4. التخفية concealment: دور منطقة ما في تسهيل تجنب المراقبة من قبل العدو.

5. الغطاء cover: ما توفره منطقة ما من حماية أمام صواريخ وأسلحة النيران المباشرة للعدو.


6. طرق المواصلات routes of communications: وتشمل الطرق بأنواعها لحركة الأفراد والآليات.

هناك عنصر أساسي في تحليل الأرض ألا وهو تعريف وتحليل العلاقات المكانية وسط المعالم الأرضية ، فعلى سبيل المثال إذا كانت المهمة العسكرية هي الاستيلاء على تقاطع طرق فإن عدة عناصر يجب ملاحظتها: موقع التقاطع بدقة، ومسافة واتجاه هذا التقاطع بالنسبة للوحدة العسكرية التي ستقوم بالمهمة، وخصائص وميزات الأرض، والموقع النسبي لمعالم الأرض (إن كانت تسهل أو تصعب مهمة الوحدة العسكرية المكلفة بالمهمة) يجب إدخال مثل هذه الأمور في الحسبان، إضافة إلى أسلحة الوحدة وأفرادها ومعداتها لا لتقدير الزمن اللازم فحسب لإنجاز المهمة فحسب بل حتى إن كان بالإمكان إنجاز المهمة أصلا.

يختلف تحليل الأرض أيضا تبعا للمستوى الذي ستتم عليه، إذ أن الوحدات الصغيرة تستخدم مستوى أعلى من التفاصيل أكثر من الوحدات الأكبر. على سبيل المثال وعلى صعيد فردي كجندي رام بندقية أو مدفعي، فإن معلم كشجرة واحدة منفردة أو صغيرة أو حفرة توفر له غطاء وتخفية، كل ذلك له أهمية كبيرة، أما على مستوى سرية من رماة البنادق فإن أرضا مكشوفة أو خط الحواف ridge line هي معالم ارض هامة وساحات رمي كاهتمام أولي. أما على مستوى كتيبة مشاة أو كتيبة دبابات فإن اهتمام القائد سيكون على المواقع والعوائق كالقرى والغابات أو جداول الماء، في حين على مستوى الفرقة division فإن طرق المواصلات قد تكون أهم المعالم والظاهرات. يختلف تقييم الأرض باختلاف القادة اعتمادا على نوع وكيفية تأثير الأرض على وحداتهم. فقائد سرية دبابات يتمتع بحركة تكتيكية كبيرة متناسقة سيخرج بقرارات واستنتاجات مختلفة حول منطقة ما عن استنتاجات سيخرج بها قائد سرية من رماة البنادق محمولة جوا مع عدد قليل من الآليات أو بدونها، كما أن قائد فرقة اقتحام جوي (هجوم جوي) مع عدة مئات من الطائرات العمودية سيتخذ قرارات وسيصل لاستنتاجات حول طبيعة منطقة عملياته، ويختلف عما سيتوصل إليه قائد فرقة مدرعة تضم عدة مئات من الدبابات. إن على كل قائد القيام بتحليل الأرض الملائمة للمهمة المكلف بها طبقا للقواعد وظروف الوحدة العسكرية.


ثانيا: تحليل المسرح

إن تحليل المسرح أو تحليل استراتيجية المنطقة هو تطبيق للجغرافيا العسكرية على مستوى فن إدارة العمليات، ويستخدم تحليل المسرح لوصف الأثر الواقع على العمليات العسكرية لخصائص مسرح حرب حقيقي أو محتمل، وتحليل المسرح بخلاف تحليل الأرض يشمل بني البشر في حسابه، والاعتبارات الطبيعية والبشرية (الاصطناعية) في مسرح العمليات، وتدعو أنماط الأنشطة البشرية والمؤلفة من مدن ومناطق زراعية ورق وسكك حديد ومطارات إلى الاهتمام مثلها في ذلك مثل معالم سطح الأرض، ونظام التصريف المائي والنبات الطبيعي والمناخ. اختلاف آخر أيضا في الحجم أو الدرجة بين تحليل المسرح وتحليل الأرض، إذ يدخل في تحليل المسرح في الحسبان كامل منطقة العمليات في حين إن لتحليل الأرض حدودا يتوقف عندها، بل وله وجهات نظر خاصة بالمكان، إذ يعتبر النهر في نظر قائد فرقة عائقا أو مانعا سواء من حيث عبوره أو الدفاع عنه، أما بالنسبة لقائد المسرح فإن النهر ما هو إلا جزء من شبكة تصريف مائي وكمؤشر على مواقع دفاعية أو طريقا للاقتراب avenues of approach، لذلك فإن المبادئ واحدة، ويكاد يكون تأثير النهر واحدا أو متشابها، لكن الحجم أو الدرجة مختلفان.

يميل تحليل المسرح أيضا لأن يكون أقل توجيها للمهمة كما في تحليل الأرض، أما على مستوى مسرح العمليات وعلى مستويات مجموعة جيوش army group فإن المهام تحدد بمسميات وبمصطلحات واسعة، و نادرا ما تقع تغيرات في أهمية المهمة، وقد تكون دورة التخطيط عدة أسابيع أو شهور، وقد تكون دورة التخطيط لأي فيلق army corps عدة أيام أو أسابيع قليلة، أما بالنسبة لسرية بنادق فقد تقاس بعدة دقائق.

يميل تحليل المسرح إلى التنبؤ أكثر من تحليل الأرض. ويجب أن تتنبأ التقديرات المستخدمة في إجراءات التخطيط بقيادة المسرح بتأثير منطقة العمليات على العمليات لعدة أسابيع أو لأشهر قادمة. ويتعامل تحليل الأرض مع الآثار الآنية والفورية، في حين يتعامل تحليل المسرح مع الآثار المستقبلية.

تعتبر حضائر ( مفارز) الاستخبارات intelligence sections في قيادة المسرح أو القيادة الرئيسة للقوات البرية والجوية والبحرية في المسرح مسؤولة عن تحليل المسرح، أما وقت السلم فإن النشاط الأولي في تحليل المسرح هو تكملة المعلومات عن الخصائص الطبيعية والبشرية لمسرح العمليات، وهذا يتضمن وصف المعالم الطبيعية والبشرية لسطح الأرض وما تحته مباشرة، والمعلومات المناخية وتوزيع النبات الطبيعي والحيوان والمعلومات الديموغرافية. وتجرى دراسات خاصة على القدرة على القدرة على الحركة (السير) trafficability وشبكة الطرق الرئيسة والسكك الحديدية والموانئ والقنوات الملاحية والمطارات وأنابيب البترول وشبكة القوى الكهربائية والاتصالات والمناطق المعمورة، وأي أمور أخرى ذات أهمية.

يقدم تحليل المسرح أسس تخطيط العمليات العسكرية على المسرح، وإن اقتضت قسوة أحوال الشتاء متطلبات خاصة للملابس العسكرية فهذا يعني إدخال ذلك بالحسبان عند الإعداد للحملة العسكرية، وإن كان غطاء الغيوم سيحد من العمليات الجوية فهذا يعني بالضرورة حساب ذلك عند التخطيط لنوع وحجم الوحدات التي ستستخدم، وغن كانت الأرض في بعض الأماكن لا تصلح لحركة الدبابات فإن ذلك سيحسب حسابه عند تنظيم القوات للقتال، كما أن وجود المدنيين سيؤثر عند القرار باستخدام أسلحة إسناد نووية أو تقليدية، ويؤثر وجود اللاجئين على حركة القوات والمؤن بل والموارد، وعليه فإن كل العناصر والعوامل السابقة تدخل في الاعتبار في تحليل المسرح.

وأخيرا إن المنظور المكاني عنصر أساسي في تحليل المسرح، ولأن المسافات أكبر والأوقات أطول فإن تفاعل عناصر المكان - الوقت مع القوى العسكرية - يصبح أكثر أهمية على مستوى فن العمليات (تحليل المسرح) أكثر من مستوى التعبوي (تحليل الأرض)، وهذا أمر حقيقي عند اختيار الأهداف لميدان المعركة أو التحريم (التجريد) interdiction بعيد المدى، والمواقع الدفاعية الرئيسة أو محاور التقدم، وربما يقود تحليل المسرح إلى وضع أو تشكيل تطبيق كامل لنموذج جغرافي للمعضلات العسكرية.


ثالثا: الجيوبولتيك

يطلق على تطبيق الجغرافيا العسكرية على المستوى العالمي global أو الاستراتيجي اسم الجيوبولتيك. ويشمل الاعتبارات السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية تؤدي إلى فهم أو مدخل استراتيجي كامل. تعنى الجيوبولتيك بالقوة النسبية بين الأمم والتحالفات، وتشمل اعتبارات للقوة الوطنية: السكان والصناعة والتجارة والوضع المالي والاستقرار الداخلي والموارد والإرادة الوطنية وكذلك القوات العسكرية.

إن جوهر الجيوبولتيك هو اعتبار عناصر حجم وشكل وخصائص أمة ما مقارنة مع أمة أخرى، وقد دوّن التاريخ أمثلة عديدة على أهمية الموقع location والأرض terrain فدولة مثل بولندا مثلا هي دولة بين قوتين عظميين لكنها دون خطوط دفاع طبيعية قد عانت من غزو متكرر، وبقيت سويسرا محايدة دون المساس بها رغم مرور المنطقة بعدة حروب كبيرة وذلك بخصائص معقلها في جبال الألب. أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت بمأمن من الغزو لبعدها عن أوروبا ولم تكن بحاجة إلا لأسطول بحري صغير في الفترة 1965 – 1917 في حين أن اليابان افتقرت للأرض الفسيحة والمواد الخام، وسعت على توفير أمنها بالتوسع نحو الصين وجنوب شرق آسيا.

تدخل الجيوبولتيك في الإعتبار التوتر القائم بين الدول البحرية القوية والدول الداخلية الحبيسة. وقدّم ألفرد ثاير ماهان Alfred Thayer Mahan فكرة القوة البحرية إعتمادا على التجربة الخاصة ببريطانيا حيث صمدت الجزر البريطانية، واستعصت على أي غزو من القارة الأوروبية، وقد حكمت بريطانيا إمبراطورية عالمية نحو 140 عاما بفعل التفوق البحري على الصعيدين التجاري والعسكري. وفي عام 1904 وصف السير هارولد ماكيندر Sir Harold Mackinder وصف السهول الروسية بأنها قلب أوروبا Heartland of Europe وتنبأ بأن التفوق النهائي على العالم سيكون لمن يسيطر على القلب، أما في ألمانيا وقبل الحرب العالمية الثانية فقد دعم كارل هاوسهوفر Karl Haushofer أهداف الحرب التي شنتها أمانيا، مؤكدا أن ائتلاف ألمانيا وروسيا واليابان سيكون غير قابل للهزيمة. كان غزو هتلر للاتحاد السوفيتي عكس نصيحة هاوسهوفر سببا لقيام تحالف بين القوى البحرية ممثلة بالإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة والقوة البرية السوفيتية مما أدى في النهاية إلى هزيمة ألمانيا عام 1945. وقدّم نيكولاس سبايكمان Spykman Nicholas عام 1943 فكرة أرض الحواف Rimland كمقابل لفكرة الأرض القلب Heartland وبناء على رأي سبايكمان فإن اتحادا مؤلفا من القوة الاقتصادية لأرض الحاف أي الولايات المتحدة وغرب أوروبا ودول حوض المحيط الهادي سيكون أكثر قوة من الأرض القلب في الاتحاد السوفيتي.

إن الجيوبولتيك عنصر أساسي في الفكر الاستراتيجي العسكري في عهد القوة النووية، وإن المفاهيم الجيوبولتيكية للموقع النسبي والقوة أمر هام في الإبقاء على توازن عالمي global balance لقوة التحالفات بين القوى العظمى superpowers والقوى المتوسطة medium powers. تؤلف الأفكار الجيوبولتيكية فكرة النقاش الجاري في الولايات المتحدة الأمريكية بين المدافعين عن الاستراتيجية البحرية وأنصار استراتيجية التحالف (الدول الداخلية). وتساعد الجيوبولتيك في فهم كيفية تأثير التغيرات المستقبلية في القوى النسبية للدول على العمليات العسكرية المتوقعة.


رابعا: الجغرافيا العسكرية الموضوعية Topical Military Geography

تغطي الجغرافيا العسكرية الموضوعية ظواهر جغرافية خاصة ومعروفة على نطاق واسع، والتطبيقات الرئيسة للجغرافيا العسكرية الموضوعية هي:

1. الدراسات البيئية environmental studies: الدراسات البيئية من مناخ ونبات طبيعي وحيوان هي دراسات هامة في توفير المعدات الصحيحة، والتدريب السليم للقوات المسلحة لتكون قادرة على العمل في بقاع مختلفة من العالم، لأن القوات العاملة في المناطق القطبية تتطلب تدريبا وتوفيرا لمعدات خاصة بما يختلف عن القوات التي ستعمل في صحاري العروض الدنيا (الصحارى الحارة). إن نوعا كهذا من الجغرافيا العسكرية الموضوعية يستخدم ويُعمل به في الدراسات وأعمال التطوير وبمعدات جديدة وملابس ولوازم تم تطويرها.


2. الجيولوجيا العسكرية military geology: الجيولوجيا علم يتعامل مع طبيعة التكوينات الصخرية تحت سطح الأرض. وتقدم الجيولوجيا العسكرية أسسا قوية لإقامة المنشئات الخاصة بالحماية من المتفجرات التقليدية والنووية. كما يستخدم هذا العلم لتحديد مصادر وموارد المياه، كما التعامل أحيانا مع هذا العلم بمعزل عن الجغرافيا العسكرية.

4. الجيوديزيا geodesy: هي علم قياسات الكرة الأرضية والذي يتيح التحديد الدقيق لنقاط على سطح الأرض. وقد كانت أعمال المساحة والجيوديزيا على نطاق صغير أمرا هاما في العمليات العسكرية منذ إدخال التلغراف الميداني، والذي أتاح السيطرة على النار غير المباشرة indirect - fire للمدفعية. وأدى دخول الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى إلى زيادة أهمية معرفة الموقع بالتحديد لأي أهداف محتملة.

5. الطوبوغرافيا العسكرية military topography: قصد بالطوبوغرافيا أصلا دراسة أثر معالم سطح الأرض على العمليات العسكرية، ولكن يُقصد بالطوبوغرافيا الآن صناعة الخارطة وعلى وجه الخصوص قراءتها. والخرائط الطوبوغرافية هي تمثيل لمساحة من سطح الأرض، وعادة ما تكون أرضا يابسة، وتحوي سبلا تبين الارتفاع أو التضاريس. إن التضاريس هي الفرق بين النقاط المرتفعة والنقاط المنخفضة لمعالم سطح الأرض في المنطقة، وتظهر التضاريس على الخرائط الطوبوغرافية بوساطة خطوط الكنتور (المناسيب) contour lines التي تصل بين النقاط المتساوية قي الارتفاع، وبوساطة التدرج بالألوان والتظليل أو بالهاشور hachure marks وذلك بقد إظهار الجبال وأي معالم أخرى لسطح الأرض.

6. علم الخرائط cartography: هو علم صناعة الخرائط بما فيها الخرائط الطوبوغرافية والخرائط الجوية aerial charts والخرائط البحرية naval charts. وتمثل الخرائط الجوية سطح الأرض أو البحر، وتظهر بوضوح المعالم الأرضية والمعلومات المساعدة على الطيران والملاحة الجوية والمطارات. كما تمثل خرائط الملاحة البحرية المناطق المائية من بحار ومحيطات والمناطق الساحلية، وأعماق الماء في مناطق السواحل والأخطار ومساعدات الملاحة.

أثر منطقة العمليات على الحرب

كان لخصائص منطقة العمليات آثار عديدة على طبيعة القتال والحرب عبر العصور الماضية. إن اجتماع طبيعة الأرض terrain والتكنولوجيا على ميدان المعركة battlefield سيحدد بشكل عام التكتيك. كانت طبيعة مسرح العمليات بشكل مبدئي الأساس لتخطيط الحملات والقيام بها، كما يعتبر الوقت والمسافة عناصر وصل بين الأقاليم المختلفة في العالم مع مراعاة الموارد وكيفية إدارة الدول، وهذا ما يقرر الاستراتيجية المستخدمة. وتؤثر طبيعة الأرض والطقس على كل أشكال الحرب. ويبدو ذلك بجلاء أكثر ما يكون على الحرب البرية، ومع ذلك فإن الحرب الجوية تتأثر بطبيعة سطح الأرض.

تحارب الجيوش، وعليها أن تعمل وفقا لطبيعة سطح الأرض، وحتم ذلك على القادة والمخططين تقدير مدى تفاعل الرجال والمعدات مع عنصر الطقس وعنصر الأرض، وإن الأنهار والجبال حواجز وطرق تقدم وإمداد، كما تجمع الجبال بين كونها حواجز ومعاقل، فقد كانت الثغرات والممرات تاريخيا ذات أهمية عسكرية، كما يسهل عبور التلال والدفاع عنها أيضا، وتتشابه الهضاب الجافة والبحار في تسهيلها للحرب السريعة وحرب الحركة mobile war أما الهضاب الرطبة (الممطرة) فهي مقطعة ووعرة تصعب عليها حركة القوات، والمنطقة الحدية بين البحر واليابس – السواحل – هامة للحرب البرمائية، ومن أجل العبور للمناطق الداخلية. وأضحى للمنشئات التي بناها الإنسان أهمية متزايدة كأهداف وكمواقع دفاعية، وإن المعرفة الحقة لمعالم سطح الأرض، وكيفية الاستفادة من مزاياها وسيلة قيّمة لإنجاز المهام العسكرية.

لا تحارب القوات الجوية والبحرية على اليابسة، لكنها تعتمد على قواعد مقامة عليها، ورغم أن حاملات الطائرات والقطع البحرية المرافقة لها تعمل بالطاقة النووية، فإنها قد تعمل لفترات طويلة دون العودة إلى قواعدها، لذا فإن من الأمور الهامة معرفة وفهم ما سيكون عليه أثر الأرض على العمليات العسكرية الجوية والبحرية. وتحارب القوات الجوية من اليابسة وما يعلوها، وينصب الاهتمام بمنطقة العمليات من حيث مدى ملائمة الأرض لتكون مهابط للطائرات ومطارات، ومدى كفاية دعم الطرق وخطوط السكك الحديدية، وتؤثر طبيعة الأرض على التكتيك، وعلى نوع الذخائر الملائمة لمهاجمة الأهداف الأرضية، خصوصا للطيران المنخفض كالطائرات العمودية ومقاتلات الإسناد المباشر والإسناد القريب. وبالرغم من التقدم البالغ في التقنيات المتطورة للأنظمة الملاحية فالأمر يتطلب من طواقم الطائرات التعرف على ظاهرات سطح الأرض وتمييزها عن بعضها لتحديد مواقعهم ومواقع أهدافهم.

أيضا على سلاح البحرية التعرف على امتدادات الأرض أي أطراف اليابسة ، تقرر طبيعة خطوط السواحل مدى توفر الموانئ والمراسي الآمنة حيث تبقى العواصف عدوا خطرا على السفن في عرض البحر . ويبقى بُعد القتال البحري عن مناطق الإسناد عاملا رئيسا في الحرب وأساليبها ، رغم زيادة المدة التي يستطيع الأسطول بقاءها في البحر دون إعادة تزويد . كما تشكل هيئة وشكل قاع المحيط عاملا رئيسا في الحرب تحت الماء ، حتى حرب الفضاء space warfare ستتأثر بأنظمة هبوب الرياح في الغلاف الجوي ، وبشكل وطبيعة الأرض تحته.


الحرب العالمية الثانية

كانت الحرب العالمية الثانية حربا علمية حقيقية، وقد استوجب نشوبها وجريان أحداثها تقديرات في الجغرافيا العسكرية من كل الأطراف المتحاربة. ورغم وقوع المعارك البرية الرئيسة فيها في أوروبا مبكرا فإن الحلفاء قاموا في نهاية الأمر بحملات الحرب البرية الرئيسة في الشرق الأوسط، وفي منطقة البحر المتوسط والصين وبورما، وفي جنوب غلاب المحيط الهادي ووسطه. وقد أملت طبيعة الحرب في كل المسارح الرئيسة وفق الأولوية النسبية للمسرح من موارد وارض ومناخ، كما جرت معارك هذه الحرب في الجبال المتجمدة في إيطاليا، وفي الصحاري الحارة في شمال أفريقيا، وعبر الأجواء العاصفة في شمال المحيط الأطلسي ، وعلى مساحات شاسعة من المحيط الهادي، وفي الغابات المدارية الرطبة في بورما. وكان على الحلفاء أن ينتجوا ملابس عسكرية ومعدات خاصة، وأن يستخدموا التكتيكات والتقنيات المناسبة للعمليات تحت ظروف متفاوتة ومختلفة، وهذا فعلا ما قاموا به بنجاح، ويعكس الاستخدام الأفضل للجغرافيا العسكرية حتى نشوب حرب الخليج (1990–1991).

كانت هناك أمور زائدة وأخرى غامضة على المستوى التعبوي (التكتيكي) فقد خطط الحلفاء بعناية لكسر حصار القوات المسلحة في مناطق إنزال تم تأمينها عند غزو النورمندي في حزيران/يوليو 1944. على أي حال لم يعر المخططون الاهتمام الكافي بأسيجة الأشجار والشجيرات المحلية هناك، وكانت هناك جدران صخرية هائلة ومغطاة بنباتات كثيفة، وهذا من سمات الأرض ذلك الجزء من الأرض الفرنسية، وتطلب الأمر استطلاع وكشف ميداني، وتركيب حواف حادة (شفرات) للدبابات لإزالة تلك الأسيجة بهدف إطلاق حركة الجيوش البريطانية والأمريكية للتحرك نحو نهر الراين.

قبل غزو النورمندي، وفي أيار/مايو 1940 كان الألمان والفرنسيون قد عرفوا ودرسوا أرض المعركة القادمة - غابة الأردين Forest Ardennes - لكن كلا منهم استنتج أمرا مختلفا عن الآخر، إذ كانت الأردين بالنسبة للفرنسيين عائقا لا يمكن عبوره بالآليات، وهو عائق جدير بدفاع خفيف، أما بالنسبة للألمان فقد كانت الأردين طريقا يفي بالمجهود الرئيس للحروب الألمانية الخاطفة blitzkrieg.

كان الألمان في شمال أفريقيا تحت قيادة رومل Rommel، وكان البريطانيون تحت قيادة مونتغمري Montgomery وبنى كل منهما عملياته على حقائق الصحراء ولكن بطريقة مختلفة، إذ عمل رومل على التصرف بالقليل الذي لديه، وبحركة سريعة ودون تخطيط مسبق، واستفاد من سهولة الحركة على معظم أراضي المنطقة، أما مونتغمري فقد نهج الدفاع المتحرك mobile defense نظرا للتفوق الجوي لقواته، والذي مكنها من قصف القوات الألمانية والإيطالية متى شاءت، وفي نهاية الأمر تمت السيطرة للبريطانيين عندما لم يعد الألمان قادرين على إعادة إمداد وتزويد قواتهم.

تعلم السوفيت في روسيا من حروبهم السابقة مع الفنلنديين، وجهزوا قواتهم بملابس وتكتيكات خاصة لمواجهة البرد القارس والجليد، في حين تجمد الألمان ن وغاصوا في المستنقعات.

استهان اليابانيون في المحيط الهادي بقدرة الأمريكيين على إنشاء المطارات والموانئ في مناطق اعتقدوا أن ظروف الأرض لا تسمح بذلك، وقد كلّف الافتقار إلى تقدير القدرات التقنية في الأربعينات حول دور الأرض، كلّف اليابانيين الشيء الكثير وذلك عندما حاولوا المرة تلو الأخرى الالتفاف خلال حملات الجنرال ماك آرثرMacArthur المسماة island - hopping. وقد لعبت أحوال الطقس في غابات الأردين بنهاية عام 1945 دورا هاما على قدرة الحلفاء في السيطرة على الهجوم اليائس الأخير للألمان، فقد قطعت الإمدادات والدعم الجوي عن القوات الأمريكية المرابطة في باستوجن Bastogne لعدة أيام بسبب رداءة الأحوال الجوية، ولكن عندما انجلت الغيوم تمكنت الطائرات الأمريكية والبريطانية من القيام بواجبها، وساعدت بذلك في هزيمة الألمان بشكل حاسم، لقد كانت أحوال الأرض وظروف الطقس عوامل هامة في الحرب العالمية الثانية.


الحرب الكورية

كان الغزو الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية من الحروب البرية الضارية في التاريخ المعاصر. لقد كانت حرب جنود المشاة. وقدمت البحرية الأمريكية الإسناد والقصف، وقامت القوات الجوية بمهاجمة كوريا الشمالية دون مواجهة تقريبا، ولعب سلاح الجو والبحرية أدوارا هامة في الحرب، لكن طبيعة الأرض الكورية هي من أملى نتائج الحرب ومحصلتها على أرض الواقع.

باستثناء السهل الغربي ومناطق صغيرة على الساحل، توصف كوريا بأنها بلاد جبلية بتضاريسها المرتفعة، والتضاريس هي الفرق بالارتفاع بين الجهات المرتفعة والجهات المنخفضة، وفيها مؤشر على مدى وعورة الأرض. وكوريا هي بلاد المنحدرات الحادة والحواف الجبلية الممتدة والأودية الضيقة. في البداية استفاد الكوريون الشماليون من ميزة الطرق والسكك الحديدية للتحرك سريعا نحو الجنوب بدباباتهم وشاحناتهم.

تم إنزال القوات الأمريكية وهي غير مستعدة للقيام بالعمل الشاق، وفشلت في البداية بتقدير عنصر الأرض terrain، فتركت هذه القوات في الأودية حيث الكمائن والهزائم، وازداد شقاء هذه القوات بحلول الشتاء حيث البرد والثلج وهي أمور لم يكن الجيش الأمريكي مستعدا لها من حيث الملابس والتكتيك المستعمل، واستفاد الكوريون الشماليون والصينيون من أوضاع الأرض والطقس، فقد حاربوا ليلا في أسوء الظروف الجوية، وساروا على طول مسار المناطق المرتفعة حتى يتمكنوا من إطلاق النار على القوات الأمريكية الموجودة أسفل الأودية. حاربت القوات الأمريكية والكورية الجنوبية بيأس، وتأقلمت مع أحوال الأرض والجو، وتعلمت كيف تحارب على حواف الأرض المرتفعة، وتأكدت من سيطرتها على الأرض المرتفعة، واستخدم الأمريكيون المدفعية لمهاجمة القوات الكورية الشمالية، وحفروا لأنفسهم مواقع دفاعية في المناطق الجبلية المرتفعة، وتعلموا كيف يعيشون ويقاتلون في أحوال الجو البارد، وفي نهاية الأمر حاربوا خصومهم من اجل انسحاب عسكري وسياسي. أظهرت المراحل المبكرة من الحرب الكورية عواقب عدم الاهتمام بالجغرافيا العسكرية، فقد وجبت معرفة أمور لم تكن معروفة آنذاك وتبع ذلك خسارة أرواح بل ومعارك بسبب ذلك.


حرب فيتنام

كان لأحوال الأرض والطقس في جنوب شرق آسيا تأثير بالغ على الحرب الفيتنامية، واثر عمل زمن وعامل مسافة منطقة العمليات عن الولايات المتحدة على استراتيجية ومحصلة الحرب، وكان لطول المسافات أثره الكبير في زيادة الصعوبات عند إقامة وإدامة الخطوط اللوجستية للإمداد والاستبدال وفي حين تم حل مشكلة اللوازم العسكرية بتطبيق استخدام الموارد الضخمة، ظهر بُعد المسافة بين فيتنام والولايات المتحدة كمشكلة، واسهم هذا في فقدان الدعم الشعبي الذي أنهى بنهاية الأمر الحرب دون أن تحقق الولايات المتحدة أهدافها الاستراتيجية منها.

كان لطبيعة المسرح theater أثر واضح على التخطيط للحملة. وكانت الأقاليم الثلاثة في فيتنام حيث حاربت القوات الأمريكية وحلفاءها هي: السهل الساحلي الشمالي، والمرتفعات الوسطى، ودلتا نهر ميكونغ Mekong. كانت الخطة في بداية الحملة الأمريكية هي العثور على القوات الفيتنامية الشمالية وإلحاق الهزيمة بها بشكل حاسم، وأن يتزامن هذا الأمر مع استمرار الحملات والهجمات المضادة على قوات ثوار الفيتكونغ Vietcong. حدا ما سبق بالولايات المتحدة إلى نشر قواتها عبر البلاد بأعداد تزيد أو تقل بما يتناسب وأعداد مواطني المنطقة، ووفق التهديد المتوقع. وكانت الأراضي المهمة key terrain محددة تعبويا وليس لكامل المسرح، وكان خيار إغلاق الحدود بالكامل بين شمال وجنوب فيتنام وحتى دولة لاوس غير متابع أو غير قائم بقوة كبيرة. ورغم أن الولايات المتحدة كانت تكسب وتنتصر في ميدان المعركة إلا أن حملتها تحولت إلى حرب استنزاف attrition كسبتها فيتنام الشمالية حيث فقدت الولايات المتحدة عزمها على القتال.

على المستوى التعبوي أبطأت وعورة الأرض وطبيعتها الجبلية في المرتفعات الوسطى، وغزارة الأمطار في دلتا نهر ميكونغ من سرعة العمليات وحركة القوات، وصعب بذلك على الولايات المتحدة حشد طاقاتها وإمكانياتها بالكامل من أسلحة حديثة، كما قللت كثافة الغطاء النباتي والأجزاء العليا من أشجار الغابات المطيرة من أثر وفعالية الهجمات الجوية، كما صعبت من تقدير ما خلفته عمليات القصف. لقد وفرت النباتات في المنطقة ميزة التخفية لقوات فيتنام الشمالية وقوات الفيتكونغ مما ساعد هذه القوات في نصبها للكمائن، وكان رد القوات الأمريكية واستجابتها لما سبق إزالة النباتات بقطعها أو برشها بمواد كيماوية تقضي عليها.

ظهر نوع من الحرب دون وجود جبهات قتال، فقد حاولت القوات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية التغلب على عناصر الأرض بتقنية جديدة هي الطائرات العمودية بشكل مبدئي، وتم ذلك على نطاق واسع، مما مكن القوات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية من كسب كل الاشتباكات التعبوية تقريبا، وبعد خسارة المعارك الأولى القليلة. رفضت فيتنام الشمالية على أي حال القيام بحرب واسعة حاسمة. وقدرت فيتنام الشمالية طبيعة الأرض واستفادت من مزاياها لبناء قوة هائلة على مهل بثبات تحت غطاء التخفية والتمويه الذي وفرته الأرض، حتى تمت لها القوة الكافية لهزيمة القوات الفيتنامية الجنوبية في قتال تقليدي. لقد حاربت الولايات المتحدة وفيتنام الجنوبية جيدا وكسبتا معظم الوقت لكنهما في نهاية الأمر هزمتا بسبب الأرض وإرادة خصومهما.


حرب الخليج “الفارسي”

دارت حرب الخليج “الفارسي” في منطقة تختلف كلية عن جنوب شرق آسيا. فالأرض في الكويت والسعودية والعراق هي صحراء ذات ارتفاعات قليلة والنبات الطبيعي قليل والمطر قليل.

تبعد الكويت نحو 7000 ميل عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي عملت ولعدة سنوات على أن تستطيع قواتها الوصول وبسرعة إلى الأماكن البعيدة، فقد كانت المعدات المحمولة والمنقولة جوا وبحرا والموجودة في أماكنها المعينة مسبقا . وكانت الإمدادات متوفرة عندما قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش إرسال القوات للدفاع عن السعودية، وبعد ذلك لتحرير الكويت من القوات العراقية. كانت استراتيجية الوقت والمسافة عوامل مصدر قلق للقادة الأمريكيين الذين اضطروا للانتظار عدة أسابيع حتى أصبحت القوات الأمريكية والمتحالفة كافية للدفاع عن السعودية، وعدة أسابيع أخرى حتى حشدت قوات كافية في المسرح للمبادرة بالهجوم.

كانت المعالم الاصطناعية في السعودية من وجهة نظر المسرح حاسمة لنجاح القوات الأمريكية والمتحالفة فقد أنشأت السعودية مطارات حديثة وموانئ وطرق في المنطقة الشمالية المتاخمة للكويت والعراق عن طريق الحدس أو المصادفة ، فقد كان توفر هذه التسهيلات حاسما لنجاح أي عمليات إعداد أو عمليات إعادة تزويد، وفي حال عدم توفرها لكانت الأمور أكثر صعوبة، وربما استحال الأمر على فعل ما فعلته قوات التحالف. لقد أدت ضحالة مياه الخليج والجزر المقابلة للساحل الكويتي إلى جعل العمليات البحرية أمرا صعبا، وساهمت في اتخاذ قرار عملية برمائية خادعة أكثر من هجوم حقيقي.

تعبويا كان افتقار القوات العراقية إلى غطاء تخفية وستر أمرا هاما، فقد كان بإمكان الطائرات الأمريكية والتحالف التي هاجمت العراق أن تضرب أهدافا أرضية عراقية لم يتمكن العراق من إخفاءها، رغم وجود بعض المشكلات التي سببتها أحوال جوية غير ملائمة . كانت المنطقة مثالية بوجه عام للعمليات الجوية، وكانت القدرة المتوفرة للآليات البرية على الحركة في صحراء غرب الكويت أمرا ممكنا لحملة التطويق الهائلة التي ضربت في عمق العراق ، ويتحول الطوق ويستدير إلى عزل قوات الحرس الجمهوري العراقي من الخلف. ورغم سعي العراق إلى إيجاد موانع صناعية إلا أن المهمة كانت صعبة لافتقاد الجيش لأرض مناسبة للدفاع، وفي النهاية كانت الدبابات والمدافع والصواريخ ذات التقنية الحديثة في أفضل وضع لها على الأرض المستوية، وقادرة على إطلاق نيرانها بدقة ومديات بعيدة في ساحات الرمي fields of fire فكان نجاح القوات الأمريكية والتحالف برهانا على التقدير السليم للأرض والأحوال الجوية لمنطقة العمليات، كما يصور الجغرافيا العسكرية في أضل ما تكون عليه.


الخصائص العامة للجغرافيا العسكرية

الجغرافيا العسكرية هي توجيه للمهمة. ولا يشكل جمع المعلومات عن المسرح العسكري أو منطقة العمليات تطبيقا للجغرافيا العسكرية .فالطبيعة الأساسية للعمل الجغرافي تأتي عند تحليل العلاقات المكانية، ودور المنطقة على ضوء المهمة، وفي حال تغيير هذه المهمة فإن أثر معالم وظاهرات المنطقة سيتغير بالطبع.

تشكل الجغرافيا العسكرية جانبا من عملية التخطيط التي يقوم بها القائد. وتبدأ عملية التخطيط عند استلام أو تولي مهمة جديدة من القيادات الأعلى، وبعد أن يقوم هذا القائد بتحليل ودراسة المهمة، تكون الخطوة التالية إعداد تقدير موقف ، ويشمل تقدير الموقف دراسة المهمة والقوات الصديقة والقوات المعادية وتحليل جغرافي عسكري لخصائص منطقة العمليات. وتوضع وتقيم بدائل المسالك المفتوحة courses of actions لإنجاز المهمة. ويقرر القائد بناء على المسلك المفتوح ويصدر الأوامر . وتعتبر نواتج التخطيط مهام تسند للوحدات الأدنى، وباستلام هذه المهام الجديدة من قبل الوحدات الأدنى تبدأ دورة جديدة من التخطيط العسكري بما في ذلك تقديرات إضافية للموقف والتحليل الجغرافي لمناطق العمليات الجديدة.

منطقة العمليات هي منطقة جغرافية تعرّفها المهمة العسكرية، وتشمل المنطقة التي ستتأثر مباشرة بالقوات والأسلحة تحت سيطرة القائد. وتشمل المنطقة المحتلة من قِبل قوة معادية، ومعالم الأرض المبينة كأهداف يُطلب احتلالها أو السيطرة عليها، والمنطقة التي تسيطر عليها القوات الصديقة القريبة، ومنطقة الدعم والإسناد للقوات نفسها ، ويتطلب الأمر من القائد معرفة كل شيء عن منطقة العمليات، ومناطق الأحداث الهامة في منطقة التأثير area of interest الأكبر، والتي تضم منطقة العمليات، وقد يحدد القائد مصادر استطلاع للإبلاغ عن منطقة التأثير، أو يطلب استخبارا عن منطقة التأثير من قيادات أعلى.

الجغرافيا العسكرية عنصر من الاستخبارات العسكرية، وجزء من مسؤولية ركن الاستخبارات، وتقوم مفارز الاستخبارات بجمع المعلومات عن المعالم الطبيعية والاصطناعية، وعن العامل البشري في المسرح أو منطقة العمليات. وفي مصطلحات الاستخبارات يتوافق مصطلح استخبارات القتال وتحليل الأرض، أما مصطلح الاستخبارات الاستراتيجية فيتوافق وتحليل المسرح.

الجغرافيا العسكرية ثلاثية الأبعاد. وتدور الحرب في المحيطات تحت سطح الأرض وفي الجو فوق سطح الأرض كما هي الحال على سطح الأرض. الزمن والمسافة عنصرين، وأهمية المواقع النسبية تخذ جميعها بمعان مختلفة عندما يمكن ذلك، بهدف إيصال الذخائر بوساطة طائرة أو صاروخ، أو المراقبة من قمر اصطناعي. وعند تقدير الموقف يجب إن يدخل بالاعتبار الغواصات والطائرات والأقمار الصناعية في مداراتها حول الأرض، بل وحتى المحطات الفضائية المأهولة بالإنسان. إن منطقة العمليات في واقع الأمر هي حجم ثلاثي الأبعاد يتراوح من دون سطح الأرض إلى الحد الخارجي للفضاء القريب inner space للكرة الأرضية.

تستخدم الجغرافيا العسكرية آخر التكنولوجيا الحديثة والأساليب، حيث تستخدم الأقمار الصناعية في الجيوديزيا والكارتوغرافيا، كما يستخدم التصوير الفضائي في الكارتوغرافيا وتحليل الأرض وتحليل المسرح. وتستخدم أجهزة الحاسب الآلي في إجراء حسابات عوامل الوقت والمكان ومواقع الأهداف وتكملة وإدارة وتحليل المعلومات الجغرافية. وتعتبر الأساليب الحديثة في الرياضيات والإحصاء والتحليل المكاني spatial analysis تطبيقا لمشاكل الجغرافيا العسكرية.


مشكلات الجغرافيا العسكرية

هناك انقص عام للمعرفة في الجغرافيا العسكرية. وتوظف جميع القوات العسكرية مختلف عناصر الجغرافيا العسكرية، لكن معظمها لا يدرك أنه يستخدم الجغرافيا العسكرية. يشكل تحليل الأرض جزءا من العقيدة التعبوية. وتحليل المسرح جزء مقبول من العملية الاستخباراتية. وتوظف الجيوبولتيك في الدراسات الاستراتيجية السياسية – العسكرية، وهذه التطبيقات في الجغرافيا العسكرية تستخدم عادة دون إدراك لوجهة النظر المكانية للتحليل الجغرافي.

نادرا ما تم تدريس الجغرافيا العسكرية كموضوع موحد. ويدرس تحليل الأرض وتحليل المسرح في المعاهد العسكرية كقسم من مساقات التعبية أو الاستخبارات، وتدرّس عناصر الجيوبولتيك في كليات الحرب. على أي حال اختفى التقدير الأساسي للجغرافيا العسكرية كموضوع موحد بإجراء التحليل المكاني.

إن لإدخال تحليل المنطقة area analysis في عمل ركن الاستخبارات ميزة توفير راع لهذا النشاط. وتوجد له سلبية في تعزيز ميل القادة وضباط العمليات للتركيز على العدو والقوات الصديقة وتجاهل أو تقليل خصائص منطقة العمليات إلى مرتبة ثانوية.


قيمة الجغرافيا العسكرية

كان للجغرافيا العسكرية في الماضي أثر جوهري على القتال العسكري. ولعب شتاء روسيا دورا في هزيمة نابليون وهتلر، وساعدت أشكال سطح الأرض (هضاب الكويستا cuestas) التي يمكن الدفاع عنها، والواقعة شمال باريس على إيقاف الغزو الألماني عام 1914. وأوقفت الأسيجة النباتية تقدم الحلفاء في النورمندي Normandy. واعترض اتساع مساحة الصين المحاولات اليابانية للسيطرة العسكرية في الثلاثينات من القرن العشرين. ومكنت طبيعة منطقة الخليج “الفارسي” التكنولوجيا من سحق الجيش العراقي بوقت قصير جدا. ومن المنطقي أن يكون للجغرافيا العسكرية أثر جوهري على القتال مستقبلا.


إن قيمة الجغرافيا العسكرية في شمولها لتأثير منطقة العمليات بإجراء وإدامة التحليل المكاني. إن بقاء الجغرافيا العسكرية لا يعود إلى إمكانياتها لأنها نادرا ما تُطبق من جغرافيين مدرَبين أو عسكريين يفهمون النهج الجغرافي. وحتى ذلك فإن الأفكار والمفاهيم الجغرافية هي الآن أكثر مما مضى أمر أساسي لتخطيط وإدارة العمليات العسكرية.


alma3raka
eipss-eg







 
عودة
أعلى