الخط الحديدي الحجازي من الشام حتى المدينة المنورة

لادئاني

مستشار المنتدى
إنضم
16/12/18
المشاركات
27,911
التفاعلات
76,808
سكة حديد الحجاز
===


قبل قرن كامل مضى، وبالتحديد عام 1908م، كانت القطارات البخارية تنطلق من محطة قطار "حيدر باشا" بإسطنبول إلى المدينة المنورة، معلنة أن حلماً صعب المنال قد أضحى حقيقة تدركها الأبصار والأسماع.

فقد كان الأول من سبتمبر عام 1908م، هو يوم اكتمال خط حديد الحجاز وانطلاق رحلته الأولى بعد ثمانية أعوام من عمل شاق متواصل أسفر عن خط سكة حديدية تجاوز طوله 1400 كم. فاستحال به خريف عام 1908م -مع ما فيه من الأزمات والمشكلات- مسرحا تزاحمت فيه آمال المسلمين وطموحاتهم في شتى ربوع الأرض مستبشرين ببعث جديد. وأضحى حلم مشاهدة سحب الدخان الكثيفة وهي تنبعث من القطار البخاري المنطلق من إسطنبول إلى الأراضي الحجازية، حقيقة قد تجسدت على أرض الواقع بعد أن كان ضربا من الخيال.

فكرة المشروع
==​

عُرف خط حديد الحجاز في السجلات العثمانية باسم " خط شمندفر الحجاز "، أو " خط حديد الحجاز الحميدي "، وامتد بين الشام (دمشق) والمدينة المنورة. حيث ينطلق الخط من الشام ماراً بعمَّان ومعان ثم بتبوك ومدائن صالح وصولا إلى المدينة المنورة. وكان في خطة المشروع الحجازي أن يمتد بعد ذلك إلى مكة المكرمة ومن هناك إلى جدة، بيد أن أياً من ذلك لم يتحقق.

وإن تكن فكرة إنشاء الخط الحجازي قد طُرحت أول ما طُرحت في عهد السلطان عبد العزيز، إلا أنها تحققت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. ولما كانت جهود السلطان عبد الحميد الثاني منصبة على العمل من أجل إيقاف تمزق الدولة العثمانية وانهيارها أو تعطيله على الأقل، فقد أخذ على عاتقه إنجاز مشروع الخط الحجازي.

أوكل السلطان عبد الحميد الثاني مهمة تنفيذ هذا المشروع العملاق لـ" أحمد عزت باشا العابد الدمشقي" والمعروف في التاريخ باسم "عزت باشا العربي ".


ويتضمن المشروع، إنشاء خط سكة حديد الحجاز ليربط بين خط سكة حديد الأناضول وخط سكة حديد بغداد،وكذلك تأسيس شبكة اتصال تلغرافية بمحاذاة ذلك الخط الحديدي؛ حيث كان السلطان عبد الحميد الثاني يؤمن بأن هذا سيحقق له سهولة وسرعة في عمليات الاتصال والمتابعة بين مركز الدولة العثمانية وولاياتها في الشام والحجاز.


البواعث والأهداف
==​


ثمة مجموعة من البواعث والأهداف دفعت السلطان عبد الحميد الثاني لإنشاء الخط الحجازي والشبكة التلغرافية. وتنوعت هذه الأهداف بين دينية وعسكرية واقتصادية وحضارية وسياسية.

ويأتي الهدف الديني في مقدمة هذه الأهداف، حيث استهدف مشروع الخط الحجازي خدمة حجاج بيت الله الحرام من خلال توفير وسيلة سفر يتوفر فيها الأمن والسرعة والراحة، وحماية الحجاج من غارات البدو ومخاطر الصحراء التي كانوا يتعرضون لها في الطريق البري ومن هجمات القراصنة في الطريق البحري، إضافة إلى توفير إمكانات وفرص أكبر للراغبين في أداء فريضة الحج نتيجة انخفاض تكلفة الحج الذي سيحققها ذلك المشروع، مما سيزيد من عدد حجاج بيت الله الحرام.

ويحتل الهدف العسكري مكانة متميزة بين أهداف الخط الحجازي، إذ كان يستهدف تسهيل التحركات العسكرية وحشد الجيوش بُغية التصدي لأية هجمات خارجية قد تتعرض لها مناطق الحجاز والبحر الأحمر واليمن، وإحكام السيطرة على البقاع الجغرافية ذات التوتر السياسي الدائم. وبهذه الكيفية تشعر المنطقة بقوة الإدارة المركزية للدولة العثمانية.

أما الهدف التجاري فتمثل في إنعاش الاقتصاد الراكد بالمنطقة من خلال تحقيق نهضة تجارية واقتصادية لمدن الحجاز وكافة المدن الواقعة على امتداد الخط، وإحداث عملية رواج للمنتجات التجارية والزراعية من خلال نقلها نقلاً سريعا بالقطار إلى المناطق الأخرى، بل وكان من المخطط له مد الخط الحديدي تجاه أحد موانئ البحر الأحمر؛ ما يؤدي إلى زيادة الأهمية الاقتصادية والتجارية للخط زيادة واضحة. وبهذه الكيفية كانت طرق التجارة ستنتقل من قناة السويس إلى خط حديد الحجاز.

ومع إنجاز هذا المشروع العملاق بتمويل وكوادر عثمانية، كان سيثبت للدول التي تطمع إلى تفريق الدولة العثمانية وتريد التهامها وعلى رأسها الدول الأوربية، أن ثمة منجزات حضارية عظيمة يمكن للعثمانيين تحقيقها دون الحاجة إلى اللجوء إليها.

وكان للسلطان عبد الحميد الثاني أهدافٌ سياسية مهمة وراء إنشاء الخط الحجازي. إذ اعتقد بأن إنجاز هذا المشروع يعني تحقيق قدر من الاستقلالية للدولة العثمانية عن أوربا، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتقنيا. فالسلطان عبد الحميد الثاني والذي عُرف بتميزه عن سابقيه بحرصه على بقاء الخلافة العثمانية وحمايته لها، كان يبذل ما بوسعه بُغية توحيد صفوف المسلمين وتشكيل "اتحاد إسلامي" لمواجهة الأطماع الأوربية الاستعمارية وهجماتها الغاشمة على الدولة العثمانية، إضافة إلى دعمه لحركة "الجامعة الإسلامية" التي دعت إلى تكتيل جميع المسلمين داخل الدولة العثمانية والمناطق المختلفة من العالم خلف راية الخلافة العثمانية.

ولعل خط حديد الحجاز يعتبر من أروع إنجازات السلطان عبد الحميد الثاني الرامية إلى الحفاظ على وحدة أراضي الدولة العثمانية.

الإنشاء والتنفيذ
==​

يتحدث السلطان عبد الحميد الثاني عن الخط الحجازي في مذكراته بقوله:

" أخيراً تحقق الخط الحجازي؛ ذلك الحلم الذي طالما راود مخيلتي. فذلك الخط الحديدي لم يكن فقط مصدرا اقتصاديا للدولة العثمانية، بل كان في الآن ذاته يمثل مصدراً بالغ الأهمية من الناحية العسكرية من شأنه تعزيز قدرتنا العسكرية على امتداده ".

وقد أصدرت الإدارة السلطانية الخاصة قراراً بالبدء في إنشاء خط حديد الحجاز في الثاني من مايو عام 1900م، وفي الأول من سبتمبر عام 1900م، والذي يوافق العام الخامس والعشرين لجلوس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، تم تدشين العمل في خط الحديد بين الشام ودرعا في احتفال رسمي مهيب.

ووصل خط الحجاز إلى عمّان عام 1903م، وإلى معان عام 1904م. وفي الأول من سبتمبر عام 1905م اكتملت المرحلة الأولى من خط الحجاز، وانطلقت أولى رحلات القطار بين الشام ومعان لنقل الركاب والبضائع.

وفي الأول من سبتمبر 1906م وصل الخط إلى مدائن صالح، ثم في 31 أغسطس 1908م وصل إلى المدينة المنورة. وخلال الثمانية أعوام التي جرى فيها تنفيذ خط الحجاز وصل طول الخط إلى 1464 كم. ومع إضافة الخطوط الفرعية الأخرى في المراحل اللاحقة بلغ طول الخط 1900 كم عام 1918م.



القوى البشرية العاملة
===​


وكان الجيش العثماني هو المصدر الرئيسي للقوة العاملة في إنشاء خط حديد الحجاز. وساهم أيضاً في إنشاء هذا الخط عمال توافدوا من مناطق جغرافية مختلفة من العالم الإسلامي في مقدمتها سوريا والعراق. ولما كانت أعداد أولئك العمال الوافدين محدودة، فقد تحمل الجنود العثمانيين معظم أعباء ذلك المشروع. وكان الجنود يتقاضون أجوراً ضئيلة خلال فترة عملهم في المشروع، في مقابل السماح لهم بالانتهاء من الخدمة العسكرية قبل عام من موعدها المحدد.


تولى منصب كبير مهندسي الأعمال الفنية، مهندس ألماني يُدعى " مايسنر باشا "، وعمل تحت قيادته أربعة وثلاثون مهندسا، سبعة عشر منهم عثمانيون والآخرون كان معظمهم من الألمان، بالإضافة إلى مهندسين من إيطاليا وفرنسا والنمسا وبلجيكا واليونان.

وبعد وصول الخط الحديدي إلى محطة مدائن صالح أصبح الجزء المتبقي من الخط داخل حيز المنطقة الحرام. ولما كان من المحظور شرعاً دخول غير المسلمين إلى هذه المنطقة، فقد جرى إنشاء الخط الواقع بين مدائن صالح والمدينة المنورة كله بأيدي مهندسين وعمال مسلمين.
ومع تقدم العمل في المشروع ازدادت خبرة العثمانيين، وعليه قلت أعداد المهندسين الأجانب في المراحل المتقدمة منه أمام أعداد المهندسين المسلمين التي كانت تزداد يوما بعد يوم. ومن ثم تميز خط حديد الحجاز بوصفه مشروعا عمل فيه الكثير من المهندسين المسلمين، قياسا بخط حديد الأناضول وخط حديد بغداد.​


تضحيات بطولية
==​


استغرق إنشاء الخط الرئيسي لطريق الحجاز ثمانية أعوام، وعمل فيه نحو خمسة آلاف عامل معظمهم من الأتراك وبعضهم من العرب وبعضهم من أجناس مسلمة أخرى.


ولا شك أن قيام الجنود العثمانيين بالعمل في هذا المشروع قد خفض كثيراً من النفقات.


وهو ما يأتي في مقدمة العوامل المهمة في إنجاز هذا الخط الحديدي. كما كان لتدين الجنود العثمانيين وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم دوره البالغ في إنجاز هذا العمل في فترة تُعد قصيرة، حيث قاموا بشق الطرق عبر الفيافي والقفار والجداول والوديان.


ولعل الفضل في إنشاء هذا الخط الحديدي يرجع إلى أولئك الشجعان البواسل الذين قدموا من الأناضول لإنشاء وتركيب تلك الخطوط الحديدية في صحاري شبه الجزيرة العربية.


وإذ يقوم أولئك البواسل بنصب قضبان السكك الحديدية وأعمدتها وتشييد محطاته، كانوا ينصبون أيضاً الشواهد لقبور شهدائهم؛ حيث استشهد خلال إنشاء خط السكة الحديدية الكثير من الجنود العثمانيين، إما عطشاً تحت نيران الشمس الحارقة بسبب نقص المياه، وإما من سوء التغذية، فضلاً عمن استشهدوا بسبب حوادث العمل أو غارات البدو.


ولقد انتشرت شواهد قبور هؤلاء الشهداء العثمانيين البواسل على امتداد خط السكة الحديدية حتى المدينة المنورة جنباً إلى جنب مع محطات القطار. وإن تكن آثار وبقايا هذا الخط الحديدي لا تزال موجودة إلى اليوم، فإن قبور معظم أولئك البواسل وأسماءهم قد طوتها صفحة النسيان ولم يعد لها وجود.


فيكفي أن نعلم أن عام 1908م وحده قد شهد أكثر من 126 غارة من غارات البدو على خط حديد الحجاز، فضلاً عن مشكلات نقص المياه وظهور بعض الأمراض وتدخلات الدول الأجنبية.. وهو ما يعطي لنا مؤشراً مهماً لفهم أسباب البطء في تنفيذ المشروع.

الموقف الأوربي
=

تلقت أوربا الإعلان عن الخط الحجازي بدهشة بالغة، واعتبرت إقدام الدولة العثمانية على مشروع مثل هذا ضرباً من الخيال، حيث كانت الدولة العثمانية آنذاك في وضع اقتصادي متدهور أوشكت فيه على الإفلاس بسبب ديونها الخارجية والداخلية؛ حتى أن بعض الصحف الأوربية آنذاك قد تطاولت عبر صفحاتها على المشروع والسلطان عبد الحميد الثاني بالاستهزاء والسخرية، وخصصت لذلك أخباراً مطولة ورسوما كاريكاتيرية بذيئة.

ومع التقدم في إنشاء الخط وإظهار القائمين عليه لتضحيات كبيرة، أخذت الدول الأوربية تضع العراقيل للحيلولة دون إكمال العثمانيين لهذا المشروع. وكانت بريطانيا وفرنسا في مقدمة هذه الدول.


فأسرعت تلك الدول ولا سيما بريطانيا للحيلولة دون مساندة الشعوب التي تخضع للاستعمار البريطاني لهذا المشروع، حيث قامت بريطانيا بنشر الشائعات بين المسلمين الهنود الذين يقومون بالتبرع لإقامة الخط الحجازي، وأطلقت شائعات مثل أن "التبرعات لا تُستخدم في إنشاء الخط الحجازي".

بيد أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل التام، واستمر المسلمون الهنود في جمع التبرعات وإرسالها إلى الدولة العثمانية. كما حظر الاستعمار البريطاني على مسلمي الهند تعليق "وسام خط حديد الحجاز" الذي يُمنح لكبار المتبرعين.

وقد سعت بريطانيا إلى استعمال شتى الطرق من أجل انسحاب العثمانيين من الأراضي المقدسة بعد الحرب العالمية الأولى. ومما يلفت النظر هنا أن تعطيل خط حديد الحجاز كان أول ما قامت به بريطانيا بعد انسحاب العثمانيين من مكة والمدينة المنورة؛ إذ كانت تنظر إلى الخلافة العثمانية باعتبارها التهديد الأكبر ضد طموحاتها الإمبريالية في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، ومن ثم فقد شعرت بارتياح شديد بعد أن قامت بقطع الروابط بين الأناضول وشبه الجزيرة العربية من خلال تعطيل الخط الحجازي.


أما فرنسا فقد سعت لفرض القيود والعقبات أمام إنشاء خط حديد الحجاز من خلال الموانئ التابعة لإدارتها؛ حيث فرضت فرنسة ضرائب جمركية باهظة على مستلزمات خط الحديد، وعطلتها داخل الموانئ فترات طويلة.

وإن تكن كل هذه العقبات قد أبطأت من معدل إنجاز الخط، إلا أنها لم تستطع أبداً إيقاف عجلة التقدم نحو الانتهاء من تنفيذ المشروع. واكتمل خط حديد الحجاز رافعاً راية العصيان والتحدي في وجه الاستعمار الأوربي، ومعلناً أن قلب "الرجل المريض" لا يزال ينبض بالحياة.


المصادر المالية
==​

كان فترة سلطنة السلطان عبد الحميد الثاني من أصعب فترات الدولة العثمانية من الناحية الاقتصادية. ولم يأل السلطان عبد الحميد جهداً من أجل سداد الديون الخارجية الضخمة التي ورثها عن أسلافه. ورغم أنه قد اضطر للحصول على قروض خارجية ضئيلة في بعض الأوقات، إلا أن ما قام بسداده كان يفوق بكثير ما اقترضه. وكان يدرك أن الديون الخارجية تزعزع هيمنة الدولة، والديون الداخلية تزعزع سلطتها. ومن ثم لم يفكر في الحصول على أي قروض خارجية لتمويل إنشاء خط حديد الحجاز.

وكانت التبرعات -وللمرة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية- هي المصدر الأول لتمويل هذا المشروع الضخم.

فكان تمويل خط حديد الحجاز من تبرعات المسلمين في شتى أنحاء العالم دون أن تشوبه أي مساهمة من الدول الأجنبية على النقيض من خطي سكة حديد الأناضول وبغداد اللذين أقيما بتمويل أجنبي.


وكانت الدولة العثمانية قد خصصت 18% من ميزانيتها لإنشاء هذا الخط، بيد أن تلك النسبة اعتُبرت ضئيلة للغاية عندما تم الإعلان عن أن إنشاء الخط سيتكلف نحو ثمانية مليون ليرة عثمانية. ومن ثم برز الاحتياج الشديد للأموال اللازمة لتنفيذ المشروع. ذلك المشروع الذي اعتبره المسلمون بمثابة "مسألة عزة وكرامة" أمام أوروبا. وأراد السلطان عبد الحميد أن يجنب دولته المزيد من الاستدانة، وأن يكون تمويل المشروع الحجازي بأموال إسلامية تماماً. فوجه نداءً إلى العالم الإسلامي من أجل التبرع للمشروع، ليدشن بذلك حملة تبرعات قلّ أن نجد لها نظيراً في تاريخ العالم.


وبدأت حملة التبرعات الأولى في مايو عام 1900م، بأن تبرع السلطان عبد الحميد الثاني من جيبه الخاص بخمسين ألف ليرة عثمانية، ودعا المسلمين كافة للمشاركة في هذه الحملة، سواءً كانوا ممن يعيشون في الأراضي العثمانية أو في غيرها.


ومن بعد السلطان تبرع الباشاوات العثمانيون، ثم أقبل موظفو الدولة والتجار والبائعون والجنود والشعب على المشاركة في هذا التنافس الخيري. ولقي نداء السلطان عبد الحميد استجابة تلقائية وفورية بين كافة المسلمين في شتى بقاع العالم، حيث اقتطع المسلمون من أقواتهم ومدخراتهم للمساهمة في تمويل الخط الحجازي.

بل إن دولة ذات صراع تاريخي مع الدولة العثمانية مثل إيران قد جمعت أيضاً مقداراً من التبرعات -وإن كان ضئيلاً- وأرسلته إلى إسطنبول.


وانهالت التبرعات التي جاءت من مناطق مترامية الأطراف مثل الهند وأفغانستان، ومن دول أخرى مثل الجزائر والسودان وتونس وليبيا وإندونيسيا وماليزيا. وتدفقت التبرعات من كافة أرجاء العالم؛ فجاءت التبرعات من الشعوب التركية في آسيا الوسطى، ومن مسلمي أوربا وأفريقيا وأمريكا.


وذلك رغم كل المحاولات التي قامت بها الدول الأوربية لصرف هذه الشعوب المسلمة عن هذا المشروع وإقناعهم بعدم جديته. وأصبحت التبرعات التي تم جمعها من الضخامة ما تكفي لإنشاء ثلث الخط الحجازي.

وحرصت الدولة العثمانية على تكريم المتبرعين من خلال منحهم نياشين وأوسمة مصنوعة من الذهب والفضة تخليداً لذكرى الخط الحجازي.

وإضافة إلى ما تم جمعه من تبرعات، فقد اضطرت الدولة العثمانية إلى الاقتطاع الإجباري من مرتبات موظفي الدولة من أجل الإسهام في إنشاء الخط.

وجدير بالذكر هنا أننا لا نكاد نجد شكوى واحدة من أولئك الموظفين بسبب هذا الاقتطاع الإجباري من رواتبهم. وهو ما يُعد إشارة واضحة على أن الأمة التي تلتف حول هدف واحد، قادرة على التضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل تحقيق ذلك الهدف. وتاريخ الأتراك في الفترات اللاحقة يشهد على أحداث مشابهة لتلك التضحيات، تجلت فيها هذه الروح والفكرة والعقدية دون أن يعتريها خلل أو عطب.

كما حرصت الدولة العثمانية أيضاً على اقتطاع جزء من دخلها العام لتمويل المشروع الحجازي، فأصدرت طوابع تمغات متعددة الفئات المالية في كافة دوائرها الحكومية والبيروقراطية، وجمعت جلود الأضاحي وباعتها وحملت عائداتها إلى ميزانية المشروع. إضافة إلى أن نظام البدء الفوري في تشغيل رحلات الركاب والبضائع في الأجزاء التي اكتملت من الخط الحديدي، كانت مصدراً آخر من مصادر التمويل.

ورغم الانتهاء من إنشاء المشروع الحجازي، وانسحاب العثمانيين من المنطقة مع حلول عام 1918م، وتخريب الخط ونسف جسوره وانتزاع قضبانه مع نشوب الثورة، إلا أن التبرعات لم تتوقف وظلت تتدفق من مختلف أنحاء العالم. ولا ريب أن هذه الهمة العالية والتنافس في فعل الخيرات قد أظهر للعالم كله مدى عمق الأخوة الإسلامية وقوتها ورحابتها.


حركة القطار
==​

في الأول من سبتمبر عام 1908م والموافق للعام الثاني والثلاثين من جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، قام بافتتاح خط حديد الحجاز وسط مراسم رسمية مهيبة. وكانت قبل ذلك "لجنة خط حديد الحجاز" قد قامت نيابة عن السلطان بافتتاح المحطات الممتدة على خط سكة الحديد في احتفالات رسمية أيضاً.

وكان لغير المسلمين أيضاً الحق في استخدام المحطات البينية الموجودة على خط حديد الحجاز، غير أنه لم يكن من المسموح لهم الوصول بالقطار إلى المدينة المنورة، وكان للخط دور في نقل الأموال. وأسدى قطار الحجاز خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، واستُخدم أيضاً في بعض الأغراض العسكرية مثل نقل الجنود من منطقة إلى أخرى. كما قام القطار بنقل البضائع بين المناطق المختلفة، وهو ما أحدث انتعاشة في الحياة الاقتصادية والتجارية.


وتحددت أوقات تحرك القطارات وفقاً لمواقيت الصلاة. فكانت القطارات تتحرك على نحو لا يخل بأوقات الصلاة. فإذا ما دخل وقت الصلاة توقف القطار وتوجه الركاب لأداء الصلاة في العربة المخصصة لذلك.

الدلالة الدينية
====​


قد تكون نظرتنا قاصرة إذا نظرنا إلى البعد الديني للخط الحجازي في نقله للحجاج فحسب. فالقطار الحجازي كان يؤدي في الوقت ذاته مهمة عريقة، ويحافظ على تقليد يضرب بجذوره في التاريخ وهو إرسال "الصرة السلطانية" إلى الحجاز.


وكان السلاطين العثمانيون كلهم تقريباً يقومون بتجهيز قدر كبير من الأموال عُرف بـ" الصرة السلطانية " وإرسالها إلى الحجاز.

وهو تقليد يرجع بجذوره إلى العباسيين ثم إلى العثمانيين اعتباراً من السلطان العثماني "يلديرم بايزيد".



وكانت " الصرة السلطانية " قديما تبدأ رحلتها في بداية كل ثلاثة أشهر عبر الطريق البري. وعرفت الطريق البحري مع استخدام السفن البخارية منذ عام 1864م، ثم أصبح لها مكانها الخاص في القطار الحجازي بعد عام 1908م.

وكانت أموال "الصرة السلطانية" مخصصة للإنفاق على كافة الخدمات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مثل شؤون الإعمار والإصلاح وغيرهما، ودفع رواتب العاملين هناك.

كما كانت أيضاً الصرة السلطانية مصدراً من مصادر توفير الراحة وتيسير مناسك الحج لزوار بيت الله الحرام. إضافة إلى أن القطار الحجازي قد وفر لوفد "الصرة السلطانية" رحلة سريعة ومريحة وآمنة.
وأخيرًا وبهذه المناسبة نتوجه بخالص العرفان بالفضل والدعاء بالرحمة لأولئك الذين عملوا على إنشاء خط سكة حديدية الحجاز، وأولئك الذين سقطوا شهداء خلال أداء واجبهم فيه، وأولئك الذين اقتطعوا من أقواتهم ومدخراتهم للمساهمة فيه، وأولئك الذين بذلوا النفس والنفيس بكل تجرد وإخلاص لذلك المشروع.
ــــــــــــــــ​

(*) الترجمة عن التركية: د. طارق عبد الجليل.
--------------------------------
(*) كاتب وباحث تركي.​


 
باشاوات الدولة العثمانية في دمشق يوم تدشين محطة الحجاز عام 1908


show_53402f51-a631-4e77-96e3-196da3366a70.jpg



الوفد السلطاني جلوساً من اليمين: الفريق بحري باشا - مندوب السلطان عبد الحميد الثاني رحمي باشا - المدير العام للخط الحجازي كاظم باشا - المشير رضا باشا.

وقوفاً من اليمين: الأمير ألاي ناجي بك - مدير المدفعية زري باشا - عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج الدمشقي - محمد باشا العظم - جواد باشا مشير الشام.​

نصهم دمشقية وحلبية ومقدسية
 


أحمد عزت باشا العابد (( دمشقي)) ( 1855- 1924 )


مستشار السلطان عبد الحميد الثاني - 1900 المشرف على مشروع سكة حديد الحجاز


show_4e9472a8-b338-4e80-aadc-312a7f12ef07.jpg
 
وزير الأوقاف العامة في الدولة العثمانية فوزي باشا العظم ( دمشقي من اصل ادلبي ) عام 1911

(1858 -1919 )

show_0e41c067-3cbc-40e7-a44c-9e358d928164.jpg
 

انطلاق أول قطار من محطة الحجاز بدمشق الى المدينة المنورة عام 1913


show_ee704a01-a659-42a5-ad23-17a56adeb978.jpg
 
راسمال مال المشروع كان اموال عامة وتبرعات المسلمين


يعد خط سكة حديد الحجاز من أروع إنجازات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني من الناحية السياسية والدينية والحضارية؛ إذ استطاع هذا المشروع العملاق الذي استغرق العمل فيه ثماني سنوات متتالية أن يقدم خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، تمثلت في اختصار وقت هذه الرحلة الشاقة التي كانت تستغرق شهورًا، يتعرضون فيها لغارات قطاع الطرق، فأصبحت الرحلة بعد إنشاء هذا الخط الحديدي الذي بلغ طوله (1320) كم تستغرق أيامًا معدودة ينعمون فيها بالراحة والأمان.​


وعمل بعض الحاقدين والناقمين علي السلطان ممن عاصروه أو المؤرخين من خصومه علي تشويه صورته من خلال تفسيرات تعسفية ادعوا فيها أن هدف إنشاء الخط الحجازي كان قمع الثورات في الحجاز، ولخدمة أهدافه العسكرية، وتوجهاته الاستبدادية.

كان إنشاء خطوط السكك الحديدية لربط أجزاء الدولة العثمانية المترامية الأطراف سياسة عليا للسلطان عبد الحميد الثاني، فالشام والحجاز لم يشهدا خطوطًا حديدية إلا في عهده، فكان الخط الحديدي من يافا إلي القدس سنة (1306ه = 1888م) أول الخطوط الحديدية في الشام، واستهدف السلطان من إنشائه خدمة الحجاج المسيحيين القادمين من أوروبا بحرًا إلي يافا، وبلغ طول هذا الخط (87) كم، كذلك تم إنشاء خط حديدي بين دمشق وبيروت بطول (147) كم كان يقطعها القطار في ست ساعات.

كان الحجاج المسلمون يلاقون صعوبات كبيرة أثناء تأديتهم هذه الفريضة قبل إنشاء الخط الحجازي، منها طول المسافة حيث كان طريق الحج العراقي يقترب من (1300) كم، وتستغرق الرحلة فيه شهرًا كاملاً.​

أما طريق الحج المصري فيبلغ من سيناء (1540) كم، ويستغرق أربعين يومًا، ويزيد خمسة أيام من طريق عيذاب.
وطريق الحج الشامي يمتد (1302) كم، وتستغرق الرحلة فيه أربعين يومًا.



وبحسب المؤرخين فان أهداف السلطان عبد الحميد في إنشاء الخط الحجازي تكاد تنحصر في هدفين أساسيين مترابطين،

أولهما: خدمة الحجاج بإيجاد وسيلة سفر آمنة ومريحة.

أما الهدف الثاني: فهودعم حركة الجامعة الإسلامية التي كانت تهدف إلي تكتيل جميع المسلمين وتوحيد صفوفهم لتقوية الخلافة العثمانية لمواجهة الأطماع الأوروبية في العالم الإسلامي.


وقامت حركة الجامعة الإسلامية علي دعامتين أساسيتين، هما: الخلافة والحج، لذلك أراد أن يتخذ من الحج وسيلة عملية كي يلتف المسلمون حول الخلافة، وربط إنشاء الخط الحديدي الحجازي بحركة الجامعة؛ فيظهر أمام العالم الإسلامي بصورة الخليفة حامي وخادم الحرمين الشريفين، وبذلك يستقطب المسلمين نحو حركة الجامعة الإسلامية.

لم يكن التنفيذ سهلا علي السلطان عبد الحميد الثاني اذ واجهت المشروع صعوبات تمويلية، منها ضخامة تكلفته التي قدرت بنحو 3.5 ملايين ليرة عثمانية لكنها زادت عن ذلك ، وكذلك الأزمة المالية التي كانت تواجهها الدولة العثمانية، فضلاً عن ذلك فإن السلطان عبد الحميد أراد أن يضفي علي مشروعه الطابع الإسلامي؛ ومن ثم أراد أن يتم إنشاء المشروع برأسمال إسلامي دون اللجوء إلي بيوت المال الأجنبية الربوية، فوجه عبد الحميد نداءً إلي العالم الإسلامي عبر سكرتيره "عزت باشا العابد" للتبرع للمشروع. ولقي هذا النداء استجابة تلقائية من مسلمي العالم وانهالت التبرعات، وكان اتساع نطاق هذه التبرعات مظهرًا عمليًا لحركة الجامعة الإسلامية.

تبرع السلطان من ماله الخاص بمبلغ (320) ألف ليرة. وتبرع شاه إيران بخمسين ألفًا، وأرسل خديوي مصر عباس حلمي الثاني كميات كبيرة من مواد البناء، وتألفت في سائر الأقطار الإسلامية لجان لجمع التبرعات.

وأصدرت الدولة العثمانية طوابع لمصلحة المشروع، وأصدرت أوامر بقطع 10% من رواتب موظفي الدولة لصالح المشروع، وجمعت جلود الأضاحي وبيعت وحولت أثمانها إلي ميزانية الخط، وبذلك انتقلت حماسة إنشاء الخط الحجازي إلي العالم الإسلامي، وكان مسلمو الهند من أكثر المسلمين حماسة له؛ وهو ما أثار غضب بريطانيا، فوضعت العراقيل أمام حملات جمع التبرعات حتي إنها رفضت أن يرتدي المسلمون الهنود الذين اكتتبوا في الخط الأوسمة والنياشين العثمانية.

ولم تقتصر تبرعات وإعانات المسلمين علي الفترات التي استغرقها بناء الخط فحسب، بل استمر دفعها بعد وصوله إلي المدينة المنورة؛ أملاً في استكمال مدّه إلي مكة المكرمة.

تشكلت لجنتان -بعد قرار السلطان عبد الحميد- للإشراف علي تنفيذ المشروع، الأولي برئاسة عزت باشا العابد ومقرها إستانبول، والأخري للتنفيذ ومقرها دمشق برئاسة والي الشام. وقام مهندس عثماني بمسح المنطقة التي يمر بها الخط بين دمشق والمدينة المنورة، وكانت سياسة الدولة العثمانية آنذاك هي الاعتماد علي المهندسين المسلمين وعدم جلب مهندسين أجانب إلا عند الضرورة.

وتتبع الخط الحجازي بصفة عامة الطريق القديم الذي كانت تسلكه قوافل الحجاج، ولم يحد عنه إلا في بعض المناطق الوعرة، وتم تخصيص بعض القوات العسكرية لحماية العاملين في المشروع من غارات البدو.

واحتفل ببدء المشروع في (جمادي الآخرة 1318ه = سبتمبر 1900م) وابتدأ العمل في منطقة المزيريب في منطقة حوران بسوريا، ثم قررت الحكومة العثمانية إيصال الخط الحجازي إلي دمشق، لذلك قررت إنشاء خط درعا - دمشق، وباشرت العمل من دمشق ومزيريب في وقت واحد، وعهدت إلي مهندسين ألمان بإنشاء الخط، لكنها لم تسمح إلا للمهندسين المسلمين بالعمل في مد الخط في المنطقة الواقعة بين العلا والمدينة المنورة.

ومن ضمن العقبات التي صادفت المشروع نقص المياه، لكنه أمكن التغلب علي ذلك بحفر آبار وإدارتها بمضخات بخارية أو طواحين هواء، وجلبت المياه في صهاريج تسير علي أجزاء الخط التي فرغ من مدّها.

ولمواجهة نقص العمال وتوفير النفقات استخدمت قواتٌ من الجيش العثماني بلغ عددها زهاء ستة آلاف جندي ومائتي مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة. كذلك كانت السيول الجارفة إحدي العقبات التي شكلت خطورة كبيرة وحقيقية علي الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل؛ لذلك قام المهندسون بإنشاء مصارف للسيول علي طول الخط الرئيسي.

أما الرمال المتحركة التي تعرض صلابة الخط للخطر وتؤدي إلي انقطاع الحركة بتحرك الخط عن مكانه فأمكن التغلب عليها بتغطية منطقة الرمال المتحركة بطبقة من الصلصال، وبُني سد حجري ضيق يمتد موازيًا للخط الحجازي ليحول دون خطر تغطيته بالرمال المتحركة. أما مشكلة الوقود فتم استيراد الفحم من الخارج وأقيمت مستودعات ضخمة لتخزينه.

2_244885_1_209.jpg



ووصفت تكاليف الخط الحجازي بأنها من أقل تكاليف خطوط السكك الحديدية في الدولة العثمانية علي الإطلاق رغم ضخامة وكثرة منشآته، فقد بلغ مجموع تكاليفه -بما في ذلك القطارات والعربات وسائر المباني علي طول الخط- حوالي أربعة ملايين و283 ألف ليرة عثمانية.

كما تميزت معدلات الإنجاز في إنشاء الخط بارتفاع ملحوظ؛ إذ وصل متوسط معدل الإنجاز السنوي حوالي (182) كم وهو معدل مرتفع جدًا آنذاك،مقارنة بمعدلات الإنجاز الأخري.

وقد وصل أول قطار إلي المدينة المنورة في (22 رجب 1326ه = 23 أغسطس 1908م) وأقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط الحديدي بعد ذلك بأسبوع ليصادف تولي السلطان عبد الحميد الثاني السلطنة.

ولأن الخط حشد عاطفة المسلمين خلف شعار الجامعة الإسلامية، قام السفير البريطاني في إستانبول بالتأكيد في تقرير لحكومته أن عبد الحميد ظهر أمام ثلاثمائة مليون مسلم بمظهر الخليفة والزعيم الروحي للمسلمين حين مد سكة حديد الحجاز.

و علاوة علي ذلك ساعد الخط الحجازي في نهضة تجارية واقتصادية لمدن الحجاز، وكافة المدن الواقعة علي امتداد الخط، ومنها مدينة حيفا التي تحولت إلي ميناء ومدينة تجارية هامة، وكذلك المدينة المنورة.


كما ادي الخط الي ظهور مجتمعات عمرانية نتيجة استقرار بعض القبائل والتجمعات البدوية علي جانبي الخط في بعض الجهات واشتغالهم بالزراعة.

ومن مظاهرة حركة العمران التي صاحبت إنشاء الخط إضاءة المدينة المنورة بالكهرباء لأول مرة، حيث ابتدأت إنارة الحرم النبوي الشريف يوم افتتاح سكة الحديد، وتم جعل المدينة المنورة محافظة مستقلة مرتبطة مباشرة بوزارة الداخلية العثمانية.

وقد استخدم الخط الحجازي في بعض الأغراض العسكرية، ولا يتنافي هذا مع كونه أنشيء أساسًا لأغراض غير عسكرية، فأسهم في توطيد سلطة الدولة في المناطق الثائرة في بعض المناطق في قلب الجزيرة العربية، ووفر حماية قوية للأماكن المقدسة في مكة والمدينة.

استمرت سكة حديد الحجاز تعمل بين دمشق والمدينة المنورة نحو تسع سنوات نقلت خلالها التجار والحجاج، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولي ظهرت أهمية الخط وخطورته العسكرية علي بريطانيا؛ وعندما تراجعت القوات العثمانية أمام الحملات البريطانية، كان الخط الحجازي عاملاً هامًا في ثبات العثمانيين في جنوبي فلسطين نحو عامين في وجه القوات البريطانية المتفوقة.

كان الخط الحجازي يمر في أراضي الدولة العثمانية، وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولي أصبح الخط يمر في أراضي أربع دول نتيجة لتغير الخريطة السياسية للشرق العربي الآسيوي وتفتيته إلي عدة دول وكيانات سياسية، وهي سوريا والأردن وفلسطين والسعودية، فسيطرت كل دولة علي الجزء الذي يمر في أراضيها، وأيدت عصبة الأمم ذلك التقسيم علي يد القانوني السويسري أوجين بورل سنة (1344ه = 1925م).

وتعددت محاولات إعادة الحياة لهذا الخط الحجازي، ومنها عقد مؤتمر في الرياض سنة (1375ه = 1955م) جمع سوريا والأردن والسعودية، ولم توضع قراراته موضع التنفيذ، وتوقف العمل بالمشروع، وبعد أحد عشر عامًا من نسيان المشروع، تشكلت لجان وعقدت اجتماعات وصدر مرسوم بتشكيل هيئة عليا للخط الحجازي من وزراء المواصلات في البلدان الثلاث لكن لم تظهر أية بوادر واقعية لتشغيله.

وفي عام (1399ه = 1978م) تم الاتفاق بين البلدان الثلاثة علي إنشاء خط عريض جديد يربط بين هذه الأقطار، ووضعت دراسات المشروع، ووقع الاختيار علي شركة "دوش كنسول" لتحضير دراساته وخرائطه، وكانت نتيجة الدراسات إيجابية، فتوالت اجتماعات اللجان واعتمدت قرارات بأن تنفذ كل دولة من الدول الثلاثة علي نفقتها الجزء الذي يمر في أراضيها، لكن يبدو أن مشروع الخط الحجازي قد وضع في قبر النسيان.

كان أكبر تهديد يواجهه قطار الحجاز، هو توماس ادوارد لورانس أو (لورانس العرب) ومجموعة المتمردين العرب، التي قادها والتي كانت تخرب الخط الحديدي الذي ينقل الجنود الأتراك، أما الآن فيواجه القطار ذاته، خطر الإهمال، والصدأ، وتطور الأحوال.​
 


هولاكو متين: الخط الحديدي الحجازي – فكرة الإنشاء (1)
==================



100420185.png


حظيت سكة حديد الحجاز – في بدايات القرن العشرين- بشهرة واسعة على الرغم من عمرها القصير. ولا ريب أن أهم عنصر أكسبها هذه الشهرة هو حمل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتوفير التسهيلات في أداء مناسك الحج ضمن الأراضي العثمانية.

وقد ربط خط حديد الحجاز إسطنبول بدمشق ومكة المكرمة والمدينة المنورة والبحر الأحمر.ولا شك إن إنشاء خط كهذا داخل الأراضي العثمانية، اعتبر من أهم المشاريع الاستثمارية التي أنجزتها الدولة العثمانية العلية في شبه الجزيرة العربية حتى ذلك التاريخ.


وقصة إنشاء خط حديد الحجاز تعود إلى عام 1864، حيث قام المهندس الأميركي الدكتور “ زيمبلبتقديم أول مخطط للمشروع أو أول اقتراح إلى الإدارة العثمانية يتعلق بإنشاء خط الحديدي الذي سيمتد من مدينة إسطنبول إلى المدينة المنورة. بيد أن هذا العرض لم يحتقق بسبب التكلفة العالية.

ليس هذا فحسب، بل لم تستطيع الدولة العثمانية قبول العروض الشبيهة بعرض “زيمبل” التي قدمت إليها فيما بعد، وذلك لضائقتها الاقتصادية التي عانت منها في تلك الآونة.

ففي عهد السلطان عبد العزيز خليفة المسلمين الذي تولى الخلافة من (1861 - 1876) تبلورت فكرة إنشاء خط حديدي يمتد من إسطنبول إلى المدينة المنورة على يد المسؤولين، ثم وضعت ضمن جداول الأعمال للدولة العثمانية، غير أن الأوضاع المالية والاقتصادية لم تتح للسلطان إنجاز هذا المشروع. ولكن عندما استلم السلطان عبد الحميد الثاني إدارة الحكم، وضع هذا المشروع ضمن جدول الأعمال من جديد لأنه كان يرغب ي تنفيذ أعمال ملموسة تعيد للدولة العثمانية مكانتها وهيبتها، وتوحد أراضيها من جديد، كما رأى السلطان أن هذه الأعمال ستمنع او ستؤخر- على الأقل- تفتت وانهيار الدولة العثمانية.

ومن الجديد بالذكر أنه قام الكثيرون – بالإضافة إلى المهندس الأميركي “زيمبل” بتقديم عروض للإدارة العثمانية من أجل إنشاء خط يمتد من إسطنبول إلى أراضي الحجاز، وكان أشمل وأدق عرض بين هذه العروض، هو الذي قدمه “أحمد عزت باشا” الذي اشتهر فيما بعد بلقب ” عرب عزت باشا” وكان مسؤولاً عن أوقاف جدة حينذاك.

وقد قام أحمد عزت باشا – بشكل تفصيلي – بشرح الفوائد التي ستحظى بها الإدارة المركزية إذا ما أنشأت خطاً حديدياً بين دمشق والمدينة المنورة، بالإضافة إلى وقوفه على الفوائد التي ستمنع التهديدات ضد الدولة العثمانية عامة، والتهديدات الداخلية والخارجية ضد شبه الجزيرة العربية خاصة.

علاوة على الفوائد المذكورة أعلاه، فإن إنشاء خط كهذا، سيسهل رحلة الحجاج إلى الحجاز، كما أن إنشاء الخط سيساعد على تعزيز الحكم للسلطان عبد الحميد الثاني في العالم الإسلامي.

لقد اهتم السلطان عبد الحميد الثاني اهتماماً بالغاً بتطوير خدمات النقل، وتنمية طرق الاتصالات في الأراضي العثمانية في عهد كانت الدولة الأوربية تصف الدولة العثمانية بالرجل المريض وذلك بسبب الضغوط الخارجية والداخلية التي أنهكت الدولة التي كانت على وشط السقوط والانهيار.

واستهدف السلطان عبد الحميد من إنشاء خطوط التلغراف ” البرقية” ومد الشبكة الحديدية، تعزيز السلطة المركزية وتحجيم الضغوط الخارجية والداخلية التي تغري الدول الأوربية بالتهام الجزء الأكبر من هذه الدولة المريضة كما وصفتها.

فأول ما عزم السلطان عبد الحميد عليه، كان إقامة خطوط حديدية داخل أراضي مملكته، ليتمكن من رد الهجمات الخارجية ويعزز قوته الدفاعية، ومن ثم ليخلص مملكته من العزلة المفروضة عليه من قبل الدول الكبرى. ولايد من التنويه في هذا الصدد إلى أن الخطوط الحديدية اعتبرت من أهم آليات الحرب التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي حال من الأحوال في تلك الحقبة.

فهي تعزز قوى الجوانب الدفاعية للدول، وتقدم مساعدات كبيرة في مجال النقل والتنقل والمواصلات، فلكل هذه الأسباب سمح السلطان عبد الحميد الثاني في الثاني من أيار 1900 بالبدء في إنجاز مشروع خط حديد الحجاز.

ولعل العزم الذي أبداه السلطان عبد الحميد في إنشاء سكك خط حديد الحجاز، لعب دوراً اساسياً في إزالة كافة الصعوبات والعوائق الفكرية والاقتصادية التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية منذ نصف قرن قبل هذا التاريخ.

كما اعتبر خط حديد الحجاز الذي كان اسمه الأصلي “خطوط حديد الحجازية الحميدية” أضخم مشروع استثماري قامت به الدولة العثمانية، في حين اعتبر إنشاء خط كهذا، أول خطوة لتحقيق حلم داعب الدولة العثمانية.

وخطط أن يمتد الخط من دمشق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما أنه كان يمتاز عن الخطوط الحديدية الأخرى بصفته ملكاً لجميع مسلمي العالم.

والجديد بالذكر ان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لم يكتف بإصدار الأوامر بإنشاء خط حديد الحجاز فحسب، بل مد خطوط برقية على طول الخط أيضاً، الأمر الذي بين مواكبته العصر والتطورات التي تحدث في العالم. ومن ثم فتحت فروع ومكاتب بريدية بين إسطنبول والمدينة المنورة على مدى مسافة الخط في بدايات عام 1900، مما ساعد على توفير الاتصالات التلغرافية بين المدن المذكورة أعلاه[1].



[1] هولاكو (متين)، الخط الحديدي الحجازي- المشروع العملاق للسلطان عبد الحميد العثماني، ترجمة محمد طواش، دار النيل، القاهرة، صـ 17.

https://syrianmodernhistory.com/2018/04/10/هولاكو-متين-فكرة-إنشاء-خط-حديد-الحجاز/

 
هولاكو متين: الخط الحديدي الحجازي – دوافع الإنشاء (2)
=======================



100420185.png


لا شك أن الدافع الرئيسي الكامن وراء إنشاء سكك خط حديد الحجاز هو الطموح السياسي والعسكري، بالإضافة إلى الدافع الديني أيضاً. فإقامة خط بين إسطنبول ومكة المكرمة سيقلل من عناء السفر إلى شبه الجزيرة العربية خلال موسم الحج والأوقات الأخرى، حيث يكون أداة تقل الآلاف من الحجاج إلى الأراضي المقدسة لتأدية مناسكهم الدينية براحة واطمئنان.


وكما هو معروف أن الحجاج كانوا – من قبلُ- يأتون إلى الحرمين الشريفين مشاةَ وركباناً على ظهور الجمال والدواب، وكانت رحلتهم هذه تستمر شهرين ونيفاً يتحملون خلالها كل أنواع المعاناة والمشقة والتعب، إذ كانت الرحلة بين دمشق ومكة المكرمة تستغرق 40 يوماً كاملة ذهاباً على ظهور الجمال، وشهرين آخرين إياباً تحت وطأة ظروف قاسية من برد الشتاء القارس أو حرار الصيف الحارق، بالإضافة إلى غارات واعتداءات بعض البدو وقلة المدن والمناطق السكنية أثناء رحلتهم هذه.


كان عدد الحجاج قبل إنشاء خط حديد الحجاز لا يتجاوز عن 80000 حاج، كما كان 2500-3000 من هذا العدد يسافر إلى الأراضي المقدسة عن طريق البر.



وبعد إنشاء الخط الحديدي ازداد العدد وأصبح السفر إلى الحرمين الشريفين أسهل بكثير من السابق، حيث قصرت مدة الرحلة التي كانت تستغرق شهرين وتنفس الحجاج الصعداء من المعاناة التي كانوا يواجهونها أثناء سفرهم هذا، وتمكنوا من اجتياز المسافة التي تبلغ 1200 كم في 72 ساعة، أي ثلاثة أيام فقط.


ولابد أن ننوه هنا إلى أن حركة القطار ومواقفه كانت منظمة حسب أوقات الصلوات الخمس، هذا وقد خصصت قاطرة من القاطرات للعبادة والصلاة أثناء السير، كما عين إمام يؤم بالمصلين، فبذلك تحولت تلك القاطرة إلى مسجد سيار يؤدي الحجاج فيه فرائضهم وواجباتهم الدينية.


لقد تم إنشاء وتفعيل خط حديد الحجاز – كما ذكرنا سابقاً- بتاريخ 1 أيلول 1908، مما ساعد في ازدياد عدد الحجاج القادمين من كافة أرجاء الأراضي العثمانية إلى 300 ألف حاج، وذلك حتى عام 1912، وأيضاً أدى تشغيل الخط هذا، إلى إزدياد النشاط التجاري وتوثيق الصلات التجارية بين المدن العثمانية، بالإضافة إلى وصول عدد الزائرين القادمين بنية الحج وغيرها إلى المدينة المنورة إلى حوالي 300 ألف زائر حتى عام 1914.



وفي هذا الصدد قامت الحكومة العثمانية ببناء العدد من المخافر (القصور) على مدى الخط لتأمين احتياجات الحجاج، من ماء وغذاء أثناء رحلتهم من جانب، ولحمايتهم من غارات البدو الذين يعيشون في الصحراء من جانب آخر. من هذه القصور على سبيل المثال قصر القطرانة وقصر الضبعة وقلعة الحسا.


ولكن رغم كل هذه الاحتياطات لم تستطع الدولة العثمانية منع كل غارات هؤلاء البدو بكل معنى الكلمة، إذ كان الحجاج يتعرضون في بعض الأحيان إلى مثل هذه الغارات.



ولعل السبب الرئيسي الكامن وراءها، هو عدم الاستقرار في سياسة الإدارة والضعف العسكري في الدولة العثمانية. وقد كانت الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين في حقبة الاضمحلال والانهيار، الأمر الذي أدى بدوره إلى شلل بكل مناحي الحياة التجارية والزراعية والصحية والاقتصادية. وعلى أثر ذلك بدأت البلدات والقرى تخلو نتيجة هجرة أهاليها منها، ولكن البدو كانوا مستقرين في الصحارى منذ مئات السنين أو بالأحرى ظلوا ساسة أقاليم الصحراء منذ أن ولدتهم أماتهم.



ولا شك أن أهم خدمة قدمها خط حديد الحجاز كانت حمل “ المحمل النبوي الشريف ” أو “ الصرة السلطانية ”، إذ اعتاد سلاطين بني عثمان على إرسال الصرة مرفقة بالهدايا الثمينة إلى الأراضي المقدسة منذ تأسيس دولتهم، وبعد إنشاء الخط الحجازي أصبحت هذه الصرة ترسل في مدة أقصر وبطريقة أسهل إلى الأراضي المقدسة. وقد تغيرت طريقة إرسال الصرة السلطانية إلى أراضي الحجاز مع مرور العصور وتطور أداة النقل، فكانت رحلة قافلة الصرة – على سبيل المثال- حتى عام 1864 تتم عن طريق البر، ولكن في التواريخ اللاحقة أصبحت ترسل عن طريق البحر على متون الباخرات البخارية، حيث استمر استخدام الطريق البحري حتى عام 1908. وبعد إتمام مشروع سكة حديد الحجاز عام 1908 وتشغيل الخط، أصبحت رحلة الحجاج إلى الأراضي المقدسة مع الصرة السلطانية، تتم عن طريق السكك الحديدية الجديدة.

ومن المعروف أن الدولة العثمانية بدأت تنهار وتتفتت في مطلع القرن العشرين، مما جعل الدول الأوربية تصفها بـ “الرجل المريض”. إلا أن الدول العثمانية اعتبرت خط حديد الحجاز وسيلة هامة في تعزيز سلطة الدولة وجعل إقليم غرب الجزيرة العربية يعتمد على مركز سلطتها ويبدي ولاءه لها أكثر من ذي قبل، في حين أصبح من الممكن أن تصل القوات العسكرية العثمانية عبر خط الحجاز إلى أبعد نقطة داخل أراضي الجزيرة العربية بشكل سهل وطريقة سريعة.

ولعل إنشاء خط الحجاز كان أداة تؤيد وتعزز السياسة الإسلامية في أرجاء العالم كافة، إذ كان السلطان عبد الحميد الثاني- مع عدم اعتماده على الغربيين- يعرف حق المعرفة أن امتداد سكة حديدية حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة، سيعيد له هيبته ويتعزز مكانته كخليفة للمسلمين في العالم الإسلامي عامة، وفي الجزيرة العربية خاصة، ثم أدرك أن هذه الفعاليات ستمكن العالم الإسلامي أيضا من استرداد مكانته المسلوبة منه في التوازن العالمي من جديد.

ولابد أن ننوه هنا أن الغرض الديني كان يكمن وراء سياسة عبد الحميد الثاني، لذلك فضل أن يستخدم صفة الخليفة بدلاً من السلطان، وأن يقدم نفسه كخليفة للمسلمين إلى العالم. فمن ثم أيد دون أي تردد، إنشاء سكة حديد الحجاز الحميدية التي ستمتد من دمشق إلى المدينة المنورة.

والحقيقة أن امتداد هذا الخط لعب دوراً مهماً – قبل الإنشاء وبعده- في سياسة ذلك العهد من حيث العلاقات الدولية، إذ مكن السلطان عبد الحميد الثاني من أن يقف أمام دول العالم أجمعها كخليفة للمسلمين وكأمير لهم، أو بعبارة أخرى، فإن تنفيذ مشروع خط الحجاز من قبل السلطان عبد الحميد الثاني، لعب دوراً كبيراً في جمع المسلمين تحت علم الدولة العثمانية العلية، وفي تعزيز نشاطاتهم تحت اسم الاتحاد الإسلامي في السياسة العالمية، كما لعب دوراً أساسياً في تخييب آمال الدول الإمبريالية التي طمحت دائماً في التهام الجزء الأكبر من الدولة العثمانية[1].

[1] هولاكو (متين)، الخط الحديدي الحجازي- المشروع العملاق للسلطان عبد الحميد العثماني، ترجمة محمد طواش، دار النيل، القاهرة، صـ 19-20.

https://syrianmodernhistory.com/2018/05/21/هولاكو-متين-دوافع-إنشاء-خط-حديد-الحجا/

 
فلقد أصبحت الرحلة بعد إنشاء هذا الخط الحديدي الذي بلغ طوله ( 1320 ) كم لا تستغرق الا أيامًا معدودة ينعمون فيها بالراحة والأمان.

مبنى القطار من الداخل

attachment.php


attachment.php



جسر يمر عليه القطار
attachment.php



بقاياالقطارفي الصحراء
attachment.php



attachment.php
 


هولاكو متين: الخط الحديدي الحجازي: الافتتاح عام 1908م (3)
=====================




100420185.png


افتتاح خط حديد الحجاز عام 1908م


تم إنشاء خط حديد الحجاز في عام 1908، وبلغ طوله 1464 كم.


وقد تحقق هذا المشروع الذي اعتبر حلم وطموح حوالي نصف قرن، بعد جهود كبيرة وعمل مستمر مكثف طال ثماني سنوات رغم كل الصعوبات الطبيعية والإقليمية التي عاني منها العمال، وأقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط في الأول من أيلول 1908م، ليصادف ذكرى تولي السلطان عبد الحميد الثاني العرش والسلطنة.


ومع أن افتتاج الخط تم في الأول من أيلول \سبتمبر 1908، إلا أن تشغيله الحقيقي بدأ قبل هذا التاريخ بكثير، حيث كانت الخطوط والمحطات التي يتم إنشاؤها تشغل ويُسهل بنقل الركاب- ولو بشكل محدود- ونقل البضائع مباشرة. أما هذه الخطوط التي تم تشغيلها من قبل، وتواريخ افتتاحها فهي على النحو التالي:

مزيريب – درعا ا أيلول 1901
درعا – الزرقاء 1 أيلول 1902
دمشق – الزرقاء- عمان 1 أيلول 1903
عمان – معان 1 أيلول 1904
معان – تبوك أواخر عام 1906
طارق- مدائن صالح 1 أيلول 1907
مدائن صالح- المدينة المنورة أيلول 1908
التكلفة المالية لخط حديد الحجاز


بدأ التنفيذ في مشروع خط حديد الحجاز في عام 1900 من دمشق، وانتهى في عام 1908 في المدينة المنورة،


وقد بلغت تكلفته ما يزيد عن 3.000.000 (ثلاثة ملايين) ليرة ذهبية عثمانية.



وعندما بلغ طول الخط في عام 1916 م- مع الخطوط الجانبية والمرافق- إلى 1916 كم، ارتفعت التكلفة إلى 4.558.000 (أربعة ملايين وخمسمائة وثمان وخمسين ألف) ليرة عثمانية،

حيث كان هذا المبلغ يعادل 86.602.000 (ستة وثمانين مليوناً وستمائة ألف واثنين) ماركاً ألمانياً في تلك الآونة[1].



[1] هولاكو (متين)، الخط الحديدي الحجازي- المشروع العملاق للسلطان عبد الحميد العثماني، ترجمة محمد طواش، دار النيل، القاهرة، صـ 32 .


https://syrianmodernhistory.com/2018/08/02/هولاكو-متين-افتتاح-الخط-الحديدي-الحج/
 

هولاكو متين: الخط الحديدي الحجازي – خطوط السكة ومرافقها (4)
========================


100420185-1.png


تم إنشاء خط حديد الحجاز تحت ظروف قاسية وفي جغرافية وعرة قاحلة، حيث مر من الصحارى والبراري متوجهاً من الشمال إلى الجنوب، من دمشق إلى درعا، ومن درعا إلى الأردن إلى الزرقاء إلى قطرانة إلى معان، ثم من “ذات الحاج” والعلا إلى المدينة المنورة.

ويمكن أن نسرد المدن والقصبات والمركز السكنية التي تقع على مسار خط حديد الحجاز على النحو التالي:

دمشق، الكسوة، دير علي، المسمية، جباب، خبب، محجة، إزرع، درعا، نصيب، المفرق، السمراء، الزرقاء، عمان، القصر، جيزة، الضبعة، خان الزبيب، قطرانة، الحسا، جرف الدراويش، عنيزة، معان، غدير الحج، بير الشيدية، العقبة، وادي الرتم، تل الشحم، رملة، بطن الغول، المدورة، حالة عمار، ذات الحاج، بير هرماس، الحزم، المحتطب، تبوك، الأثيلي، ظهر الحاج، المحتطب، الأخضر، خميسة، المعظم، دار الحمراء، مطالع، أبو طاقة، المحزم، مدائن صالح، العلا، قلعة زمرد، هدنة، المدينة المنورة.

كما كان لخط حديد الحجاز فروع ثانوية، وعبر هذه الفروع وصل الخط إلى مناطق شرقي بحر الأبيض المتوسط.

على سبيل المثال، كان خط بيروت فقط، يستخدم في نقل الركاب والبضائع منذ عم 1894م، ولكن إضافة 168 كم لخط حيفا الموجود ضمن الأراضي الفلسطينية وبذلك وصل الخط إلى درعا.

فقد تم في عام 1908 خطوط فرعية امتدت بين بيروت، دمشق، حمص، حيفا، القدس، بالإضافة إلى خطوط رياق وحلب. وبذلك الإنشاء تمكنت الدولة العثمانية من الوصول من إستنبول إلى أراضي الحجاز، ومن سورية إلى الأردن، وعليه فإن طول الخط بلغ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني إلى 5972 كم.

وقد أنشئت محطات لاستراحة الركاب، كمحطة معان الواقعة جنوبي الأردن، ومحطة الزرقاء في شمال الأردن، كما أقيمت محطات للقطار، وأنفاق وجسور، كل ذلك كانت تضفي جواً من الجمال على مسار خط حديد الحجاز.

ومما يجدر ذكره أن هذه المدن لم تختر عشوائياً إنما حسب كثافة عدد السكان فيها. في حين كان معان والزرقاء منذ القدم هما محطتا استراحة حجاج فلسطين وسورية المسافرين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ومع مرور الأيام أقيم على الخط محطات استراحة أخرى كمحطة حيفا وحوران، الأمر الذي جعل هذه المناطق تتحول إلى مراكز كبيرة ومدن مهمة ذات قيمة[1].

[1] هولاكو (متين)، الخط الحديدي الحجازي- المشروع العملاق للسلطان عبد الحميد العثماني، ترجمة محمد طواش، دار النيل، القاهرة، صـ 34 .


https://syrianmodernhistory.com/2018/08/21/هولاكو-متين-الخط-الحديدي-الحجازي-خطو/

 
صور للجسور التي اقامها العثمانيون ليمر عليها القطار اضافة لصور المباني والمخافر على خط السكة مع الانفاق

a6b58d4a61.jpg
attachment.php


4ae21c1134.jpg

a0e3bf2fb4.jpg

 

تدشين خط البرق والبريد بين دمشق والمدينة المنورة عام 1907

show_2e366bdc-4462-478f-a6c1-70504d177851.jpg


يقف في الوسط عند النصب التذكاري في ساحة المرجة والي دمشق العثماني ناظم باشا محاطاً بشيخ السلطان عبد الحميد الثاني، محمود أبو الشامات، ووجيه المدينة أحمد باشا الشمعة.
 

الوالي العثماني ناظم باشا وأمير الحج الدمشقي عبد الرحمن باشا اليوسف ووجهاء آل العظم في دمشق - 1911

show_photo120511145735.jpg


الصف الاول من اليمين جلوسا : خسرف باشا - عبد الرحمن باشا اليوسف - ناظم باشا - محمد فوزي باشا العظم (والد الرئيس خالد العظم) - أدهم أفندي.

الصف الثاني من اليمين وقوفا : غير معروف - غير معروف - مصطفى أفندي - حقي العظم - صادق باشا مؤيد العظم - غير معروف - خليل باشا العظم - غير معروف - عبد الحميد باشا دروبي - غير معروق.

يذكر أن ناظم باشا تسلم ولاية دمشق ثلاث مرات من خلال أعوام 1896 و1907 و1909-1911.
 
أتذكر أنه في فيلم لورنس العرب هذا القطار تم تدميره من طرف العميل الإنجليزي والخونة الذين كانوا معه .

 


محمل الحج الدمشقي المتجه الى مكة المكرمة بقيادة أمير الحج عبد الرحمن باشا اليوسف عام 1900

show_photo12011864654.jpg
 
عودة
أعلى